الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْحَدُّ النَّظَرُ فِي حَقِيقَتِهِ وَأَقْسَامِهِ وَشُرُوطِ صِحَّتِهِ]
ِ [حَقِيقَةُ الْحَدِّ] أَمَّا حَقِيقَتُهُ: فَالْقَوْلُ الدَّالُّ عَلَى مَاهِيَّةِ الشَّيْءِ. وَقِيلَ: خَاصِّيَّةُ الشَّيْءِ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَفْسِيرِ مَا هُوَ الْغَرَضُ بِالْحَدِّ؟ . هَلْ حَصْرُ الذَّاتِيَّاتِ أَوْ مُجَرَّدُ التَّمْيِيزِ كَيْفَ اتَّفَقَ؟ أَوْ الشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ لِوَصْفٍ خَاصٍّ؟ وَهُوَ يَرْجِعُ إلَى وَصْفِ الْمَحْدُودِ دُونَ قَوْلِ الْوَاصِفِ الْحَادِّ عِنْدَ مُعْظَمِ الْمُحَقِّقِينَ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ فِي " التَّلْخِيصِ " وَتَبِعَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ وَقَالَ: إنَّهُ قَوْلُ مُعْظَمِ أَئِمَّتِنَا. وَقَالَ الْقَاضِي: يُرْجَعُ إلَى قَوْلِ الْوَاصِفِ، وَهُوَ عِنْدَهُ الْقَوْلُ الْمُفَسِّرُ لِاسْمِ الْمَحْدُودِ وَصِفَتِهِ عَلَى وَجْهٍ يَخُصُّهُ وَيَحْصُرُهُ. فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ مَا هُوَ مِنْهُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَهُوَ مُنْفَرِدٌ بِذَلِكَ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِهِ.
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: الْحَدُّ وَالْحَقِيقَةُ عِنْدَنَا بِمَعْنًى؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الشَّيْءِ مَانِعَةٌ لَهُ مِنْ الِالْتِبَاسِ بِغَيْرِهِ نَاطِقَةٌ بِمَا لَيْسَ مِنْهُ مِنْ الدُّخُولِ فِي حُكْمِهِ، وَقَالَتْ الْفَلَاسِفَةُ: هُوَ الْجَوَابُ الصَّحِيحُ فِي سُؤَالٍ مَا هُوَ؟ إذَا أَحَاطَ بِالْمَسْئُولِ عَنْهُ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ قَدْ يُذْكَرُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ سُؤَالٍ. وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا: أَنَّ حَدَّ الشَّيْءِ: مَعْنَاهُ الَّذِي لِأَجْلِهِ اسْتَحَقَّ الْوَصْفَ الْمَقْصُودَ بِالذِّكْرِ، وَتَسْمِيَةُ الْعِبَارَةِ عَنْ الْحَدِّ مَجَازٌ، وَمَعْنَى الْحَقِيقَةِ وَالْحَدِّ وَاحِدٌ إلَّا أَنَّ لَفْظَ الْحَقِيقَةِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ وَالْجِسْمِ وَالْعَرَضِ، وَلَفْظَ الْحَدِّ يَغْلِبُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْحُجَّةِ. قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْعِلْمِ بِالْمَحْدُودِ هَلْ يَجُوزُ حُصُولُهُ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِحَدِّهِ وَحَقِيقَتِهِ؟ . أَجَازَهُ قَوْمٌ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يَجُوزُ، وَلِذَلِكَ قَالُوا: إنَّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ عِلْمًا وَقَدْرًا وَحَيَاةً لَمْ يَعْلَمْهُ عَالِمًا قَادِرًا حَيًّا، وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ عَالِمٌ قَادِرٌ حَيٌّ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِكَوْنِ الْعَالِمِ عَالِمًا عِلْمٌ بِعِلْمِهِ، وَالنَّافِي لِعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَحَيَاتِهِ غَيْرُ عَالِمٍ بِكَوْنِهِ عَالِمًا قَادِرًا حَيًّا. وَهَذَا قَوْلٌ يَطَّرِدُ عَلَى أَصْلِنَا فِي جَمِيعِ الْحُدُودِ، وَفَرَّقَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا الْقُدَمَاءِ بَيْنَ الْحَدِّ وَالْحَقِيقَةِ. قَالَ: الْحَدُّ مَا اُسْتُعْمِلَ فِي الشَّيْءِ نَفْسِهِ، وَالْحَقِيقَةُ مَا جَازَ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي الشَّيْءِ وَضِدِّهِ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ: الشَّيْءُ لَهُ فِي الْوُجُودِ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ: الْأُولَى: حَقِيقَتُهُ فِي نَفْسِهِ، وَالثَّانِيَةُ: ثُبُوتُ مِثَالِ حَقِيقَتِهِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ الذِّهْنِ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْعِلْمِ.