الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورواه عن علقمة
غير التيمي سعيد بن المسيب ونافع مولى ابن عمر، وتابع يحيى بن سعيد على روايته عن التيمي محمد بن محمد أبو الحسن الليثي وداود بن أبي الفرات ومحمد بن إسحق بن يسار وحجاج بن أرطأة وعبد ربه بن قيس الأنصاري. ورواة إسناده هنا ما بين كوفي ومدني، وفيه تابعي عن تابعي يحيى ومحمد التيمي، أو ثلاثة إن قلنا إن علقمة تابعي وهو قول الجمهور. وصحابي عن صحابي إن قلنا إن علقمة صحابي. وفيه الرواية بالتحديث والإخبار والسماع والعنعنة. وأخرجه المؤلف في الإيمان والعتق والهجرة والنكاح والأيمان والنذور وترك الحيل، ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد والدارقطني وابن حبان والبيهقي، ولم يخرجه مالك في موطئه، وبقية مباحثه تأتي إن شاء الله تعالى في محالها.
وقد رواه من الصحابة غير عمر، قيل: نحو عشرين صحابيًا فذكره الحافظ أبو يعلى القزويني في كتابه الإرشاد من رواية مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الأعمال بالنية". ثم قال: هذا حديث غير محفوظ عن زيد بن أسلم بوجه، فهذا ما أخطأ فيه الثقة. ورواه الدارقطني في أحاديث مالك التي ليست في الموطأ وقال: تفرد به عبد المجيد عن مالك ولا نعلم من حدّث به عن عبد المجيد غير نوح بن حبيب وإبراهيم بن محمد العتقي، وقال ابن منده في جمعه لطرق هذا الحديث: رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير عمر سعد بن أبي وقاص، وعليّ بن أبي طالب، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن مسعود، وأنس، وابن عباس، ومعاوية، وأبو هريرة، وعبادة بن الصامت، وعتبة بن عبد السلمي، وهلال بن سويد، وعقبة بن عامر، وجابر بن عبد الله، وأبو ذر، وعتبة بن المنذر، وعقبة بن مسلم، وعبد الله بن عمر اهـ.
وقد اتفق على أنه لا يصح مسندًا إلا من رواية عمر إشارة إلى أن من أراد الغنيمة صحح العزيمة، ومن أراد المواهب السنيّة أخلص النية، ومن أخلص الهجرة ضاعف الإخلاص أجره، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، إنما تنال المطالب على قدر همة الطالب، إنما تدرك المقاصد على قدر عناء القاصد.
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
2 - باب
2 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ رضي الله عنه سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ - وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ - فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلاً فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ» .
قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا. [الحديث 2 - أطرافه في: 3215].
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي المنزل الدمشقي الأصل المتوفى سنة ثمان عشرة ومائتين وفي يوسف تثليث السين مع الهمز وتركه ومعناه بالعبرانية جميل الوجه، (قال: أخبرنا مالك) هو ابن أنس الأصبحيّ إمام دار الهجرة بل إمام الأئمة المتوفى سنة تسع وسبعين ومائة، (عن هشام بن عروة) بن الزبير بن العوام القرشي التابعي المتوفى سنة خمس وأربعين ومائة ببغداد (عن أبيه) أبي عبد الله عروة المدني أحد الفقهاء السبعة المتوفى سنة أربع وتسعين (عن عائشة) بالهمز وعوام المحدّثين يبدلونها ياء (أم المؤمنين رضي الله عنها قال الله تعالى:{وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] أي في الاحترام والإكرام والتوقير والإعظام وتحريم نكاحهن لا في جواز الخلوة والمسافرة وتحريم نكاح بناتهن، وكذا النظر في الأصح. وبه جزم الرافعي وإن سمى بعض العلماء بناتهنّ أخوات المؤمنين كما هو منصوص الشافعي في المختصر فهو من باب إطلاق العبارة لا إثبات الحكم، قال في الفتح: وإنما قيل للواحدة منهن أم المؤمنين للتغليب وإلا فلا مانع من أن يقال لها أم المؤمنات على الراجح، وحاصله أن النساء يدخلن في جمع المذكر السالم تغليبًا، لكن صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أنا أم رجالكم لا أم نسائكم، قال ابن كثير: وهو أصح الوجهين والله أعلم، وتوفيت عائشة بنت أبي بكر الصديق بعد الخمسين إما سنة خمس أو ست أو سبع أو ثمان في رمضان، وعاشت خمسًا وستين سنة وتوفي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بنت ثماني عشرة، وأقامت في صحبته تسع، وقيل ثمان سنين وخمسة أشهر، ولعائشة في البخاري مائتان واثنان وأربعون حديثًا. (أن الحرث بن هشام) بغير ألف بعد الحاء في الكتابة تخفيفًا، المخزومي أحد فضلاء الصحابة ممن أسلم يوم الفتح المستشهد في فتح الشام سنة خمس عشرة رضي الله عنه سأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه
ِ وَسَلَّمَ-) يحتمل أن تكون عائشة حضرت ذلك فيكون من مسندها، وأن يكون الحرث أخبرها بذلك فيكون من مرسل الصحابة وهو محكوم بوصله عند الجمهور، (فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي)؟ أي صفة الوحي نفسه أو صفة حامله أو ما هو أعم من ذلك، وعلى كل تقدير فإسناد الإتيان إلى الوحي مجاز لأن الإتيان حقيقة من وصف حامله، (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالفاء قبل القاف، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحيانًا) أي أوقاتًا وهو نصب على الظرفية وعامله (يأتيني) مؤخر عنه أي يأتيني الوحي إتيانًا (مثل صلصلة الجرس) أو حالاً، أي يأتيني ْمشابّها صوته صلصلة الجرس وهو بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة والجرس بالجيم والمهملة الجلجل الذي يعلق في رؤوس الدواب، قيل: والصلصلة المذكورة صوت الملك بالوحي، وقيل: صوت حفيف أجنحة الملك. والحكمة في تقدمه أن يقرع سمعه الوحي فلا يبقى فيه متسع لغيره (وهو أشده عليّ) وفائدة هذه الشدة ما يترتب على المشقة من زيادة الزلفى ورفع الدرجات (فيفصم عني) الوحي والملك، بفتح المثناة التحتية وسكون الفاء وكسر المهملة، كذا لأبي الوقت من فصم
يفصم من باب ضرب يضرب، والمراد قطع الشدة أي يقلع وينجلي ما يغشاني من الكرب والشدة، ويروى فيفصم بضم الياء وكسر الصاد من أفصم المطر إذا أقلع، رباعي قال في المصابيح: وهي لغة قليلة، وفي رواية أخرى في اليونينية فيفصم بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول والفاء عاطفة والفصم القطع من غير بينونة، فكأنه قال: إن الملك يفارقني ليعود إليّ (وقد وعيت) بفتح العين أي فهمت وجمعت وحفظت (عنه) عن الملك (ما قال) أي القول الذي قاله فحذف العائد وكل من الضميرين المجرور والمرفوع يعود على الملك المفهوم مما تقدم. فإن قلت: صوت الجرس مذموم لصحة النهي عنه كما في مسلم وأبي داود وغيرهما، فكيف يشبه به ما يفعله الملك به مع أن الملائكة تنفر عنه؟ أجيب: بأنه يلزم من التشبيه تساوي المشبه بالمشبه به في الصفات كلها، بل يكفي اشتراكهما في صفة ما. والمقصود هنا بيان الجنس، فذكر ما ألف السامعون سماعه تقريبًا لإفهامهم. والحاصل أن الصوت له جهتان: جهة قوّة وجهة طنين، فمن حيث القوّة وقع التشبيه به ومن حيث الطنين وقع التنفير عنه. وقال الإمام فضل الله التوريشتي بضم الفوقية وسكون الواو بعدها راء فموحدة مكسورتان ثم شين محجمة ساكنة ففوقية مكسورة لما سئل عليه الصلاة والسلام عن كيفية الوحى، وكان من المسائل العويصة التي لا يماط نقاب التعزز عن وجهها لكل أحد، ضرب لها في الشاهد مثلا بالصوت المتدارك الذي يسمع ولا يفهم منه شيء تنبيهًا على أن إتيانها يرد على القلب في هيبة الجلال وأبّهة الكبرياء، فتأخذ هيبة الخطاب حين ورودها بمجامع القلب، ويلاقي من ثقل القول ما لا علم له به بالقول مع وجود ذلك، فإذا سرّي عنه وجد القول المنزل بينًا ملقى في الروع واقعًا موقع المسموع، وهذا معنى فيفصم عني وقد وعيت، وهذا الضرب من الوحي شبيه بما يوحى إلى الملائكة على ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إذا قضى الله في السماء أمرًا ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله كأنها سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق وهو العليّ الكبير اهـ.
وقد روى الطبراني وابن أبي عاصم من حديث النوّاس بن سمعان مرفوعًا: "إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة أو رعدة شديدة من خوف الله تعالى، فإذا سمع أهل السماء صعقوا وخرّوا سجّدًا فيكون أوّلهم يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد فينتهي به إلى الملائكة، كلما مر بسماء سأله أهلها ماذا قال ربنا قال الحق فينتهي به حيث أمره الله من السماء والأرض".
وروى ابن مردويه عن ابن مسعود مرفوعًا: "إذا تكلم الله بالوحي يسمع أهل السماء صلصلة كصلصلة السلسلة على الصفوان فيفزعون، وعند ابن أبي حاتم عن العوفي عن ابن عباس وقتادة أنهما فسّرا آية {إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ}
[سبأ: 23] بابتداء إيحاء الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم بعد الفترة التي كانت بينه وبين عيسى.
وفي كتاب العظمة لأبي الشيخ عن وهيب بن الورد، قال: بلغني أن أقرب الخلق من الله تعالى إسرافيل العرش على كاهله، فإذا نزل الوحي دلي لوح من تحت العرش فيقرع جبهة إسرافيل فينظر فيه فيدعو جبريل فيرسله، فإذا كان يوم القيامة أُتيِ به ترعد فرائصه فيقال: ما صنعت فيما أدى إليك اللوح؟ فيقول: بلغت جبريل، فيدعى جبريل ترعد فرائصه فيقال: ما صنعت فيما بلغك إسرافيل؟ فيقول: بلغت الرسل الأثر الخ.
على أن العلم بكيفية الوحي سر من الأسرار التي لا يدركها العقل، وسماع الملك وغيره من الله تعالى ليس بحرف أو صوت بل يخلق الله تعالى للسامع علمًا ضروريًا فكما أن كلامه تعالى ليس من جنس كلام البشر فسماعه الذي يخلقه لعبده ليس من جنس سماع الأصوات، وإنما كان هذا الضرب من الوحي أشد على النبي صلى الله عليه وسلم من غيره لأنه كان يردّ فيه من الطبائع البشرية إلى الأوضاع الملكية فيوحي إليه كما يوحي إلى الملائكة كما ذكر في حديث أبي هريرة وغيره، بخلاف الضرب الآخر الذي أشار إليه صلى الله عليه وسلم بقوله:(وأحيانًا يتمثل) أي يتصور (لي) لأجلي، فاللام تعليلية، (الملك) جبريل. (رجلاً) أي مثل رجل كدحية أو غيره، فالنصب على المصدرية، أي يتمثل تمثل رجل أو هيئة رجل فيكون حالاً، قال البدر الدماميني: وقد صرح بعضهم بأنه حال ولم يؤوله بمشتق وهو متجه لدلالة رجل هنا على الهيئة بدون تأويل اهـ.
وتعقب بأن الحال في المعنى خبر عن صاحبه، فيلزم أن يصدق عليه، والرجل لا يصدق على الملك، وقول الكرماني وغيره إنه تمييز. قال في المصابيح: الظاهر أنهم أرادوا تمييز النسبة لا تمييز المفرد إذ الملك لا إبهام فيه، ثم قال: فإن قلت تمييز النسبة لا بدّ أن يكون محوّلاً عن الفاعل كتصبب زيد عرقًا أي عرق زيد، أو المفعول نحو {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} [القمر: 12] أي عيون الأرض، وذلك هنا غير متأتٍّ. وأجاب بأن هذا أمر غالب لا دائم بدليل امتلأ الإناء ماء. قال: ولو قيل بأن يتمثل هنا أجري مجرى يصير لدلالته على التحوّل والانتقال من حالة إلى أخرى، فيكون رجلاً خبرًا كما ذهب إليه ابن مالك في تحوّل وأخواته لكان وجهًا، لكن قد يقال: إن معنى يتمثل يصير مثال رجل، ومع التصريح بذلك يمتنع أن يكون رجلاً خبرًا له فتأمله اهـ.
وقيل: النصب على المفعولية على تضمين يتمثل معنى يتخذ، أي الملك رجلاً مثالاً لكن قال العيني: إنه بعيد من جهة المعنى. والملائكة كما قال المتكلمون أجسام علوية لطيفة تتشكل في أيّ شيء أرادوا، وزعم بعض الفلاسفة أنها جواهر روحانية، والحق أن تمثل الملك رجلاً ليس معناه أن ذاته انقلبت رجلاً، بل معناه أنه ظهر بتلك الصورة تأنيسًا لمن يخاطبه، والظاهر أن القدر الزائد لا يفنى بل يخفى على الرائي فقط، ولأبي الوقت يتمثل لي الملك على مثال رجل (فيكلمني فأعي ما يقول) أي الذي يقوله فالعائد محذوف والفاء في الكلمتين للعطف المشير للتعقيب. وقد وقع التغاير بين قوله: وقد وعيت بلفظ الماضي، وفأعي بلفظ المضارع، لأن الوعي في الأوّل حصل قبل الفصم، ولا يتصوّر بعده، وفي الثاني في حالة المكالمة ولا يتصوّر قبلها. أو أنه في الأوّل قد تلبس
بالصفات الملكية فإذا عاد إلى حالته الجبلية كان حافظًا لما قيل له فأخبر عن الماضي، بخلاف الثاني فإنه على حالته المعهودة.
وليس المراد حصر الوحي في هاتين الحالتين بل الغالب مجيئه عليهما. وأقسام الوحي الرؤيا الصادقة ونزول إسرافيل أوّل البعثة كما ثبت في الطرق الصحاح أنه عليه الصلاة والسلام وكّل به إسرافيل فكان يتراءى له ثلاث سنين ويأتيه بالكلمة من الوحي والشيء، ثم وكل به جبريل وكان يأتيه في صورة رجل، وفي صورة دحية، وفي صورته التي خلق عليها مرتين، وفي صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، وعورض بأن ظاهره أنه إنما جاء سائلاً عن شرائع الإسلام ولم يبلغ فيه وحيًا اهـ. وفي مثل صلصلة الجرس والوحي إليه فوق السموات من فرض الصلاة وغيرها بلا واسطة، وإلقاء الملك في روعه من غير أن يراه، واجتهاده عليه
السلام فإنه صواب قطعًا وهو قريب من سابقه، إلاّ أن هذا مسبب عن النظر والاجتهاد، لكن يعكر عليه أن ظاهر كلام الأصوليين أن اجتهاده عليه الصلاة والسلام والوحي قسمان ومجيء ملك الجبال مبلغًا له عن الله تعالى أنه أمره أن يطيعه. وفي تفسير ابن عادل أن جبريل نزل على النبي صلى الله عليه وسلم أربعة وعشرين ألف مرة، وعلى آدم اثنتي عشرة مرة، وعلى إدريس أربعًا، وعلى نوح خمسين، وعلى إبراهيم اثنتين وأربعين مرة، وعلى موسى أربعمائة، وعلى عيسى عشرًا كذا قاله والعهدة عليه.
(قالت عائشة رضي الله عنها أي وبالإسناد السابق بحذف حرف العطف كما هو مذهب بعض النحاة وصرح به ابن مالك وهو عادة المصنف في المسند المعطوف، وبإثباته في التعليق، وحينئذ فيكون مسندًا، ويحتمل أن يكون من تعاليقه، وتكون النكتة في قول عائشة هذا اختلاف التحمل، لأنها في الأوّل، أخبرت عن مسألة الحرث، وفي الثاني عما شاهدته تأييدًا للخبر الأوّل. ونفى بعضهم أن يكون هذا من التعاليق ولم يقم عليه دليلاً. وتعقب الحذف بأن الأصل في العطف أن يكون بالأداة. وما نص عليه ابن مالك غير مشهور وخلاف ما عليه الجمهور.
ومقول عائشة (ولقد رأيته) صلى الله عليه وسلم، والواو للقسم واللام للتأكيد أي: والله لقد أبصرته (ينزل) بفتح أوّله وكسر ثالثه، ولأبي ذر والأصيلي ينزل بالضم والفتح (عليه) صلى الله عليه وسلم (الوحي في اليوم الشديد البرد) الشديد صفة جرت على غير من هي له لأنه صفة البرد لا اليوم (فيفصم) بفتح المثناة التحتية وكسر الصاد، ولأبوي ذر والوقت فيفصم بضمها وكسر الصاد من أفصم الرباعيّ وهي لغة قليلة، وقال في الفتح ويروى بضم أوّله وفتح الصاد على البناء للمجهول، وهي في اليونينية أيضًا أي يقلع (عنه، وإن جبينه ليتفصد) بالفاء والصاد المهملة المشدّدة أي ليسيل (عرقًا) بفتح الرأء من كثرة معاناة التعب والكرب عند نزول الوحي، إذ أنه أمر طارىء زائد على الطباع البشرية، وإنما كان ذلك كذلك ليبلو صبره فيرتاض لاحتمال ما كلفه من أعباء النبوّة. وأما ما ذكر من أن يتقصد بالقاف فتصحيف لم يرو، والجبين غير الجبهة وهو فوق الصدغ والصدغ ما بين العين والأُذن، فللإنسان جبينان يكتنفان الجبهة، والمراد والله أعلم أن جبينيه معًا يتفصدان.
فإن قلت: فلم أفرده؟ أجيب: بأن الإفراد يجوز أن يعاقب التثنية في كل اثنين يغني أحدهما عن الآخر كالعينين والأُذنين. تقول: عينه حسنة وأنت تريد أن عينيه جميعًا حسنتان قاله في المصابيح. والعرق: رشح الجلد.
وقال في الإمتاع: جعل الله تعالى لأنبيائه عليهم السلام الانسلاخ من حالة البشرية إلى حالة الملكية في حالة الوحي، فطرة فطرهم عليها، وجبلة صوّرهم فيها ونزّههم عن موانع البدن وعوائقه ما داموا ملابسين لها بما ركب في غرائزهم من العصمة والاستقامة، فإذا انسلخوا عن بشريتهم وتلقوا في ذلك ما يتلقونه عاجوا على المدارك البشرية لحكمة التبليغ للعباد، فتارة يكون الوحي كسماع دوي كأنه رمز من الكلام يأخذ منه المعنى الذي ألقي إليه. فلا ينقضي الدوي إلا وقد وعاه وفهمه. وتارة يتمثل له الملك الذي يلقى إليه رجلاً فيكلمه ويعي ما يقوله. والتلقي من الملك والرجوع إلى البشرية وفهمه ما ألقي إليه كله كأنه في لحظة واحدة بل أقرب من لمح البصر، ولذا سمي وحيًا لأن الوحي في اللغة الإسراع كما مرّ. وفي التعبير عن الوعي في الأولى بصيغة الماضي وفي الثانية بالمضارع لطيفة من البلاغة، وهي أن الكلام جاء مجيء التمثيل لحالتي الوحي، فتمثلت حالته الأولى بالدوي الذي هو غير كلام. وإخبار أن الوعي والفهم يتبعه عقب انقضائه عند تصوير انفصال العبارة عن الوحي بالماضي المطابق للانقضاء والانقطاع. وتمثل الملك في الحالة الثانية برجل يخاطبه ويتكلم: فناسب التعبير بالمضارع المقتضي للتجدّد وفي حالتي الوحي على الجبلة صعوبة وشدة، ولذا كان يحدث عنه في تلك الحالة من الغيبة والغطيط ما هو معروف، لأن الوحي مفارقة البشرية إلى الملكية فيحدث عنه شدة من مفارقة الذات ذاتها، وقد يفضي بالتدريج شيئًا فشيئًا إلى بعض السهولة بالنظر إلى ما قبله،