الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رضي الله عنهما (أنه تمارى) من التماري وهو التجادل والتنازع (هو والحرّ بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى) بن عمران عليه السلام هل هو خضر أم لا، وأتى بضمير الفصل لأنه لا يعطف على الضمير المرفوع المتصل إلا إذا أكد بالمنفصل وسقطت لفظة هو من رواية ابن عساكر فعطفه على المرفوع المتصل بغير تأكيد ولا فصل وهو جائز عند الكوفيين، وزاد في الرواية السابقة قال ابن عباس: هو خضر (فمر بهما أُبيّ بن كعب) الأنصاري أقرأ هذه الأمة المقول فيه من عمر سيد المسلمين (فدعاه ابن عباس) هلمّ إلينا (فقال: إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل) موسى (السبيل إلى لقيه) بضم اللام وكسر القاف وتشديد الياء مصدر بمعنى اللقاء. يقال: لقيته لقاء بالمد ولقا بالقصر ولقيّا بالتشديد (هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه) قصته؟ (فقال أُبيّ: نعم سمعت النبي) وفي رواية أبي ذر رسول الله (صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه يقول):
(بينما موسى) عليه السلام (في ملأ من بني إسرائيل) من ذرية يعقوب بن إسحاق بن الخليل عليهم الصلاة والسلام، وعند مسلم بينما موسى في قومه يذكرهم أيام الله (إذ جاءه رجل) لم يسم (فقال) وفي رواية قال:(أتعلم) بهمزة الاستفهام وفي رواية الأربعة تعلم بحذفها، وللكشميهني هل تعلم (أحدًا أعلم) بنصبهما مفعولاً وصفة، وفي رواية الحموي أن أحدًا أعلم (منك. قال موسى: لا) إنما نفى الأعلمية بالنظر لما في اعتقاده (فأوحى الله تعالى إلى موسى: بلى) وللكشميهني والحموي بل (عبدنا خضر) أعلم منك أي في شيء خاص، (فسأل) موسى (السبيل إلى لقيه) وفي السابقة إليه بدل لقيه وزيادة موسى (فجعل الله) تعالى (له الحوت آية) علامة دالّة على مكانه (وقيل له: إذا فقدت الحوت) بفتح القاف (فارجع فإنك ستلقاه، فكان موسى يتبع) بتشديد المثناة الفوقية (أثر الحوت في البحر)، وللكشميهني والحموي في الماء (فقال فتى موسى) يوشع (لموسى: أرأيت إذ أوينا) أي حين نزلنا {إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلاّ الشيطان أن أذكره} وفي حرف عبد الله: وما أنسانيه أن أذكره إلا الشيطان، وكانا تزوّدا حوتًا وخبزًا فكانا يصيبان منه عند الغداء والعشاء، فلما انتهيا إلى الصخرة على ساحل البحر فانسرب الحوت فيه، وكان قد قيل لموسى تزوّد حوتًا، فإذا فقدته وجدت الخضر فاتخذ سبيله في البحر مسلكًا ومذهبًا (قال موسى: ذلك ما كنا نبغي) من الآية الدالّة
على لقي الخضر عليه اسلام {فارتدّا على آثارهما} يقصان {قصصًا فوجدا خضرًا} على طنفسة على وجه الماء أو نائمًا مسجى بثوب أو غير ذلك (فكان من شأنهما) أي من شأن موسى والخضر (ما قصّ الله في كتابه) بسورة الكهف مما سيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى بعون الله.
20 - باب فَضْلِ مَنْ عَلِمَ وَعَلَّمَ
هذا (باب فضل من علم) بتخفيف اللام المكسورة أي من صار عالمًا (وعلم) غيره بفتحها مشددة.
79 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقِهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ إِسْحَاقُ: وَكَانَ مِنْهَا طَائِفَةٌ قَيَّلَتِ الْمَاءَ قَاعٌ يَعْلُوهُ الْمَاءُ، وَالصَّفْصَفُ الْمُسْتَوِي مِنَ الأَرْضِ.
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) بالمهملة والمد المكنى بأبي كريب بضم الكاف مصغر كرب بالموحدة وشهرته بكنيته أكثر من اسمه، المتوفى سنة ثمان وأربعين ومائتين (قال: حدّثنا حماد بن أسامة) بضم الهمزة ابن يزيد الهاشمي القرشي الكوفي، المتوفى سنة إحدى ومائتين وهو ابن ثمانين سنة فيما قيل (عن بريد بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الراء وسكون المثناة التحتية آخره دال مهملة (عن أبي بردة) بضم الموحدة وإسكان الراء ابن أبي موسى الأشعري (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه، ولم يقل عن أبيه بدل قوله عن أبي موسى تفننًا في العبارة (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال):
(مثل) بفتح الميم والمثلثة (ما بعثني الله به من الهدى والعلم) بالجر عطفًا على الهدى من عطف المدلول على الدليل، لأن الهدى هو الدلالة الموصلة للمقصد والعلم هو المدلول وهو صفة توجب تمييزًا لا يحتمل النقيض، والمراد به هنا الأدلة الشرعية (كمثل) بفتح الميم والمثلثة (الغيث) المطر (الكثير أصاب)
الغيث (أرضًا) الجملة من الفعل والفاعل والمفعول في موضع نصب على الحال بتقدير قد (فكان منها) أي من الأرض أرض (نقية) بنون مفتوحة وقاف مكسورة ومثناة تحتية مشددة أي طيبة (قبلت الماء) بفتح القاف وكسر الموحدة من القبول (فانبتت الكلأ) بفتح الكاف واللام آخره مهموز مقصور النبات يابسًا ورطبًا (والعشب) الرطب منه وهو نصب عطفًا على المفعول (الكثير) صفة
للعشب فهو من ذكر الخاص بعد العام. وفي حاشية أصل أبي ذر وهو عند الخطابي والحميدي ثغبة بمثلثة مفتوحة وغين معجمة مكسورة، وقد تسكن بعدها باء موحدة خفيفة مفتوحة. وفي فرع اليونينية ثغبة مضبب عليها وهي بضم المثلثة وتسكين الغين وهو مستنقع الماء في الجبال والصخور كما قاله الخطابي، لكن ردّه القاضي عياض وجزم بأنه تصحيف وقلب للتمثيل قال لأنه إنما جعل هذا المثل فيما ينبت والثغاب لا تنبت، والذي رويناه من طرق البخاري كلها بالنون مثل قوله في مسلم طائفة طيبة قبلت الماء. (وكانت) وفي بعض النسخ وكان (منها أجادب) بالجيم والدال المهملة جمع جدب بفتح الدال المهملة على غير قياس ولغير الأصيلي أجاذب بالمعجمة، قال الأصيلي: وبالمهملة هو الصواب أي لا تشرب ماء ولا تنبت (أمسكت الماء فنفع الله بها) أي بالأجادب، وللأصيلي به (الناس) والضمير المذكر للماء (فشربوا) من الماء (وسقوا) دوابهم وهو بفتح السين (وزرعوا) ما يصلح للزرع، ولمسلم وكذا النسائي ورعوا من الرعي، وضبط المازري أجاذب بالذال المعجمة وهمه فيه القاضي عياض، ولأبي ذر إخاذات بهمزة مكسورة وخاء خفيفة وذال معجمتين آخره مثناة فوقية قبلها ألف جمع إخّاذ وهي الأرض التي تمسك الماء كالغدير. وعند الإسماعيلي أحارب بحاء وراء مهملتين آخره موحدة. (وأصاب منها طائفة أخرى) وللأصيلي وكريمة وأصابت أي أصابت طائفة أخرى ووقع كذلك صريحًا عند النسائي (إنما هي قيعان) بكسر القاف جمع قاع وهو أرض مستوية ملساء (لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ) بضم المثناة الفوقية فيهما (فذلك) أي ما ذكر من الأقسام الثلاثة (مثل) بفتح الميم والمثلثة (من فقه) بضم القاف وقد تكسر أي صار فقيهًا (في دين الله ونفعه ما) وفي رواية أبي الوقت وابن عساكر بما أي بالذي (بعثني الله) عز وجل (به فعلم) ما جئت به (وعلم) غيره وهذا يكون على قسمين: الأوّل العالم العامل المعلم وهو كالأرض الطيبة شربت فانتفعت في نفسها وأنبتت فنفعت غيرها، والثاني الجامع للعلم المستغرق زمانه فيه المعلم غيره لكنه لم يعمل بنوافله أو لم يتفقه فيما جمع، فهو كالأرض التي يستقر فيها الماء فينتفع الناس به.
(ومثل) بفتح الميم والمثلثة (من لم يرفع بذلك رأسًا) أي تكبر ولم يلتفت إليه من غاية تكبره وهو من دخل في الدين ولم يسمع العلم أو سمعه فلم يعمل به ولم يعلمه، فهو كالأرض السبخة التي لا تقبل الماء وتفسده على غيرها وأشار بقوله:(ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به) إلى من لم يدخل في الدين أصلاً بل بلغه فكفر به وهو كالأرض الصماء الملساء المستوية التي يمر عليها الماء فلا تنتفع به.
قال في المصابيح: وتشبيه الهدى والعلم بالغيث المذكور تشبيه مفرد بمركب إذ الهدى مفرد وكذا العلم، والمشبه به وهو غيث كثير أصاب أرضًا منها ما قبلت فأنبتت، ومنها ما أمسكت خاصة، ومنها ما لم تنبت ولم تمسك مركب من عدة أمور كما تراه وشبه من انتفع بالعلم ونفع به بأرض قبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب، وهو تمثيل لأن وجه الشبه فيه هو الهيئة الحاصلة من قبول المحل لما يرد عليه من الخير مع ظهور أماراته وانتشارها على وجه عام الثمرة متعدي النفع، ولا يخفى أن هذه الهيئة منتزعة من أمور متعددة، ويجوز أن يشبه انتفاعه بقبول الأرض الماء ونفعه المتعدي
بإنباتها الكلأ والعشب، والأوّل أفحل وأجزل لأن في الهيئات المركبات من الوقع في النفس ما ليس في المفردات في ذواتها من غير نظر إلى تضامها ولا التفات إلى هيئتها الاجتماعية، قال الشيخ عبد القاهر في قول القائل: