المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 - باب الكبائر وعلامات النفاق - شرح المصابيح لابن الملك - جـ ١

[ابن الملك]

فهرس الكتاب

- ‌1 - كِتَابُ الإيمَانِ

- ‌2 - باب الكبائر وعلامات النِّفاق

- ‌فصل في الوَسْوَسةِ

- ‌3 - باب الإِيمان بالقَدَرِ

- ‌4 - باب إِثْبات عَذَاب القَبْر

- ‌5 - باب الاعتِصام بالكتاب والسنة

- ‌2 - كِتابُ العِلْمِ

- ‌3 - كِتَابُ الطَّهَارَةِ

- ‌2 - باب ما يُوجِب الوضوءَ (باب ما يوجب الوضوء)

- ‌3 - باب أَدَب الخَلاءِ

- ‌4 - باب السِّواكِ

- ‌5 - باب سُنن الوُضوء

- ‌6 - باب الغسل

- ‌7 - باب مُخالَطة الجُنُب وما يُباح لَهُ

- ‌8 - باب أحكام المِيَاهِ

- ‌9 - باب تَطْهير النَّجاسات

- ‌10 - باب المَسْح على الخُفَّيْنِ

- ‌11 - باب التَّيمُّم

- ‌12 - باب الغُسْل المَسْنون

- ‌13 - باب الحيض

- ‌14 - باب المستحاضة

- ‌4 - كِتابُ الصَّلَاةِ

- ‌2 - باب المَواقيْتِ

- ‌3 - باب (تَعْجيل الصلاةِ)

- ‌فصل

- ‌4 - باب الأَذان

- ‌5 - باب فَضْل الأَذان وإجابة المؤذّن

- ‌فصل

- ‌6 - باب المَساجِد ومَواضع الصَّلاةِ

- ‌7 - باب السَّتْر

- ‌8 - باب السُّتْرة

- ‌9 - باب صِفَة الصَّلاةِ

- ‌10 - باب ما يَقْرأُ بعد التكبيرِ

- ‌11 - باب القِراءةِ في الصلاة

الفصل: ‌2 - باب الكبائر وعلامات النفاق

‌2 - باب الكبائر وعلامات النِّفاق

(باب الكبائر وعلامات النفاق)

الكبائر: جمع كبيرة، وهي: السيئة العظيمة التي إثمها كبير، وعقوبة فاعلها عظيمة بالنسبة إلى ذنب ليس بكبيرة.

مِنَ الصِّحَاحِ:

33 -

قال عبد الله بن مَسْعود رضي الله عنه: قال رجل: يا رسولَ الله! أيُّ الذنبِ أكبرُ عند الله؟ قال: "أنْ تدعُوَ لله ندّاً وهو خلَقكَ"، قال: ثمَّ أيُّ؟ قال: "ثم أنْ تقتُلَ ولدكَ خشيةَ أنْ يَطعمَ معكَ"، قال: ثم أيّ؟ قال: "ثم أنْ تُزانيَ حَلِيلَةَ جارِكَ"، فأنْزلَ الله تَصْدِيقَها:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} الآية.

"من الصحاح":

" قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: قال رجل: يا رسول الله! أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: أن تدعو": خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو أن تدعو.

"لله نداً"؛ أي: مِثلاً ونظيراً، وقيل: النِّدُ: المثل المزاحم الذي لا يجتمع.

"وهو خلقك": حال من الله تعالى، أو من فاعل (أن تدعو)، وفيه إشارة إلى ما استحق به تعالى أن تتخذه رباً؛ أي: اتخذه رباً واعبده؛ فإنَّه خلقك، أو إلى ما به امتيازُهُ تعالى عن غيره في كونه إلهاً، أو إلى ضَعْفِ الند؛ أي: أن تدعو له نداً، وقد خلقك غيره، وهو لا يقدر على خلق شيء.

"قال: ثم أيّ": للاستفهام، والتنوين عوض عن المضاف إليه؛ أي: ثم أي شيء من الذنوب أكبر بعد الكفر؟

ص: 70

"قال: ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك"؛ فإن من عادة العرب قتلَ أولادهم خشية الإملاق، قال الله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسراء: 31] الآية.

"قال: ثم أي؟ "؛ أي: أي ذنب أكبر بعد القتل؟

"قال: ثم أن تزاني حليلةَ جارك"؛ أي: امرأته؛ فإن الزنا مع امرأة جاره الذي التجأ بأمانته وبينهما حق الجوار أفحشُ منه مع غيرها، مع ما فيه إبطال حقّ الجوار والخيانة معه، فيكون أقبح، وإثمه أعظم.

"فأنزل الله تصديقها": مفعول له لـ (أنزل)، والضمير للأحكام المذكورة؛ أي: أنزل لتصديقها.

{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} ؛ أي: لا يعبدون إلهاً غير الله.

{وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ} : قتلها؛ يعني: نفس المسلم والذمي والمعاهد.

{إِلَّا بِالْحَقِّ} : متعلق بالقتل المحذوف، وقيل: بـ (لَّا يقتلون)؛ أي: بإحدى الخصال الثلاث، وهي: الردة، وزنا الإحصان، والقصاص.

{وَلَا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68]: الآية.

* * *

34 -

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكبائرُ: الإشراكُ بالله، وعقوقُ الوالدَيْنِ، وقتْلُ النَّفْسِ، واليمينُ الغَمُوسُ"، رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.

وفي رواية أنَسٍ: "وشَهادةُ الزُّورِ" بدل: "اليَمينُ الغَمُوسُ".

"وعن عبد الله عمرو: أنه قال: قال رسول الله - صَلَّى الله تعالى عليه وسلم -: الكبائر الإشراك بالله"؛ أراد به: الكفر، اختار لفظ الإشراك؛ لكونه

ص: 71

غالبًا في العرب.

"وعقوق الوالدين"؛ أي: قطع صلتهما، مأخوذٌ من (العق)، وهو: القطع، وقيل: عقوقُهما مخالفةُ أمرهما فيما لم يكن معصية.

"وقتل النفس"؛ أي: بغير الحق.

"واليمين الغموس": وهو الحلف على فعل ماضٍ كاذباً، سميت غموساً؛ لأنها تغمس صاحبها في الإثم.

وليس المراد من هذا الحديث حصر الكبائر في هذه الأربعة؛ بل جاء أكثر منها.

"وفي رواية أنس: وشهادة الزور"؛ أي: الكذب.

"بدل: اليمين الغموس"؛ أي: مكانه، ولعل مخالفة أنس لابن عمرو؛ لاختلاف المجلس، وتعدد الحديث، أو لنسيان كل منهما.

* * *

35 -

وقال: "اجتنِبُوا السَّبع المُوبقات: الشِّركُ بالله، والسِّحْرُ، وقَتلُ النَّفسِ التي حَرَّمَ الله إلَّا بالحق، وأكلُ الرِّبا، وأكلُ مالِ اليتيم، والتَّولِّي يومَ الزَّحفِ، وقذْف المُحصناتِ المُؤمناتِ الغافِلاتِ"، رواه أبو هريرة.

"وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله - صَلَّى الله تعالى عليه وسلم -: اجتنبوا السبع الموبقات"؛ أي: احذروا عن فعل الذنوب السبع المهلكة لمن ارتكبها.

"الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلَّا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف"؛ أي: الفرار يوم الحرب، هذا إذا كان بإزاء كلِّ مسلم كافران، وأمَّا إذا كان أكثر فيجوز الفرار.

ص: 72

"وقذف المحصنات"؛ أي: رميهن بالزنا، جمع: محصنة، من أحصن: إذا حفظ عن الزنا.

"المؤمنات"، احترز بها عن قذف الكافرات، فإنَّه ليس من الكبائر، فإن كانت ذمية لا يجوز قذفها، ولكن يكون من الصغائر.

"الغافلات" عن الاهتمام بالفاحشة، قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النور: 23].

* * *

36 -

وقال: "لا يَزني الزَّاني حينَ يَزني وهو مُؤمن، ولا يَشْربُ الخَمرَ حينَ يشربُ وهو مؤمن، ولا يَسرِقُ حينَ يَسرِقُ وهو مؤمن، ولا ينتهبُ نُهبةً يَرفعُ النَّاسُ إليهِ فيها أبصارَهم حينَ يَنتهبُها وهو مؤمنٌ، ولا يَغُلّ أحدكمْ حينَ يَغُل وهو مؤمن، فإياكم وإياكُمْ"، رواه أبو هريرة رضي الله عنه.

"وقال أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله - صَلَّى الله تعالى عليه وسلم -: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن": الواو للحال؛ أى: حال كونه كاملًا في إيمانه، أو: ذو أمْنٍ من عذاب الله تعالى، أو المراد: مؤمن لله؛ أي: مطيع له، يقال: أمِنَ له: إذا انقاد وأطاع.

وقيل: المراد به: خروجه عن الإيمان بدليل ما روى أبو هريرة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا زنى أحدكم خرج منه الإيمان، وكان فوق رأسه كالظّلةِ، فإذا انقطع رجع إليه الإيمان".

"ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب": من نهب: إذا أغار على أحدٍ وأخذَ ماله قهراً.

"نهبة" بالفتح: مصدر، وبالضم: المال الذي انتهبه.

ص: 73

"يرفع النَّاس": صفة (نهبة).

"إليه فيها"؛ أي: إلى الناهب في تلك النهبة.

"أبصارهم": مفعول (يَرفع).

"حين ينتهبها وهو مؤمن، ولا يغل أحدكم": من غل غلولاً: إذا سرق من الغنيمة، أو خان في أمانته.

"حين يغل وهو مؤمن": وقيل: المراد به: الزجر والوعيد والإنذار لمرتكب هذه الكبائر بسوء العاقبة؛ إذ لا يؤمن عليه أن يقع في الكفر.

"فإياكم": نصب على التحذير؛ أي: أحذركم من فعل هذه الأشياء المذكورة.

"وإياكم": كرره للتأكيد والمبالغة فيه.

* * *

37 -

وفي رواية ابن عبَّاس رضي الله عنهما: "ولا يقتُلُ حينَ يقتُلُ وهو مؤمن".

"وفي رواية ابن عباس رضي الله عنه: ولا يقتل حين يقتل وهو مؤمن"؛ يعني: رواية ابن عباس كرواية أبي هريرة، إلَّا أنه يزيد: ولا يقتل. . . إلى آخره.

* * *

38 -

وقال: "آيةُ المُنافق ثلاثٌ وإنْ صامَ وصلَّى وزعمَ أنَّهُ مسلمٌ: إْذا حدَّثَ كذبَ، وإذا وعدَ أخلفَ، وإذا ائتمِنَ خانَ"، رواه أبو هريرة رضي الله عنه.

"وعن أبي هريرة أنه قال - صَلَّى الله تعالى عليه وسلم -: آية المنافق"؛ أي: علامته.

"ثلاث"؛ أي: ثلاث خصال.

ص: 74

"وإن صام وصلى وزعم"؛ أي: ادَّعى.

"أنه مسلم"؛ يعني: لا ينفعه صومه وصلاته يوم القيامة.

"إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف"؛ أي: لم يُوفِ بوعده، والاسم منه: الخُلف بالضم.

"وإذا ائتُمِن"؛ أي: إذا جُعِل أميناً، ووضع عنده أمانة.

"خان": قيل: هذا على سبيل إنذار المسلم وتحذيره أن يعتادَ هذه الخصال، فتفضي به إلى النفاق، ولذا قيَّدها بـ (إذا) المقتضية للتكرار.

* * *

39 -

وقال: "أربعٌ مَنْ كنَّ فيهِ كان مُنافِقاً خالصاً، ومَنْ كانتْ فيهِ خَصْلة مِنهنَّ كانتْ فيهِ خَصلة مِنَ النفاقِ حتَّى يدَعَها: إذا ائتُمِنَ خانَ، وإذا حدَّثَ كذبَ، وإذا عاهدَ غدرَ، وإذا خاصَم فجَرَ"، رواه عبد الله بن عمْرو رضي الله عنهما.

"وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربع من كنَّ فيه"؛ أي: اجتمعت هذه الخصالُ فيه بتأويل اعتقاد استحلالها.

"كان منافقاً خالصاً"؛ لأنَّه يظهر الإسلام، ويخفي الكفر، أما من كُنَّ فيه هذه الخصال لا عن اعتقاد استحلالها، فلا يكون منافقاً شرعياً، بل يكون عُرفياً، وهو الذي يراعي أمور الدين علناً، ويترك محافظتها سراً، ويدل عليه قوله:"ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق حتَّى يدعها"؛ أي: يتركها.

"إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر"؛ أي: ترك الوفاء بذلك العهد.

"وإذا خاصم فجر"؛ أي: مالَ عن الحق، والمراد به هنا: الشتم والرمي

ص: 75

بالأشياء القبيحة.

وقيل: هذا مخصوص بزمانه عليه الصلاة والسلام؛ لاطلاعه بنور الوحي [على] بواطن المتصفين بهذه الخصال، فأَعلمَ أصحابه نفاقهم؛ ليحترزوا عنهم، وإنَّما لم يعينهم حذراً عن الفتنة بأنَّ يلحقوا بالمحاربين.

* * *

40 -

وقال: "مَثَلُ المنافِقِ كمثَلِ الشَّاةِ العائرةِ بينَ الغَنميْنِ، تَعِيرُ إلى هذه مرَّةً، وإلى هذه مرَّةً"، رواه ابن عمر رضي الله عنهما.

"وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل المنافق كمثل الشَّاةِ العائِرَة": من (عار يعير): إذا تفرَّد وشرد.

"بين الغنمين؛ تعير إلى هذا مرَّة، وإلى هذه مرَّة": شبَّه عليه الصلاة والسلام تردَّدَ المنافقين بين الطائفتين من المؤمنين والمشركين تبعًا لهواه وقصداً لغرضه الفاسد بالشاة المترددة بين طائفتين من الغنم؛ طلباً للفحل، فلا يستقرُّ على حالة، ولا يثبت مع إحدى الطائفتين، وقد وصفهم الله تعالى بذلك فقال:{مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} [النساء: 143]، وفي تشبيهه بالشاة من أعلى ذكره بالشناعة وأوفره، وهو من باب تشبيه المحسوس بالمحسوس بمعنى عقلي، وهو تشبيه مركَّب.

* * *

مِنَ الحِسَان:

41 -

عن صَفوان بن عسَّال رضي الله عنه قال: قال يهوديٌّ لصاحبهِ: اذْهَبْ بنا إلى هذا النبيِّ، فقال له صاحبهُ: لا تقُل: نبيّ، إنَّه لو سمعكَ لكان له أربعة أعيُن، فأتَيا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فسألاه عن تِسْعِ آياتٍ بيناتٍ، فقال لهما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:

ص: 76

"لا تُشرِكُوا بالله شيئًا، ولا تَسْرِقُوا، ولا تَزْنُوا، ولا تَقْتُلوا النَّفْسَ التي حرَّمَ الله إلَّا بالحقِّ، ولا تمشُوا ببريءٍ إلى ذِي سُلطانٍ ليقتُلَهُ، ولا تَسْحَرُوا، ولا تأكلوا الرِّبَا، ولا تَقْذِفُوا مُحصَنَةً، ولا تَوَلَّوْا للفِرار يومَ الزَّحْفِ، وعليكُمْ خاصَّةً اليهود أنْ: {لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ}، قال: فقبَّلا يديْهِ ورِجْلَيْهِ، وقالا: نشهدُ أنَّكَ نبِيٌّ، قال: "فما يمنعُكُمْ أنْ تتَّبعوني؟ " قالا: إنَّ داودَ دعا ربَّهُ أن لا يزالَ من ذُريتهِ نبِيٌّ، وإنَّا نخاف إنِ تَبعْناكَ أنْ تَقْتُلَنَا اليهودُ.

"من الحسان":

" عن صفوان بن عسال أنه قال: قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا": الباء للتعدية، أو بمعنى: مع؛ أي: كن صاحبي ورفيقي لنأتي "إلى هذا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم "، ونسأل عنه مسائل، "فقال له صاحبه: لا تقل له: نبي؛ إنه لو سمعك"؛ يعني: لو سمع محمد أنك تقول له: نبي.

"لكان له أربع أعين": هذا كناية عن شدة الفرح والسرور التام، فإن مَنْ فرحَ يزداد به نوراً إلى نور عينه، فيصير كأنه يبصر بأربع أعين.

"فأتيا رسول الله - صَلَّى الله تعالى عليه وسلم - فسألاه عن تسع آيات": جمع آية، وهي: العلامة الواضحة.

"بينات": جمع بينة، وهي: الظاهرة، والمراد بها الأحكام المفصَّلة المبينة في التوراة التي أخبر الله تعالى عنها في كتابه في (سورة بني إسرائيل):{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الإسراء: 101]، لا التسع التي هي المعجزات.

"فقال لهما رسول الله - صَلَّى الله تعالى عليه وسلم -: لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلَّا بالحق، ولا تمشوا ببرئ": الباء للتعدية، و (البريء): عن الإثم.

ص: 77

"إلى ذي سلطان": هو بمعنى: السلطنة هنا، وهي: القدرة؛ يعني: لا تقولوا السوء [في] من ليس له ذنب عند السلطان، ولا تنسبوه إلى ذنبٍ إذا لم يكن له ذنبٌ.

"ليقتله، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الرِّبا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تولوا": أصله بتائين حُذِفت إحداهما؛ لأنَّه من (التولي)، وهو: الإعراض، وقيل: بضم التاء، من ولَّى تولية: إذا أدبر للفرار.

"يوم الزحف"؛ أي: الحرب.

"وعليكم": كلمة الإغراء؛ أي: الزموا واحفظوا هذا الحكم.

"خاصة": نصب على أنه حال عامله ما في (عليكم) من معنى الفعل، أو تمييز، والخاصة: ضد العامة.

"اليهودَ": نصب على التفسير؛ أي: أعني: اليهود، والمراد به: اليهوديون، كما يقال: زنجي وزنج، وعُرِّف على هذا التأويل، وإلا لم يجز دخول لام التعريف فيه؛ لأنَّه معرفة يجري مجرى القبيلة.

وفي بعض الروايات: (يهود) - بالرفع بدون التعريف - منادى حُذِف حرف ندائه، وإنَّما حُذِف هنا مع أنه اسم جنس، لأنَّه لشدة اختصاصه بهذه الأمة الخبيثة جرى مجرى العلم؛ يعني: ما مضى من الأحكام مشترك فيها جميع النَّاس، وأمَّا هذا الأخير؛ فخطابها لليهود خاصةً، وهو:

"أن لا تعدوا في السبت"؛ أي: لا تجاوزوا أمرَ الله فيه بأنَّ لا تصيدوا السمك يوم السبت، وهذا حكاية ما كان ثابتًا في شريعتهم.

"قال"؛ أي: الراوي.

"فقبلا يديه"؛ أي: اليهوديان يدي رسول الله صَلَّى الله تعالى عليه وسلم.

"ورجليه": لما أجابهما عمَّا سألاه.

ص: 78

"وقالا: نشهد أنك نبي، قال صلى الله عليه وسلم: فما يمنعكم أن تتبعوني": وإنَّما قال بصيغة الجمع والمخاطب اثنان: لأنَّه عليه الصلاة والسلام أرادهما وغيرهما من اليهود؛ لاعتراف اليهود كلهم بنبوته، ولكن إلى العرب خاصة، فغلَّب من حضر على غيره؛ أي: أي شيء يمنعكم عن الإسلام؟ فإنكم مأمورون في التوراة بمتابعتي وبالإيمان بي إذا بُعِئت.

"قالا: إن داود عليه السلام دعا ربه أن لا يزال"؛ أي: لا ينقطع "من ذريته نبيًا إلى يوم القيامة، ويكون دعائه مستجاباً البتة، فسيكون نبيٌّ من ذريته، ويتبعه اليهود، وربما يكون لهم الغلبة والشوكة.

"وإنَّا نخاف إن اتبعناك أن يقتلنا اليهود": وهذا عذرٌ منهم في عدم متابعتهم إياه، وقولهم:(إن داود عليه السلام دعا ربه) كذبٌ منهم وافتراء عليه؛ لأنَّ داود عليه السلام قرأ في التوراة والزبور نعتَ محمد عليه الصلاة والسلام أنه خاتم النبيين، وتنسخ به جميعُ الأديان والكتب، فكيف يدعو على خلاف ما أخبره الله تعالى من شأن محمد عليه الصلاة والسلام؟ ولئن سُلِّم، فعيسى عليه السلام من ذريته، وهو نبي باقٍ إلى يوم القيامة.

* * *

42 -

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثٌ من أصلِ الإيمانِ: الكفُّ عمَّنْ قال: لا إله إلَّا الله، لا تُكفِّرْهُ بذنبٍ، ولا تُخرجْه من الإسلامِ بعمَلٍ، والجهادُ ماضٍ مُذْ بعثَني الله إلى أن يُقاتِلَ آخرُ أُمتي الدجَّالَ، لا يُبطلهُ جوْرُ جائرٍ، ولا عَدلُ عادلٍ، والإيمانُ بالأَقْدارِ".

"وعن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث"؛ أي: ثلاث خصال "من أصل الإيمان: الكف عمن قال: لا إله إلَّا الله، لا تكفر بذنب": بيان للكفِّ، ولذا قطعه عنه، والتكفير: نسبة أحدٍ إلى الكفر، والخطابُ فيه مع

ص: 79

الراوي؛ يعني: لا يصير كافرًا بعد الإقرارِ بكلمتي الشهادة بسبب ذنب اجترحَهُ، ما لم يدخل الكفرَ.

"ولا تخرجه من الإسلام بعمل" سوى الكفر، وفيه دلالة على أن أصحاب الكبائر لا يخرجون بالفسق عن الإيمان.

"والجهاد ماض"؛ أي: نافذ.

"منذ بعثني الله"؛ أي: من ابتداء زمان بعثتي.

"إلى أن يقاتل آخرُ أمتي الدجَّال": وهذا لأن بعده يكون خروج يأجوج ومأجوج، ولا طاقة لأحد بمقاتلهم، وبعد إهلاك الله إياهم لا يبقى على وجه الأرض كافرٌ ما دام عيسى حياً في الأرض، أما ما بعده؛ فسيجيء إن شاء الله تعالى في ذكر الدجَّال.

"لا يبطله"؛ أي: الجهاد.

"جورُ جائر"؛ يعني: لا يجوز تركه بأنَّ يكون الإمام ظالماً، بل يجب على النَّاس طاعته في الجهاد، قال عليه الصلاة والسلام:"الجهادُ واجبٌ عليكم مع كل أمير؛ براً كان أو فاجراً، وإن عمل الكبائر".

"ولا عدل عادل"؛ أي: لا يبطله عدل الإمام العادل بحيث يحصل مع عدله سكونُ المسلمين وتقويتهم وغناؤهم بحيث لا يحتاجون إلى الغنيمة.

"والإيمان بالأقدار": جمع: القدر، تقدم بيانه.

* * *

43 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا زنى العبدُ خرجَ منه الإيمانُ، فكان فوقَ رأسِهِ كالظُّلَّةِ، فإذا خرج منْ ذلكَ العمَلِ رجعَ إليهَ الإيمانُ".

"وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا زنى العبد"؛ أي:

ص: 80