المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3 - كتاب الطهارة - شرح المصابيح لابن الملك - جـ ١

[ابن الملك]

فهرس الكتاب

- ‌1 - كِتَابُ الإيمَانِ

- ‌2 - باب الكبائر وعلامات النِّفاق

- ‌فصل في الوَسْوَسةِ

- ‌3 - باب الإِيمان بالقَدَرِ

- ‌4 - باب إِثْبات عَذَاب القَبْر

- ‌5 - باب الاعتِصام بالكتاب والسنة

- ‌2 - كِتابُ العِلْمِ

- ‌3 - كِتَابُ الطَّهَارَةِ

- ‌2 - باب ما يُوجِب الوضوءَ (باب ما يوجب الوضوء)

- ‌3 - باب أَدَب الخَلاءِ

- ‌4 - باب السِّواكِ

- ‌5 - باب سُنن الوُضوء

- ‌6 - باب الغسل

- ‌7 - باب مُخالَطة الجُنُب وما يُباح لَهُ

- ‌8 - باب أحكام المِيَاهِ

- ‌9 - باب تَطْهير النَّجاسات

- ‌10 - باب المَسْح على الخُفَّيْنِ

- ‌11 - باب التَّيمُّم

- ‌12 - باب الغُسْل المَسْنون

- ‌13 - باب الحيض

- ‌14 - باب المستحاضة

- ‌4 - كِتابُ الصَّلَاةِ

- ‌2 - باب المَواقيْتِ

- ‌3 - باب (تَعْجيل الصلاةِ)

- ‌فصل

- ‌4 - باب الأَذان

- ‌5 - باب فَضْل الأَذان وإجابة المؤذّن

- ‌فصل

- ‌6 - باب المَساجِد ومَواضع الصَّلاةِ

- ‌7 - باب السَّتْر

- ‌8 - باب السُّتْرة

- ‌9 - باب صِفَة الصَّلاةِ

- ‌10 - باب ما يَقْرأُ بعد التكبيرِ

- ‌11 - باب القِراءةِ في الصلاة

الفصل: ‌3 - كتاب الطهارة

‌3 - كِتَابُ الطَّهَارَةِ

ص: 223

3 -

كِتَابُ الطَّهَارَةِ

(كتاب الطهارة)

مِنَ الصِّحَاحِ:

191 -

عن أبي مالك الأَشْعَري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ، والحمدُ لله تَملأُ المِيْزانَ، وسُبحانَ الله والحمدُ لله تملآن - أو: تملأُ - ما بينَ السماواتِ والأرضِ، والصَّلاةُ نورٌ، والصَّدقةُ بُرهانٌ، والصَّبْرُ ضياءٌ والقُرآنُ حُجَّةٌ لكَ أو عليك، كُلُّ النَّاسِ يَغْدو، فبائعٌ نفسَهُ، فَمُعْتِقُهَا أو مُوبقُهَا"، وفي روايةٍ أخرى:"ولا إلهَ إلَاّ الله والله أكبرُ يملآن ما بينَ السَّماءِ والأرض".

"من الصحاح":

" عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: الطهور": قيل: هو بالضم وبالفتح مصدر.

وقيل: بهما اسم لِمَا يُتطهر به، والأكثرون على أنه بالضم: مصدر، وبالفتح: اسم له، وهنا أُريد معنى المصدر.

"شَطر الإيمان"، والمراد بالإيمان هنا: الصلاة، كما قال الله تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143]؛ أي: صلاتكم، وإنما جُعلت الطهارةُ

ص: 225

شطرَها؛ لأن صحة الصلاة باستجماع شرائطها وأركانها، جعل الطهارةَ التي [هي] أقوى شرائطها كالشطر منها، ولا يلزم في الشطر أن يكون نصفًا حقيقيًا، أو المراد بالإيمان: حقيقته.

ومعنى كونه شطرًا: أن الإيمانَ طهارةُ الباطن عن الشِّرك، والطهور: طهارة الظاهر عن الحَدَث والخَبَث.

وقيل: معناه: يُضاعَف أجره إلى نصف أجر الإيمان.

وقيل: المراد بالطهور: تزكية النفس عن الأخلاق الرديئة، فيكون شطرًا للإيمان الكامل.

"والحمدُ لله"؛ أي: التلفُّظ به.

"تملأ الميزانَ"؛ أي: ميزانَ قائله من الأجر، من عظمة هذا اللفظ، وقيل: هذا شطر الثاني للأول؛ لأن الإيمان نصفانِ: نصفُ صبرٍ، ونصفُ شكرٍ، فعبَّر عن الصبر بالطهور، وعبَّر عن الشكر بالحمد؛ لأنه رأسُ الشكر، فالصبر مع الشكر يملأ الميزانَ.

"وسبحان الله والحمد لله تملآن أو يملأ": شك من الراوي؛ أي: يملأ كلُّ واحدٍ منهما؛ أي: ثوابُهما بتقدير فرضِ الجسمية "ما بين السماوات والأرض"؛ لكون الحمد والتسبيح أعلى مقامات العباد.

"والصلاةُ نورٌ"؛ أي: في القبر وظلمة القيامة، تسعى بين يدَي صاحبها حتى توصلَه إلى الجنة، كما قال الله تعالى:{يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [التحريم: 8]، ويحصل للمصلِّي نور في الدنيا أيضًا؛ لأن العبدَ يخرج بها عن ظلمة الضلالة إلى ضياء الهُدى.

"والصدقةُ برهانٌ"؛ أي: دليلٌ واضحٌ وحُجةٌ على صدق صاحبها في دعوى الإيمان؛ لطِيبِ نفسه بإخراجها، إذ المالُ شقيقُ الروح.

ص: 226

"والصبرُ"؛ أي: حبسُ النفس عما تشتهي وتتمنَّى من الشهوات "ضياءٌ"؛ أي: نور ينكشف به الكُرُبات، وتنقلع به الظُّلمات؛ لأنه يخرج به عن عهدة التكاليف الشرعية، ويتقوَّى على مخالفة هَوَى الشيطان.

"والقرآنُ حُجَّةٌ لك"؛ أي: دليلٌ على نجاتك وفوزك إنْ عملتَ به.

"أو عليك"؛ أي: دليلٌ على سوء حالك إن أَعرضتَ عنه ولم تَعملْ به.

"كلُّ الناس يغدو"؛ أي: يُصبح.

"فبائعٌ نفسَه" بإعطائها وأخذ عوضها، وهو عملُه وكسبُه، فإنْ عملَ خيرًا فقد باعَها وأخذَ الخيرَ من ثمنها.

"فمُعتِقُها" من النار بذلك.

"أو مُوبقُها"؛ أي: مُهلِكها، بأن باعَها وأخذَ الشرَّ عن ثمنها.

وقيل: المراد بالبيع هنا: الشراء بقرينة قوله: (فمُعتِقها)؛ لأن الإعتاقَ إنما يصحُّ من المشتري، فمعناه: مَن تركَ الدنيا وآثَرَ الآخرةَ يكون مشتريًا نفسَه من ربه بالدنيا، فيكون مُعتِقَها، ومَن تركَ الآخرةَ وآثَرَ الدنيا يكون مشتريًا بالآخرة، فيكون مُوبقَها.

"وفي رواية: لا إله إلا الله والله أكبر يملآنِ ما بين السماء والأرض".

* * *

192 -

وقال: "ألا أُخْبرُكُمْ بما يَمْحُو الله بهِ الخَطايَا ويرفَعُ بِهِ الدرجاتِ؟ إسباغُ الوُضُوءِ على المَكَارِهِ، وكَثْرَةُ الخُطَا إلى المَساجِدِ، وانتِظارُ الصلاةِ بعدَ الصَّلاةِ، فَذلِكُمُ الرِّباطُ، فذلِكُمُ الرِّباطُ، فَذلِكُمُ الرِّباطُ"، رواه أبو هُريرة رضي الله عنه.

"وعن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بما يمحو الله به

ص: 227

الخطايا" جمع: خطيئة، ومحوها: كناية عن غفرانها، والمراد به: محوها من كتاب الحَفَظَة.

"ويرفع به الدرجات؟ إسباغُ الوضوء على المَكَاره" جمع: مَكْرَه - بفتح الميم - بمعنى: الكره والمَشقة؛ يعني به: إتمامه، بإيصال الماء إلى مواضع الفَرض حالَ كراهةِ فعلِه، من شدة البرد أو ألم الجسم.

"وكثرة الخُطا" جمع: خُطوة بضم الخاء، وهي ما بين القدمين، وكثرتها أعم من أن تكون ببُعد الدار أو بكثرة التكرار.

"إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة"، سواءٌ أدَّاها بجماعة، أو مفردًا في المسجد أو في بيته.

"فذلكم الرِّباط"؛ أي: الخِصَالُ المذكورة الرِّباط المذكورُ في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آل عمران: 200] الآية، والرباط: الجهاد؛ أي: ثوابُ هذه كثواب الجهاد؛ إذ فيه مجاهدة النفس بإذاقتها المكارهَ والشدائدَ، وهو الجهاد الأكبر.

"فذلكم الرِّباط، فذلِكم الرِّباط"، كرَّره لأجل زيادة الحثِّ، وقيل: يريد با لأول: ربط الخيل، وبالثاني: جهاد النفس، وبالثالث: طلب الحلال.

* * *

193 -

وقد قال: "مَنْ توضَّأَ فأَحسنَ الوُضُوءَ خرجتْ خطاياهُ مِنْ جسَدِهِ حتَّى تخرجَ مِنْ تحتِ أَظْفارِهِ"، رواه عُثمان رضي الله عنه.

"وعن عثمان رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: مَن توضَّأ، فأَحسنَ الوضوءَ"، إحسان الوضوء: إكماله بمراعاة فرائضه وسُنَنه وآدابه.

ص: 228

"خرجت خطاياه"، المراد بها: الصغائر، وخروجها: مجاز عن غفرانها.

"من جسده"؛ أي: من جميع بدنه.

"حتى تخرج من تحت أظفاره".

* * *

194 -

وقال: "إذا توضَّأَ العبدُ المُسلمُ - أو: المُؤمن - فغَسلَ وَجهَهُ خرجَ مِنْ وَجهِهِ كُلُّ خطيئةٍ نظرَ إليها بعَينه مَعَ الماءِ - أو: معَ آخرِ قَطْرِ الماءِ - فإذا غسلَ يَدَيْهِ خرجَ مِنْ يَديْهِ كُلُّ خطيئَةٍ بَطَشَتْها يداهُ مع الماءِ - أو: مع آخرِ قَطْرِ الماءِ - فإذا غسلَ رِجْلَيْهِ خرجَ كلُّ خطيئةٍ مَشَتْها رِجلاهُ مَعَ الماءِ - أو: معَ آخرِ قطْرِ الماءِ حتى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ"، رواه أبو هريرة رضي الله عنه.

"وعن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - أنه قال: إذا توضَّأ العبدُ المسلمُ أو المؤمنُ": شك من الراوي.

"فغسلَ وجهَه خرج من وجهه كلُّ خطيئة نظر إليها بعينَيه": والجملة صفة (خطيئة) مجازًا، وكذا أخواته.

"مع الماء، أو مع آخر قطر الماء": شك من الراوي، القَطْر: إجراء الماء وإنزاله قطرةً قطرةً.

"فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة بَطَشَتْها"؛ أي: أخذتْها "يداه"، من ملامسة النساء المُحرَّمة وغيرها.

"مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رِجلَيه خرج كل خطيئة مَشَتْها رجلاه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، حتى يَخرجَ نقيًّا"؛ أي: يَفرغَ المتوضئ من وُضوئه طاهرًا "من الذنوب"؛ أي: من الخطايا التي اكتسبَها بهذه الأعضاء، والحديث يدل على أن المغفورَ ذنوبُ أعضاء الوضوء.

ص: 229

فالتوفيق بينه وبين الحديث المتقدم: أن غفرانَ جميع الجسد يكون عند التوضُّؤ بالتسمية، يشير إليه إحسان الوضوء، وغفران أعضاء الوضوء يكون عند عدم التسمية.

* * *

195 -

وقال: "ما مِنِ امرئٍ مُسلمٍ تحضُرُهُ صلاةٌ مكتوبةٌ، فيُحْسِنُ وُضوءَها وخُشُوعَها ورُكُوعَها، إلَاّ كانَتْ كَفَّارة لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ ما لَمْ يأْتِ كبيرةً، وذلكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ"، رواه عثمان رضي الله عنه.

"وعن عثمان رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - أنه قال: ما من امرئٍ مسلمٍ تحضره صلاةٌ مكتوبةٌ"؛ أي: يدخل عليه وقت صلاة مفروضة كتبها الله تعالى على عباده.

"فيُحسن وُضوءَها وخشوعَها"، بإتيان كل ركن على وجه هو أكثر تواضعًا وإخباتًا.

"وركوعَها"، وإنما خصَّ الركوع بالذِّكر؛ لأن تحمُّلَ النفس فيه أشقُّ من السجود الذي يضعها فيه على الأرض، أو لأنه من الهيئات الخاصة بصلاة المسلمين دون السجود.

"إلا كانت"؛ أي: تلك الصلاةُ.

"كفَّارةً"؛ أي: ساترةً ومُزِيلةً.

"لِمَا قبلَها من الذنوب"؛ يعني: الصغائر.

"ما لم يأتِ"؛ أي: ما دام لم يعملْ "كبيرةً"، فإذا أتاها لم تكن كفارةً لجميع ما قبلَها من الذنوب، هكذا في أكثر النسخ.

وقيل: هو تحريف لم تأتِ به رواية، والصواب:"ما لم يؤتِ كبيرة" على

ص: 230

بناء الفاعل من: الإيتاء، ويروى:"لم يُؤتَ" على بناء المجهول؛ أي: ما لم يُصَبْ بكبيرة.

"وذلك"؛ أي: تكفير الصلاة الذنوب الصغائر.

"الدهرَ كلَّه": نُصب على الظرف؛ أي: يكون في جميع الدهر، لا يختص بفرض واحد، بل كل فرض يكفِّر صغائرَ ما قبلَه، ويجوز أن يكون ذلك إشارةَ إلى عدم الإتيان بالكبيرة، فمعناه: عدم إتيانها في كل الدهر مع إتيان المكتوبة كفارةٌ لِمَا قبلَها، أو إلى ما قبل المكتوبة؛ أي: المكتوبة تكفِّر ما قبلَها، ولو كان ذنوبَ العمر.

* * *

196 -

وعن عثمان: أنَّهُ توضَّأَ فأَفْرغَ على يديْهِ ثلاثًا، فغسَلَهُمَا، ثُمَّ مضمضَ واستنشَقَ واستنثر، ثمَّ غسلَ وَجهَهُ ثلاثًا، ثمَّ غسلَ يدَهُ اليُمنى إلى المِرْفَقِ ثلاثًا، ثمَّ غسلَ يدهُ اليُسرى إلى المِرْفَقِ ثلاثًا، ثمَّ مسحَ برأسِهِ، ثمَّ غسلَ رِجلَهُ اليُمنى ثلاثًا، ثمَّ اليُسرى ثلاثًا، ثمَّ قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم توضَّأَ نحوَ وُضوئِي هذا، ثم قال:"مَنْ توضَّأ نحوَ وُضوئِي هذا ثم يُصلِّي ركعتَيْنِ لا يُحدِّثُ نفسَهُ فيهما بشيء غُفِرَ لهُ ما تقدَّمَ مِنْ ذَنبهِ".

"وعن عثمان رضي الله عنه: أنه توضَّأ، فأفرغ"؛ أي: صبَّ الماءَ.

"على يديه ثلاثًا، فغسلَهما، ثم مَضْمَضَ"؛ أي: ردَّ الماء في فمه.

"واستَنْثَرَ (1) "؛ أي: جعلَ الماءَ في أنفه وجوَّه إلى فوقه، وأخرج نَفَسَه ليخرج ما في أنفه من المُخاط.

"ثم غسلَ وجهَه ثلاثًا، ثم غسلَ يدَه اليمنى إلى المِرْفَق ثلاثًا، ثم غسلَ

(1) في "غ": "واستنشق"، وجاء على هامش "غ":"وفي بعض النسح: "استنثر"، وكلاهما واحد؛ أي: ردَّ الماءَ في أنفه. مظهر".

ص: 231

يدَه اليسرى إلى المِرْفَق ثلاثًا، ثم مسح برأسه، ثم غسل رِجلَه اليمنى ثلاثًا، ثم اليسرى ثلاثًا"؛ أي: غسلَ رِجلَه اليسرى، "ثم قال: رأيتُ رسولَ الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - توضَّأ نحو وُضوئي هذا، ثم قال"؛ أي: النبيُّ عليه الصلاة والسلام حينَ فرغَ من وضوئه: "مَن توضأ وُضوئي"؛ أي: مثلَ وُضوئي "هذا"، جامعًا لفرائضه وسُنَنه.

"ثم يصلي ركعتين"، فريضةً كانت أو نافلةً.

"لا يُحدِّث نفسَه فيهما بشيء"؛ أي: لا يجري في قلبه وسوسةٌ بأمر دنيوي، وذلك يكون بالإقبال عليها بالقلب والبدن.

"غُفر له ما تقدَّم من ذَنْبه"؛ أي: من الصغائر.

يُفهَم من هذا الحديث أن الغفرانَ مرتَّب على الوضوء مع الصلاة، ومن الحديث المتقدم: ترتبه على مجرد الوضوء.

فالتوفيق: أن يُحمل الحديث المتقدم على كونه متأخرًا في الصدور عنه عليه الصلاة والسلام بأن كان الغفرانُ مرتبًا أولًا على الوضوء مع الصلاة، ثم جُعل مرتبًا على مجرد الوضوء لمزيد فضله.

* * *

197 -

وقال: "ما مِنْ مُسلمٍ يتوضَّأُ فيُحسِنُ وُضُوءَهُ، ثمَّ يقومُ فيُصلِّي ركعتَيْنِ مقبلًا عليهِمَا بقلبهِ ووجهِهِ إلَاّ وَجَبَتْ له الجنَّة".

وقال: "مَنْ توضَّأَ فأحسنَ الوُضوءَ ثمَّ قال: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَاّ الله وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهمَّ اجعلْني من التوَّابينَ، واجعلني من المتطهِّرينَ، فُتِحَتْ لهُ ثمانيةُ أبوابٍ من الجنَّة يدخلُ مِنْ أيها شاءَ"، رواه عُقبة بن عامر.

ص: 232

"وعن عقبة بن عامر، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ما من مسلم يتوضَّأ، فيُحسن وُضوءَه، ثم يقوم فيصلي ركعتين مُقبلًا عليهما"؛ أي: حالَ كونه متوجِّهًا على تلك الركعتين "بقلبه ووجهه"؛ أي: بظاهره وباطنه.

"إلا وجبت له الجنة"؛ يعني: أنه تعالى يعطيه الجنةَ تفضُّلًا وتكرُّمًا، بحيث لا يخالف وعده، كمَن وجب عليه شيء؛ لأنه كريمٌ لا يُضيع أجرَ المحسنين.

"ومَن توضَّأ، فأَحسنَ الوضوءَ ثم قال": عقيبَ وضوئه: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلْني من التوَّابين، واجعلني من المتطهِّرين فُتحت له ثمانيةُ أبواب الجنة، يدخل مِن أيها شاء".

* * *

199 -

وقال: "إنَّ أُمَّتي يُدْعَوْنَ يومَ القِيامَةِ غُرًّا مُحَجَّلينَ مِنْ آثارِ الوُضوءِ، فَمَنِ استطاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطيلَ غُرَّتَهُ فلْيَفْعَلْ".

"وعن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: إن أمتي يدعون يوم القيامة غرًا": نصب على أنه مفعول ثان لـ (يدعون) بمعنى يسمَّون (غُرًّا) جمع أغر، وهو أبيَضُ الوجه.

"محجَّلين": وهو أبيض الرِّجْلِ واليد لما يُرى عليهم "من آثار الوَضوء" بفتح الواو، وهو الماء الذي وصل إلى أعضاء المتوضيء، وينادون على رؤوس الأشهد: أيها الغُرُّ المحجلون هلمُّوا إلى الجنة، أو على الحال؛ أي: يدعون حال كونهم غُرًّا محجَّلين؛ أي: يكونون على هذه السِّمة.

"فمن استطاع منكم أن يطيل غرته" وتحجيله بإيصال الماء إلى أكثر من

ص: 233

محل الفرض "فليفعل".

* * *

198 -

وقال صلى الله عليه وسلم: "تَبْلُغُ الحِلْيَةُ مِنَ المُؤْمِنِ حيثُ يبلُغُ الوَضُوءُ"، رواهما أبو هريرة رضي الله عنه.

"وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: تبلغُ الحِليَةُ" المراد به: البياض الحاصل للمؤمن يوم القيامة في أعضاء الوضوء؛ أي: يبلغ النور. "من المؤمن حيث يبلغ الوَضوء" بالفتح؛ أي: ماءُ وضوئه من الأعضاء، وقيل: المراد بـ (الحلية): الزينة في الجنة من السِّوار والخَلْخَال.

* * *

مِنَ الحِسَان:

200 -

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسْتَقِيمُوا ولَنْ تُحْصُوا، واعْلَمُوا أنَّ خيرَ أعمالِكُمُ الصَّلاةُ، ولا يُحافِظُ على الوُضُوءِ إلَاّ مُؤْمِنٌ"، رواه ثَوبان رضي الله عنه.

"من الحسان":

" عن ثوبان رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استقيموا"؛ أي: الزموا الطريق المستقيم.

"في كل شيء": بجميع المأمورات والنواهي.

"ولن تُحْصُوا"؛ أي: ولن تطيقوا أن تستقيموا حقَّ الاستقامة؛ لأنها شديدة، ولكن ابذلوا جهدَكم في طاعة الله تعالى بقدر ما تطيقون.

"واعلموا أن خير أعمالكم"؛ أي: أفضلها وأتمها دلالة على الاستقامة.

ص: 234