الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"والوقت"؛ أي: الوقت المستحبُّ الذي لا حرج فيه "ما بين هذين الوقتين"، فيجوز الصلاة في أَوَّلِه وأوسطِه وآخرِه.
* * *
3 - باب (تَعْجيل الصلاةِ)
(باب تعجيل الصلاة)
مِنَ الصِّحَاحِ:
405 -
قال أبو بَرزة الأسْلَميُّ رضي الله عنه: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي الهَجيرَ التي تَدْعونهَا الأُولى حينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ، ويُصلِّي العصرَ ثمَّ يجيءُ أحَدُنا إلى رحلِهِ في أقصى المدينةِ والشمسُ حَيَّة، ونسَيتُ ما قالَ في المَغرِبِ، وكانَ يَستحِبُّ أنْ يُؤَخِّرَ العِشاءَ، ولا يُحِبُّ النَّوْمَ قبلَها والحديثَ بعدَها، وكان يَنفتِلُ مِنْ صلاةِ الغَداةِ حينَ يَعرِف الرجُلُ جَليسَهُ، ويقرأ بالستِّينَ إلى المئةِ، وفي روايةٍ: ولا يُبالي بتأخيرِ العِشاء إلى ثُلُثِ اللَّيْل.
"من الصحاح":
" قال أبو بَرْزَة الأسْلَمي: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يصلِّي الهجيرَ"، وهو الظهرُ في لغة بعض العرب، سُمي الظهر هَجِيراً؛ لأنها تصلَّى في الهاجرة، وهي وقت انتصاف النهار؛ يعني: يصلي صلاة الظهر.
"التي تَدْعُونها"؛ أي: تسمُّونها الصلاة.
"الأولى حين تَدْحَضُ الشمس"؛ أي: تزول عن وسط السماء إلى جهة المغرب؛ لأنها إذا انحطَّت للزوال فكأنها دَحَضَتْ؛ أي: زَلقَتْ.
وغرض الراوي: أن يعرف المخاطَبين أن الهجيرَ والأُولى والظهرَ واحدٌ.
"ويصلي العصر، ثم يرجع أحدُنا إلى رحله"؛ يعني يصلِّي أحدُنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم العصرَ، ثم يذهب إلى بيته.
"في أقصى المدينة"؛ أي: آخرها.
"والشمس حَيَّةٌ"؛ أي: باقٍ لونُها على صفاته وقوته لم يتغيَّر إلى الصفرة، وكل ما ضَعُفَ قُوَّته فكأنه قد مات.
قال عوف: وهو راوي هذا الحديث عن أبي بَرْزَة.
"ونسيت ما قال" أبو بَرْزَة.
"في المغرب"؛ أي: في وقت صلاة المغرب.
"وكان"؛ أي: الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم.
"يستحبُّ أن يؤخِّر العِشاء"؛ أي: يحبُّ تأخيرَها.
"ولا يحب النوم قبلَها"، بل كان يجلِس ويذكر الله تعالى، فالتأخير بشرط عدم النوم قبلها مستحَبٌ.
"ولا الحديث بعدها"، لا يحبُّ الحديث بعد صلاة العشاء.
"وكان ينفتِلُ"؛ أي: ينصرف، يعني: يفرغُ "من صلاة الغداة"؛ أي: الصبح.
"حين يعرِف الرجل جليسَه"؛ يعني حين يرى كل واحد من الجماعة مَن هو يقرُبه من ضوء الصبح.
"ويقرأ"؛ أي: في صلاة الصبح "بالستين"، الباء زائدة؛ أي: يقرأ فيها ستين آية، وربما يزيد "إلى المئة"، وهذا التفسير أنسَبُ بمذهب الشافعي.
وقيل: معناه: يسَعُ الوقت بعده لقراءة ستين آية إلى المئة، وهذا أنسبُ
بمذهب أبي حَنيفة.
"وفي رواية: لا يبالي بتأخير العِشاء إلى ثلث الليل.
* * *
406 -
وسُئل جابر رضي الله عنه عَنْ صلاةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: كانَ يُصلِّي الظُّهرَ بالهاجرةِ، والعصرَ والشَّمسُ حيَّةٌ، والمغربَ إذا وَجَبَتْ، والعِشاءَ إذا كَثُرَ النَّاسُ عَجَّلَ وإذا قفُوا أخَّر، والصُّبحَ بغَلَسٍ.
"وسُئلَ جابر عن صلاة النبي عليه الصلاة والسلام فقال: كان يصلي الظهر بالهاجرة"، وهي شدة الحرارة، يعني يصلي في أول الوقت.
"والعصر"؛ أي: يصلي العصر.
"والشمسُ حَيَّةٌ والمغرب إذا وجَبَت"؛ أي: سقطت الشمس للمغيب.
"والعِشاءَ إذا كَثُرَ الناسُ عَجَّلَ، وإذا قلُّوا أَخَّر"، والجملتان الشرطيتان في محل النصب حالان من الفاعل.
"والصبحَ بغَلَس"؛ وهي ظلمة آخر الليل مختلطة بضوء الصبح، يعني كان يصلي الصبحَ في أول الوقت.
* * *
407 -
قال أنس رضي الله عنه: كُنَّا إذا صلَّيْنا خلْفَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بالظَّهائرِ سجَدْنا على ثِيابنا اتِّقاءَ الحرِّ.
"وقال أنس: كنَّا إذا صلَّينا خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالظَّهائر"، جمع الظهيرة وهي نصف النهار، أراد به ظهرَ كلِّ يوم، والباء زائدة.
"سجدْنا على ثيابنا اتقاءَ الحَرِّ"؛ أي: احترازًا وحَذَراً من احتراق جباهِنا
من غاية الحرارة؛ يعني: كنا نصلِّي الظهرَ في أول وقته.
وفيه دليل: على أن المصلي لو سجد على ثياب بدنِه يجوز، وإليه ذهب أكثرُ الفقهاء، ولم يجوِّزه الشافعي متأوِّلاً الحديث على ثوب هو غير لابسِه.
* * *
408 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا اشتدَّ الحرُّ فأَبرِدُوا بالصَّلاة"، وفي رواية:"بالظُّهرِ، فإنَّ شِدَّةَ الحرِّ مِنْ فَيْح جهنَّمَ".
"عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إذا اشتدَّ الحَرُّ فأبرِدُوا بالصلاة"؛ أي: بصلاة الظهر.
"وفي رواية: بالظهر، فإن شدة الحَرِّ من فَيْح جهنم"، فيحُها سطوعُ حَرِّها وانتشاره، أو غليانها، يعني: شدةُ حَر الصيف من حرارة جهنم، فالإبراد بالظهر في شدة الحَرِّ.
قيل: مندوب لطالب الجماعة أخذًا بهذا الحديث.
وقيل: التعجيل أَولى لحديث خَبّاب أنه قال: "شكونا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حَرَّ الرَّمْضاء في جباهنا وأَكُفِّنا، فلم يُشْكِنا"؛ أي: لم يُزِلْ شكوانا؛ يعني: لم يرخِّص لنا في التأخير.
* * *
408/ -م - "واشْتكَتِ النَّارُ إلى ربها، فقالت: يا ربِّ! أكلَ بعضي بعضاً، فأَذِنَ لها بنفَسَيْنِ: نَفَسٍ في الشتاءِ ونَفَسٍ في الصيف، أشد ما تجدُونَ مِنَ الحرِّ، وأشدُّ ما تجدُونَ مِنَ الزَّمْهرير".
"واشتكت النار إلى ربها": جملة مبينة للأُولى، وإن دخلت الواو بين البيان والمبين.
"فقالت: ربي! كلَ بعضي بعضاً"، اشتكاؤها من أكلِ بعضها بعضاً مَجازٌ عن كثرتها وغليانها بحيث يَضيق عنها مكانُها، فيسعى كل جزء منها في إفناء الآخر واستيلائه على مكانها.
"فأذِنَ لها بنفَسَين"، نفسُها لهبُها وخروجُ ما يَظهَرُ منها.
"نَفَسٍ في الشتاء، ونَفَسٍ في الصيف، أشدُّ"، بالرفع خبر مبتدأ محذوف؛ أي: ذلك أشدّ "ما تَجِدون من الحَرِّ"، بيان الماء الموصول من حرها؛ أي: حرِّ نار جهنم، وروي: بنصب (أشدَّ) صفة لـ (نَفَسَين) أو بدلًا عنه.
"وأشدُّ ما تَجدون من الزَّمْهَرِير"؛ وهو البرد الشديد من زَمْهَريرها، فعُلم منه أن في النار شدةَ الحَرِّ وشدةَ البرد.
قيل: كلٌّ منهما طبقةٌ من طبقات الجحيم، وهذا من جملة الحكمة الإلهية، حيث أظهر آثار الفيح في زمان الحَرِّ، وآثار الزَّمْهَرير في زمان الشتاء لتعودَ الأمزجة بالحَرِّ والبرد، فلو انعكس لم يتحمَّلْه، أو لأن الباطن في الصيف بارد فيقاوم حَرَّ الظاهر، وفي الشتاء حَرٌّ فيقاوم برد الظاهر.
وأما اختلاف حَرِّ الصيف وبرد الشتاء في بعض الأيام فلعله تعالى يأمر بأن تُحفظ تلك الحرارة في موضع، ثم يرسلَها على التدريج حفظاً لأبدانهم وأشجارهم، وكذلك البرد.
* * *
409 -
وقال أنس رضي الله عنه: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي العَصْرَ والشَّمْسُ مُرتفِعة حيَّة، فيذهبُ الذَّاهبُ إلى العَوالي، فيأْتيهِمْ والشَّمْسُ مُرتفعة، وبعضُ العَوالي مِنَ المدينةِ على أربعةِ أمْيالٍ أو نحوِهِ.
"وقال أنسٌ: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يصلِّي العصر
والشمسُ مرتفعةٌ حيَّةٌ، فيذهب الذاهبُ"؛ أي: يذهب واحد بعد صلاة العصر "إلى العوالي": جمع عالية وهي أماكن معروفة بأعلى أراضي المدينة.
"فيأتيهم"؛ أي: يرجع إلى المدينة.
"والشمسُ مرتفعةٌ" لم تصفر؛ يعني: كان يصلي العصر في أول وقته.
"وبعض العَوالي من المدينة على أربعة أميال"، جمع ميل، وهو ثلث فرسخ، والفرسخ اثنا عشر ألف خطوة، وكل خطوة ثلاث أقدام.
"أو نحوها"؛ أي: نحو المقدار المذكور يعني: قريب من ذلك، وأبعدُ العوالي من جهة نجد على ثمانية أميال.
* * *
410 -
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تلْكَ صلاةُ المُنَافِقِ، يجلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْس، حتى إذا اصفرَّتْ، وكانتْ بينَ قَرْنيَ الشَّيطانِ؛ قامَ فنقرَ أربعاً لا يذكُرُ الله فيها إلَّا قليلاً".
"وعن أنس أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: تلك"، إشارة إلى المذكور حكمًا؛ أي: صلاةُ العصر التي أُخّرت إلى الاصفرار "صلاةُ المنافقين"، فبيَّنهَا بقوله:"يجلِسُ يرقُبُ الشمس"؛ أي: يرصُد وينتظر دنَوَّ الشمس من المغرب، وهي جملة حالية أو استئنافية.
"حتى إذا اصفرَّت"؛ أي: الشمس.
"وكانت بين قَرنيَ الشيطان" قَرُبَت من الغروب.
"قام فنقَرَ أربعاً"؛ أي: أربع ركعات، من نقرَ الطيرُ الحباتِ إذا لقطَها بمنقاره سريعًا، يعني صلَاّها خفيفة بلا طمأنينة وخشوع ولا رعايةِ تَعْدِيل.
"لا يذكر الله فيها إلا قليلًا"، فإنَّ مَن أخر صلاة العصر إلى الاصفرار فقد
شَبَّه نفسَه بالمنافقين، فإنهم لا يصلُّون عن اعتقاد حقيقتها، ولا يبالون بتأخيرها، فلا ينبغي للمسلم أن يفعل ما يفعلونه.
* * *
411 -
وقال: "الذي تفُوتُهُ صَلاةُ العصرِ فكأنَّما وترَ أهلَهُ ومالَهُ"، رواه ابن عمر.
"وعن ابن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: الذي تفوته صلاة العصر فكأنه وترَ"، مجهولاً؛ أي: نقصَ وأُهْلِك.
"أهلُه ومالُه"؛ يعني فوتُ ثواب صلاة العصر عنه أكثر خساراً من فوت أهله وماله.
وقيل: معناه: فليكن حذرُه من فوتها كحذَره من ذهابهما، وإنما أوعده بهذا؛ لأنه وقت اشتغال الناس بتجاراتهم ومعايشهم لأهليهم ونفوسهم، وذلك مَظِنَّة الفَوت أو التفويت مع ما فيها من الفضيلة.
* * *
412 -
وقال: "مَنْ تَرَكَ صلاةَ العَصْرِ حَبطَ عملهُ"، رواه بُريدة.
"وعن بُرَيدةَ عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: مَن ترك صلاة العصر حَبطَ عملُه"؛ أي: نقص ثوابُ عملِ ذلك اليوم؛ لأنها خاتمة فرائض النهار، فإذا فاتته بقي عمل نهاره أبترَ لا يكمل ثوابه، فتعبيره بالحبوط - وهو البطلان - للتهديد.
* * *
413 -
قال رافِع بن خَدِيج: كُنَّا نُصلِّي المغربَ معَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فينصرِفَ
أحدُنا وأنَّه ليُبصِرُ مَواقِعَ نبلِهِ.
"وقال رافع بن خُدَيج: كنا نصلي المغرب مع النبي عليه الصلاة والسلام فينصرفُ أحدُنا"؛ أي: من الصلاة.
"وإنه ليبصِرُ مواقع نبلِه"، جمع موقع: وهو موضع الوقوع، والنبل السهمُ؛ يعني: يصلي المغرب في وقت لو رمى أحدنا سهمه لأبصره أين يقع، وهذا دليل على تعجيل المغرب.
* * *
414 -
وقالت عائشة رضي الله عنها: كانُوا يُصلُّونَ العَتَمةَ فيما بينَ أنْ يَغيبَ الشَّفَقُ إلى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأولِ.
"وقالت عائشة: كانوا يصلُّون العَتَمة"؛ يعني صلاة العشاء.
"فيما بين أن يغيبَ الشفقُ إلى ثلث الليلِ الأولِ"، ولعل قولها:(العَتَمة) للعشاء قبلَ ورود النهي عن تسميته بذلك، وفيه استحباب تأخير العشاء.
* * *
415 -
وقالت عائشة رضي الله عنها: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لَيُصلِّي الصُّبحَ، فتَنصَرِف النِّساءُ مُتَلفِّعات بمُرُوطِهِنَّ ما يُعْرَفْنَ مِنَ الغَلَسِ.
"وقالت عائشة: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لَيُصَلِّي"، اللام فيه للابتداء، وقد دخل الخبر، وهو جائز عند الكوفية على تقدير مبتدأ محذوف عند البصرية؛ أي: لهو يصلي.
"الصبحَ، فتنصرِف النساءُ متلفِّعات"، نصب على الحال؛ أي: متلحّفَات "بمروطِهَّن": جمع المِرْط وهو المِلْحَفة.
"ما يُعرَفْنَ من الغَلَس" أنها امرأة أم رجل، وبهذا قال الشافعي: التغليس
بالفجر أفضلُ، وعليه الأكثر، وبعضهم ذهب إلى أن الإسفار أفضل.
* * *
416 -
وعن قَتادة، عن أنس: أنَّ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم وزيدَ بن ثابتٍ تَسحَّرا، فلمَّا فَرَغا مِنْ سَحُورِهما قامَ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم إلى الصَّلاةِ فصلَّى، قُلنا لأنس: كَمْ كانَ بينَ فَراغِهِما مِنْ سَحُورِهما ودُخُولهما في الصَّلاةِ؟ قال: قدرُ ما يقرأُ الرجُلُ خمسينَ آيةً.
"عن قَتادة عن أنس: أن نبي الله صلى الله تعالى عليه وسلم وزيدَ بن ثابت تسحرا"؛ أي: أكلا السحور.
"فلما فرغا من سَحُورهما قام نبي الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الصلاة"؛ أي: إلى صلاة الصبح.
"فصلى، قُلْنا لأنس: كم كان"، (كم) هذه استفهامية مبتدأ وخبرها الجملة؛ أي: كم زمانا كان "بين فراغهما"؛ أي: فراغ النبي عليه الصلاة والسلام وزيد بن ثابت.
"من سَحُورِهما وفي خولهما في الصلاة؟ قال: قَدْرَ" بالنصب خبر لـ (كان) المقدرة؛ أي: كان المقدار ما بينهما قَدْرَ.
"ما يقرأ الرجلُ خمسين"، ويجوز الرفع، خبر مبتدأ محذوف، وهذه الفاصلة بين أكلِ السَّحور والدخولِ في الصلاة لا يجوز لكل أحدٍ، وإنما جاز للنبي عليه الصلاة والسلام لأنه كان عارفًا بدخول الصبح من طريق الوحي والمعجزة، فإن كان رجلٌ حاذقٌ عارفٌ بدخول الصبح يقينًا بعلم النجوم جاز له هذا التأخير أيضًا إلى هذه المقدار.
* * *
417 -
عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: قال لي النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذَرٍّ! كيفَ بِكَ إذا كانتْ عليكَ أُمراءُ يُميتُونَ الصَّلاةَ - أو قال: يُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ؟ "، قلتُ: يا رسولَ الله فما تأمُرُنِي؟ قال: "صَل الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا، فإنْ أَدْركتَها معهُمْ فصلِّها؛ فإنَّها لك نافِلَة".
"وعن أبي ذر أنه قال: قال لي النبيُّ صلى الله تعالى عليه وسلم: يا أبا ذر! كيف بك"؛ أي: كيف الحال أو الأمر بك "إذا كانت عليك أُمراءُ": جمع أمير، ومُنع صرفه لألف التأنيث.
"يميتون الصلاة"؛ يعني يضيعونها ويؤخرونها إلى آخر الوقت لعدم المبالاة بها.
"أو قال: يؤخرون الصلاة"، شك من الراوي، وإنما ذكر الأمراء؛ لأنهم كانوا الخطباءَ في ذلك الزمان، والأئمة بالناس؛ يعني: إذا رأيتهم يؤخرونها أفَتُوافِقُهم في التأخير أم لا؟.
"قلت: يا رسول الله! فما تأمرني؟ قال: صَلِّ الصلاةَ لوقتها"؛ أي: في أول الوقت ولا تؤخرها.
"فإن أدركتَها معهم فصلِّهْ"، الهاء للسكت، أو كناية يعود إلى ما أدرك، ويروى:"فصلِّ" و"فصلِّها".
"فإنها لك نافلة" وهذا دليل على أن الصلاة في أول الوقت أفضلُ، ولا يستَحبُّ ترك فضيلة أولِ الوقت؛ لأجل إمام يؤخر الصلاة، وعلى سُنية إعادة الفرض بالجماعة خلافًا لمن كره ذلك، وعلى أن الثاني نقل خلافًا لمن قال: إن الأُولى أو واحدة منهما لا على التعيين نفل.
* * *
418 -
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أدركَ ركعةً مِنَ الصُّبْح قبلَ أنْ تطلُعَ الشَّمْسُ فقدْ أدركَ الصُّبْحَ، ومَنْ أدركَ ركعةً مِنَ العَصْرِ قبلَ أنْ تغرُبَ الشَّمْسُ فقدْ أدركَ العَصْر".
"وعن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: مَن أدركَ ركعةً مِن الصبح"؛ أي: بركوعها وسجودها.
"قبلَ أن تطلُعَ الشمس فقد أدرك الصبحَ، ومَن أدركَ ركعةً من العصر قبل أن تغربَ الشمس فقد أدرك العصر"، قيل: معناه فقد أدركَ وقتَها، فإنَّ مَن لم يكن أهلاً للصلاة فصار أهلاً، وقد بقي من الوقت قَدْرُ ركعة لزمته تلك الصلاة.
وقيل: معناه فقد أدرك فضيلةَ تلك الصلاة مع الجماعة.
* * *
419 -
وقال "إذا أَدْرَكَ أحدكمْ سَجدةً مِنْ صلاةِ العصرِ قبلَ أَنْ تغرُبَ الشَّمْسُ فلْيتمَّ صَلاتَهُ، وإذا أدركَ سَجدةَّ مَنْ صَلاةِ الصُّبح قبلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمسُ فلْيتمَّ صَلاتَه"، رواه أبي هريرة.
"وعنه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: إذا أدركَ أحدكم سجدةً"؛ أي: ركعة، سميت الركعة سجدة؛ لأن تمامَها بها.
"من صلاة العصر قبل أن تغربَ الشمسُ فليتمَّ صلاتَه"؛ أي: ليمضيَ فيها ولا يقطعها في أثنائها.
"وإذا أدركَ سجدةً من الصبح قبل أن تطلعَ الشمس فليتمَّ صلاته"، والحديث يدل على أن مَن صلى ركعة في الوقت والباقي خارجَه لا يكون كمن صلى الكلُّ خارجَ الوقت.
قيل: يكون جميعها أداءً، وقيل: قضاءً، وقيل: القَدْر الواقع فيه أداء،
والقَدْر الخارج قضاء، وإن من طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الصبح، أو غربت وهو في صلاة العصر فإن صلاته لا تبطل، وعند أبي حنيفة: تبطل بالطلوع دون الغروب.
* * *
420 -
وقال: "مَنْ نَسِيَ صَلاةً أو نامَ عَنْها، فكَفَّارتُها أنْ يُصلِّيَها إذا ذكرها"، رواه أنس، وفي روايةٍ:"لا كفَّارَة لها إلَّا ذلك".
"وعن أنس أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه سلم: من نَسِيَ صلاة أو نام عنها"؛ أي: كان نائماً "حتى تفوتَ الصلاة فكفارتُها أن يصلِّيهَا إذا ذكرها"، وليس عليه إثم إذا قضاها؛ لأنه لا تقصيرَ منه في النسيان والنوم.
"وفي رواية: لا كفارةَ لها إلا ذلك"؛ يعني لا يكفِّرُها غير قضائها، أو لا يلزمه في نسيانها غرامة ولا زيادة تضعيف، ولا كفارة من صدقة كما مِن ترك الصوم من رمضان بلا عُذْر، وكما يلزم المُحْرِم إذا ترك شيئًا من فِدية من دم أو طعام.
والحديث يدلُّ على أن الفائتة المتذكَّرة لا تؤخَّر.
* * *
421 -
وقال: "ليسَ في النَّوْمِ تَفْريطٌ، إنَّما التَّفريطُ في اليَقَظَةِ، فإذا نَسِيَ أحدكمْ الصلاة أو نام عنها فليصلِّها إذا ذكَرها"، رواه أبو قَتادة.
ورواه أبو هريرة رضي الله عنه، وزاد:"قالَ الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} ".
"عن أبي قَتادة أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ليس في النوم تفريط"؛ أي: تقصير في فوت الصلاة "إنما التقصير في اليقظة"؛ أي:
التقصير إنما يكون إذا لم يكن الرجل نائماً ولا ناسيًا وترك الصلاة عامدًا حتى تفوت.
"فإذا نسي أحدكم صلاةً أو نام عنها فليصلِّها إذا ذَكَرَها، فإن الله تعالى قال: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] ": اللام تعني الوقت والحسين؛ أي: وقت ذِكْرِ صلاتي.
* * *
مِنَ الحِسَان:
422 -
عن علي كرَم الله وجهه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له: "يا عليُّ! ثلاثٌ لا تُؤخِّرْها: الصَّلاةُ إذا أتتْ، والجنازةُ إذا حَضَرَتْ، والأيمُ إذا وجدْتَ لها كفْؤاً".
"من الحسان":
" عن عليٍّ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله تعالى عليه وسلم قال له: يا علي! ثلاث لا تؤخِّرْها: الصلاةُ إذا آتت"، على وزن حانت، من: آنَ يئين أَيْنًا: إذا دخل الوقت، وقيل: مِن أَنى يَأْنىَ بمعنى: حان.
"والجنازة إذا حضرتْ"، وهذا يدل على عدم كراهة صلاتها في الأوقات المكروهة.
"والأَيم" بتشديد الياء: المرأة بلا زوج بِكرًا كانت أو ثَيبًا.
"إذا وجدتْ لها كفْواً"، وهو المِثْل، وكُفْوُ النكاح أن يكون الرجلُ مثلَ المرأة في الإِسلام والحرية والصلاح والنَّسَب.
* * *
423 -
وقال عليه السلام: "الوقْتُ الأوَّلُ مِنَ الصَّلاةِ رِضْوانُ الله، والوقتُ الآخِرُ عَفْوُ الله"، رواه ابن عمر.
"وعن ابن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الوقت الأول من الصلاة"؛ أي: التعجيلُ فيه.
"رضوانُ الله"؛ لأنه عجَّل إلى الله وهو مؤدٍّ إلى رضاه.
"والوقت الآخر عفوُ الله"، وبهذا قال الشافعي: تعجيل الصلوات في أول الأوقات أفضل؛ لأن العفو يتبع التقصير.
وعند أبي حنيفة تأخير الصبح إلى الإسفار، والعصر ما لم تتغير الشمس، والعشاء إلى ما قبل ثلث الليل أفضل؛ لأن في تأخيرهن فضيلةَ انتظارِ الصلاة، وتكثير الجماعة ونحوهما، فالعفو يجيء بمعنى الفضل، قال الله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: 219] يعني: أنفقوا ما فضَلَ عن قُوتكم وقُوتِ عيالكم، فالمعنى: في آخر الوقت فضلُ الله كثير.
* * *
424 -
وعن أُمِّ فَرْوَة رضي الله عنها قالت: سُئلَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأعمالِ أفضَلُ؟ قال: "الصَّلاةُ لأِوَّلِ وَقْتِها"، ضعيف.
"عن أم فَرْوَةَ أنها قالت: سئل النبي عليه الصلاة والسلام: أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: الصلاةُ لأولِ وقتِها"، اللام بمعنى (في)؛ أي: في أول وقتها.
"ضعيف".
* * *
425 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما صَلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صَلاةً لِوَقْتِها الآخِرِ مَرَّتَيْنِ حتَّى قبضَهُ الله تعالى.
"عن عائشة أنها قالت: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاةً لوقتها الآخِرِ مرتين حتى قبضَه الله تعالى"؛ يعني صلى عليه الصلاة والسلام كلَّ صلاة في آخر وقتها مرةً واحدة لتعليم آخر وقتها، ولم يصلِّها مرة أخرى في آخر الوقت، بل صلَاّها في أوله، وهذا دليل على فضيلة أولِ الوقت.
* * *
426 -
وقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَزالُ أُمَّتي بخيرٍ ما لَمْ يُؤخِّرُوا المَغربَ إلى أنْ تَشتبكَ النُّجومُ"، رواه أبو أيُّوب.
"وعن أبي أيوبَ أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخِّروا المغرب إلى أن تشْتَبك النجوم"، واشتباكُها أن يختَلِطَ بعضُها ببعض حتى تفسير السماءُ بطلوعها كالشبابيك، يعني: تكون أمتي مشغولين بالخير إذا عجَّلُوا أداء صلاة المغرب قبل أن تَظهرَ نجوم كثيرة، فإن أَخَّروها إليه لم يكونوا كذلك، وهذا يدل على أن الكراهة بمجرد الطُّلوع.
* * *
427 -
وقال: "لولا أنْ أشُقَّ على أُمَّتي لأَمرْتُهُمْ أنْ يُؤخِّرُوا العِشاءَ إلى ثُلُثِ اللَّيْلِ أو نِصْفِهِ"، رواه أبو هريرة.
"وعن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لولا أن أشُقَّ على أمتي لأَمَرْتُهم أن يؤخِّروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه"، وفيه دليل على فضل تأخير العشاء، وهذا محمول على إرادة انتظار كثرة الناس.
* * *
428 -
وقال: "أَعتِمُوا بهَذه الصَّلاةِ، فإنكمْ قد فُضلْتُمْ بها على سائر الأُمَم ولمْ تُصَلِّها أُمَّةٌ قَبْلَكُمْ"، رواه مُعاذ بن جبل.
"وعن معاذ بن جبل أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أَعْتِموُا بهذه الصلاة"؛ أي: أخروا صلاة العشاء إلى العَتَمة، عن الخليل: أنه الثُّلُث الأول من الليل بعد غيبوبة الشفق، وعَتَمةُ الليل ظُلْمَتُه، والإعتامُ التأخير.
"فإنكم قد فُضلْتم بها على سائر الأمم، ولم تصلِّها أمةٌ قبلَكم"، فعظِّموها واجلسِوا ذاكِرين منتظِرين لها إلى أن يذهبَ بعضُ الليل.
وقيل: معناه ادخلُوا في العَتَمة وهي صلاة العِشَاء، والباء في (بهذه) للتعدية؛ يعني: بالغوا في المحافظة على أدائها، ويجوز أن يكون الجار والمجرور حالا؛ أي: أَعْتِمُوا ملابسين بهذه الصلاة.
* * *
429 -
وقال: النُّعمان بن بشير رضي الله عنه: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيها لِسُقُوطِ القمَرِ ليلةَ الثَّالِثة.
"وقال النعمان بن بَشير: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يصليها"؛ أي: العشاء.
"لسقوط القمر"؛ أي: لوقت غروبها.
"ليلة الثالثة" من الشهر، وإضافة الليلة إليها بتأويل العشيَّة لئلا يَلزَم إضافة الموصوف إلى الصفة، وعلى رأي الكوفيين لا يحتاج إلى تأويل.
* * *
430 -
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَسْفِرُوا بالفَجْرِ فإنَّه أعظَمُ للأَجْرِ"، رواه