الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويجوز أن تكون استعارة بالكناية لأنه شبه الإسلام بمبنيّ له دعائم، فذكر المشبه وطوى ذكر المشبه به وذكر ما هو من خواص المشبه به وهو البناء، ويسمى هذا استعارة ترشيحية، ويجوز أن تكون استعارة تمثيلية، فإنه مثل حالة الإسلام مع أركانه الخمسة بحالة خباء أقيم على خمسة أعمدة وقطبها التي تدور عليه هو شهادة أن لا إله إلاّ الله وبقية شعب الإيمان كالأوتاد للخباء.
وقال في الفتح، فإن قلت: الأربعة المذكورة بعد الشهادة مبنية على الشهادة إذ لا يصح شيء منها إلا بعد وجودها، فكيف يضم مبني إلى مبني عليه في مسمى واحد؟ أجيب: بجواز ابتناء أمر على أمر يبتنى على الأمرين أمر آخر.
فإن قلت: المبني لا بد أن يكون غير المبني عليه. فالجواب أن المجموع غير من حيث الانفراد عين من حيث الجمع، ومثاله البيت من الشعر يجعل على خمسة أعمدة أحدها أوسط والبقية أركان، فما دام الأوسط قائمًا فمسمى البيت موجود ولو سقط ما سقط من الأركان، فإذا سقط الأوسط سقط مسمى البيت، فالبيت بالنظر إلى مجموعه شيء واحد وبالنظر إلى أفراده أشياء. وأيضًا فبالنظر إلى أسّه وأركانه الأس أصل والأركان تبع وتكملة، والله الموفق. ومن لطائف إسناد هذا الحديث
جمعه للتحديث والإخبار والعنعنة وكل رجاله مكيّون إلا عبيد الله فإنه كوفي، وهو من الرباعيات وأخرج متنه المؤلف أيضًا في التفسير ومسلم في الإيمان خماسي الإسناد اهـ.
3 - باب
هذا (باب أمور الإيمان) بالإضافة البيانية لأن المراد بيان الأمور التي هي الإيمان، لأن الأعمال عند المؤلف هي الإيمان، أو بمعنى اللام أي باب الأمور الثابتة للإيمان في تحقيق حقيقته وتكميل ذاته، وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني أمر الإيمان بالإفراد على إرادة الجنس. (وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على أمور، وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي عز وجل بدل قوله تعالى، (ليس البر) وهو اسم لكل خير وفعل مرضي، (أن تولوا وجوهكم قبل الشرق والمغرب). قال القاضي ناصر الدين البيضاوي: أي ليس البر مقصورًا على أمر القبلة أو ليس البر ما أنتم عليه فإنه منسوخ، (ولكن البر) الذي ينبغي أن يهتم به (من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب) القرآن أو أعم، (والنبيين وآتى المال على حبه) تعالى أو حب المال (ذوي القربى واليتامى) المحاويج منهم، ولم يقيده لعدم الإلباس. (والمساكين وابن السبيل) المسافر أو الضيف، (والسائلين) أي الذين ألجأتهم الحاجة إلى السؤال، (وفي الرقاب) أي تخليصها بمعاونة المكاتبين أو فك الأسارى أو ابتياع الرقاب لعتقها، (وأقام الصلاة وآتى الزكاة) المفروضتين، والمراد بآتى المال بيان مصارفها، (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا) عطف على من آمن، (والصابرين في البأساء والضراء) نصب على المدح، ولم يعطف لفضل الصبر على سائر الأعمال. وعن الأزهري البأساء في الأموال كالفقر، والضرّاء في الأنفس كالمرض.
(وحين البأس) وقت مجاهدة العدو، (أولئك الذين صدقوا) في الدين واتباع الحق وطلب البر، {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177] عن الكفر وسائر الرذائل، والآية كما ترى جامعة للكمالات الإنسانية بأسرها دالة عليها صريحًا أو ضمنًا، فإنها بكثرتها وتشعبها منحصرة في ثلاثة أشياء: صحة الاعتقاد وحسن المعاشرة وتهذيب النفس. وقد أشير إلى الأول بقوله: من آمن، إلى والنبيين، وإلى الثاني بقوله: وآتى المال، إلى وفي الرقاب. وإلى الثالث بقوله: وأقام الصلاة إلى آخرها. ولذلك وصف المستجمع لها بالصدق نظرًا إلى إيمانه واعتقاده وبالتقوى اعتبارًا لمعاشرته للخلق ومعاملته مع الحق، وإليه أشار عليه الصلاة والسلام بقوله من عمل بهذه الآية، فقد استكمل الإيمان. وهذا وجه استدلال المؤلف بهذه الآية ومناسبتها لتبويبه. وفي حديث أبي ذر عند عبد الرزاق بسند رجاله ثقات
أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فتلا عليه هذه الآية، ولم يذكره المؤلف لأنه ليس على شرطه، وقد سقط في رواية الأصيلي وأبي ذر ولكن البر إلى آخر الآية، وسقط لابن عساكر واليوم الآخر.
ثم استدل المؤلف لذلك أيضًا بآية أخرى فقال: (قد أفلح) أي فاز
(المؤمنون) الآية [المؤمنون: 1]. بإسقاط واو العطف لعدم الإلباس، قال في الفتح: ويحتمل أن يكون ساقه تفسيرًا لقوله هم المتقون تقديره المتقون هم الموصوفون بقوله قد أفلح، وفي رواية الأصيلي، وقد أفلح بإثبات الواو وفي رواية ابن عساكر، وقوله قد أفلح. قلت: وفيهما ردّ لما قاله في الفتح من احتمال التفسير، والآية يجوز فيها النصب بتقدير اقرأ والرفع مبتدأ حذف خبره.
9 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ» .
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) أي ابن جعفر المسندي بضم الميم وسكون المهملة وفتح النون، سمي به لأنه كان يطلب المسندات ويرغب عن المرسل والمنقطع أو كان يتحرى المسانيد، أو لأنه أوّل من جمع مسند الصحابة على التراجم بما وراء النهر. وفي رواية ابن عساكر الجعفي كما في فرع اليونينية كهي المتوفى سنة تسع وعشرين ومائتين. (قال حدّثنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو بن قيس (العقدي) بفتح العين المهملة والقاف نسبة إلى العقدة، قوم من قيس وهم بطن من الأزد أو بطن من بجيلة أو قبيلة من اليمن البصري المتوفى سنة خمس أو أربع ومائتين.
(قال: حدّثنا سليمان بن بلال) القرشي المدني المتوفى بها سنة سبع وعشرون ومائة، (عن أبي صالح) ذكوان السمان الزيات المدني المتوفى سنة إحدى ومائة، (عن أبي هريرة رضي الله عنه تصغير هرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي المختلف في اسمه، قال النووي: على أكثر من ثلاثين قولاً، وحمله في الفتح على الاختلاف في اسمه واسم أبيه معًا المتوفى بالمدينة سنة تسع أو ثمان أو سبع وخمسين وأسلم عام خيبر، وشهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لزمه وواظبه حتى كان أحفظ الصحابة، وروى عنه عليه الصلاة والسلام فأكثر، ذكر بقي بن مخلد أنه روى خمسة آلاف حديث وثلثمائة وأربعة وسبعين حديثًا، وله في البخاري أربعمائة وستة وأربعون حديثًا، وهذا أوّل حديث وقع له في هذا الجامع. (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال).
(الإيمان) بالرفع مبتدأ وخبره (بضع) بكسر الموحدة وقد تفتح، قال الفراء: هو خاص بالعشرات إلى التسعين، فلا يقال بضع ومائة ولا بضع وألف وفي القاموس هو ما بين الثلاث إلى التسع أو إلى الخمس ما بين الواحد إلى أربعة أو من أربع إلى تسع أو هو سبع، وإذا جاوز العشر ذهب البضع لا يقال بضع وعشرون أو يقال ذلك اهـ. ويكون مع الذكر بهاء ومع المؤنث بغير هاء فتقول بضعة وعشرون رجلاً وبضع وعشرون امرأة، ولا تعكس، وفي رواية أبي ذر وأبي الوقت
والأصيلي وابن عساكر بضعة (وستون شعبة) بتأنيث بضعة على تأويل الشعبة بالنوع إذا فسرت الشعبة بالطائفة من الشيء، وقال الكرماني: إنها في أكثر الأصول. قال ابن حجر: بل هي في بعضها، وصوّب العيني قول الكرماني تعصبًا، والذي رأيته في هامش فرع اليونينية كهي. قال الأصيلي: صوابه بضع يعني بإسقاط الهاء، وقد وقع عند مسلم من طريق سهل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار بضع وستون أو بضع وسبعون على الشك، وعند أصحاب السنن الثلاثة من طريقه بضع وسبعون من غير شك، ورجح البيهقي رواية البخاري بعدم شك سليمان وعورض بوقوع الشك عنه عند أبي عوانة. ورجح لأنه المتيقن وما عداه مشكوك فيه، لا يقال بترجيح رواية بضع وسبعون لكونها زيادة ثقة لأنا نقول الذي زادها لم يستمر على الجزم بها لا سيما مع اتحاد المخرج، وهل المراد حقيقة العدد أم المبالغة، قال الطيبي الأظهر معنى التكثير ويكون ذكر البضع للترقي يعني أن شعب الإيمان أعداد مبهمة، ولا نهاية لكثرتها، ولو أراد التحديد لم يبهم. وقال آخرون: المراد حقيقة العدد ويكون النص وقع أوّلاً على البضع والستين لكونه الواقع ثم تجددت العشر الزائدة فنص عليها، وقد حاول جماعة عدّها بطريق الاجتهاد، وللبيهقي وعبد الجليل كتاب الإيمان (والحياء) بالمد وهو في الشرع خلق يبعث على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق وهو هنا مبتدأ خبره (شعبة) و (من الإيمان) صفة لشعبة، وإنما خصّه هنا بالذكر لأنه كالداعي إلى باقي الشعب، لأنه يبعث على