الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي الْحَرَامِ]
ِ وَهُوَ لُغَةً: الْمَنْعُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} [القصص: 12] أَيْ: حَرَمْنَاهُ رَضَاعَهُنَّ وَمَنَعْنَاهُ مِنْهُنَّ، إذْ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ مُكَلَّفًا، وقَوْله تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف: 50] وَيُطْلَقُ بِمَعْنَى الْوُجُوبِ كَقَوْلِهِ:
فَإِنَّ حَرَامًا لَا أَرَى الدَّهْرَ بَاكِيًا
…
عَلَى شَجْوِهِ إلَّا بَكَيْت عَلَى عَمْرٍو
وَعَلَيْهِ خَرَجَ قَوْله تَعَالَى: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ} [الأنبياء: 95] أَيْ وَوَاجِبٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَرَدْنَا إهْلَاكَهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ عَنْ الْكُفْرِ إلَى الْإِيمَانِ، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، وَفِي الِاصْطِلَاحِ: مَا يُذَمُّ فَاعِلُهُ شَرْعًا مِنْ حَيْثُ هُوَ فِعْلٌ، وَمِنْ أَسْمَائِهِ الْقَبِيحُ، وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ، وَالْمَحْظُورُ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ: الْحَرَامُ يَكُونُ مُؤَبَّدًا، وَالْمَحْظُورُ قَدْ يَكُونُ
إلَى غَايَةٍ حَكَاهُ عَنْهُ الْعَسْكَرِيُّ فِي فُرُوقِهِ "، وَفِي " النُّكَتِ " لِابْنِ الْفَارِضِ الْمُعْتَزِلِيِّ حَكَى الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي الْبَصْرِيَّ عَنْ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: مُحَرَّمٌ فِي الْقَبِيحِ إذَا كَانَ طَرِيقُ قُبْحِهِ مَقْطُوعًا بِهِ، وَيَقُولُونَ: مَكْرُوهٌ فِيمَا كَانَ طَرِيقُهُ مُجْتَهَدًا فِيهِ كَسُؤْرِ كَثِيرٍ مِنْ السِّبَاعِ. قَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ: وَسَمَّاهُ الشَّافِعِيُّ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِهِ مَكْرُوهًا أَيْضًا تَوَسُّعًا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَفْظَ الْمَكْرُوهِ لَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ.
تَنْبِيهٌ (الْحُرْمَةُ لَيْسَتْ مُلَازِمَةً لِلذَّمِّ) الْحُرْمَةُ لَيْسَتْ مُلَازِمَةً لِلذَّمِّ وَالْإِثْمِ لَا طَرْدًا وَلَا عَكْسًا، فَقَدْ يَأْثَمُ الْإِنْسَانُ عَلَى مَا لَيْسَ بِحَرَامٍ، كَمَا إذَا قَدِمَ عَلَى زَوْجِهِ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً، وَقَدْ يَحْرُمُ مَا لَيْسَ فِيهِ إثْمٌ، كَمَا إذَا قَدِمَ عَلَى أَجْنَبِيَّةٍ يَظُنُّهَا زَوْجَتَهُ. وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ: أَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ تَابِعَانِ لِمَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَحَلَّ الْأَبْضَاعَ، وَالْأَمْوَالَ، وَالْأَزْوَاجَ فِي أَحْوَالٍ بِشُرُوطٍ، وَحَرَّمَهَا بِدُونِ ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا، جَعَلَ الْإِثْمَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ، فَإِذَا قَدِمَ الْعَبْدُ عَلَى فِعْلٍ يَعْتَقِدُهُ حَلَالًا وَهُوَ حَرَامٌ لَا إثْمَ عَلَيْهِ تَخْفِيفًا عَلَى الْعَبْدِ، وَإِذَا أَقْدَمَ عَلَى فِعْلٍ يَظُنُّهُ حَرَامًا وَهُوَ حَلَالٌ عَاقَبَهُ عَلَى الْجُرْأَةِ، فَمَعْنَى قَوْلِنَا: هَذَا الْفِعْلُ حَرَامٌ أَنَّ الشَّارِعَ لَهُ تَشَوُّفٌ إلَى تَرْكِهِ، وَمَعْنَى قَوْلِنَا: حَلَالٌ خِلَافُ ذَلِكَ.
وَالْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ يُطْلَقَانِ تَارَةً عَلَى مَا فِيهِ إثْمٌ وَمَا لَيْسَ فِيهِ، وَهُوَ مُرَادُ الْأُصُولِيِّينَ بِقَوْلِهِمْ: الْحَرَامُ مَا يُذَمُّ عَلَيْهِ، وَتَارَةً عَلَى مَا لِلشَّارِعِ فِيهِ تَشَوُّفٌ إلَى تَرْكِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَطْءُ الشُّبْهَةِ، أَعْنِي شُبْهَةَ الْمَحَلِّ حَرَامٌ مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا إثْمَ فِيهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَتْلَ الْخَطَأِ حَرَامٌ، وَكَذَلِكَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ عَلَى رَأْيٍ، وَهَذَا يُمْكِنُ رَدُّ كَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ إلَيْهِ فِي حَدِّ الْحَرَامِ بِأَنَّهُ مَا يُذَمُّ فَاعِلُهُ، بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ يُذَمُّ بِالْقُوَّةِ. أَوْ يَكُونَ الْمُرَادُ، يُذَمُّ بِشَرْطِ الْعِلْمِ بِحَالِهِ، وَإِنْ اسْتَنْكَرْت إطْلَاقَ الْحُرْمَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ، فَانْظُرْ إلَى قَوْلِ الْأُصُولِيِّينَ: لَوْ اشْتَبَهَتْ الْمَنْكُوحَةُ بِأَجْنَبِيَّةٍ حُرِّمَتَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ الْكَفُّ عَنْهُمَا.
وَقَوْلُهُ: إذَا قَالَ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ حُرِّمَتَا تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ، فَإِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ فِي الْفَرْعَيْنِ حَرَامٌ بِاعْتِبَارِ الْإِثْمِ عَلَى الْجُرْأَةِ، وَهِيَ الَّتِي فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهَا الزَّوْجَةُ فِي الْأُولَى، وَاَلَّتِي سَيُعَيِّنُهَا فِي الثَّانِيَةِ، وَالْأُخْرَى حَرَامٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، فَقَوْلُهُمْ: حُرِّمَتَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَأْثَمُ بِالْإِقْدَامِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، وَقَوْلُهُمْ: تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ عَلَى الْمَعْنَى الْآخَرِ، فَتَأَمَّلْ كَيْفَ أَثْبَتُوا التَّحَرُّمَ لِلزَّوْجَةِ بِالِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ، وَصَرَفُوهُ عَنْهَا بِالِاعْتِبَارِ الثَّانِي. وَمَا ذَكَرْنَاهُ لَيْسَ ذَهَابًا إلَى مُوَافَقَةِ مَنْ يَقُولُ: الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ يُوصَفُ بِهِمَا الذَّوَاتُ بَلْ هُوَ تَوَسُّطٌ. وَتَحْقِيقُهُ: أَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ يُوصَفُ بِهِمَا ذَوَاتُ الْأَفْعَالِ طَابَقَتْ الِاعْتِقَادَ أَمْ لَا. وَهَذَا إذَا تَبَيَّنَ لَك فِي الْحَرَامِ نَقَلْته إلَى بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ.
وَانْظُرْ قَوْلَ الْبَيْضَاوِيِّ: قَالَ الْفُقَهَاءُ: يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى الْحَائِضِ، وَالْمَرِيضِ، وَالْمُسَافِرِ، فَرُبَّ وَاجِبٍ يَأْثَمُ الْإِنْسَانُ بِتَرْكِهِ بِاعْتِبَارِ ظَنِّهِ، وَيَكُونُ فِي