الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7 - باب مُخالَطة الجُنُب وما يُباح لَهُ
" باب مخالطة الجنب"؛ أي: مجالسته ومؤاكلته ونحو ذلك.
"وما يباح له"؛ أي: يحل.
مِنَ الصِّحَاحِ:
308 -
قال أبو هُريرة رضي الله عنه: لَقِيني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا جُنُب، فأخذَ بيدي فمشيتُ معَهُ حتى قعدَ، فَانْسَلَلْتُ فأتيتُ الرحلَ فاغتسلتُ، ثمَّ جئتُ وهو قاعدٌ، فقال:"أينَ كنتَ يا أبا هِر؟ "، فقلت له: لَقِيتَني وأنا جُنُب، فكرِهْتُ أنْ أُجالِسَكَ وأنا جُنُب، فقال:"سُبْحَانَ الله، إِنَّ المُؤْمِنَ لا يَنْجُس".
"من الصحاح":
" قال أبو هريرة: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جُنُب، فأخذ بيدي فمشيْتُ معه حتى قعد، فانْسَلَلْتُ"؛ أي: ذهبت بخُفية.
"فأتيت الرَّحْل"؛ أي: البيت؛ لأن بيوتهم كانت محلاً للرحال.
"فاغتسلت، ثم جِئْتُ وهو قاعد"، وفيه دليل على جواز مصافحة الجنب، ومخالطته، وتأخير الاغتسال، والسعي في حوائجه.
"فقال: أين كنت يا أبا هر" كان اسمه في الإسلام عبد الرحمن هذه الكنية وضعها النبي عليه الصلاة والسلام حين رأى في ثوبه شيئًا يحمله فقال: "ما هذا يا عبد الرحمن؟ " فقال: هرة.
"فقلت له: لقيتني وأنا جُنُب، فكرهْتُ أن أجالسك وأنا جُنُب" فمشيْتُ واغتسلْتُ.
"فقال" عليه الصلاة والسلام تعجباً: "سبحان الله! إن المؤمن لا ينجَسُ"
بفتح الجيم؛ أي: لا تصير عينه نجاسة، وهذا غير مختصٍّ بالمؤمن، بل الكافر كذلك.
وأما قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]، فالنَّجاسة في اعتقاداتهم، لا في أصل خِلْقَتِهم، وما روي عن ابن عباس رضي الله عنه: أن أعيانهم نجسة كالخنزير، وعن الحسن: من صافحهم فليتوضأ، فمحمول على المبالغة.
* * *
309 -
وذكر عُمرُ - رضى الله عنه - لِرسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّهُ تُصيبُهُ الجَنابةُ مِنَ اللَّيْلِ، فقالَ لهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"توضَّأ، واغْسِلْ ذَكَرَكَ، ثمَّ نَمْ".
"وذكر عمر - رضى الله عنه - لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تصيبه الجنابة من الليل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: توضَّأ واغسِلْ ذَكَرَكَ ثم نَمْ".
* * *
310 -
وقالتْ عائشةُ رضي الله عنها: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا كانَ جُنُباً فأرادَ أنْ يأكل أوْ يَنَامَ توضَّأ وُضُوءَهُ للصَّلاةِ.
"وقالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان جُنُباً فأراد أن يأكُلَ أو ينام توضَّأ وضُوُءَهُ للصلاة".
* * *
311 -
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكمْ أهلَهُ، ثمَّ أرادَ أنْ يعودَ فليتوضَّأ بينَهُمَا وُضُوءاً"، رواه أبو سعيد الخدري.
"وعن أبي سعيد الخدري أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أتى أحدكمْ أهلَهُ"؛ أي: جامعها.
"ثم أراد أن يعود" إلى الجماع.
"فليتوضَّأْ بينهما"؛ أي: بين الإتْيَانينِ وضوءاً؛ لأن هذا أطيب وأكثر للنَّشاط والتَّلذذ.
وفي هذا الحديث وحديث عمر وعائشة: إشارة إلى أنه يستحبُّ للجُنُب أن يغسلَ ذَكَرَه ويتوضأ كما يتوضأ للصلاة إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو يجامع مرة أخرى أو ينام.
* * *
312 -
وقال أنس - رضى الله عنه -: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يطوفُ على نِسائِهِ بِغُسْل واحدٍ.
"وقال أنس - رضى الله عنه -: كان النبي عليه الصلاة والسلام يطوفُ على نسائه"؛ أي: يجامعهنَّ.
"بِغُسْلٍ واحد" وهذا يدل على أن الجُنُب يجوز له أن يجامع مرةً أخرى من غير أن يغتسل لكل مجامعة، ويكفيه لجميع الوطئات غسل واحد.
فإن قيل: أقل القسم ليلة لكل امرأة، فكيف كان يطوف على نسائه في ليلة واحدة؟
فالجواب: أن القسم في حقه عليه الصلاة والسلام كان تكرماً وتبرعاً لا وجوباً، وعلى قول من ذهب بوجوبه يحمل على أنه كان برضائِهنَّ.
* * *
313 -
وقالت عائشة رضي الله عنها: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَذْكرُ الله على كُلِّ أَحيَانِهِ.
"وقالت عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يَذْكرُ الله على كل أَحْيَانِهِ": حين الطهارة
والحدث والجنابة، والذِّكْرُ: منه ما يكون بالقلب، وما يكون باللسان، وما يكون بهما، والأول أعلى، وهو المشار إليه في هذا الحديث.
وهو المراد بالذِّكر الكثير في قوله تعالى: {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: 41]، فالرسول عليه الصلاة والسلام يذكر الله في جميع أوقاته، ففي وقت الجنابة ودخول الخلاء يقتصر على الذِّكْرِ القلبي.
وفيه إشارة: إلى أن العبد ينبغي له أن لا يخلو عن ذِكْرِ؛ تعالى ساعة.
* * *
314 -
وقال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنه: خرجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الخلاء، فأتِيَ بطعامٍ، فَذَكرُوا لهُ الوُضُوءَ، فقال:"أُريدُ أنْ أُصلِّيِ فأتوضَّأَ؟ ".
"وقال ابن عباس: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخَلَاءَ فأتي بطعامٍ، فذكروا له الوضوء"؛ أي: قالوا له: أتتوضأ ثم تأكل.
"فقال: أريد" بحذف همزة الاستفهام؛ أي: أأريد.
"أن أصلي فأتوضأ" بالنصب جواباً للاستفهام الإنكاري؛ والمعنى: لا أريد أن أصلي حتى أفتقر إلى الوضوء.
وأشار بهذا: أن الوضوء شُرِعَ لإقامة الصلاة لا لأكل الطعام، قاله تيسيراً للأمة وتعليماً للرخصة لا لنفي الفضيلة.
* * *
مِنَ الحِسَان:
315 -
قالت مَيْمُونة رضي الله عنها: أجْنَبْتُ أنا ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فاغْتَسَلْتُ مِنْ جَفْنَة وفضَلَ فيها فَضْلَةٌ، فجاءَ النبي صلى الله عليه وسلم لِيَغْتَسِلَ مِنْهَا، فقلتُ: إنِّي
قد اغْتَسَلْتُ منها، فاغْتسَلَ، وقال:"إنَّ الماءَ ليسَ علَيْهِ جَنَابَة"، وفي رواية:"إنَّ الماءَ لا يُجْنِب".
"من الحسان":
" قالت ميمونة رضي الله عنها: أجنبت أنا"؛ أي: صرْتُ جُنُباً.
"ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلْتُ من جَفْنَةٍ": وهي القَصْعَةُ الكبيرة.
"وفَضَلَتْ فيها"؛ أي: في الجَفْنَةِ.
"فَضْلَةٌ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليغتسل منها، فقلت: إني قد اغتسلت منها" حسبت ميمونة أنَّ الماء ينجس بالنَّجاسة الحكمية كالنَّجاسة الحقيقية؛ لأنها كانت أدخلَتْ فيها يدها.
"فاغتسل" عليه الصلاة والسلام منها.
"وقال" تنبيهًا لها على الحكم: "إن الماء ليس عليه جَنَابة" فلا يخرجُ عن كونه مُطَهِّرًا إذا لم ينوِ المغتسلُ بإدخال يده في الإناء رفع الجنابة من كَفّه.
"وفي رواية: إن الماءَ لا يُجْنِبُ"، أي: لا يأخذ حكم الجنابة، فلا يصير بمثل هذا الفعل إلى حالةِ لا يستعمل.
* * *
316 -
وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُجنِبُ فيغتَسِلُ، ثمَّ يستَدْفِئَ بي قبلَ أن أَغْتَسِل.
"وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُجنِبُ"؛ أي: يصير جُنُباً.
"فيغتسل ثم يستدفئ"؛ أي: يستسخن.
"بي قبل أن أغتسل"؛ يعني: يضع أعضاءه على أعضائي من غير حائلٍ؛ ليجد حرارة من أعضائي فتزول عنه البرودة.
وفيه دليلٌ على عدم نجاسة بَدَنِ الجُنُب، وعلى جواز المخالطة والمماسة.
* * *
317 -
وقال علي رضي الله عنه: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ يخرجُ مِنَ الخلاءِ، فيُقْرِئُنا القُرآنَ، ويأكلُ معنَا اللحمَ، وكان لا يحجُبُهُ - أو لا يحجُزُهُ - عَنْ قِراءةِ القُرآنِ شيءٌ ليسَ الجنابة.
"وقال علي - كرم الله وجهه -: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج من الخلاء فَيُقْرِئُنا"؛ أي: يعلّمُنا "القرآن ويأكل معنا اللَّحم وكان لا يحجُبُه أو لا يحجزُه": شكّ من الراوي؛ أي: لا يمنعه.
"عن قراءة القرآن شيء ليس الجنابةَ"؛ أي: إلا الجنابة.
* * *
318 -
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقرأُ الجُنُبُ ولا الحائضُ شيئاً مِنَ القُرآنِ".
"وعن ابن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تَقْرَأ الحائض "على صيغة النهي.
"ولا الجُنُبُ شيئاً من القرآن"، لا القليل ولا الكثير، وبه قال الشافعي، إلا أن يقول: بسم الله، والحمد لله، على قَصْدِ الذِّكْرِ، وجَوَّزَ مالك قراءة القرآن للحائض لخوفِ النسيان، وللجنب بعض آيةٍ دون إتمامها.
وعن أبي حنيفة روايتان؛ أحدهما كمالك، وأصحُّهما كالشافعي.
* * *
319 -
وقالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَجِّهُوا هذه البُيوتَ عَنِ المسجدِ، فإنِّي لا أُحِلُّ المسجدَ لحائضٍ ولا جُنُبٍ".
"وقالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجهوا هذه البيوت"؛ أي: حَوّلوا أبوابها.
"عن المسجد": إلى جانب آخر كي لا يمرَّ الجنب والحائض.
"فإني لا أحلُّ المسجد لحائض ولا جنب"، قيل: هذا فيمن يتَّخذ تأخيرَ الاغتسال عادة تهاوناً، وإلا فالجنب غير ممنوعٍ من العُبور فيه على قول مالك والشافعي دون المُكْث خلافاً لأحمد، وعند أبي حنيفة يحرُمُ المرورُ فيه.
* * *
320 -
وقال: "لا تدخُلِ الملائكَةُ بيتاً فيهِ صُورة ولا كلبٌ ولا جُنُب" رواه علي.
"وعن عليٍّ - رضى الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تدخل الملائكة"؛ أي: الملائكة النازلة على العباد بالرحمة والبركة والزيارة واستماع الذّكْرِ، لا الكَتَبة فإنهم لا يفارقون المكلَّفين في أحوالهم السيئة والحسنة، لقوله تعالى:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]؛ يعني: هم لا يدخلون.
"بيتاً فيه صورة"؛ أي: صورة حيوانٍ على شيءٍ مرتفعٍ من الأرض كالجدار والستر لشبه ذلك البيت ببيوت الأصنام، وأما صورة الحيوان في البساط وما يُجْلَسُ عليه وتوضَعُ عليه الرّجْلُ فلا بأس به، وكذا صورةُ غير الحيوان من الأشجار وغيرها.
"ولا كلب"؛ أي: ولا بيتاً فيه كلب؛ لأنه نجسٌ، والملائكة أطهار مكرَّمون، وخُصَّ عمومه بكلب الماشية والزَّرع والصَّيد لمسيس الحاجة.
"ولا جنب"؛ أي: جُنُبٌ يتهاون في الغُسْل حتى يمرَّ عليه وقتُ الصلاة، ويجعل ذلك دَأْباً وعادةَ له؛ لأنه مستخفّ بالشرع.
* * *
321 -
وعن عمَّار بن ياسر - رضى الله عنه -: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثةٌ لا تَقْرَبُهُمُ الملائكةُ: جيفةُ الكافِرِ، والمتضمِّخُ بالخَلوقِ، والجُنُبُ إلَاّ أن يتوضَّأ".
"عن عمار بن ياسر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا يقربهم الملائكة: جيفة الكافر"؛ أي: جسده الذي هو بمنزلتها، حيث لا يحتَرِزُ عن النجاسات كالخمر والخنزير والدم ونحوها سواء كان حياً أو ميتاً.
"والمتضَمِّخ"؛ أي: المتلطِّخ.
"بالخَلوق"، وهو - بفتح الخاء المعجمة - طِيْبٌ معروفٌ متَّخذٌ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب، ويغلب عليه حمرةٌ مع صفرة، وقد أبيحَ تارةً ونُهي عنه أخرى، وهو الأكثر، وهو مختص بالرجال دون النساء، وإنما لا تقربه الملائكة لما فيه من التَّشبُّه بالنساء والتوسُّع والرعونة.
"والجنب"؛ أي: لا يقربه الملائكة أيضاً.
"إلا أن يتوضَّأ"، أراد به الوضوء المتعارف كما مرَّ، وهذا تهديدٌ وزجْرٌ عن تأخير الغسل كي لا يعتاد.
وقيل: يحتمل أن يريد بالوضوء هنا الغُسْل.
* * *
322 -
وفي الكتاب الذي كتبَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لعمْرِو بن حَزْم: "وأَنْ لا يَمَسَّ القُرآنَ إلَاّ طاهِر".
"وفي الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لعَمِرو بن حَزْم: أن لا يمسَّ القرآن إلا طاهر"؛ أي: لا يجوز حملُ المصحَفِ ولا مَسُّه إلا طاهراً.
* * *
323 -
وقال ابن عمر رضي الله عنه: مَرَّ رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يَبُولُ، فسلَّمَ علَيْهِ، فلمْ يَرُدَّ عليهِ حتَّى كادَ الرَّجُلُ أنْ يتوارى، فضَربَ بيدَيْهِ على الحائطِ ومسحَ بهِما وجهَهُ، ثمَّ ضربَ ضَربَة أُخرى فمسحَ ذراعَيْهِ، ثمَّ رَدَّ على الرَّجُلِ السَّلامَ، وقال:"إنَّهُ لمْ يمنَعْني أنْ أرُدَّ عليكَ السَّلامَ إلَاّ أنِّي لَمْ أَكُنْ على طُهْرٍ".
وروي: أنه لمْ يَرُدَّ علَيْهِ حَتَّى توضَّأ، ثمَّ اعتذَرَ إليْهِ فقال:"إنِّي كَرِهْتُ أنْ أَذْكُرَ الله إلَاّ على طُهْرٍ".
"وقال ابن عمر رضي الله عنه: مرَّ رجل"، قيل: هو من المهاجرين قُنْفُذ بن عُمَير المطَّلبي.
"على النبي صلى الله عليه وسلم وهو"؛ أي: النبي عليه الصلاة والسلام.
"يبول، فسَلَّم عليه"؛ أي: الرجل على النبي صلى الله عليه وسلم.
"فلم يرُدَّ عليه"؛ أي: النبي عليه الصلاة والسلام على الرجل.
"حتى كاد الرجل أن يتوارى"؛ أي: قرب أن يستتر ويغيب.
"ضرب صلى الله عليه وسلم بيديه على الحائط" للتيمم.
"ومسح بهما وجهَهُ، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه، ثم رَدَّ على