الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وخراساني وبصري ومدني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول.
(وقال بكر:) بفتح الموحدة وسكون الكاف، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر بكر بن خلف البصري نزيل مكة مما وصله الإسماعيلي (حدّثنا محمد بن بكر البرساني) بضم الموحدة وسكون الراء وبالسين المهملة وبالنون الواسطي (قال: أخبرنا عثمان بن أبي روّاد) المذكور (نحوه.) أي نحو سياق عمرو بن زرارة عن عبد الواحد.
8 - باب الْمُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ عز وجل
هذا (باب) بالتنوين (المصلّي يناجي) أي يخاطب (ربه عز وجل ولا يخفى أن مناجاة الرب أرفع درجات العبد.
531 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلَا يَتْفِلَنَّ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى» .
وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: لَا يَتْفِلُ قُدَّامَهُ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ.
وَقَالَ شُعْبَةُ: لَا يَبْزُقُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ.
وَقَالَ حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَبْزُقْ فِي الْقِبْلَةِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ» .
وبالسند قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) البصري (قال: حدّثنا هشام) هو ابن أبي عبد الله الدستوائي (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) وللأصلي أنس بن مالك (قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم):
(إن أحدكم إذا صلّى يناجي ربه،) زاد الأصيلي عز وجل: واعلم أنه لا تتحقق المناجاة إلا إذا كان اللسان معبرًا عما في القلب فالغفلة ضد، ولا ريب أن المقصود من القراءة والأذكار مناجاته تبارك وتعالى، فإذا كان القلب محجوبًا بحجاب الغفلة غافلاً عن جلال الله عز وجل وكبريائه، وكان اللسان يتحرك بحكم العادة فما أبعد ذلك عن القبول. وعن بشر الحافي رحمة الله عليه مما نقله الغزالي: من لم يخشع فسدت صلاته، وعن الحسن رحمة الله تعالى عليه كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع. سلمنا أن الفقهاء صحّحوها فهلاّ يأخذ بالاحتياط ليذوق لذة المناجاة؟ (فلا يتفلن عن يمينه) بكسر الفاء في الفرع، ويجوز ضمها. قال البرماوي: وإن أنكر ابن مالك الضم من
التفل بالمثناة أقل من البزق (ولكن) يتفل (تحت قدمه اليسرى).
وبالإسناد المذكور (قال سعيد) أي ابن أبي عروبة (عن قتادة:) وطريقه موصولة عند الإمام أحمد وابن حبّان (لا يتفل قدامه) بكسر الفاء وضمها وجزم اللام بلا الناهية. (أو) قال الراوي (بين يديه) أي قدامه فالشك في اللفظ (ولكن) يتفل (عن يساره أو تحت قدميه). ولأبوي ذر والوقت قدمه بالإفراد.
(و) بالسند السابق أيضًا (قال شعبة:) بن الحجاج عن قتادة وطريقه موصولة عند المؤلّف فيما سبق عن آدم عنه (لا يبزق بين يديه) بالجزم على النهي، والذي في اليونينية الرفع فقط (ولا عن يمينه، ولكن) يبزق (عن يساره أو تحت) ولابن عساكر وتحت (قدمه).
(و) بالإسناد السابق أيضًا (قال حميد) بضم الحاء المهملة وفتح الميم (عن أنس) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال):
(لا يبزق) أحدكم (في القبلة ولا) يبزق (عن يمينه، ولكن) يبزق (عن يساره أو تحت) ولابن عساكر وتحت (قدمه) بالإفراد وفي رواية قدميه بالتثنية.
532 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلَا يَبْسُطْ ذِرَاعَيْهِ كَالْكَلْبِ، وَإِذَا بَزَقَ فَلَا يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ، فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ» .
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بضم العين ابن الحرث الأزدي النمريّ الحوضيّ (قال: حدّثنا يزيد بن إبراهيم) التستري بضم المثناة الفوقية وسكون المهملة وفتح المثناة ثم راء نزيل البصرة (قال: حدّثنا قتادة) بن دعامة بن قتادة السدوسي البصري (عن أنس) وللأصيلي أنس بن مالك (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:) ولأبي ذر عن الكشميهني أنه قال:
(اعتدلوا في السجود) بوضع الكفّين على الأرض ورفع المرفقين عنها وعن الجنبين والبطن عن الفخذ إذ هو أشبه بالتواضع، وأبلغ في تمكين الجبهة من الأرض، وأبعد من هيئات الكسالى (ولا يبسط) بالجزم على النهي أي المصلي والفاعل مضمر ولأبي ذر ولا يبسط أحدكم بإظهاره (ذراعيه كالكلب،) فإن فيه مع ذلك إشعارًا بالتهاون بالصلاة وقلة الاعتناء بها والإقبال عليها (وإذا بزق) أحدكم (فلا يبزقن) بنون التأكيد الثقيلة وللأصيلي فلا يبزق (بين يديه ولا عن يمينه، فإنه) وللحموي والمستملي فإنما (يناجي ربه) عز وجل.
9 - باب الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ
(باب) فضل (الإبراد بالظهر) أي بصلاتها (في شدة الحر) سقط باب للأصيلي.
533، 534 - حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ: حَدَّثَنَا الأَعْرَجُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَنَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» [الحديث 533 - طرفه في: 536].
وبالسند قال: (حدّثنا أيوب بن سليمان) المدني ولأبوي ذر والوقت ابن سليمان بن بلال (قال: حدّثنا) وللأصيلي حدّثني (أبو بكر) عبد الحميد بن أبي أويس الأصبحي (عن سليمان بن بلال) والد أيوب شيخ المؤلّف
(قال صالح بن كيسان) بفتح الكاف (حدّثنا الأعرج عبد الرحمن) بن هرمز (وغيره) قال الحافظ ابن حجر هو أبو سلمة بن عبد الرحمن فيما أظن (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (ونافع) بالرفع عطفًا على الأعرج (مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (أنهما) أي أبا هريرة وابن عمر (حدّثاه) أي حدّثا من حدّث صالح بن كيسان أو الضمير في أنهما للأعرج ونافع يعني أن الأعرج ونافعًا حدّثاه يعني صالح بن كيسان عن شيخهما بذلك، ولابن عساكر وهو عند الإسماعيلي حدّثا بغير ضمير، وحينئذ فلا يحتاج إلى التقدير المذكور (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال):
(إذا اشتد الحر فأبردوا) بقطع الهمزة وكسر الراء (بالصلاة) أي بصلاة الظهر كما في رواية أبي سعيد والمطلق يحمل على المقيد أي أخّروا صلاة الظهر عند شدة الحر وعند إرادة صلاتها بمسجد الجماعة حيث لا ظل لمنهاجه في بلد حار ندبًا عن وقت الهاجرة إلى حين يبرد النهار، فالتأخير إلى حين ذهاب شدّة الحر لا إلى آخر بردي النهار وهو برد العشي لأنه إخراج عن الوقت، ولا في بلد معتدل، ولا لمن يصلّي في بيته منفردًا، ولا لجماعة مسجد لا يأتيهم غيرهم، ولا لمن كانت منازلهم قريبة من المسجد، ولا لمن يمشون إليه من بُعد في ظل. واستدل به على استحباب الإبراد بالجمعة لدخولها في مسمى الصلاة، ولأن العلة وهي شدة الحر موجودة في وقتها، والأصح أنه لا يبرد بها لأن المشقّة في الجمعة ليست في التعجيل بل في التأخير، والمستحب لها التعجيل والباء في بالصلاة للتعدية فالمعنى: ادخلوا الصلاة في البرد. وللكشميهني: فأبردوا عن الصلاة فعن بمعنى الباء كاسأل به خبيرًا ورميت عن القوس، أو ضمن أبردوا معنى التأخير فعدّي بعن أي إذا اشتد الحر فتأخروا عن الصلاة مبردين أو أبردوا متأخرين عنها، وحقيقة التضمين أن يقصد بالفعل معناه الحقيقي مع فعل آخر يناسبه، وقد استشكل هذا بأن الفعل المذكور إن كان في معناه الحقيقي فلا دلالة على الفعل الآخر، وإن كان في معنى الفعل الآخر فلا دلالة على معناه الحقيقي، وإن كان فيهما جميعًا لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز.
وأجيب: بأنه في معناه الحقيقي مع حذف حال مأخوذ من الفعل الآخر بمعونة القرينة اللفظية، وقد يعكس كما مثلناه ومنه قوله تعالى:{وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُم} [البقرة: 185] أي لتكبّروه مدين على ما هداكم، أو لتحمدوا الله مكبّرين على ما هداكم.
فإن قيل: صلة المتروك تدل على زيادة القصد إليه فجعله أصلاً، وجعل المذكور حالاً وتبعًا أولى. فالجواب: أن ذكر صلته يدل على اعتباره في الجملة لا على زيادة القصد إليه إذ لا دلالة بدونه، فينبغي جعل الأوّل أصلاً والتبع حالاً قاله في المصابيح.
(فإن شدة الحر من فيح) أي من سعة تنفس (جهنم). حقيقة للحديث الآتي إن شاء الله تعالى، فأذن لها بنفسين، ولا يمكن حمله على المجاز، ولو حملنا شكوى النار على المجاز لأن الإذن لها في التنفس ونشأة شدة الحر عنه لا يمكن فيه التجوّز أو هو من مجاز التشبيه أي مثل نار جهنم فاحذروه واخشوا ضرره، والأوّل أولى لا سيما والنار عندنا مخلوقة فإذا تنفست في الصيف للإذن لها قوّى لهب نفسها حرّ الشمس، والفاء في فإن للتعليل لأن علّة مشروعية الإبراد شدّة الحر لكونها تسلب الخشوع، أو لأنها ساعة تسجر فيها جهنم، وعورض بأن فعل الصلاة مظنّة وجود الرحمة.
وأجيب: بأن التعليل من قبل الشارع يجب قبوله، وإن لم يدرك معناه. وبأن وقت ظهوره أثر الغضب لا ينجع فيه الطلب إلا لمن أذن له بدليل حديث الشفاعة إذ يعتذر كل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بغضب الله عز وجل إلاّ نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام المأذون له في الشفاعة.
ورواة هذا الحديث الثمانية مدنيون وفيه صحابيان وثلاثة من التابعين، والتحديث والعنعنة والقول.
535 -
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْمُهَاجِرِ أَبِي الْحَسَنِ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: "أَذَّنَ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ فَقَالَ: أَبْرِدْ أَبْرِدْ -أَوْ قَالَ -انْتَظِرِ انْتَظِرْ- وَقَالَ: شِدَّةُ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّم، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ. حَتَّى رَأَيْنَا فَىْءَ التُّلُولِ". [الحديث 535 - أطرافه في: 539، 629، 3258].
وبه قال: (حدّثنا ابن بشار) بفتح الموحدة وتشديد المعجمة وللأربعة محمد بن بشار الملقب ببندار العبدي (قال: حدّثنا غندر) اسمه محمد بن جعفر ابن امرأة شعبة (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن المهاجر أبي الحسن) بضم الميم بلفظ اسم الفاعل وهو اسم له وليس بوصف وأل فيه كالتي في العباس (سمع زيد بن وهب)
الهمداني الجهني (عن أبي ذر) جندب بن جنادة الغفاري الصحابي رضي الله عنه أنه (قال):
(أذّن مؤذّن النبي صلى الله عليه وسلم). بلال (الظهر) بالنصب أي في وقت الظهر فحذف المضاف الذي هو الوقت وأقيم الظهر مقامه، وبهذا يرد على الزركشي حيث قال: إن الصواب بالظهر أو للظهر (فقال:) عليه الصلاة والسلام لبلال رضي الله عنه: (أبرد أبرد) مرتين (أو قال:) عليه الصلاة والسلام: (انتظر انتظر) مرتين كذلك.
فإن قلت: الإبراد للصلاة فكيف أمر المؤذن به للأذان؟ أجيب: بأنه مبني على أن الأذان هل هو للوقت أو للصلاة؟ وفيه خلاف مشهور وظاهر هذا يقوّي القول بأنه للصلاة، لأن الأذان وقد وقع وانقضى، أو أن المراد بالأذان الإقامة. ويؤيده حديث الترمذي بلفظ: فأراد بلال أن يقيم، وفي رواية البخاري الآتية إن شاء الله تعالى في التالي، فأراد المؤذّن أن يؤذن للقهر فقال له: أبرد وهي تقتضي أن الإبراد راجع إلى الأذان، وأنه منعه من الأذان في ذلك الوقت.
(وقال): عليه الصلاة والسلام: (شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة). أي إذا اشتد الحر فتأخروا عن الصلاة مبردين. قال أبو ذر: كان يقول ذلك (حتى) أي أخّرنا إلى أن (رأينا فيء التلول) بضم المثناة الفوقية وتخفيف اللام جمع تل بفتح أوّله كل ما اجتمع على الأرض من تراب أو رمل أو نحوهما، وهي في الغالب مسطحة غير شاخصة لا يظهر لها ظل إلا إذا ذهب أكثر وقت الظهر، والفيء ما بعد الزوال، والظل أعم منه يكون لما قبل وما بعد، والتلول لانبساطها لا يظهر فيها عقب الزوال فيء بخلاف الشاخص المرتفع. نعم دخول وقت الظهر لا بدّ فيه من فيء فالوقت لا يتحقق دخوله إلاّ عند وجوده، فيحمل الفيء هنا على الزائد على هذا المقدار، ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في باب الإبراد في السفر.
ورواة هذا الحديث الستة ما بين مدني وكوفي، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة وفي صفة النار، ومسلم وأبو داود وابن ماجة في الصلاة.
536 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَفِظْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» .
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) ولأبي ذر بن عبد الله بن المديني (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حفظناه من الزهري) وفي رواية عن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب (عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):
(إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة) ندبًا، والمراد الظهر لأنها الصلاة التي يشتد الحر غالبًا في أوّل وقتها. (فإن شدة الحر من فيح جهنم).
فإن قلت: ظاهره يقتضي وجوب الإبراد. أجيب: بأن القرينة صرفته إلى الندبية لأن العلّة فيه دفع المشقّة عن المصلي لشدة الحر فصار من باب الشفقة والنفع.
فإن قلت: ما الجمع بين هذا وبين حديث خباب شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حرّ الرمضاء فلم يشنّا أي لم يزل شكوانا؟ أجيب: بأن الإبراد رخصة والتقديم أفضل، أو هو منسوخ بأحاديث
الإبراد، والإبراد مستحب لفعله عليه الصلاة والسلام له وأمره به، أو حديث خباب محمول على أنهم طلبوا زائدًا على قدر الإبراد لأنه بحيث يحصل للحيطان ظل يمشى فيه.
537 -
«وَاشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ» . [الحديث 537 - طرفه في: 3260].
(واشتكت النار إلى ربها) شكاية حقيقية بلسان المقال بحياة يخلفها الله تعالى فيها قاله عياض.
وتعقبه الأبي بأنه لا بد من خلق إدراك مع الحياة انتهى. لكن قال الأستاذ أبو الوليد الطرطوشي فيما نقله في المصابيح: وإذا قلنا بأنها حقيقية فلا يحتاج إلى أكثر من وجود الكلام في الجسم، أما في محاجة النار فلا بدّ من وجود العلم مع الكلام لأن المحاجّة تقتضي التفطّن لوجه الدلالة أو هي مجازية عرفية بلسان الحال عن لسان المقال كقوله:
شكا إليّ جملي طول السرى.
وقرّر البيضاوي ذلك فقال: شكواها مجاز عن غليانها، وأكل بعضها بعضًا مجاز عن ازدحام أجزائها، وتنفسها مجاز عن خروج ما يبرز منها. وصوّب النووي حملها على الحقيقة. وقال ابن المنير: هو المختار، وقد ورد مخاطبتها للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بقولها: جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي، ويضعف حمل ذلك على المجاز قوله:
(فقالت: يا رب) وللأربعة فقالت: رب (أكل بعضي بعضًا، فأذن لها) ربها تعالى (بنفسين): تثنية