المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌4 - باب إثبات عذاب القبر - شرح المصابيح لابن الملك - جـ ١

[ابن الملك]

فهرس الكتاب

- ‌1 - كِتَابُ الإيمَانِ

- ‌2 - باب الكبائر وعلامات النِّفاق

- ‌فصل في الوَسْوَسةِ

- ‌3 - باب الإِيمان بالقَدَرِ

- ‌4 - باب إِثْبات عَذَاب القَبْر

- ‌5 - باب الاعتِصام بالكتاب والسنة

- ‌2 - كِتابُ العِلْمِ

- ‌3 - كِتَابُ الطَّهَارَةِ

- ‌2 - باب ما يُوجِب الوضوءَ (باب ما يوجب الوضوء)

- ‌3 - باب أَدَب الخَلاءِ

- ‌4 - باب السِّواكِ

- ‌5 - باب سُنن الوُضوء

- ‌6 - باب الغسل

- ‌7 - باب مُخالَطة الجُنُب وما يُباح لَهُ

- ‌8 - باب أحكام المِيَاهِ

- ‌9 - باب تَطْهير النَّجاسات

- ‌10 - باب المَسْح على الخُفَّيْنِ

- ‌11 - باب التَّيمُّم

- ‌12 - باب الغُسْل المَسْنون

- ‌13 - باب الحيض

- ‌14 - باب المستحاضة

- ‌4 - كِتابُ الصَّلَاةِ

- ‌2 - باب المَواقيْتِ

- ‌3 - باب (تَعْجيل الصلاةِ)

- ‌فصل

- ‌4 - باب الأَذان

- ‌5 - باب فَضْل الأَذان وإجابة المؤذّن

- ‌فصل

- ‌6 - باب المَساجِد ومَواضع الصَّلاةِ

- ‌7 - باب السَّتْر

- ‌8 - باب السُّتْرة

- ‌9 - باب صِفَة الصَّلاةِ

- ‌10 - باب ما يَقْرأُ بعد التكبيرِ

- ‌11 - باب القِراءةِ في الصلاة

الفصل: ‌4 - باب إثبات عذاب القبر

تلك الحفرة وأهالت عليها التراب.

* * *

‌4 - باب إِثْبات عَذَاب القَبْر

(باب إثبات عذاب القبر)

مِنَ الصِّحَاحِ:

91 -

عن البَرَاء بن عازِب رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المُسلم إذا سُئِلَ في القَبْر، يشهدُ أنْ لا إله إلَّا الله وأنَّ محمدًا رسولُ الله، فذلكَ قوله:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} .

وفي روايةٍ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: " {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ}: نزلَتْ في عذابِ القَبْرِ، إذا قيلَ له: مَنْ ربُكَ؟ وما دينُكَ؟ ومن نبيُّكَ؟؛ فيقول: ربيَ الله، وديني الإسلامُ، ونبيي محمدٌ صلى الله عليه وسلم ".

"من الصحاح":

" عن البراء بن عازب عن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - أنه قال: المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فذلك قوله"؛ أي: مصداق هذا الحكم قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: 27] وهو كلمة الشهادة.

{فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} : بأن لا يزلُّوا عنه إذا فُتنوا (1).

{وَفِي الْآخِرَةِ} [الأعراف: 156]؛ يعني: في القبر عند سؤال منكر ونكير.

(1) في "م": "افتتنوا".

ص: 130

"وفي رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} نزلت"؛ أي: هذه الآية "في عذاب القبر إذا قيل له"؛ أي: للميت بعدما وضع في القبر: "من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ " فإن كان مسلما أزال الله الخوف، وثبَّت لسانه في جواب الملكين (1).

"فيقول: ربي الله، ونبيي محمد، وديني الإسلام" وأما الكافر فيغلب عليه الخوف ولا يقدر على جوابهما، فيكون معذبًا فيه.

* * *

92 -

وعن أنسٍ صلى الله عليه وسلم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ العبْدَ إذا وُضعَ في قَبْرِه، وتولَّى عنه أصحابُهُ، وإنَّه ليسمَعُ قَرْعَ نِعالِهِم = أتاهُ مَلَكانِ، فيُقعدانه، فيقولانِ: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ؟ - لمحمدٍ -، فأمَّا المؤمنُ فيقولُ: أشهدُ أنَّه عَبدُ الله ورسولهُ، فيقال له: انظُرْ إلى مَقْعدِكَ مِنَ النَّارِ، قد أبدلَكَ الله بهِ مَقْعدًا من الجنَّةِ، فيراهُمَا جميعًا، وأمَّا المُنافِقُ والكافِرُ فيُقالُ له: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ؟ فيقول: لا أَدري، كنتُ أقولُ ما يقولُ الناسُ، فيُقالُ له: لا دَرَيتَ ولا تَلَيتَ، ويُضربُ بمِطْرقةٍ من حديدٍ ضربةً، فيصيحُ صَيْحةً يسمعُها مَنْ يليهِ غير الثقلَيْنِ".

"وعن أنس رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: إن العبد إذا وضع في قبره وتولى"؛ أي: أدبر وأعرض "عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم"؛ أي: صوت دقها، فيه دلالة على حياة الميت في القبر؛ لأن الأحساس بدون الحياة ممتنعٌ عادة، واختلفوا في ذلك؛ قال بعضهم: يكون بإعادة الروح، وتوقَّف أبو حنيفة في ذلك.

(1) في "م": "في جوابهما".

ص: 131

"أتاه ملكان" قبل أن يمضي زمان طويل.

"فيقعدانه" وقد جاء في بعض الروايات: (فيجلسانه) وهو أولى؛ لأن القعود في مقابلة القيام، والجلوس في مقابلة الاضطجاع، يؤيده ما روي: أن نضر بن شميل مثلَ بين يدي المأمون، فقال له: اجلس، فقال: يا أمير المؤمنين! لست بمضطجع فأَجلِسَ، قال: كيف أقول؟ قال: قل: اقعُد.

ويحتمل أن يراد بالإقعاد: الإيقاظ والتنبيه لما يسألان عنه بإعادة الروح.

"فيقولان ما"؛ أي: أيَّ شيء "كنت تقول في هذا الرجل" الذي بعث إليكم بالنبوة: هل كنت اعتقدت وأقررت بأنه نبي أم لا؟.

"لمحمد" عطف بيان لـ (الرجل)، أو بدل منه من لفظ المصنف أو الراوي.

"فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار" لو لم تكن مؤمنًا ولم تُجب الملكين.

"قد أبدلك الله به"؛ أي: بمقعدك هذه "مقعدًا من الجنة" بإيمانك وإجابة الملكين.

"فيراهما جميعًا" ليزداد فرحه ويعرف نعمة الله عليه بتخليصه من النار، وإعطائه من الجنة.

"وأما المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري"؛ أي: لا أعلم على الحقيقة أنه نبي أم لا.

"كنت أقول"؛ أي: في الدنيا "ما يقول الناس"؛ أي: المؤمنون، قيل: هذا قول المنافق، وأما الكافر فلا يقول في القبر شيئًا، ويحتمل أن يقول الكافر أيضًا دفعًا لعذاب القبر عن نفسه.

"فيقال له: لا دريت"؛ أي: لا علمت ما هو الحق والصواب.

ص: 132

"ولا تليت" من تلا يتلو: إذا قرأ؛ أي: ولا قرأت في الكتاب دعاء عليه أو إخبار.

قيل: رواية: "ولا تليت" غلط، والصواب:"ولا أتليت" من أتلاه: إذا اتبعه، فالمعنى: ما علمت بنفسك بالنظر والاستدلال حقِّية نبوته، ولا اتَّبعت العلماء بالتقليد فيكون إخبارًا.

"ويضرب بمطرقة": وهي آلة الضرب.

"من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح"؛ أي: يرفع صوته بالبكاء من تلك الضربة.

"صيحة يسمعها"؛ أي: تلك الصيحة.

"من يليه"؛ أي: يقربُه من الحيوانات.

"غير الثقلين" نصب على الاستثناء؛ أي: غير الإنس والجن، فإنهم لا يسمعون صوته؛ لأنهم مكلفون بالإيمان بالغيب، والغيب ما لم يروه من أحوال القبر والقيامة، إذ الإيمان بالمشاهدة والمرئيِّ ضروريٌّ ليس موجبًا للثواب.

* * *

93 -

عن عبد الله بن عمر: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ أحدكم إذا ماتَ عُرِضَ عليهِ مَقْعدُهُ بالغَداةِ والعَشيِّ، إنْ كان مِنْ أهلِ الجَنَّةِ فمنْ أهلِ الجنَّةِ، وإنْ كان مِنْ أهلِ النَّارِ فمنْ أهلْ النارِ، فيُقالُ: هذا مَقْعدُكَ حتى يبعثَكَ الله يومَ القيامَةِ".

"وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان"؛ أي: الميت "من أهل الجنة فمن أهل الجنة"؛ أي: فالمعروض عليه من مقاعد أهل الجنة؛ ليزداد شكرًا وفرحًا بطيب

ص: 133

المعروض ونزاهته.

"وإن كان من أهل النار فمن أهل النار"؛ أي: فالمعروض عليه من مقاعد أهل النار ليزداد حسرة وندامة.

"فيقال: هذا"؛ أي: المقعد المعروض عليك "مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة" أو المعنى: القبر مقعدك حتى يبعثك الله منه إلى مقعدك الآخر المعروض عليك (1).

* * *

94 -

وعن عائشة رضي الله عنها: أنَّ يهوديةً دخلتْ عليها، فقالت: أعاذكِ الله مِنْ عذابِ القبرِ، فسأَلتْ عائشةُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عنْ عذابِ القَبْرِ، فقال:"نعَم، عذابُ القبْرِ حقٌّ" قالت عائشةُ: فما رأَيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعدُ صلَّى صلاةً إلَّا تعوَّذَ مِنْ عذابِ القبرِ.

"وعن عائشة رضي الله عنها: أن يهودية دخلت عليها فقالت: أعاذك الله"؛ أي: حفظك "من عذاب القبر" جاز علم اليهودية بعذاب القبر بقراءتها في التوراة، أو سماعها ممن قرأ التوراة، وكانت عائشة لم تعلم ولم تسمع ذلك.

"فسألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر فقال: نعم عذاب القبر حق، قالت عائشة رضي الله عنها: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد"؛ أي: بعد ذلك "صلى صلاة إلا تعوذ بالله من عذاب القبر".

قيل: يحتمل أنه عليه الصلاة والسلام كان قبل هذا يتعوذ منه سرًا، فلما رأى تعجبها منه أعلن به خلف كل صلاة ليَثبت في قلبها ولتقتدي به أمتُه، وجاز أنه عليه الصلاة والسلام كان متوقِّفا في شأن أمته فيه قبل أن يوحى إليه،

(1) في "م" زيادة: "بالغداة والعشي".

ص: 134

فلما أوحي إليه تعوذ منه، أعاذنا الله تعالى بلطفه منه.

* * *

95 -

عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أنْ لا تَدافَنُوا لَدَعَوْتُ الله أنْ يُسمِعَكُمْ مِنْ عذابِ القَبْرِ"، ثم قال:"تَعَوَّذوا بالله مِنْ عذابِ النّار"، فقالوا: نعوذُ بالله مِنْ عذابِ النَّار، ثم قال:"تَعوَّذُوا بالله مِنْ عذابِ القبرِ"، قالوا: نعوذُ بالله مِنْ عذابِ القَبْرِ، قال:"تعوَّذُوا بالله مِنْ الفِتَنِ ما ظهرَ منها وما بطَنَ"، قالوا: نعوذُ بالله مِنَ الفِتَنِ ما ظهرَ منها وما بطنَ، قال:"تعوَّذُوا بالله مِنْ فتْنَةِ الدَّجَّالِ"، قالوا: نعوذُ بالله مِنْ فتنَةِ الدَّجَّالِ.

"وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لولا أن لا تدافنوا" بحذف إحدى التاءين؛ أي: لولا مخافة أن لا تدافنوا الدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر"؛ أي: يوصل إلى آذانكم أصوات المعذبين في القبر، فإنكم لو سمعتم ذلك لتركتم التدافن من خوف قلع صياح الموتى أفئدتكم، أو خوف الفضيحة بعذاب أقاربكم (1) لئلا يطلع على حالهم.

"ثم قال: تعوذوا بالله"؛ أي: اطلبوا منه أن يدفع عنكم.

"من عذاب النار" وهذا يدل على أنه لا يجوز لأحد أن يأمن من عذاب الله، بل ينبغي أن يكون خائفًا منه باكيًا على ذنوبه سائلًا من الله العفو والعافية.

"فقالوا: نعوذ بالله من عذاب النار، ثم قال: تعوذوا بالله من عذاب القبر، فقالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر، ثم قال: تعوذوا بالله من الفتن" جمع فتنة وهي الامتحان، ويستعمل في البلاء والمكر (2).

(1) في "ت" و"غ": "في القرائب" بدل "بعذاب أقاربكم".

(2)

في "م": "والمكروه".

ص: 135

"ما ظهر منها": بدل من (الفتن)، يعني: الجهر.

"وما بطن"؛ يعني: السر.

وقيل: (ما ظهر) ما يجري على ظاهر الإنسان، و (ما بطن) ما يكون في القلب من الشر (1) والرياء والحسد وغير ذلك من مذمومات الخواطر.

"قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ثم قال: تعوذوا بالله من فتنة الدجال" وإنما خصص التعوذ من فتنته، لكونها فتنةً عظيمةَ الشأن.

"قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال".

* * *

مِنَ الحِسَان:

96 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قُبرَ الميتُ أتاهُ ملَكَانِ أسودانِ أزرقان، يُقالُ لأحدهِما: المُنْكَرُ، وللآخرُ: النَّكيرُ، فيقولانِ: ما كُنْتَ تقولُ في هذا الرَّجُلِ؟ فيقولُ: هوَ عبدُ الله ورسولُهُ، أشهدُ أنْ لا إله إلَّا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، فيقولان: قَدْ كنَّا نعلمُ أنَّكَ تقولُ هذا، ثمَّ يُفْسَحُ لهُ في قبْرِه سبعونَ ذِراعًا في سَبعين ذِراعًا، ثمّ يُنَوَّرُ لهُ فيهِ، ثمَّ يقال له: نَمْ، فيقول: أَرجِعُ إلى أهلي فأُخْبرهُمْ؟ فيقولان: نَمْ كنومة العَرُوسِ الذي لا يُوقظُهُ إلَّا أحبُّ أهلِهِ إليه، حتى يبعثَهُ الله مِنْ مَضْجَعِهِ ذلك، وإنْ كانَ مُنافِقًا قال: سمعتُ الناسَ يقولونَ فقلتُ مِثْلَهُ، لا أَدري، فيقولان: قَدْ كُنَّا نعلمُ أنَّك تقولُ ذلك، فيقولان للأرض: التئِمي عليه، فتلتئمُ عليه، فتختَلِفُ أَضلاعُهُ، فلا يَزالُ فيها مُعذَّبًا حتى يبعَثَهُ الله مِنْ مَضْجَعِهِ ذلك".

(1) في "م": "الشرك".

ص: 136

"من الحسان":

" عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قبر الميت"؛ أي: دُفن.

"أتاه ملكان أسودان"؛ أي: منظراهما.

"أزرقان"؛ أي: عيناهما، وإنما يبعثهما الله تعالى على هذه الصفة لما في السواد وزرقة العين من الهول والوحشة، فيكون خوفهما على الكفار أشد ليتحيروا في الجواب.

"يقال لأحدهما: المنكر" مفعول من أَنْكَرَ بمعنى: نكر: إذا لم يعرف أحدًا.

"وللآخر: النكير" فعيل بمعنى مفعول من نَكِرَ كعلم: إذا لم يعرفه أحد، سمِّيا بهما لأن الميت لم يعرفهما ولم ير صورة مثل صورتهما.

"فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ " فإن كان مؤمنًا "فيقول: هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا"؛ أي: الإقرار بالوحدانية ورسالة محمد عليه الصلاة والسلام، وعلمُهما بذلك إما بإخبار الله تعالى إياهما بذلك، أو بمشاهدتهما في جبينه أثر السعادة وشعاع نور الإيمان.

"ثم يفسح"؛ أي: يوسع له "في قبره سبعون ذراعًا في سبعين"؛ أي: طوله وعرضه كذلك؛ لأنه غالب أعمار أمته عليه الصلاة والسلام، فيفسح له في مقابلة كل سنة عبد الله تعالى فيها ذراعًا، أو المراد به الكثرة.

"ثم ينوّر له فيه"؛ أي: يجعل له في قبره الضياء والنور، فيه دلالة على أن التنوير بعد الفسح بمهلة، وأن الفسح بعد الجواب بمهلة.

ص: 137

"ثم يقال له: نم" أمر من نام ينام.

"فيقول"؛ أي: الميت: "أرجع"؛ أي: أريد الرجوع "إلى أهلي فأخبرهم" بأن حالي طيب ولا حزن لي ليفرحوا بذلك.

"فيقولان: نم كنومة العروس" وهو يطلق على الذكر والأنثى.

"الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه" والجملة (1) صفة للعروس، وإنما شبه نومه بنومة العروس؛ لأنه يكون في طِيْبِ العيش ونيل (2) المراد فينام طيب العيش.

"حتى يبعثه الله من مَضجَعه ذلك" بفتح الميم والجيم: موضع الضجع، وهو النوم.

"وإن كان منافقًا قال: سمعت الناس يقولون: إنه رسول الله، فقلت مثله"؛ أي: مثل قولهم "لا أدري" أنه نبي في الحقيقة أم لا، ومحله نصب على الحال، أو على أنه صفة لـ (مثله).

"فيقولان: قد كنا نعلم" برؤيتنا في وجهك أثر الشقاوة وظلمة الكفر. "أنك تقول ذلك"؛ أي: ذلك القول.

"فيقال للأرض: التئمي"؛ أي: انضمِّي واجتمعي عليه ضاغطةً له، يعني: ضيقي عليه، وهو على حقيقة الخطاب لا أنه تخييل لتعذيبه وعصره.

"فتلتئم عليه الأرض فتختلف أضلاعه": جمع ضلع وهو عظم الجنب؛ أي: تزول عن الهيئة المستوية التي كانت عليها من شدة التئامها عليه، وشدة الضغطة وانعصار جنبيه، ويتجاوز جنبيه من كل جنب إلى جنبه الآخر.

(1) كذا في جميع النسخ، والصواب:"والموصول".

(2)

في "م": "وقيل".

ص: 138

"فلا يزال فيها"؛ أي: في الأرض "معذبًا حتى يبعثه الله تعالى من مضجعه ذلك".

* * *

97 -

ورواه البَراء بن عازِب رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يأْتيه مَلَكَانِ فَيُجْلِسانِهِ فيقولان له: مَنْ ربُكَ؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دِينُكَ؟ فيقول: دِيني الإسلام، فيقولان: ما هذا الرجل الذي بُعثَ فيكم؟ فيقول: هو رسول الله، فيقولان: وما يُدريك؟ فيقول: قرأْتُ كتابَ الله، فآمنتُ بهِ وصدَّقْتُ، فذلك قوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}، قال: فينادي مُنادٍ من السماء: أنْ صَدَقَ عبدي، فأفْرِشوهُ مِنَ الجنَّةِ، وأَلبسوهُ مِنَ الجنَّةِ، وافتحُوا له بابًا إلى الجنَّة، قال: فيأْتيه من رَوْحِها وطِيْبها، ويفتح لها فيها مَدَّ بصَرِهِ، وأمَّا الكافرُ"، فذكر موتَه، قال:"ويُعادُ رُوحه في جسَده، ويأْتيه مَلَكَانِ، فيُجلِسانِهِ، فيقولان: من ربُّكَ؟ فيقول: هَاه هَاه، لا أدري، فيقولان له: ما دينُك؟ فيقول: هَاه هَاه، لا أَدري، فيقولان: ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ فيقول: هَاه هَاه، لا أدري، فينادي مُنادٍ من السماء: أنْ كذَب، فأَفرِشُوه من النَّار، وأَلبسُوه من النَّار، وافتحوا له بابًا إلى النَّار"، قال:"فيأْتيه من حَرِّها وَسَمُومِها"، قال:"ويُضَيَّقُ عليهِ قبْرُهُ حتَّى تختلفَ فيهِ أضلاعُه، ثُمَّ يُقَيَّضُ لهُ أَعمى أصمُّ، معه مِرْزَبّةٌ من حديدٍ لو ضُرِبَ بها جبلٌ لصار تُرابًا، فيضربه بها ضَربةً يسمعها ما بين المَشرق والمَغرب إلا الثَّقلَيْنِ، فيَصير تُرابًا، ثم يُعادُ فيه الرُّوح".

"ورواه"؛ أي: هذا الحديث "براء بن عازب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كما رواه أبو هريرة، إلا أن ألفاظهما مختلفة.

ص: 139

قال في رواية البراء: "يأتيه"؛ أي: المؤمن "ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ ": استخبارًا عن صفته.

"فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان: وما يدريك": استفهام؛ أي: أيُّ شيء أعلمك وأخبرك بما تقول.

"فيقول: قرأت كتاب الله"؛ أي: القرآن "فآمنت به" أنه حق.

"وصدقت" بما فيه، فوجدت فيه:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] و {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [غافر: 62] وغير ذلك من الآيات الدالة على أن ربي وربَّ المخلوقات هو الله تعالى.

وفيه أيضًا: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85]، فعلمت أن لا دين مرضيًا عنده غير الإسلام.

وفيه أيضًا: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} [الفتح: 29] و: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158] وغير ذلك.

"فذلك"؛ أي: مصداق هذا "قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} الآية [إبراهيم: 27].

"قال: فينادي منادٍ من السماء: أن صدق"(أن) مفسِّرة للنداء لأنه في معنى القول، يعني: صدق "عبدي" بما يقول فإنه كان في الدنيا على هذا الاعتقاد فهو مستحق للإكرام.

"فأفرِشوه" بألف القطع؛ أي: اجعلوا له فراشًا "من الجنة"؛ أي: من فُرشها، وأصله: أفرشوا له، فحذف اللام الجارة، ووصل الضمير بالفعل اتساعًا، والفاء فيه جواب شرط مقدر.

ص: 140

وقيل: معناه: أعطوه فُرشًا منها. وقيل: أي: اجعلوه ذا فراش منها، وهو الأصوب.

"وألبسوه" بقطع الهمزة؛ أي: اكسوه وأعطوه لباسًا "من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة، قال: فيأتيه من رَوْحها وطِيبها"؛ أي: بعض من كل الراحة والطيب أو شيء منهما، وكلُّ طِيبٍ رَوْحٌ بلا عكس.

"ويفسح له فيها"؛ أي: في الجنة "مد بصره" قيل: نصب (مد) على الظرف؛ أي: مداه، وهي الغاية التي إليها البصر، والأصوب على المصدر؛ أي: فسحًا قَدْرَ مدِّ بصره.

قيل في التوفيق بين هذا وبين قوله: "سبعون ذراعًا في سبعين": إن هذه الفسحة عبارة عما يعرض عليه من الجنة، وتلك عن توسيع مرقده عليه، ويحتمل أن يكون بحسب اختلاف الأشخاص في الأعمال والدرجات.

"وأما الكافر فذكر"؛ أي: النبي عليه الصلاة والسلام "موته"؛ أي: حالَ موت الكافر وشدته.

"قال: ويعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان: من ربك؟ فيقول: هاه هاه" بسكون الهاء بعد الألف: كلمة يقولها المتحير الذي لا يقدر من حيرته أن يستعمل لسانه في فيه.

"لا أدري": هذا كأنه بيان وتفسير لقوله: (هاه هاه).

"فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادي منادٍ من السماء أن كذب"(أن) مفسرة للنداء أيضًا؛ أي: كذب هذا الكافر في قوله: (لا أدري) بل جحد نبوته بعدما عَلِمَها حسدًا وبغضًا.

"فأفرشوه من النار وألبسوه من النار، وافتحوا له بابًا إلى النار، قال:

ص: 141

فيأتيه من حرها"؛ أي: حر النار وهو تأثيرها "وسمومها" وهو الريح الحارة.

"قال: ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه" تقدم بيانه.

"ثم يقيض"؛ أي: يقدر "له" ويسلط عليه "أعمى"؛ أي: زبانية لا عين له لكيلا يرحم عليه.

"أصم" لا يسمع صوت بكائه واستغاثته فيرقَّ له.

"معه مِرْزبَةٌ": وهي ما يدق به المدر، مخففة الباء عند أهل اللغة، والمحدِّثون يشدِّدونها، يعني: عصية.

"من حديد لو ضرب بها جبل لصار ترابًا" أي: اندقَّ أجزاؤه كالتراب.

"فيضربه بها ضربة يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين"؛ أي: الجن والإنس.

"فيصير ترابًا ثم يعاد فيه الروح"؛ يعني: لا ينقطع عنهم العذاب بموتهم، بل يعاد فيهم الروح بعد موتهم ليزدادوا عذابًا، قال الله تعالى:{زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ} [النحل: 88].

وإنما ذكر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إعادة الروح في الكافر مرتين إلزامًا لهم بما ينكرونه.

* * *

98 -

عن عُثمان بن عفَّان رضي الله عنه: أنه كان إذا وقفَ على قبرٍ بكى حتَّى يبُلَّ لِحيتَهُ، فقيل له: تذكرُ الجنَّة والنَّار فلا تبكي، وتبكي من هذا؟ فقال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ القبْرَ أوَّلُ منزلٍ مِنْ منازِلِ الآخرة، فإنْ نجَا منهُ فما بعدَهُ أيسَرُ منهُ، وإنْ لمْ ينجُ منهُ فما بعدَهُ أشدُّ منهُ". قال: وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما رأَيتُ مَنْظَرًا قطُّ إلا والقبْرُ أفظَعُ منهُ"، غريب.

ص: 142

"وعن عثمان رضي الله عنه: أنه كان إذا وقف على قبر"؛ أي: على رأس قبر، أو عنده "بكى حتى يبل لحيته" من الدمع.

"فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي" من خوف النار واشتياق الجنة، "وتبكي من هذا؟! "؛ أي: من القبر، يعني: من خوفه.

"فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن القبر أول منزل من منازل الآخرة" منها عرصة القيامة عند العرض، ومنها الوقوف عند الميزان، ومنها المرور عند الصراط، ومنها الجنة والنار.

"فإن نجا"؛ أي: المقبور.

"منه"؛ أي: من القبر، يعني: من عذابه.

"فما بعده": من المنازل "أيسر منه" وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه".

قيل: إنما يبكي عثمان رضي الله عنه وإن كان من جملة المشهود لهم بالجنة، إما لاحتمال أن شهادته عليه الصلاة والسلام له بذلك كان في غيبته، ولم تصل إليه، أو وصلت آحادًا فلم يفد اليقين، أو لأنه كان يبكي ليُعلم أنه يخاف مع عظم شأنه وشهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة، فغيره أولى بأن يخاف من ذلك ويحترز منه.

"قال" عثمان رضي الله عنه: "قال رسول الله: ما رأيت منظرًا قط"؛ أي موضعًا ينظر إليه "إلا والقبر أفظع منه"؛ أي: أشد وأفرغ وأنكر من ذلك، قيل: المستثنى جملة حالية من (منظر)، وهو موصوفٌ حذفت صفته؛ أي: ما رأيت منظرًا فظيعًا على حالة من أحوال الفظاعة قط إلا في حالة كون القبر أقبح منه، فالاستثناء مفرَّغ.

"غريب".

* * *

ص: 143

99 -

وعن عُثمان رضي الله عنه قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا فرَغَ منْ دَفْنِ الميتِ وقفَ عليهَ فقال: "استَغْفِرُوا لأخيكم، ثمَّ سَلُوا له بالتثبيت، فإنه الآنَ يُسْأَل".

"وعن عثمان رضي الله عنه أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه"؛ أي: على رأس القبر.

"فقال: استغفروا"؛ أي: اطلبوا المغفرة من الله.

"لأخيكم (1) ثم سلوا له بالتثبيت"؛ أي: بأن يثبته بالقول الثابت، وهو كلمة الشهادة عند سؤال منكر ونكير.

"فإنه الآن يسأل" وفيه إشارة إلى أن دعاء الحي ينفع الميت، وأنه يستحب للأحياء أن يدعوا للأموات.

* * *

100 -

عن درَّاج، عن أبي الهَيْثَم، عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُسلَّطُ على الكافرِ في قبْرِه تسعةٌ وتسعون تِنِّينًا تَنْهَشُهُ وتلدغُه حتى تقومَ الساعةُ، لو أنَّ تِنِّينًا منها نفَخ في الأَرضِ ما أنبتتْ خَضْراء".

"وعن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلط على الكافر"؛ أي: يجعل موكَّلًا عليه ليعذبه ويؤذيه "في قبره تسعة وتسعون تنينًا" وهي حية كبيرة، وتخصيص العدد لا يُعلم إلا بالوحي، ويحتمل أن يقال: إن لله تسعة وتسعين اسمًا فالكافر أشرك بمن له هذه الأسماء فسلط عليه بعدد كل اسم تنينًا.

(1) في "م": "الميت"، وفي "غ" زيادة:"أي: اطلبوا من الله أن يثبت لسانه بجواب المنكر والنكير".

ص: 144