الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 - باب صِفَة الصَّلاةِ
(باب صفة الصَّلاة)
مِنَ الصِّحَاحِ:
554 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ رجلًا دخل المسجدَ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم جالِسٌ في ناحِيَةِ المسجدِ، فصَلَّى، ثمَّ جاءَ فسلَّمَ عليهِ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "وعلَيْكَ السَّلام، ارْجِعْ فصَلِّ فإنَّكَ لمْ تُصَلِّ"، فرجَعَ فصلَّى، ثمَّ جاءَ فسلَّمَ، فقال:"وعليكَ السَّلام، ارْجِعْ فصلِّ، فإنَّكَ لمْ تُصلِّ"، فقال: يا رسول الله! عَلِّمْني فقال: "إذا قُمْتَ إلى الصَّلاةِ فأسبغِ الوُضوءَ، ثمَّ استقبل القِبلةَ، فكبرْ، ثمَّ اقرأ ما تيسَّرَ معكَ مِنَ القُرآن، ثمَّ اركعْ حتَّى تَطمئنَّ راكعاً، ثمَّ ارفَعْ حتَّى تَسْتَوِي قائمًا، ثمَّ اسجُدْ حتَّى تَطمئنَّ ساجِداً، ثُمَّ ارفعْ حتَّى تطمئنَّ جالساً، ثمَّ اسجُدْ حتَّى تَطمئنَّ ساجداً، ثمَّ ارفعْ حتَّى تَسْتَوِيَ قائمًا، ثمَّ افعلْ ذلك في صَلاتِكَ كُلِّها".
"من الصحاح":
" عن أبي هريرة أن رجلًا دخل المسجد، ورسولُ الله صَلَّى الله تعالى عليه وسلم جالسٌ في ناحيته المسجد"؛ أي: في جانب منه.
"فصلَّى، ثم جاء فسلَّم عليه صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: وعليك السلام، ارجعْ فصلِّ؛ فإنَّك لم تصلِّ"؛ أي: صلاة صحيحة، يدل على أنَّ اسم الصَّلاة لا يقع إلَّا على الصحيحة دون الفاسدة.
"فرجع فصلَّى، ثم جاء فَسلم، فقال: وعليك السلام، ارجعْ فصلِّ؛ فإنَّك لم تصل، فرجع فصلَّى، ثم جاء فسلم، فقال: وعليك السلام، ارجعْ
فصلِّ؛ فإنَّك لم تصل": فعل ذلك ثلاث مرات.
"فقال"؛ أي: الرجل.
"علمني يا رسول الله، فقال: إذا قمت إلى الصَّلاة"؛ أي: إذا أردت القيام إليها.
"فأسبغ الوضوء"؛ أي: أتممه؛ يعني: توضأ وضوء تاماً مشتملاً على فرائضه وسننه.
"ثم استقبل القبلة فكبّر"؛ أي: تكبيرة الإحرام.
"ثم اقرأ بما تيسر معك"؛ أي: اقرأ ما تعلم من القرآن، وقيل: أراد الفاتحةَ إذا كان يحسنها، وإليه ذهب الشَّافعي.
"ثم اركع حتَّى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتَّى تستوي قائمًا، ثم اسجد حتَّى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتَّى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتَّى تطمئن ساجداً": فيه دلالة ظاهرة على وجوب الطمأنينة في جميع أركان الصَّلاة، ومنهم من ذهب إلى أنها سنة، وأوَّله على نفي الكمال.
"ثم ارفع حتَّى تستوي قائمًا، ثم افعل في صلاتك كلها": وفي أمره بفعل ذلك في صلاته كلها دليل على وجوب القراءة في كلِّ الركعات كوجوب الركوع والسجود، وإليه ذهب الشَّافعي.
* * *
555 -
وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَسْتَفْتِحُ الصَّلاةَ بالتكبيرِ والقِراءةَ بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، وكانَ إذا ركعَ لمْ يُشْخصْ رأْسَهُ ولمْ يُصَوِّبْهُ، ولكنْ بينَ ذلك، وكانَ إذا رفعَ رأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ لمْ يَسْجُدْ حتَّى يَسْتَوِيَ قَائِماً، وكانَ إذا رفعَ رأسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ لمْ يَسْجُدْ حتَّى يَسْتَوِيَ جالِساً،
وكانَ يقولُ في كُلِّ ركعتَيْنِ التَّحِيَّات، وكانَ يَفرشُ رِجْلَهُ اليُسرى ويَنْصِبُ رِجْلَهُ اليُمنى، وكانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيطانِ، ويَنهى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِراعَيْهِ افْتِراشَ السَّبُعِ، وكانَ يَخْتِمُ الصَّلاةَ بالتسليم.
"وقالت عائشة: كان رسول الله صَلَّى الله تعالى عليه وسلم يستفتحُ الصلاةَ بالتكبيرِ"؛ أي: يجعل تكبيرة التحريم فاتحتها.
"والقراءةَ"؛ أي: يبتدأ القراءة "بالحمدُ": بالرفع على الحكاية وإظهار ألف الوصل.
"لله رب العالمين"؛ فيقرأ هذه السورة، وهذا لا يمنع تقديم دعاء الاستفتاح؛ لأنَّه لا يسمى قراءة عُرفاً، ولا يدل على أن التسمية ليست من الفاتحة؛ إذ المراد: أنه كان يبتدأ بقراءة السورة التي مفتتحها {الْحَمْدُ لِلَّهِ} كما يقال: ابتدأت بـ (البقرة).
"وكان إذا ركع لم يشخص رأسه"؛ أي: لم يرفعه.
"ولم يصوِّبه"؛ أي: ولم ينكسه.
"ولكن بين ذلك"؛ أي: يجعل رأسه بين التصويب والتشخيص بحيث يجعل ظهره وعنقه كالصفحة الواحدة.
"وكان إذا رفع رأسه من الركوع، لم يسجدْ حتَّى يستوي قائمًا، وكان إذا رفع رأسه من السجدة، لم يسجدْ حتَّى يستوي جالساً": فيه دليل على وجوب الاعتدال؛ لأنَّ فعله عليه الصلاة والسلام في الصَّلاة للوجوب ما لم يُعارَضْ بالندب؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "صلوا كما رأيتموني أصلي".
"وكان يقول"؛ أي: يقرأ في كل ركعتين "التحية": سُمّي الذكرُ المعين تحيةً وتشهداً؛ لاشتماله عليهما.
"وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى": بحيث يضع أصابع
رجله اليمنى على الأرض، ويرفع عقبها.
"وكان ينهى عن عُقبةِ الشيطان": وهي الإقعاء، قيل في تفسيره: هو أن يضعَ أليته على عقبيه بين السجدتين.
وقيل: أن يضع وركه على الأرض، وينصبَ ركبتيه بحيث تكون قدماه عليها.
وقيل: عقبة الشيطان: أن يقدم إحدى الرجلين على الأخرى في القيام.
وقيل: هي ترك عقبيه غير مغسولين في الوضوء.
"وينهى أن يفرشَ الرجلُ ذراعيه"؛ أي: عن إلصاقهما بالأرض في السجود.
"افتراشَ السبع"؛ أي: كافتراشه؛ لما فيه من التهاون بأمر الصَّلاة، بل ينبغي أن يضع كفّه، ويرفع مرفقه عن الأرض.
"وكان يختم الصَّلاة بالتسليم"، وفيه دليل على وجوب التسليم أيضًا؛ لما ذكرنا.
* * *
556 -
وقال أبو حُمَيد السَّاعِدِيُّ في نَفَرٍ مِنْ أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أحفظُكُمْ لصَلاةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيتُهُ إذا كبَّرَ جعلَ يدَيْهِ حِذاء مَنْكِبَيْهِ، وإذا ركعَ أمكَنَ يدَيْهِ مِنْ رُكبتَيْهِ، ثمَّ هَصَرَ ظهرَهُ، فإذا رفعَ رأسَهُ استوَى حتَّى يعودَ كُلُّ فَقارٍ مكانهُ، فإذا سجدَ وضعَ يدَيْهِ غيرَ مُفْتَرِشٍ ولا قَابضهِما، واستقبَلَ بأطرافِ أصابعِ رِجلَيْهِ القِبلَةَ، فإذا جلسَ في الرَّكْعَتَيْنِ جلسَ على رِجلِهِ اليُسرَى ونصَبَ اليُمنى، فإذا جلسَ في الرَّكعةِ الأخيرة قدَّمَ رِجلَهُ اليُسرَى وَنصبَ الأخرى وَقعدَ على مَقْعَدَتِهِ.
"وقال أبو حميد الساعدي في نفرٍ"؛ أي: في جماعة "من أصحاب رسول الله صَلَّى الله تعالى عليه وسلم: أنا أحفظكم لصلاة رسول الله صَلَّى الله تعالى عليه وسلم، رأيته إذا كبَّر جعل يديه حِذاءَ منكبيه"؛ أي: إزاءه.
"وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه"؛ أي: وضع كفيه على ركبتيه وقبضهما.
"ثم هصر"؛ أي: ثنى وعوج.
"ظهره": ثنياً شديداً في استواء رقبته وظهره.
"فإذا رفع رأسه، استوى حتَّى يعودَ كلُّ فَقارٍ": بفتح الفاء؛ أي: مفاصل الصُّلب.
"مكانه"؛ أي: موضعه، ويستقر كل عضو في مقره.
"فإذا سجد وضع يديه غيرَ مفترش": نصب على الحال؛ أي: غير واضع مرفقه على الأرض.
"ولا قابضَهما": عطف على (غير)؛ أي: غيرَ قابض أصابع يديه، بل يبسطها قِبَلَ القِبلة.
"واستَقبلَ بأطراف أصابع رِجلَيه القِبلةَ، فإذا جلس في الركعتين"؛ أي: الأولَيين "جلس على رِجله اليسرى ونصبَ اليمنى، فإذا جلس في الركعة الآخرة قدَّم رِجلَه اليسرى"؛ أي: أخرجَها من تحت وِركه إلى جانب الأرض "ونصبَ الأخرى، وقعد على مَقْعَدَتِه".
* * *
557 -
وقال سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ يرفعُ يدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إذا افتَتَحَ الصَّلاةَ، وإذا كبَّرَ للرُّكُوعِ، وإذا رفعَ رأسَهُ منَ
الرُّكُوعِ رفَعَهُما كذلك، وقال:"سَمعَ الله لمنْ حَمِدَهُ ربنا ولكَ الحمدُ"، وكانَ لا يفعلُ ذلكَ في السُّجودِ.
"وقال سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه: إن رسول الله صَلَّى الله تعالى عليه وسلم كان يرفع يديه حَذْوَ مَنْكِبَيه إذا افتتحَ الصلاةَ، وإذا كبَّر للركوع، وإذا رفع رأسَه من الركوع" رفعَهما كذلك.
"وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، وكان لا يفعل ذلك"؛ أي: رفعَ اليدين "في السجود"؛ يعني: لا يرفع يدَيه إذا قصدَ السجودَ.
* * *
558 -
وقال نافعٌ: كانَ ابن عُمَر إذا دخلَ الصَّلاة كبَّرَ ورفعَ يدَيْهِ، وإذا ركعَ رفعَ يدَيْهِ، وإذا قالَ سَمعَ الله لمنْ حَمِدَهُ رفعَ يدَيْهِ، وإذا قامَ مِنَ الرَّكعتَيْنِ رفعَ يدَيْهِ، ورفعَ ذلك ابن عمرَ إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم.
"وقال نافعٌ: كان ابن عمر إذا دخل الصلاةَ كبَّر ورفعَ يديه، وإذا ركعَ رفعَ يدَيه، وإذا قال: سمع الله لمن حمده رفعَ يدَيه، فإذا قام من الركعتين"؛ أي: من الركعة الثَّانية إلى الركعة الثالثة "رفعَ يدَيه"، ورفعُهما في هذا الموضع ليس في مذهب الشَّافعي، بل مذهبه: أن يرفعَ يدَيه عند تكبيرة الافتتاح، وإذا ركع، وإذا رفع رأسَه من الركوع، وعند أبي حنيفة: لا يرفع إلَّا عند تكبيرة الإحرام.
"ورفعَ ذلك ابن عمر"؛ أي: رفعَ ابن عمر رفعَ اليدين في هذه المواضع "إلى النَّبيّ عليه الصلاة والسلام "؛ أي: قال: إنه صَلَّى الله تعالى عليه وسلم فعلَ ذلك كلَّه.
* * *
559 -
وروى مالك بن الحُويرِث: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفعَ اليَدَيْنِ إذا كبَّرَ، وإذا ركعَ، وإذا رفَعَ رأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وقال: حتَّى يُحاذي بِهِما أُذُنيهِ.
وفي روايةٍ: "إلى فُروعَ أُذُنيهِ".
"وروى مالك بن الحُوَيرث، عن رسول الله صَلَّى الله تعالى عليه وسلم: رفعَ اليدين إذا كبَّر، وإذا ركعَ، وإذا رفع رأسَه من الركوع، وقال: حتَّى يحاذيَ بهما أُذنيَه".
"وفي رواية: فروعَ أُذنيَه"؛ أي: أعلاهما، وفرع كل شيء: أعلاه.
وقيل: فرع الأُذن: شحمته.
رفع اليدين عند تكبيرة الافتتاح حذاءَ أُذنيَه عند أبي حنيفة، وعند الشَّافعي: حِذاءَ منكبَيه، وذُكر: أن الشَّافعي حين دخل مصرَ سأله أهلُ مصر عن كيفية رفع اليدين عند التكبير، فقال: يرفع يديه بحيث يكون كفَّاه حذاءَ منكبَيه، وإبهاماه شحمتَي أذنيه، وأطراف أصابعه فرعَي أُذنيَه؛ لأنَّه جاء في رواية:"رفع اليدين إلى المَنكِبَين"، وفي رواية:"إلى الأُذنيَن"، وفي رواية:"إلى فروع الأُذنيَن"، ففعل ما ذكر فيه؛ جمعاً بين الروايات الثلاث.
* * *
560 -
وعن مالك بن الْحُويرِثِ: أَنَّهُ رَأَى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، فإذا كانَ في وِتْرٍ مِنْ صَلاتِهِ لمْ يَنْهَضْ حتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِداً.
"وعن مالك بن الحُوَيرث: أنه رأى النبيَّ عليه الصلاة والسلام يصلِّي، فإذا كان في وِترٍ"؛ أي: في الركعة الأولى والثالثة "من صلاته لم ينهض"؛ أي: لم يَقُمْ "حتَّى يستويَ قاعداً"؛ أي: حتَّى يَقرُب إلى الجلوس، وهذا يدل على سُنِّية جلسة الاستراحة، وبه قال الشَّافعي.
* * *
561 -
وعن وائل بن حُجْرٍ: أَنَّهُ رَأَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رَفَعَ يدَيْهِ حينَ دخلَ في الصَّلاةِ وكبَّرَ، ثمَّ التَحفَ بِثَوْبهِ، ثمَّ وضعَ يدَهُ اليُمنى على اليُسرَى، فلمَّا أرادَ أنْ يركَعَ أخرجَ يَدَيْهِ مِنَ الثَّوْبِ، ثمَّ رفعَهُمَا وكبَّرَ فركَعَ، فلمَّا قالَ:"سَمعَ الله لمنْ حَمِدَه" رفعَ يَدَيْهِ، فلمَّا سجدَ سجدَ بَيْنَ كَفَّيْه.
"وعن وائل بن حُجْر: أنه رأى النبيَّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم رفعَ"؛ أي: رافعاً يدَيه.
"حين دخل في الصَّلاة وكبَّر، ثم التحفَ"؛ أي: تستَّر "بثوبه"؛ أي: يريد أنه كان يخرج يديه من كمَّيه إذا كبَّر للإحرام، فإذا فرغ من التكبير أدخلَ يدَيه في كمَّيه.
"ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يدَيه من الثوب، ثم رفعَهما وكبَّر فركع، فلما قال: سمع الله لمن حمده رفعَ يدَيه، فلما سجدَ سجدَ بين كفَّيه"؛ أي: وضع كفَّيه بإزاء مَنْكِبَيه في السجود، ولعل التحافَ يدَيه بكُمَّيه لبرد شديد، أو لبيان أن كشفَ اليدين عند التكبير غيرُ واجب.
* * *
562 -
وقال سَهْل بن سَعْد: كانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يضعَ الرَّجُلُ اليَدَ اليُمنى على ذِرَاعِهِ اليُسرى في الصَّلاةِ.
"وقال سهل بن سعد: كان النَّاس يُؤمَرون أن يضعَ الرجلُ اليدَ اليمنى على ذراعه اليسرى في الصَّلاة"، وفيه حجة على مالك في الإرسال.
* * *
563 -
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا قامَ إلى الصَّلاةِ يُكَبرُ حِينَ يقومُ، ثمَّ يُكَبرُ حِينَ يَركعُ، ثُمَّ يقولُ:"سَمعَ الله لمنْ حَمِدَه" حِينَ يَرفعُ صُلبَهُ
مِنَ الرَّكعةِ، ثمَّ يقولُ وهو قائمٌ:"ربنا لكَ الحمدُ"، ثمَّ يُكبرُ حِينَ يَهوي، ثمَّ يُكبرُ حِينَ يرفعُ رأْسَهُ، ثمَّ يكبرُ حِينَ يسجُدُ، ثمَّ يكبرُ حِينَ يَرْفَعُ رأْسَهُ، ثمَّ يَفعلُ ذلكَ في الصَّلاةِ كُلِّهَا حتَّى يَقْضيَهَا، ويُكَبرُ حِينَ يَقُومُ من الثِّنتيْنِ بعدَ الجُلوسِ.
"وقال أبو هريرة رضي الله عنه: كان رسول الله صَلَّى الله تعالى عليه وسلم إذا قام إلى الصَّلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده"، معناه: قيل: الله حمدَ مَن حمدَه، اللام في (لمن) للمنفعة، والهاء في (حمده) للكناية، وقيل: للسَّكينة والاستراحة.
"حين يرفع صُلبَه من الركعة"؛ أي: من الركوع.
"ثم يقول وهو قائم: ربنا لك الحمد، ثم يكبر حين يَهْوِي"؛ أي: ينزل إلى السجود.
"ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسَه، ثم يفعل ذلك في الصَّلاة كلِّها حتَّى يقضيَها"؛ أي: يُتمَّها.
"وبكبر حين يقوم مِنَ الثنتين بعد الجلوس".
* * *
564 -
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضلُ الصَّلاةِ طولُ القُنُوتِ".
"عن جابر أنه قال: قال رسول الله صَلَّى الله تعالى عليه وسلم: أفضلُ الصَّلاة طولُ القُنوت"؛ أي: ذاتُ طول القيام؛ يعني: أفضلُ الصلاةِ صلاةٌ فيها طولُ القيام والقراءة، استدل به أبو حنيفة والشافعي على أن طولَ القيام أفضلُ من كثرة السجود ليلاً كان أو نهارًا، وذهب بعضهم إلى أن الأفضلَ في النهار كثرةُ السجود.
* * *
مِنَ الحِسَان:
565 -
قال أبو حُمَيْد السَّاعِدِيُّ في عَشَرَةٍ مِنْ أصحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنا أعلَمُكُمْ بصلاةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: فَاعْرِضْ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قامَ إلى الصَّلاةِ رفعَ يدَيْهِ حتَّى يُحاذيَ بهِما مَنْكِبَيْهِ، ثم يُكَبرُ، ثمَّ يقرأُ، ثمَّ يكبرُ، ويرفعُ يدَيْهِ حتَّى يُحاذِيَ بهِما مَنْكِبَيْهِ، ثمَّ يركعُ ويضعُ راحَتَيْهِ على رُكْبَتَيْهِ، ثم يعتدِلُ فلا يُصبي رأسَهُ ولا يُقْنِعُ، ثمَّ يرفعُ رأسَهُ فيقولُ:"سمعَ الله لمنْ حَمِدَه"، ثمَّ يرفعُ يدَيْهِ حتَّى يُحاذِي بهما مَنْكِبَيْهِ مُعتدلاً، ثمَّ يقولُ:"الله أكبرُ"، ثمَّ يَهْوِي إلى الأرضِ ساجداً، فيُجافي يديهِ عنْ جَنْبَيْهِ، ويفتح أصابعَ رِجْلَيْهِ، ثمَّ يرفعُ رأسَهُ، وتثْني رِجْلَهُ اليُسْرى، فيقعُدُ عليها، ثمَّ يعتدِلُ حتَّى يرجعَ كُلُّ عظم في موضعِه مُعتدِلاً، ثم يسجُدُ، ثمَّ يقولُ:"الله أكبر"، ويرفعُ ويَثْني رِجلَهُ اليُسرى فيقعُدُ عليها، حتَّى يرجِعَ كُلُّ عظمٍ إلى موضعِهِ، ثمَّ ينهضُ، ثمَّ يصنعُ في الركعةِ الثانيةِ مِثْلَ ذلكَ، ثمَّ إذا قامَ مِنَ الركعتَيْنِ كبَّرَ ورفعَ يدَيْهِ حتَّى يُحاذِيَ بهِما مَنْكِبَيْهِ كما كبَّرَ عندَ افتِتاحِ الصَّلاةِ، ثمَّ يصنعُ ذلكَ في بقيَّةِ صلاتِهِ، حتَّى إذا كانَتِ السَّجدةُ التي فيها التَّسليمُ أخَّرَ رِجْلَهُ اليُسرى، وقعدَ مُتورَساً على شِقِّه الأيسرِ، ثمَّ سَلَّم، قالوا: صدَقتَ، هكذا كانَ يُصلِّي، صحيح.
وفي روايةٍ من حديث أبي حُمَيْد: ثمَّ ركعَ فوضعَ يدَيْهِ على رُكبَتَيْهِ كأنَّه قابضٌ عليهِما، ووتَّرَ يدَيْهِ فنحَّاهما عَنْ جنبَيْهِ، وقال: ثمَّ سجدَ فأمكنَ أنفَهُ وجبهتَهُ الأرضَ، ونحَّى يدَيْهِ عنْ جنبَيْهِ، ووضعَ كفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وفرَّجَ بينَ فخذَيْهِ غيرَ حامِلٍ بطنَهُ على شيءٍ مِنْ فخِذَيْهِ حتَّى فرغَ، ثمَّ جلسَ فَافْتَرَشَ رِجلَهُ اليُسرى، وأَقبلَ بِصدْرِ اليُمنى على قِبْلتِه، ووضَعَ كفَّه اليُمنى على رُكبتِهِ اليُمنى، وكفَّهُ اليُسرى على رُكبتِهِ اليُسرى، وأشارَ بإصبعِهِ، يعني: السَّبَّابَة.
وفي روايةٍ: وإذا قعدَ في الركعتَيْنِ قعدَ على بَطْنِ قَدَمِهِ اليُسرى، ونصبَ
اليُمنى، وإذا كانَ في الرابعةِ أفْضى بِوَرِكِهِ اليُسرى إلى الأرضِ، وأخرجَ قَدَمَيْهِ مِنْ ناحيةٍ واحدة.
"من الحسان":
" قال أبو حُميد الساعدي في عشرة"؛ أي: بين عشرة أَنْفُسٍ "من أصحاب رسول الله صَلَّى الله تعالى عليه وسلم: أنا أعلمُكم بصلاة رسول الله صَلَّى الله تعالى عليه وسلم، قالوا: فاعرِضْ"؛ أي: بين علمَك بصلاته عليه الصلاة والسلام إن كنتَ صادقاً فيما تدَّعيه.
"قال: كان رسولُ الله صَلَّى الله تعالى عليه وسلم إذا قام إلى الصَّلاة يرفع يديه حتَّى يحاذيَ بهما مَنْكِبَيه، ثم يكبر، ثم يقرأ، ثم يكبر ويرفع يديه حتَّى يحاذيَ بهما مَنْكِبَيه، ثم يركع ويضع راحتَيه على رُكبتَيه، ثم يعتدل"؛ أي: يستوي "قائمًا، فلا يصبي"؛ أي: لا يخفض.
"رأسَه ولا يُقْنِع"؛ أي: لا يرفعه حتَّى يكونَ أعلى من جسده.
"ثم يرفع رأسَه فيقول: سمع الله لمن حمده، ثم يرفع يديه حتَّى يحاذيَ بهما مَنْكِبَيه معتدلاً، ثم يقول: الله أكبر، ثم يَهْوِي"؛ أي: ينزل. "إلى الأرض ساجداً، فيجافي يدَيه"؛ أي: فيُبعد مِرْفَقَيه "عن جنبيه، ويفتخ" - بالخاء المعجمة - "أصابعَ رِجلَيه"؛ أي: يَثنِيها ويُلينها.
"ثم يرفع رأسَه ويَثنِي رِجلَه اليسرى"؛ أي: يعوجها إلى باطن الرجل، "فيقعد عليها، ثم يعتدل حتَّى يرجع كل عظم في موضعه معتدلاً، ثم يسجد، ثم يقول: الله أكبر، ويرفع ويثني رجله اليسرى، فيقعد عليها، ثم يعتدل حتَّى يرجعَ كل عظم إلى موضعه"، وفيه: دليل على سُنِّية جلسة الاستراحة.
"ثم ينهض"؛ أي: يقوم.
"ثم يصنع"؛ أي: يفعل "في الركعة الثَّانية مثل ذلك، ثم إذا قام عن
الركعتين كبَّر ورفع يديه حتَّى يحاذيَ بهما مَنْكِبَيه، كما كبَّر عند افتتاح الصَّلاة، ثم يصنع ذلك في بقية صلاته، حتَّى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخَّر رجلَه اليسرى، وقعد متورَكاً على شقه الأيسر"؛ أي: مفضياً بوِركه اليسرى إلى الأرض غير قاعد على رِجليه.
"ثم يسلِّم، قالوا: صدقتَ، هكذا كان يصلِّي. صحيح"، أراد بهذا (الصحيح): ما ذكره في آخر خطبة الكتاب، لا ما ذكره الشيخان.
"وفي رواية من حديث أبي حُميد: ثم ركع فوضع يدَيه على رُكبتَيه كأنه قابضٌ عليهما، ووتَّر يديه"؛ أي: جعلهما كالوَتَر من: التوتير، وهو جعل الوَتَر على القَوس.
"فنحَّاهما"؛ أي: أَبعدَهما "عن جنبيه"، حتَّى كان يدُه كالوَتَر وجنبُه كالقَوس.
"وقال: ثم سجد فأَمكنَ أنفَه وجبهتَه الأرض"؛ أي: وضعهما على الأرض مع الطمأنينة.
"ونَحَّى"؛ أي: أَبعدَ "يدَيه عن جنبيه، ووضع كفَّيه حَذْوَ مَنُكِبَيه، وفرَّج"؛ أي: فرَّق "بين فخذيه غيرَ حاملٍ"؛ أي: غيرَ واضعٍ "بطنَه على كل شيء من فخذيه حتَّى فرغ" من السجود.
"ثم جلس فافترش رِجلَه اليسرى، وأقبل بصدر اليمنى على قِبلته"؛ أي: وجَّه أطرافَ أصابع رِجله اليمنى إلى القِبلة.
"ووضع كفَّه اليمنى على ركبته اليمنى، وكفه اليسرى على ركبته اليسرى، وأشار بإصبعه"؛ يعني: السبَّابة.
"وفي رواية: إذا قعد في الركعتين قعد على بطن قدمه اليسرى ونصب اليمنى، وإذا كان في الرابعة أفضى"؛ أي: أوصلَ
"بوِرْكِه اليسرى إلى الأرض، وأخرج قدمَيه من ناحية واحدة"، وفيه: دليل للشافعي على سُنية التورُّك في القعدة الثَّانية.
* * *
566 -
وعن وائل بن حُجْر: أَنَّهُ أبصَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ قامَ إلى الصَّلاةِ رفعَ يدَيْهِ حتَّى كانتا بِحِيَالِ مَنْكِبَيْهِ، وحاذَى إبْهَامَيْهِ أُذُنيهِ، ثُمَّ كَبَّرَ.
وفي روايةٍ: يرفعُ إبْهَامَيْهِ إلى شَحْمَةِ أُذُنيهِ.
"وعن وائل بن حُجْر: أنه أبصرَ النبيَّ عليه الصلاة والسلام حين قام إلى الصَّلاة رفعَ يدَيه حتَّى كانتا بحِيَال مَنْكِبَيه"؛ أي: تلقاءَهما.
"وحاذَى إبهامَيه أُذنيَه، ثم كبَّر".
"وفي رواية: يرفع إبهامَيه إلى شحمة أُذنيَه": وهي ما لانَ من أسفلهما.
567 -
وعن قَبيْصة بن هُلْب، عن أبيه أنَّه قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَؤُمُّنا فيأخُذُ شِمالَهُ بيمينهِ.
"وعن قَبيصة بن هُلْب، عن أبيه أنه قال: كان رسول الله صَلَّى الله تعالى عليه وسلم يؤمُّنا، فيأخذ شمالَه"؛ أي: كوعَه الأيسرَ "بيمينه"؛ أي: بكفه اليمنى، وهذا عند القيام.
* * *
568 -
وعن رِفاعة بن رافِع قال: جاء رجُلٌ فصلَّى في المسجدِ، ثمَّ جاءَ فسلَّمَ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم:"أعَدْ صَلاتَكَ، فإنَّكَ لمْ تُصَلِّ"، فقال: علِّمْني - يا رسولَ الله! - كيفَ أصلِّي؟، فقال: "إذا توجَّهْتَ إلى القِبلةِ فكبرْ،
ثمَّ اقرأْ بأُمِّ القرآنِ، وما شاءَ الله أنْ تقرأَ، فإذا ركَعْتَ فاجعَلْ راحتَيْكَ على رُكبتَيْكَ، ومكِّنْ رُكُوعَكَ، وامدُدْ ظَهْرَكَ، فإذا رفعتَ فأقِمْ صُلْبَكَ، وارفَعْ رأْسَكَ حتَّى ترجعَ العِظامُ إلى مَفاصِلِها، فإذا سَجَدْتَ فَمَكِّنْ للسجُودِ، فإذا رَفَعْتَ فَاجلِسْ على فَخِذِكَ اليُسرى، ثمَّ اصنَعْ ذلكَ في كُلِّ ركعةٍ وسَجْدَةٍ حتَّى تطمئن".
وفي روايةٍ: "إذا قُمْتَ إلى الصَّلاةِ فتوضَّأْ كما أمرَكَ الله، ثمَّ تشهَّدْ فأقِمْ، فإن كانَ معكَ قُرآن فأقْرَأْ، وإلَاّ فاحْمَدِ الله وكبرْهُ وهَلِّلْهُ، ثمَّ ارْكَعْ".
"وعن رِفاعة بن رافع: أنه قال: جاء رجل، فصلَّى في المسجد، ثم جاء فسلَّم على النَّبيّ عليه الصلاة والسلام، فقال النَّبيّ عليه الصلاة والسلام: أَعِدْ صلاتَك؛ فإنَّك لم تصلِّ"؛ وذلك لعدم كمالها وتفاحُش نقصانها.
"فقال"؛ أي: الرجلُ: "علِّمْني يا رسولَ الله كيف أصلِّي، قال: إذا توجَّهت إلى القِبلة فكبّر، ثم اقرأ بأم القرآن"؛ أي: بالفاتحة، سُميت بأم القرآن؛ لأنها أوله في التلاوة والكتابة.
"وما شاء الله أن تقرأ"؛ أي: ما رزقَك الله من القرآن بعد الفاتحة.
"فإذا ركعتَ فاجعلْ راحتَيك على رُكبتَيك، ومكِّن ركوعَك"؛ أي: اركعْ ركوعاً تامًّا مع الطمأنينة.
"وامدُدْ ظَهرَك، فإذا رفعتَ فأَقِمْ صلبَك وارفْع رأسَك حتَّى ترجعَ العظامُ إلى مفاصلها، وإذا سجدتَ فمكِّن للسجود"؛ أي: اسجد سجوداً تاماً مع الطمأنينة.
"فإذا رفعتَ فاجلسْ على فخذك اليسرى، ثم اصنعْ ذلك في كل ركعة وسجدة حتَّى تطمئنَّ"، يريد به: الجلوس في آخر الصَّلاة؛ فإنَّه موضعُ الاستقرار؛ يعني: حتَّى تفرغ.
"وفي رواية: إذا قمتَ إلى الصَّلاة فتوضَّأ كما أمرك الله، ثم تشهَّدْ"؛ أي: بعدَ الفراغ من الوضوء قل: أشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وقيل: أي: أذِّنْ؛ لأنَّه مشتملٌ على كلمتَي الشهادة.
"فأَقِمْ"، يريد به: الإقامة للصلاة، وقيل: معنى (تشهد)؛ أي: احضرْ وانوِ وكبر وأحضرْ قلبَك واستَقِمْ.
"وإن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا"؛ أي: وإن لم يكن معك قرآن "فاحمدِ الله"؛ أي: قل: الحمد لله.
"وكبره"؛ أي: قل: الله أكبر.
"وهلِّله"؛ أي: قل: لا إله إلَّا الله.
"ثم اركع".
* * *
569 -
عن الفضل بن عبَّاس أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلاةُ مَثْنَى مَثْنَى، تَشَهَّدُ في كُلِّ ركعتَيْنِ، وتَخَشَّعُ، وتَضَرَّعُ، وتَمَسْكَنُ، ثمَّ تُقْنِعُ يديك - يقول: ترفعُهما - إلى رَبكَ مُستقبلاً ببُطُونهِما وجهَكَ، وتقولُ: يا ربِّ يا ربِّ، ومَنْ لمْ يفعلْ ذلكَ فهو خِداجٌ".
"عن الفضل بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صَلَّى الله تعالى عليه وسلم: الصلاةُ مثنى مثنى"؛ يعني: الصَّلاة تُصلَّى ركعتين ركعتين، وهذا في النوافل عند الشَّافعي؛ إذ الأفضلُ أن يسلّم من كل ركعتين ليلاً كان أو نهارًا.
وعند أبي حنيفة: الأفضل أن تصلّي أربع ركعات بتسليمة ليلاً كان أو نهاراً.