الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
385 -
عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وقَعَ الرجلُ بأهلِهِ وهي حائضٌ فلْيَتَصَدَّقْ بنصْفِ دِينارٍ".
ويُروى: "إذا كانَ دَمًا أحمرَ فدِيْنارٌ، وإذا كانَ أصفَرَ فنِصْفُ دينارٍ".
"عن ابن عباس عن النَّبِيّ عليه الصلاة والسلام أنَّه قال: إذا وقعَ الرجلُ"؛ أي: جامعَ "بأهله وهي حائضٌ فليتصدق بنصفِ دينار"، وإنما أمره عليه الصلاة والسلام بالتصدُّق بطريق الاستحباب، وعليه الاستغفار.
وبه ذهب مالك، والشافعي في قوله الجديد الأصح، وأبو حنيفة، وذهب أَحْمد بن حنبل والقول القديم للشافعي إلى أنَّه بطريق وجوب الكَفارة المذكورة.
"ويُروى: إذا كان دمًا أحمرَ فدينارٌ"، وهذا لأن أقلَّ المقادير المتعلقة بالفروج عشرة دراهم، وهو دينار.
"وإنْ أصفرَ فنصف دينار"؛ لأن الصفرة متردِّدة بين الحمرة والبياض، فبالنظر إلى الثاني لا يجب بشيء، وبالنظر إلى الأول يجب الكل فينصف.
* * *
14 - باب المستحاضة
(باب المستحاضة)
مِنَ الصِّحَاحِ:
387 -
قالت عائشة رضي الله عنها: جاءتْ فاطمةُ بنتُ أبي حُبَيْشٍ رضي الله عنها إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يَا رسولَ الله! إنِّي امرأةٌ أُسْتَحاضُ فلا أَطْهُرُ، أَفأدعُ الصَّلاةَ؟ فقال:"لا، إنَّما ذلك عِرْقٌ وليسَ بحَيْضٍ، فإذا أقبَلَتْ حَيْضَتُكِ فدَعي الصَّلاةَ، وإذا أدبَرَتْ فاغسِلي عنكِ الدَّمَ ثمَّ صَلِّي".
"من الصحاح":
" قالت عائشة رضي الله عنها: جاءت فاطمةُ بنت أبي حُبَيْش إلى النَّبِيّ عليه الصلاة والسلام فقالت: يَا رسول الله! إنِّي امرأة أُسْتَحاض"، بصيغة المجهول، يقال: استحيضت المرأةُ فهي مستحاضةٌ: إذا استمرَّ بها الدم بعد أيامها.
"فلا أَطْهُر، أفأدع الصلاة؟ "، بهمزة الاستفهام؛ أي: أفأتركُها.
"فقال: لا"؛ أي: لا تدَعيها.
"إنما ذلك"؛ أي: الذي تشتكينه.
"عِرْقٌ" قد انشق، وانفجرَ منه الدم، "وليس بحيض"، فإنَّ دم الحيض دمٌ تميزه القوة المولَّدة بإذن خالقها لأجل الجنين، وتدفعُه إلى الرَّحِم في مجاريه المعتادة ويجتمع فيه، ولذا سُمي حيضًا من قولهم: استحوض الماء: إذا اجتمع، فإذا كثر وامتلأ ولم يكن فيه جنين، أو كان أكثرَ مما يحتمله انصبَّ منه.
"فإذا أقبلتْ حِيضَتُك" بالكسر، قيل: اسم للحيض بأن كانت المرأة معتادة؛ أي: إذا كان أيام حيضتك.
"فدَعِي الصلاة، وإذا أدبرت"؛ أي: تولت حيضتُك، وجاوزَ دمك أيامَ عادتك.
"فاغسلي عنك الدم"؛ أي: دمَ الاستحاضة، واغتسلي مرة واحدة.
"ثم صلِّي"، قال الشَّافعيّ: تغسِلُ فرجَها لكل صلاة مفروضة.
وعند أبي حنيفة: لوقت كل صلاة، وتشدُّه بعِصابة، وتتوضأ، وتستعجل في أدائها، وهي معذورة في جريان الدم فيها.
* * *
مِنَ الحِسَان:
388 -
عن عُرْوةَ بن الزُّبَيْر رضي الله عنهما قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حُبَيْشٍ رضي الله عنها: "إذا كَانَ دمُ الحَيْضِ فإنَّه دَمٌ أسْوَدُ يُعْرَفُ، فإذا كانَ ذلكَ فأمْسِكي عَنِ الصَّلاةِ، فإذا كانَ الآخَرُ فتَوَضَّئي وصَلِّي، فإنَّما هو عِرْقٌ".
"من الحسان":
" عن عروة بن الزُّبير أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حُبَيش: إذا كان دمُ الحَيْض"، (كان) هذه تامة.
"فإنَّه دمٌ أسودُ"، وذلك باعتبار الأغلب، وإلا فقد يكون أحمر وغيره.
"يُعرَف"؛ أي: يعرفه النساء، فإن المستحاضة إذا كانت ذاتَ تمييز، بأن ترى في بعض الأيام دمًا أسود، وفي بعضها دمًا أحمرًا أو أصفر، فالدم الأسود حَيضٌ بشرط ألَاّ ينقص من يوم وليلة، ولا يزيدَ على خمسة عشر يومًا.
"فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة"؛ أي: اتركيها.
"وإذا كان الآخر"؟ بأن كان دمًا أحمرَ أو أصفرَ فدمُ استحاضة، بشرطِ ألَاّ ينقض الدم الأحمر أو الأصفر الواقعُ بين أسودين عن خمسةَ عشر يومًا، فإذا كان كذلك "فتوضَّئِي وصَلِّي، فإنما هو عِرْقٌ" منشقٌّ، فإذا زال شرطٌ من هذه الشروط فليست بمميزة، فإذا كانت كذلك، أو فقدت شرطَ تميزها فليس لها عادة، أو كان فنسيتها تجعل حيضها في أول كل شهر يومًا وليلة في قول، وستة أو سبعة في قول، ثم تؤمَر بالوضوء والصلاة إلى آخر الشهر.
* * *
389 -
عن أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: أنَّ امرأةٌ كانت تُهراقُ الدَّمَ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فاسْتَفْتَتْ لها أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: "لِتَنْظُرَ
عددَ اللَّيالي والأيَّامِ التي كانتْ تَحيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْر قَبْلَ أنْ يُصيبَها الذي أصابَها، فلتُترُك الصَّلاةَ قَدْرَ ذلكَ مِنَ الشَّهْرِ، فإذا خلَّفَتْ ذلكَ فَلْتَغْتَسِلْ، ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بثَوْبٍ، ثمَّ لِتُصلِّي".
"عن أم سلَمة أن امرأة كانت تُهراقُ" علي بناء المجهول؛ أي: تُهرَاقُ هي.
"الدَّمَ" بالنصب على التشبيه بالمفعول؛ أي: صيرت ذات هراقة الدَّم، أو على التمييز، وإن كان معرفة بزيادة اللام، ويجوز الرفع على تقدير تهراق دماؤُها؛ أي: ينصَبُّ، واللام بدل من الإضافة، يعني: صارت مستحاضة.
"على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " وكانت معتادة.
"فاستفتَتْ لها"؛ أي: سألت لهذه المرأة.
"أم سَلَمة النبيَّ عليه الصلاة والسلام فقال: لتنظُرْ عددَ الليالي والأيام التي كانت تحيضُهنَّ" مِن باب إجراء المفعول فيه مُجرى المفعول به؛ أي: تحيضُ فيهنَّ.
"من الشهر قبلَ أن يُصيبَها الذي أصابها"؛ أي: قبل إصابة الاستحاضة.
"فلتترُك الصلاة قدرَ ذلك"؛ أي: قَدْرَ عادة حَيْضها "من الشهر، فإذا خَلَّفَتْ ذلك"؛ أي: جاوزت ذلك القَدْر ودخلت في أيام الاستحاضة "فلتغتسِل، ثم لتَسْتَثْفِر"؛ أي: لتشُدَّ فَرْجَها "بثوبٍ" وكيفيتُه: أن تشدَّ المرأة ثوبًا بين رِجْلَيها بحيث يكون دُبُرها وفرجُها مشدودًا مِن خلف، ويكون أحد طرفي ذلك الثوب مشدودًا من خلف دُبُرها إلى وسَطِها، والطرف الآخر من قُبُلها إلى وسطها منه مشدودًا أيضًا.
"ثم لتصلِّ"، وفيه دليل: أن المستحاضة يجب عليها أن تَسْتَثْفِرَ، وأن تعالجَ نفسها بما يسدُّ المَسْلَك.
* * *
390 -
ويُروى عن عَديّ بن ثابتٍ، عن أَبيه، عن جَدّه، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال في المُستَحاضة:"تَدع الصَّلاةَ أيَّامَ أَقرائها التي كانتْ تَحيضُ فيها، ثمَّ تغتسِلُ وتتوضَّأُ عندَ كلّ صلاةٍ، وتصومُ وتُصلِّي".
"ويُرْوَى عن عدي بن ثابت، عن أَبيه، عن جده رضي الله عنه، عن النَّبِيّ عليه الصلاة والسلام أنَّه قال في المستحاضة: تدع الصلاة"؛ أي: تتركُها.
"أيامَ أَقْرائِها"، جمع قُرْء، وهو مشترك بين الحَيْض والطُّهْر، والمراد به هنا الحيض بقرينة وصفِها بقوله:
"التي كانت تَحيض فيها، ثم تغتسلُ وتتوضَّأ عند كل صلاة، وتصوم وتصلي".
* * *
391 -
وقالت حَمْنَة بنت جَحْش: كنت أُستَحاضُ حَيْضةً كثيرةً شديدةً، فجئتُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم أسْتَفْتيه، فقال:"إنِّي أنْعَتُ لكِ الكُرْسُفَ، فإنَّه يُذْهِبُ الدَّمَ"، فقلتُ: هو أكثرُ مِنْ ذلكَ، قال:"تَلَجَّمي"، قلتُ: هو أكثرُ من ذلك، إنما أثُجُّ ثَجًّا، قال:"إنَّما هيَ رَكْضَةٌ مِنْ رَكضاتِ الشَّيطانِ، فتحَيَّضي سِتةَ في أيَّام أو سَبْعَةَ أيَّام في عِلْم الله، ثمَّ اغْتَسِلي، فَصَلّي أرْبَعًا وعشرينَ ليلةً وأيامَها، أو ثلاثًا وعشرينَ ليلة وأيامَها، وصُومي، وكذلك افعَلي في كلِّ شَهْرٍ كما تحيضُ النساء وكما يَطْهرْنَ، ميقاتَ حَيْضهِنَّ وطُهْرِهِنَّ".
وفي روايةٍ: "وإنْ قَوِيتِ على أنْ تُؤخِّري الظُّهْرَ وتُعَجِّلي العَصْرَ فتَغْتَسِلينَ وتجمعينَ بينَ الصَّلاتينِ، وتُؤخِّرينَ المغْرِبَ وتُعجِّلينَ العِشاءَ، ثم تَغْتَسِلينَ وتجمعينَ بينَ الصَّلاتينِ فافعلي، وصُومي إنْ قَدَرْتِ على ذلك"، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"وهذا أَعجَبُ الأَمرَيْنِ إليَّ".
"وقالت حَمْنَة بنت جَحْش: كنت أُسْتحاضُ حيضةً كثيرةً شديدةً"؛ يعني: يجري دمي أشدَّ جريًا من دمِ الحيض، والكثرةُ من حيث الوقتُ والدم.
"فجئت إلى النَّبِيّ عليه الصلاة والسلام أستفتيه"؛ أي: أسأله عن حكمها.
"فقال: إنِّي أَنْعَتُ"؛ أي: أصِفُ "لك الكُرْسُفَ"، وهو القطن، لتعالجَ به مقطرَ الدم.
"فإنَّه يُذْهِبُ الدم"؛ يعني: استعمليه لعلَّ دمك ينقطع، إنما أمرَها عليه الصلاة والسلام باستعمال الكُرْسُف؛ لأنه ظنَّ أن دمها ليس بشديد الجريان.
"فقلت: هو أكثرُ من ذلك"؛ أي: من أن ينقطعَ بالكُرْسُف.
"قال: تَلَجَّمِي"؛ أي: شُدِّي خِرقةً على هيئة اللّجام كالاستثفار.
"فقلت: هو أكثرُ من ذلك، إنما أثجُّ ثَجًّا"؛ أي: أصبُّ الدمَ صبًا.
"قال: إنما هي"؛ أي: هذه الحالة، أو هذه العِلَّة "ركضَةٌ"؛ أي: مرة من الرَّكْض، وهو ضربُ الأرض بالرجل حال العدو.
"من ركضات الشيطان"؛ يعني: هذه الحالة مما وجدَ الشيطان إليك سبيلَه، ومراده بأن يحيرَك في أمر دينك من الصلاة والصوم وغير ذلك، ويأمرك بتركهما.
وإنما أضاف إلى الشيطان؛ لأنه قد وجدَ بذلك طريقًا إلى التَّلْبيس عليها
في أمر دينها وقتَ طُهْرها وصلاتها وصومها حتَّى أنساها ذلك، فصار كأنها ركضةٌ نالتها من رَكَضاته.
"فتحيَّضي"؛ أي: اقعدي أيام حَيْضَتك عن الصلاة فيها، واجعلي نفسك حائضًا.
"ستةَ أيام أوسبعةَ أيام"، قيل: شكٌّ من الراوي، وقيل: للتخيير، وقيل: على معنى اعتبار حالها بحال مَن هي مثلُها ومثل سِنِّها من نساء أهل بيتها، فإنْ كانت عادةُ مثلِها ستًا فسِتًّا، وإن كانت سبعًا فسبعًا.
وقيل: كانت معتادةً نسيت أن عادتها ستًا كانت أو سبعًا، فأمرها عليه الصلاة والسلام أن تتحرى وتجتهد وتبني على ما تيقَّنت من أحد العددين بدليل قوله:"في علم الله"؛ أي: فيما علم الله تعالى من أمرك.
"ثم اغتسلي فصلِّي أربعًا وعشرين ليلةً وأيامها" إن كانت مدة الحيض ستةً.
"أو ثلاثًا وعشرين ليلة وأيامها" إن كانت سبعة.
"وصومي، وكذلك افعلي في كل شهر كما تحيضُ النساء وكما يطْهُرْن"؛ يعني: اجعلي حيضتَك بقدْر ما يكون عادة النساء من ست أو سبع، وكذلك طهرك بقدر ما يكون عادة النساء من ثلاث وعشرين، أو أربع وعشرين.
"ميقات حيضهن وطهرهن"، نصب على الظرف، يعني: إن كان وقتُ حيضهن في أول الشهر فليكنْ حيضكِ في أول الشهر، وإن كان في وسطه أو آخره فليكن حيضك في ذلك الوقت.
"وفي رواية: وإن قدرتِ على أن تؤخِّري الظهر وتُعجِّلي العصرَ فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين" بغسل واحد.
"فافعلي، وصُومي إن قدرتِ على ذلك"، رَخَّصَ عليه الصلاة والسلام لها في الجمع بين الصلاتين، لمَّا رأى أن الأمر قد طال بها، وقد جَهَدَها الاغتسالُ لكل صلاة كالمسافر، رُخِّص له في الجمع بين الصلاتين لما يلحقه من مشقة السفر.
"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذا"؛ أي: أمر الاستحاضة.
"أعجَبُ الأمرين إلى"، وهما السفر والاستحاضة.
* * *