المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌5 - باب فضل الأذان وإجابة المؤذن - شرح المصابيح لابن الملك - جـ ١

[ابن الملك]

فهرس الكتاب

- ‌1 - كِتَابُ الإيمَانِ

- ‌2 - باب الكبائر وعلامات النِّفاق

- ‌فصل في الوَسْوَسةِ

- ‌3 - باب الإِيمان بالقَدَرِ

- ‌4 - باب إِثْبات عَذَاب القَبْر

- ‌5 - باب الاعتِصام بالكتاب والسنة

- ‌2 - كِتابُ العِلْمِ

- ‌3 - كِتَابُ الطَّهَارَةِ

- ‌2 - باب ما يُوجِب الوضوءَ (باب ما يوجب الوضوء)

- ‌3 - باب أَدَب الخَلاءِ

- ‌4 - باب السِّواكِ

- ‌5 - باب سُنن الوُضوء

- ‌6 - باب الغسل

- ‌7 - باب مُخالَطة الجُنُب وما يُباح لَهُ

- ‌8 - باب أحكام المِيَاهِ

- ‌9 - باب تَطْهير النَّجاسات

- ‌10 - باب المَسْح على الخُفَّيْنِ

- ‌11 - باب التَّيمُّم

- ‌12 - باب الغُسْل المَسْنون

- ‌13 - باب الحيض

- ‌14 - باب المستحاضة

- ‌4 - كِتابُ الصَّلَاةِ

- ‌2 - باب المَواقيْتِ

- ‌3 - باب (تَعْجيل الصلاةِ)

- ‌فصل

- ‌4 - باب الأَذان

- ‌5 - باب فَضْل الأَذان وإجابة المؤذّن

- ‌فصل

- ‌6 - باب المَساجِد ومَواضع الصَّلاةِ

- ‌7 - باب السَّتْر

- ‌8 - باب السُّتْرة

- ‌9 - باب صِفَة الصَّلاةِ

- ‌10 - باب ما يَقْرأُ بعد التكبيرِ

- ‌11 - باب القِراءةِ في الصلاة

الفصل: ‌5 - باب فضل الأذان وإجابة المؤذن

"عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: من أذَّن فهو يقيم"؛ يعني: أن الإقامة حق من أذن، فيكره أن يقيم غيره، وبه قال الشافعي.

وعند أبي حنيفة: لا يكره؛ لما روي أن ابن أم مكتوم ربما كان يؤذن ويقيم بلال، وربما كان عكسه، فالحديث محمولٌ على ما إذا لحقته الوحشة بإقامة غيره.

* * *

‌5 - باب فَضْل الأَذان وإجابة المؤذّن

(باب فضل الأذان)

مِنَ الصِّحَاحِ:

451 -

عن مُعاوية رضي الله عنه أنَّه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المؤذَّنُونَ أطولُ النَّاسِ أَعناقاً يومَ القِيامَةِ".

"من الصحاح":

" عن معاوية أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة"؛ أي: يكونون سادات، والعرب تصف السادات بطول العنق.

وقيل: معناه: أكثر ثوابًا، يقال: لفلان عنقٌ من الخير؛ أي: قطعة منه.

وقيل: أكثر الناس رجاءً لرحمة الله تعالى؛ لأن من رجا شيئًا أطال عنقه إليه، فالناس حين يكونون في الكرب يكون المؤذنون في الروح يمدون أعناقهم، وينتظرون أن يؤذن لهم في دخول الجنة.

ص: 397

وقيل: معناه: لا يلجمهم العرق عند بلوغه أفواه الناس يوم القيامة.

وروي: (إِعناقا) بكسر الهمزة؛ أي: أشدهم إسراعاً إلى الجنة، من (أعنق): إذا أسرع.

* * *

452 -

عن أبي هُريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإذا نُودِيَ للصَّلاةِ أَدبَرَ الشَّيطانُ لهُ ضُراط حتَّى لا يَسمعَ التَأذِينَ، فإذا قُضى النِّداءُ أقبلَ، حتَّى إذا ثُوُّبَ بالصَّلاةِ أدبرَ، حتَّى إذا قُضي التثويبُ أقبلَ حتَّى يَخطرَ بينَ المَرءِ ونفسِهِ، يقول: اذكُرْ كذا، واذكُرْ كذا لِمَا لمْ يكُنْ يَذْكُرُ حتَّى يظلَّ الرجلُ لا يَدري كَمْ صَلَّى".

"وعن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له ضراط": وهو ريح أسفل الإنسان وغيره.

"حتى لا يسمع التأذين": شبَّه عليه الصلاة والسلام شغلَ الشيطان نفسَهُ وإغفالها عن سماع التأذين بالصوت الذي يملأ السمع، ويمنعه عن سماع غيره، وسماه ضراطاً تقبيحاً لتلك الحالة.

وقيل: هذا محمولٌ على الحقيقة؛ لأن الشياطين يأكلون ويشربون، كما ورد في الأخبار، فلا امتناعَ في وجود ذلك منهم خوفاً من ذكر الله تعالى، أو لثقل الأذان عليه، كما يضرط الحمار من ثقل الحمل.

أو المراد: استخفاف العين بذكر الله تعالى من قولهم: أضرط به فلان: إذا استخفَّه.

"فإذا قُضي النداءُ"؛ أي: فرغ المؤذن منه.

"أقبل"؛ أي: الشيطان.

"حتى إذا ثُوِّبَ بالصلاة": من التثويب: الإعلام، والمراد هنا: الإقامة،

ص: 398

سميت به؛ لأنه إعلامٌ بإقامة الصلاة.

"أدبر حتى إذا قُضي التثويبُ"؛ أي: فرغ المؤذن منه.

"أقبل"، ودخل المسجد.

"حتى يخطر بين المرء ونفسه"؛ أي: يدور ويجري في خلده بالوسوسة وحديث النفس.

"يقول"؛ أي: الشيطان للمصلي: "اذكر كذا، واذكر كذا؛ لما لم يكن"؛ أي: لشيء لم يكن المصلي "يذكر" قبل شروعه في الصلاة؛ من ذكر ماله وحسابه، أو بيع وشِرَاء، ونحو ذلك من الأشغال الدنيوية.

"حتى يظَل الرجل": بفتح الظاء؛ أي: يصير من الوسوسة "بحيث لا يدري كم صلى".

* * *

453 -

وقال: "لا يَسمعُ مَدَى صَوْتِ المؤذِّن جِنٌّ ولا إنسٌ ولا شيءٌ إلَّا شَهِدَ لهُ يومَ القيامَةِ"، رواه أبو سعيد الخُدَرِيُّ رضي الله عنه.

"وعن أبي سعيد الخدري أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا يسمع مدى صوت المؤذن"؛ أي: غايته.

"جن ولا إنس": تنكيرهما في سياق النفي؛ لتعميم الأحياء والأموات.

"ولا شيء" من الجمادات.

"إلا شهد له يوم القيامة"، وفيه حثٌّ على رفع المؤذن صوته؛ لتكثر شهداؤه، ودلالة على أنه يشهد له ذو [و] العلم وغيرهم.

* * *

ص: 399

454 -

وقال: "إذا سمعتُمُ المؤذِّنَ فقولُوا مِثْلَ ما يقولُ، ثمَّ صَلُّوا عليَّ، فإنَّه مَنْ صلَّى عليَّ صَلاةً صلَّى الله عليه بها عَشْراً، ثمَّ سَلُوا الله تعالى لي الوَسِيلَةَ، فإنَّها منزِلَة في الجنَّةِ لا تَنْبَغِي إلا لعبدٍ مِنْ عِبادِ الله، وأَرجو أنْ أكُونَ أنا هُوَ، فَمَنْ سألَ لي الوَسِيلَةَ حلَّتْ عليه الشَّفاعَةُ"، رواه عبد الله بن عمرو.

"وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: إذا سمعتم المؤذن"؛ أي: أذانه.

"فقولوا مثلَ ما يقول": إلا في الحيعلتين.

"ثم صلوا علي"؛ أي: بعد فراغكم منه.

"فإنه من صلى علي صلاةً، صلى الله عليه بها عشراً"؛ أي: أعطاه الله بها عشراً من الرحمة.

"ثم سلوا الله"؛ أي: اطلبو منه.

"تعالى لي الوسيلة": وهي ما يُتوسَّل به إلى الشيء، ويتقرب به إليه.

"فإنها"؛ أي: تلك الوسيلة "منزلةٌ في الجنة"، سميت تلك المنزلة بها؛ لأن الواصل إليها يكون قريبًا منه تعالى فائزًا بلقائه، كالواصلة التي يُتوصل بها إلى الزلفى من الله تعالى.

"لا تنبغي"؛ أي: لا تُستحق "إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو": يحتمل أن يكون (هو) من باب وضع الضمير موضع اسم الإشارة؛ أي: أكون أنا ذلك العبد، ويحتمل أن يكون (أنا) مبتدأ، و (هو) خبره، والجملة خبر (أكون)، وإنما قال:(أرجو) تواضعًا؛ لأنه عليه الصلاة والسلام إذا كان أفضل الأنام، فلمن يكون ذلك المقام غير ذلك الهمام؟

"فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة"؛ أي: وجبت، وقيل: من

ص: 400

الحلول بمعنى: النزول؛ يعني: استحقَّ أن أشفع له مجازاة لدعائه.

* * *

455 -

وقال عمر رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قالَ المؤذِّنُ: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكمْ: الله أكبر الله أكبر، ثمَّ قالَ: أشهدُ أنْ لا إله إلا الله، قالَ: أشهدُ أنْ لا إله إلا الله، ثمَّ قال: أشهدُ أنَّ مُحمداً رسولُ الله، قال: أشهدُ أنَّ مُحمداً رسولُ الله، ثمَّ قال: حَيَّ على الصَّلاة، قال: لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا بالله، ثم قالَ: حَيَّ على الفلاحِ، قال: لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر، ثمَّ قال: لا إلهَ إلَّا الله، قال: لا إلهَ إلَّا الله، خالصاً مِنْ قَلْبهِ دخلَ الجَنَّةَ".

"وقال عمر رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله": قيل: معناه: لا انصرافَ عن المعصية إلا بعصمة الله، ولا قوةَ على الطاعة إلا بمعونة الله وتوفيقه.

"ثم قال: حي على الفلاح قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله قال: لا إله إلا الله خالصةً من قلبه = دخل الجنة".

* * *

456 -

وقال: "مَنْ قالَ حِينَ يَسمعُ النداءَ: اللهمَّ ربِّ هذهِ الدَّعوةِ التَّامَّةِ

ص: 401

والصَّلاةِ القائمةِ، آتِ مُحمداً الوَسيلةَ والفَضيلةَ، والدَّرجةَ الرَّفيعةَ، وابعثْهُ مَقاماً مَحموداً الذي وعدْتَهُ يا أَرحم الراحمين، حلَّتْ لهُ شفاعَتِي يومَ القِيامَةِ"، رواه جابر.

"وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: من قال حين يسمع النداء"؛ أي: الأذان.

"اللهم رب هذه الدعوة التامة": سمي الأذان دعوة؛ لأنه يدعو الناس إلى الصلاة والذكر، ووصفها بالتامة؛ لتمامها في طلب الإجابة، أو لأنها آمنة من النسخ والإبدال.

"والصلاة القائمة": وصفها بالقائمة؛ لبقائها إلى يوم القيامة، أو لأنه أمر بإقامتها، فتكون هي قائمة.

"آت"؛ أي: أعطِ "محمداً الوسيلة": فسرها عليه الصلاة والسلام بأنها منزلة في الجنة.

"والفضيلة، والدرجة الرفيعة، وابعثه"؛ أي: أرسله وأوصله "مقاماً محموداً الذي وعدته": وهو الموعود في قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79].

وعن ابن عباس؛ أي: مقاماً يحمدك فيه الأولون والآخرون، وتشرف فيه على جميع الخلائق؛ تسألُ فتعطى، وتشفع فتُشفَّع، ليس أحد إلا تحت لوائك.

"حلت له شفاعتي يوم القيامة".

* * *

457 -

عن أنس رضي الله عنه قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُغيرُ إذا طلَعَ الفجرُ، وكانَ يستمعُ الأذانَ، فإنْ سَمعَ أَذاناً أمسكَ، وإلا أَغارَ، فسمعَ رجُلاً يقولُ: الله أكبر

ص: 402

الله أكبر، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"على الفِطْرَةِ"، ثمَّ قال: أشهدُ أنْ لا إله إلا الله، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"خرجْتَ مِنَ النَّارِ"، فنظروا فإذا هو رَاعِي مِعْزَى.

"وعن أنسٍ أنه قال: كانَ رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم يُغِيرُ"؛ أي: يسِيرُ إلى بلادِ الكفارِ لِلغَارَةِ.

"إذا طلع الفجر"؛ ليعلم أنهم مسلمون أو كفار.

"وكان يستمع الأذان"، ويعرف حالهم به.

"فإن سمع أذانًا أمسك" عن الغارة؛ أي: تركها.

"وإلا"؛ أي: وإن لم يسمع الأذان.

"أغَارَ": من (الإِغَارَةِ)، وهو: النَّهْبُ.

وقيل: استماعه عليه الصلاة والسلام للأذان وانتظاره إياه كان حذراً من أن يكون فيهم مؤمنٌ، فَيُغِيرُ صلى الله عليه وسلم غَافِلاً عن حَالِه.

"فسمع رجلًا يقول: الله أكبر الله أكبر، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: على الفطرة"؛ أي: أنت أو هو على الإِسلام؛ لأن الأذان لا يكون إلا للمسلمين.

"ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: خرجت من النار"؛ أي: بسبب أنك تركت الشرك بالله بذلك القول.

"فنظروا": بعد فراغه من الأذان.

"فإذا هو راعي مِعزىً": بكسر الميم، وهو من الغنم: خلاف الضأن، اسم جنس.

ص: 403

458 -

عن سَعْد بن أبي وقَّاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَنْ قالَ حِينَ يَسْمَعُ المؤذِّنَ: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الله وحدَهُ لا شَريكَ لهُ، وأشهد أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسوُلُهُ، رَضيتُ بالله ربًّا، وبمُحَمَّدٍ رسولاً، وبالإِسلام دِينًا غُفِرَ لَهُ ذَنبهُ".

"وعن سعد بن أبي وقاص، عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أنه قال: من قال حين يسمع المؤذن": المضاف محذوف؛ أي: أذانه.

"أشهد أن لا إله إلا الله وحده"؛ أي: منفردًا.

"لا شريك له": تأكيد لما قبله.

"وأن محمدًا عبده ورسوله، رضيتُ بالله": استئنافٌ، كأنه قيل: ما سبب شهادتك؟ فقال: رضيت بالله ربا، "وبمحمد رسولاً، وبالإِسلام دينًا، غفر له ذنبه"؛ أي: من الصغائر، وهذا يحتمل أن يكون إخبارًا، وأن يكون دعاءً له.

* * *

459 -

وقال: "بَينَ كُلِّ أذانينِ صَلاةٌ، بينَ كلِّ أذانينِ صَلاةٌ" قال في الثالثة: "لِمَنْ شاء"، رواه عبد الله بن مُغفَّل.

"وعن عبد الله بن مغفَّل، عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أنه قال: بين كل أذانين"؛ أي: بين الأذان والإقامة.

"صلاة": سماهما أذانين على سبيل التغليب.

"بين كل أذانين صلاة": كرر تأكيدًا؛ للحثِّ على النوافل بينهما؛ لأن الدعاء لا يرد بينهما، لشرف الوقت، فيكون ثواب العبادة فيه أكثر وأفضل.

ص: 404

"ثم قال في الثالثة: لمن شاء"؛ ليعلم أن الصلاة بينهما لا تختصُّ بمن يؤذن ويقيم، بل هو عام للمؤذن وغيره.

* * *

مِنَ الحِسَان:

460 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأئمَّةُ ضُمَناء، المُؤذَّنُون أُمناء، فأَرشدَ الله الأئمَّةَ، وغَفَرَ للمؤذِّنين".

"من الحسان":

" عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: الأئمة ضمناء"؛ بمعنى: الضامن؛ يعني: أنهم مُراعُون مُحافظون على القوم صلاتهم؛ لأنها في عهدتهم، كالمتكفّلين لهم صحة صلاتهم وفسادها وكمالها ونقصانها بحكم المتبوعية والتابعية، ولهذا الضمانِ كان ثوابُهم أوفرُ إذا رَعَوا حقها، ووزرُهم أكثر إذا خلوا بها، أو المراد: ضمان الدعاء بأن يعمَّ القومَ به.

"والمؤذنون أمناء": جمع أمين؛ يعني: هم الذين يعتمد الناس عليهم في الصلاة والصيام والإفطار وسائر الوظائف المؤقتة، أو لأنهم يرتقون على أمكنة عالية، فينبغي أن لا يشرفوا على بيوت الناس؛ لكونهم أمناء.

ثم دعا عليه الصلاة والسلام لهم بقوله: "فأرشد الله الأئمة"؛ أي: إلى العلم بما تكفلوه، والخروج عن عهدته.

"وغفر الله المؤذنين" ما عسى يكون منهم فيه تفريط في الأمانة التي حملوها من جهة تقديم الأذان على الوقت أو تأخيره سهوًا.

* * *

ص: 405

461 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَذَّنَ سبْعَ سِنينَ مُحتسِباً كُتِبَ له بَراءَةٌ مِنَ النَّار".

"وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: من أذن سبع سنين محتسباً"؛ أي: طالباً لثواب الله من غير أن يطمع في شيء من الدنيا.

"كتبت له براءة"؛ أي: خلاص "من النار".

* * *

462 -

وقال: "يَعجَبُ ربُّكَ مِنْ راعي غَنَمٍ في رأْسِ شظِيةٍ للجبَل يُؤَذِّنُ بالصَّلاةِ، ويُصلِّي، فيقولُ الله تعالى: انظُروا إلى عَبْدي هذا، يُؤَذِّن ويُقيمُ الصَّلاة، يخافُ منّي، قدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، وأدخلْتُهُ الجنَّةَ"، رواه عُقبة بن عامر رضي الله عنه.

"وعن عقبة بن عامر أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: يعجب ربك"؛ أي: يرضى؛ لأن التعجبَ عليه تعالى مجاز عن الرِّضا.

وقيل: معناه: يعظم هذا الفعل عند ربك؛ فإن من شأن المتعجب عن شيء أن يعظم عنده ذلك الشيء، والخطاب إما للراوي أو الواحد من الصحابة.

"من راعي غنم في رأس شَظِيّة للجبل": وهي قطعة من رأس الجبل، وقيل: هي الصخرة العظيمة الخارجة من الجبل، كأنها أنفه.

"يؤذن بالصلاة ويصلي": وفائدة تأذينه إعلام الجن والملائكة بدخول الوقت؛ فإن لهم صلاةً أيضًا، وإنما لم يذكر الإقامة؛ لأنها للإعلام بقيام الصلاة، وليس أحد يصلي خلفه حتى يقيم لإعلامه.

"فيقول الله عز وجل: انظرواه يا ملائكتي "إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة"؛ أي: يحافظها ويداوم عليها.

ص: 406

"يخاف مني": يفعل ذلك خوفًا من عذابي، لا ليراه أحد.

"قد غفرت لعبدي، وأدخلته الجنة"، وفيه دليل على استحباب الأذان للمنفرد.

* * *

463 -

وقال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة على كُثبانِ المِسْكِ يومَ القِيامَةِ: عبدٌ أدَّى حقَّ الله تعالى وحقَّ مَوْلَاهُ، ورجلٌ أمَّ قَوْمًا وهُمْ بِهِ راضُونَ، ورجل يُنادي بالصَّلواتِ الخمسِ كُلَّ يومٍ وليلةٍ"، رواه ابن عُمر. غريب.

"وعن ابن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ثلاثة على كثبان المسك": جمع الكثيب، وهو: الموضع المرتفع أعلى، شكل جبل صغير، وهو في الأصل: التلُّ من الرمل.

"يوم القيامة: عبد أدَّى حقَّ الله وحق مولاه، ورجل أمَّ قومًا وهم به راضون"؛ فبرضاهم يكون ثواب الإِمام أكثر.

"ورجل ينادي بالصَّلوات الخمس"؛ أي: يؤذن "كلَّ يوم وليلة": وإنما أثيبوا بذلك؛ لأنهم صبَّروا أنفسهم في الدنيا على كرب الطاعة، فروَّحهم الله في عرصات القيامة بأنفاس عطرةٍ على تلال مرتفعة من المسك؛ إكراماً لهم بين الناس، لعظم شأنهم وشرف أفعالهم.

"غريب".

* * *

464 -

عن أبي هُريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"المؤذن يُغْفَرُ لهُ مدَى صَوْتهِ، ويَشْهَدُ له كُلُّ رَطْبٍ ويابسٍ، وشاهِدُ الصَّلاةِ يُكتَبُ له خَمسٌ وعِشْرُونَ صلاةً، ويُكَفَّرُ عنه ما بينهُما".

ص: 407

"عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: المؤذن يغفر له مدى صوته"، مدى الشيء غايته، نصب على الظرف، أو رفع على أنه أقيم مقام الفاعل، والمراد: تكميل المغفرة؛ يعني: إذا كان صوته أبعد تكون مغفرته أكثر.

وقيل: معناه: تغفر ذنوبه لأجله وإن كان يملأ ما بين قدميه وبين ما بلغه صوته من الأرض، والمراد به التمثيل.

"ويشهد له كل رطب ويابس"؛ أي: يشهد له يوم القيامة ما سمع صوته من الحيوانات والجمادات بسماع أذانه، وتحمل شهادتهم على الحقيقة؛ لقدرته تعالى على إنطاقهما، أو على المجاز بقصد المبالغة.

"وشاهد الصلاة"؛ أي: حاضر صلاة الجماعة.

"يكتب له خمسٌ وعشرون صلاةً"؛ أي: ثواب خمس وعشرين، وقد جاء في رواية:(تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفدِّ - أي: المنفرد - بسبع وعشرين درجة).

"ويكفر عنه ما بينهما"؛ أي: بين كل صلاة وصلاة.

وقيل: يعطف و (شاهد الصلاة) على (كل رطب ويابس)، وقوله:(ما بينهما)؛ أي: ما بين أذان إلى أذان آخر (1).

* * *

465 -

وقال عُثمان بن أبي العاص رضي الله عنه: قلتُ: يا رسولَ الله! اجعلني إمامَ قَوْمِي، قال:"أنْتَ إمامُهُمْ، واقْتَدِ بأضعفِهِم، واتخِدْ مؤذِّناً لا يأخُذُ على أذانِهِ أجرًا".

(1) في "م" زيادة: "لا يخفى سقوطه".

ص: 408

"وقال عثمان بن أبي العاص: قلت: يا رسول الله! اجعلني إمام قومي قال: أنت إمامهم"؛ أي: جعلتك إمامهم؛ فيفيد الحدوث، أو أنت كما قلت؛ فيكون للدوام.

"واقتدِ بأضعفهم"؛ أي: تابع أضعفَ المقتدين في تخفيف الصلاة من غير ترك شيء من الأركان؛ يريد: تخفيف القراءة والتسبيحات حتى لا يملَّ القوم.

وقيل: لا تسرع حتى يبلغك أضعفهم، ولا تطوِّلْ حتى لا تثقل عليه.

"واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجرًا": استدل مَنْ منعَ الاستئجار على الأذان بالحديث، ولا دليلَ له فيه؛ لجواز أنه عليه الصلاة والسلام أمر بذلك أخذاً بالأفضل.

* * *

466 -

وقالت أمُّ سلَمة رضي الله عنها: عَلَّمني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ أقولَ عِنْدَ أذانِ المغرِبِ: "اللهمَّ هذا إِقْبالُ لَيْلِكَ، وإدْبَارُ نهارِكَ، وأصْواتُ دُعاتِكَ، فاغفِرْ لي".

"وقالت أم سلمة رضي الله عنا: علمني رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أن أقولَ عند أذان المغرب: اللهم هذا إقبال ليلك"؛ أي: هذا الأوان أوانُ إقبال ليلك.

"وإدبار نهارك"؛ أي: أوان إدباره.

"وأصوات دعاتك": جمع الداعي، وهو: المؤذن هنا.

"فاغفر لي": بحق هذا الوقت الشريف.

* * *

ص: 409

467 -

ورُوي: أنَّ بِلالًا رضي الله عنه أخذَ في الإقامة، فلمَّا أنْ قالَ: قدْ قامَتِ الصَّلاةُ قال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: " أقامَها الله، وأدامَها"، وقالَ في سائرِ الإقامةِ: كنحوِ حديثِ عمر في الأذانِ.

"وروي أن بلال أخذ"؛ أي: شرع "في الإقامة، فلما أن قال ": (لما) شرطية تستدعي فعلًا، فيكون التقدير: فلما انتهى إلى أن قال: (قد قامت الصلاة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: أقامها الله تعالى"؛ أي: ثبَّت الله الصلاة "وأدامها، وقال: في سائر الإقامة"؛ أي: في سائر كلماتها.

"كنحو حديث عمر في الأذان"؛ يعني: وافق المؤذن في كلماته في غير الحيعلتين.

* * *

468 -

عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُرَدُّ الدُّعاءُ بينَ الأَذانِ والإقامَةِ".

"وعن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة"، وذلك لشرف الوقت.

* * *

469 -

وقال: "ثِنْتَانِ لا تُرَدَّانِ: الدُّعاءُ عندَ النِّداءَ، وعِندَ البأْسِ حينَ يَلحَمُ بعضُهم بعضاً"، ويُروى:"وتحتَ المَطَرِ"، رواه سَهْل بن سَعْد.

"وعن سهل بن سعد أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ثنتان"؛ أي: دعوتان ثنتان.

"لا تردان": بل تستجابان.

ص: 410