الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي صانه. قال العيني كغيره وهذا له وجه ولكن الرواية لا تساعده (وإياك) خطاب للصانع (أن تحمر أو تصفر) أي إياك وتحمير المسجد وتصفيره (فتفتن الناس) بفتح المثناة الفوقية وتسكين الفاء وفتح النون من فتن يفتن كضرب يضرب، وضبطه الزركشي بضم المثناة الفوقية على أنه من أفتن، وأنكره الأصمعي.
(وقال أنس) مما وصله أبو يعلى في مسنده وابن خزيمة في صحيحه: (يتباهون) بفتح الهاء من المباهاة أي يتفاخرون (بها) أي بالمساجد (ثم لا يعمرونها) بالصلاة والذكر (إلا قليلاً) بالنصب ويجوز الرفع على البدل من ضمير الفاعل.
(وقال ابن عباس) رضي الله عنهما مما وصله أبو داود وابن حبّان (لتزخرفنّها) بفتح لام القسم وضم المثناة الفوقية وفتح الزاي وسكون الخاء المعجمة وكسر الراء وضم الفاء دلالة على واو الضمير المحذوفة عند اتصال نون التوكيد من الزخرفة وهي الزينة بالذهب ونحوه، (كما زخرفت اليهود والنصارى) كنائسهم وبيعهم لما حرّفوا الكتب وبدّلوها وضيّعوا الدين وعرجوا على الزخارف والتزيين.
واستنبط منه كراهية زخرفة المساجد لاشتغال قلب المصلّي بذلك أو لصرف المال في غير وجهه. نعم إذا وقع ذلك على سبيل التعظيم للمساجد ولم يقع الصرف عليه من بيت المال فلا بأس به، ولو أوصى بتشييد مسجد وتحميره وتصفيره نفذت وصيته لأنه قد حدث للناس فتاوى بقدر ما أحدثوا، وقد أحدث الناس مؤمنهم وكافرهم تشييد بيوتهم وتزيينها، ولو بنينا مساجدنا باللبن وجعلناها متطامنة بين الدور الشاهقة وربما كانت لأهل الذمّة لكانت مستهانة قاله ابن المنير. وتعقب بأن المنع إن كان للحثّ على اتّباع السلف فى ترك الرفاهية فهو كما قال، وإن كان لخشية شغل بال المصلي بالزخرفة فلا لبقاء العلّة.
446 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ وَسَقْفُهُ الْجَرِيدُ وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ، فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ وَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا. ثُمَّ غَيَّرَهُ عُثْمَانُ فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً، وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَالْقَصَّةِ، وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ، وَسَقَفَهُ بِالسَّاجِ.
وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) بن جعفر بن نجيح المشهور بابن المديني البصري (قال: حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) وللأصيلي ابن إبراهيم بن سعد أي ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المدني الأصل العراقي الدار (قال: حدّثني) بالإفراد، وللأصيلي حدّثنا (أبي) إبراهيم بن سعد (عن صالح بن كيسان) مؤدّب ولد عمر بن عبد العزيز (قال: حدّثنا نافع) مولى ابن عمر (أن عبد الله) زاد الأصيلي ابن عمر (أخبره).
(أن المسجد) النبوي (كان على عهد) أي زمان (رسول الله) وأيامه وللأصلي على عهد النبي (صلى الله عليه وسلم مبنيًّا باللبن) بفتح اللام وكسر الموحدة وهو الطوب النيء. (وسقفه الجريد وعمده) بضم العين والميم وبفتحهما (خشب النخل) بفتح الخاء والشين وبضمهما، (فلم يزد فيه أبو بكر) الصديق رضي الله عنه أي لم يغير فيه (شيئًا) بالزيادة والنقصان، (وزاد فيه عمر) بن الخطاب رضي الله عنه في الطول والعرض (و) لم يغير في بنيانه بل (بناه على بنيانه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد، وأعاد عمده) بضمتين أو بفتحتين (خشبًا) لأنها بليت، (ثم غيّره عثمان) بن عفان رضي الله عنه من جهة التوسيع وتغيير الآلات (فزاد) فيه (زيادة كثيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة) بدل اللبن (والقصة) بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة الجص بلغة أهل الحجاز. يقال: قصص داره إذا جصصها، وللحموي والمستملي بحجارة منقوشة بالتنكير، (وجعل عمده) بضمتين أو بفتحتين (من حجارة منقوشة وسقفه بالساج) بفتح القاف والفاء بلفظ الماضي عطفًا على جعل. وفي فرع اليونينية
وسقفه بإسكان القاف وفتح الفاء عطفًا على عمده، وضبطه البرماوي وسقفه بتشديد القاف والساج بالجيم ضرب من الشجر يؤتى به من الهند الواحدة ساجة.
ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومدني، وفيه رواية الأقران صالح عن نافع لأنهما من طبقة واحدة وتابعي عن تابعي، والتحديث والأخبار والعنعنة، وأخرجه أبو داود في الصلاة.
63 - باب التَّعَاوُنِ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ
(مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَاّ اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)[التوبة: 17، 18].
(باب التعاون في بناء المسجد) بالإفراد، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بالجمع (ما كان) كذا في رواية أْبي ذر وللكشميهني، وقول الله عز وجل:(ما كان) ولابن عساكر قوله تعالى: ما كان (للمشركين) أي ما صحّ لهم
(أن يعمروا مساجد الله) أي شيئًا من المساجد فضلاً عن المسجد الحرام، وقيل هو المراد وإنما جمع لأنه قبلة المساجد وأمها وإمامها فعامره كعامر الجميع، ويدل عليه قراءة ابن كثير وأبما عمرو ويعقوب بالتوحيد (شاهدين على أنفسهم بالكفر) بإظهار الشرك، وتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم أي ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متنافيين عمارة بيت الله وعبادة غيره، روي أنه لما أسر العباس يوم بدر عيَّره المسلمون بالشرك وقطيعة الرحم وأغلظ له عليّ رضي الله عنه في القول فقال: تذكرون مساوئنا وتكتمون محاسننا إنّا لنعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونسقي الحجيج ونفك العاني فنزلت: {أولئك حبطت أعمالهم} التي يفتخرون بها لأن الكفر يذهب ثوابها {وفي النار هم خالدون} لأجله {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة} أي إنما تستقيم عمارتها لهؤلاء الجامعين للكمالات العلمية والعملية، ومن عمارتها تزيينها بالفرش وتنويرها بالسرج وإدامة العبادة والذكر ودرس العلم فيها وصيانتها مما لم تبن له كحديث الدنيا. وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في مسند عبد بن حميد مرفوعًا إن عمار المساجد أهل الله.
وروي إن الله تعالى يقول: إن بيوتي في أرض المساجد وإن زوّاري فيها عمارها فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي فحق على المزور أن يكرم زائره. {ولم يخش إلاّ الله} في أبواب الدين {فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} [التوبة: 17، 18] قيل: الإتيان بلفظ عسى إشارة إلى ردع الكفار وتوبيخهم بالقطع في زعمهم أنهم مهتدون، فإن هؤلاء مع هذه الكمالات اهتداؤهم دائر بين عسى ولعل، فما ظنك بمن هو أضل من البهائم وإشارة أيضًا إلى منع المؤمنين من الاغترار والاتكال على الأعمال انتهى.
وقد ذكر هاتين الآيتين هنا في الفرع لكنه رقم على قوله (شاهدين) علامة السقوط إلى آخرها، ولفظ رواية أبي ذر {أن يعمروا مساجد الله} الآية. ولفظ الأصيلي (مساجد الله) إلى قوله (من المهتدين).
447 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ وَلاِبْنِهِ عَلِيٍّ: انْطَلِقَا إِلَى أَبِي سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ. فَانْطَلَقْنَا، فَإِذَا هُوَ فِي حَائِطٍ يُصْلِحُهُ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَاحْتَبَى، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا، حَتَّى أَتَى ذِكْرُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ:"كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً وَعَمَّارٌ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ. فَرَآهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ وَيَقُولُ: وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ. قَالَ يَقُولُ عَمَّارٌ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ". [الحديث 447 - طرفه في: 2812].
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد الأسدي البصري (قال: حدّثنا عبد العزيز بن مختار) الدباغ الأنصاري البصري (قال: حدّثنا خالد الحذاء) بفتح الحاء المهملة وتشديد الذال المعجمة (عن عكرمة) مولى ابن عباس.
(قال لي ابن عباس) عبد الله رضي الله عنهما (ولابنه) أي لابن عبد الله بن عباس (علي) أبي الحسن العابد الزاهد المتوفى بعد العشرين والمائة، وكان مولده يوم قتل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فسمي باسمه، وكان فيما قيل أجمل قرشيّ في الدنيا (انطلقا إلى أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه (فاسمعا) ولأبي ذر واسمعا (من حديثه فانطلقنا فإذا هو) أي أبو سعيد (في حائط) أي بستان (يصلحه فأخذ رداءه فاحتبى) بالحاء المهملة والموحدة أي جمع ظهره وساقيه بنحو عمامته أو بيديه (ثم أنشأ) أي شرع (يحدّثنا حتى أتى ذكر) وللأربعة وكريمة حتى إذا أتى على ذكر وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني حتى أتى على ذكر (بناء المسجد) النبوي (فقال) أبو سعيد:(كنّا نحمل لبنة لبنة) بفتح اللام وكسر الموحدة الطوب النيء، (وعمار) هو ابن ياسر يحمل (لبنتين لبنتين) ذكرهما مرتين كلبنة، وزاد معمر في جامعه لبنة) عنه ولبنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (فرآه النبي صلى الله عليه وسلم) الضمير المنصوب لعمار رضي الله عنه (فينفض) بصيغة المضارع في موضع الماضي لاستحضار ذلك في نفس السامع كأنه يشاهده، ولأبي الوقت وابن عساكر فنفض بصيغة الماضي وللأصيلي وعزاها في الفتح للكشميهني فجعل ينفض (التراب عنه ويقول) في تلك الحالة (ويح عمار) بفتح الحاء والإضافة كلمة رحمة لمن وقع في هلكة لا يستحقها كما أن ويل كلمة عذاب لمن يستحقها (يدعوهم) أي يدعو عمار الفئة الباغية وهم أصحاب معاوية رضي الله عنه الذين قتلوه في وقعة صفين (إلى) سبب (الجنة) وهو طاعة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه الإمام الواجب الطاعة إذ ذاك، (ويدعونه إلى) سبب (النار) لكنهم معذورون للتأويل الذي ظهر لهم