الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أجاب جار الله في كشافه بأنه يحتمل أن يكون الخطاب للمحدثين أو أن الأمر للندب، ومنع أن يحمل عليهما معًا على قاعدتهم في عدم حمل المشترك على معنييه، لكن مذهبنا أنه يحمل عليهما، وخصّ بعض الظاهرية والشيعة وجوبه لكل صلاة بالمقيمين دون المسافرين. وذهب إبراهيم النخعي إلى أنه يصلي بوضوء واحد أكثر من خمس صلوات.
وهذا الحديث من السداسيات، ورواته ما بين فريابي، وكوفي وبصري، وللمؤلف فيه سندان.
ففي الأوّل التحديث بالجمع والعنعنة، وفي الثاني بصيغة الجمع والإفراد والعنعنة وفائدة إتيانه بالسندين مع أن الأوّل عالٍ لأن بين المؤلف وبين سفيان فيه رجل والثاني نازل لأن بينهما فيه اثنان أن سفيان مدلس وعنعنة المدلس لا يحتج بها إلا أن يثبت سماعه بطريق آخر، ففي السند الثاني أن سفيان قال: حدّثني عمرو وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة.
215 -
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سُوَيْدُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ خَيْبَرَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَصْرَ، فَلَمَّا صَلَّى دَعَا بِالأَطْعِمَةِ فَلَمْ يُؤْتَ إِلَاّ بِالسَّوِيقِ، فَأَكَلْنَا وَشَرِبْنَا، ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ ثُمَّ صَلَّى لَنَا الْمَغْرِبَ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء (قال: حدّثنا) ولابن عساكر أخبرنا
(سليمان) يعني ابن بلال كما في رواية عطاء (قال: حدّثني) ولابن عساكر حدّثنا (يحيى بن سعيد) الأنصاري (قال: أخبرني) بالإفراد (بشير بن يسار) بضم الموحدة وفتح المعجمة في السابق وبفتح المثناة التحتية والسين المهملة في اللاحق (قال: أخبرني) بالإفراد (سويد بن النعمان) بضم السين وفتح الواو الأوسي المدني (قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر حتى إذا كنا بالصهباء) وهي أدنى خيبر (صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر فلما صلى دعا بالأطعمة فلم يؤت إلا بالسويق فأكلنا وشربنا) من الماء أو من مائع السويق، (ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم إلى) صلاة (المغرب فمضمض) من السويق (ثم صلى لنا) ولأبى ذر عن المستملي وصلى لنا (المغرب ولم يتوضأ) والجمع بين حديثي الباب أن فعله صلى الله عليه وسلم الأوّل كان غالب أحواله لكونه الأفضل، وفعله الثاني لبيان الجواز. وهذا حديث من الخماسيات، وفيه التحديث بالجمع والإفراد وليس للمؤلف حديث لسويد بن النعمان إلا هذا، وقد أخرجه في مواضع كما مرّ التنبيه عليه في باب من مضمض من السويق.
55 - باب مِنَ الْكَبَائِرِ أَنْ لَا يَسْتَتِرَ مِنْ بَوْلِهِ
هذا (باب) بالتنوين كما في الفرع (من الكبائر) التي وعد من اجتنبها بالمغفرة (أن لا يستتر من بوله) والكبائر جمع كبيرة وهي الفعلة القبيحة من الذنوب المنهي عنها شرعًا العظيم أمرها كالقتل والزنا والفرار من الزحف ويأتي تمام مباحثها إن شاء الله تعالى.
216 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ -أَوْ مَكَّةَ- فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ -ثُمَّ قَالَ- بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» . ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: «لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا» . [الحديث 216 - أطرافه في: 218، 1361، 1378، 6052، 6055].
وبه قال: (حدّثنا عثمان) بن أبي شيبة الكوفي (قال: حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن مجاهد) أي ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة (عن ابن عباس) رضي الله عنهما أنه (قال):
(مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بحائط) أي بستان من النخل عليه جدار (من حيطان المدينة أو مكة) شك جرير، وعند المؤلف في الأدب المفرد من حيطان المدينة بالجزم من غير شك ويؤيده رواية الدارقطني في أفراده من حديث جابر أن الحائط كان لأم مبشر الأنصارية رضي الله عنها لأن حائطها كان بالمدينة وفي رواية الأعمش مرّ بقبرين (فسمع صوت إنسانين) حال كونهما (يعذبان) حال كونهما
(في قبورهما) عبر بالجمع في موضع التثنية لأن استعمالها في مثل هذا قليل وإن كانت هي الأصل، لأن المضاف إلى المثنى إذا كان جزء ما أضيف إليه يسوغ فيه الإفراد نحو: أكلت رأس شاتين والجمع أجود بنحو {فقد صغت قلوبكما} وإن كان غير جزئه، فالأكثر مجيئه بلفظ التثنية نحو: سلّ الزيدان سيفيهما وإن أمن اللبس جاز جعل المضاف بلفظ الجمع كما في قوله في قبورهما، وقد تجتمع التثنية والجمع في نحو: ظهراهما مثل ظهور الترسين. قاله ابن مالك ولم يعرف اسم القبورين ولا أحدهما، فيحتمل أن يكون عليه الصلاة والسلام لم يسمهما قصد الستر عليهما وخوفًا من الافتضاح على عادة ستره وشفقته على أمته صلى الله عليه وسلم، أو سماهما ليحترز غيرهما عن مباشرة ما باشراه وأبهمهما الراوي عمدًا لما مرّ (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يعذبان) أي صاحبا القبرين
(وما يعذبان في كبير) تركه عليهما (ثم قال): (بلى) إنه كبير من جهة المعصية، ويحتمل أنه عليه الصلاة والسلام ظن أن ذلك غير كبير، فأوحي إليه في الحال بأنه كبير فاستدرك، وقال البغوي وغيره، ورجحه ابن دقيق العيد وغيره: إنه ليس بكبير في مشقة الاحتراز أي كان لا يشق عليهما الاحتراز عن ذلك، والكبيرة هي الموجبة للحدّ أو ما فيه وعيد شديد. وعند ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه يعذبان عذابًا شديدًا في ذنب هين. (كان أحدهما لا يستتر من بوله) بمثناتين فوقيتين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة من الاستتار، أي لا يجعل بينه وبين بوله سترة أي لا يتحفظ منه وهي بمعنى رواية مسلم وأبي داود من حديث الأعمش يستنزه بنون ساكنة بعدها زاي ثم هاء من التنزّه وهو الإبعاد، ولا يقال إن معنى لا يستتر يكشف عورته لأنه يلزم منه أن مجرد كشف العورة سبب للعذاب المذكور لا اعتبار البول فيترتب العذاب على مجرد الكشف وليس كذلك، بل الأقرب حمله على المجاز، ويكون المراد بالاستتار التنزه عن البول والتوقي منه، إما بعدم ملابسته وإما بالاحتراز عن مفسدة تتعلق به كانتقاض الطهارة، وعبر عن التوقّي بالاستتار مجازًا، ووجه العلاقة بينهما أن الستتر عن شيء فيه بُعد عنه واحتجاب، وذلك شبيه بالبعد عن ملابسة البول، وإنما رجح المجاز وإن كان الأصل الحقيقة لأن الحديث يدل على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية، فالحمل على ما يقتضيه الحديث المصرّح بهذه الخصوصية أولى وأيضًا فإن لفظة من لما أضيفت إلى البول وهي لابتداء الغاية حقيقة أو ما يرجع إلى معنى ابتداء الغاية مجازًا تقتضي نسبة الاستتار الذي عدمه سبب العذاب إلى البول بمعنى أن ابتداء سبب عذابه من البول، وإذا حمل على كشف العورة زال هذا المعنى، وفي رواية ابن عساكر لا يستبرئ بموحدة ساكنة من الاستبراء أي لا يستفرغ جهده بعد فراغه منه، وهو يدل على وجوب الاستنجاء لأنه لما عذب على استخفافه بغسله وعدم التحرّز منه دلّ على أن من ترك البول في مخرجه ولم يستنج منه حقيق بالعذاب. (وكان الآخر يمشي بالنميمة) فعيلة من ثمَّ الحديث ينمه إذا نقله عن المتكلم به إلى غيره وهي حرام بالإجماع إذا قصد بها الإفساد بين المسلمين وسبب كونهما كبيرتين أن عدم التنزه من البول يلزم منه بطلان الصلاة وتركها كبيرة بلا شك، والمشي بالنميمة من السعي بالفساد وهو من أقبح القبائح، ويجاب عن استشكال كون النميمة من الصغائر بأن الإصرار عليها المفهوم هنا من التعبير بكان المقتضية له يصير حكمها الكبيرة لا سيما على تفسيرها بما فيه وعيد
شديد، ووقع في حديث أبي بكرة عند الإمام أحمد والطبراني بإسناد صحيح يعذبان وما يعذبان في كبير وبلى وما يعذبان إلا في الغيبة، والبول بأداة الحصر وهي تنفي كونهما كافرين لأن الكافر وإن عذب على ترك أحكام المسلمين فإنه يعذب مع ذلك على الكفر بلا خلاف، وبذلك جزم العلاء بن العطار وقال: لا يجوز أن يقال إنهما كانا كافرين لأنهما لو كانا كافرين لم يدع لهما بتخفيف العذاب عنهما ولا ترجاه لهما، وقد ذكر بعضهم السرّ في تخصيص البول والنميمة بعذاب القبر، وهو أن القبر أوّل منازل الآخرة وفيه نموذج ما يقع في القيامة من العقاب والثواب والمعاصي التي يعاقب عليها يوم القيامة نوعان: حق لله وحق لعباده، وأوّل ما يقضى فيه من حقوق الله تعالى عز وجل الصلاة، ومن حقوق العباد الدماء، وأما البرزخ فيقضي فيه مقدمات هذين الحقين ووسائلهما، فمقدمة الصلاة الطهارة من الحدث والخبث ومقدمة الدماء النميمة فيبدأ في البرزخ بالعقاب عليهما.
(ثم دعا) صلى الله عليه وسلم (بجريدة) من جريد النخل وهي التي ليس عليها ورق فأُتي بها (فكسرها كسرتين) بكسر الكاف تثنية كسرة وهي القطعة من الشيء المكسور، وقد تبين من رواية الأعمش الآتية إن شاء الله تعالى أنها كانت نصفًا، وفي رواية جرير عنه باثنتين (فوضع) النبي صلى الله عليه وسلم (على كل قبر منهما كسرة) وفي الرواية الآتية: فغرز وهو يستلزم الوضع دون