الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ، فَمِنْهُمْ مَنْ عَرَّفَ الْإِضَافِيَّ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَرَّفَ اللَّقَبِيَّ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ.
وَالصَّوَابُ: تَعْرِيفُ اللَّقَبِيِّ وَلَيْسَ ثَمَّ غَيْرُهُ. وَأَمَّا جَزَاؤُهُ حَالَةَ التَّرْكِيبِ، فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا مَدْلُولٌ عَلَى حِدَتِهِ. إنَّمَا هُوَ كَغُلَامِ زَيْدٍ إذَا سَمَّيْت بِهِ لَمْ يَتَطَلَّبْ مَعْنَى الْغُلَامِ، وَلَا مَعْنَى زَيْدٍ، وَلَيْسَ لَنَا حَدَّانِ إضَافِيٌّ وَلَقَبِيٌّ وَإِنَّمَا هُوَ اللَّقَبِيُّ فَقَطْ.
[فَصْلٌ الْغَرَضُ مِنْ عِلْمِ الْأُصُولِ وَحَقِيقَتُهُ وَمَادَّتُهُ وَمَوْضُوعُهُ وَمَسَائِلُهُ]
يَجِبُ عَلَى كُلِّ طَالِبِ عِلْمٍ أَنْ يَعْلَمَ مَا الْغَرَضُ مِنْهُ؟ وَمَا هُوَ؟ وَمِنْ أَيْنَ؟ وَفِيمَ؟ وَكَيْفَ يُحَصَّلُ حَتَّى يَتَمَكَّنَ لَهُ الطَّلَبُ وَيَسْهُلَ؟ وَالْأَوَّلُ: فَائِدَتُهُ.
وَالثَّانِي: حَقِيقَتُهُ وَمَبَادِئُهُ. وَالثَّالِثُ: مَادَّتُهُ الَّتِي مِنْهَا يَسْتَمِدُّ. وَالرَّابِعُ: مَوْضُوعُهُ، وَالْخَامِسُ: مَسَائِلُهُ.
أَمَّا الْفَائِدَةُ: فَهِيَ الْغَايَةُ الْمُوَصِّلَةُ لِلْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ، وَلِلسَّبَبِ الْغَائِيِّ اعْتِبَارَانِ: أَوَّلُ الْفِكْرِ، وَيُسَمَّى الْبَاعِثَ. وَمُنْتَهَاهُ وَهُوَ آخِرُ الْعَمَلِ، وَيُسَمَّى الْفَائِدَةَ.
وَأَمَّا الْحَقِيقَةُ: وَهُوَ اقْتِنَاصُهُ بِحَدٍّ أَوْ رَسْمٍ أَوْ تَقْسِيمٍ. وَالْقَصْدُ بِهِ الْإِرْشَادُ إلَى الْمَطْلُوبِ وَإِيضَاحُهُ.
قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي التَّعْلِيمِ لِلْغَيْرِ، وَأَمَّا الطَّالِبُ لِنَفْسِهِ إذَا لَاحَ لَهُ حَقِيقَةُ مَا يَطْلُبُ صَحَّ طَلَبُهُ، وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ عِبَارَةً عَنْهُ صَالِحَةً لِلْحَدِّ فَلَا يَكُونُ هَذَا شَرْطًا إلَّا فِي حَقِّ مَنْ أَرَادَ التَّعْلِيمَ لَا التَّعَلُّمَ.
وَأَمَّا الْمَادَّةُ: فَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَتَابِعُوهُ: أَنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ مُسْتَمَدٌّ مِنْ ثَلَاثَةِ عُلُومٍ: الْكَلَامِ، وَالْفِقْهِ، وَالْعَرَبِيَّةِ.
أَمَّا الْكَلَامُ: فَلِتَوَقُّفِ الْأَدِلَّةِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْبَارِي تَعَالَى بِقَدْرِ الْمُمْكِنِ مِنْ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ. وَمَعْرِفَةِ صِدْقِ رَسُولِهِ، وَيَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ عَلَى أَنَّ الْمُعْجِزَةَ تَدُلُّ عَلَى دَعْوَى الرِّسَالَةِ. وَذَلِكَ كُلُّهُ مُبَيَّنٌ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ فَيُسَلَّمُ هُنَا.
وَتَخُصُّ النَّظَرَ فِي دَلِيلِ الْحُكْمِ هُنَا بِعِلْمِ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى لِمُخَاطَبٍ، وَقُدْرَةِ الْعَبْدِ كَسْبًا لَيُكَلَّفَ، وَتَعَلُّقِ الْكَلَامِ الْقَدِيمِ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ لِيُوجَدَ الْحُكْمُ، وَرَفْعِ التَّعَلُّقِ فَيُنْسَخَ، وَصِدْقِ الْمُبَلِّغِ لِيُبَيِّنَّ.
وَأَمَّا الْعَرَبِيَّةُ: فَلِأَنَّ الْأَدِلَّةَ جَاءَتْ بِلِسَانٍ الْعَرَبِ، وَهِيَ تَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ فُنُونٍ:
عِلْمِ النَّحْوِ: وَهُوَ عِلْمُ مَجَارِي أَوَاخِرِ الْكَلِمِ رَفْعًا، وَنَصْبًا، وَجَرًّا، وَجَزْمًا.
وَعِلْمُ اللُّغَةِ: وَهِيَ تَحْقِيقُ مَدْلُولَاتِ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ فِي ذَوَاتِهَا.
وَعِلْمُ الْأَدَبِ: وَهُوَ عِلْمُ نَظْمِ الْكَلَامِ، وَمَعْرِفَةُ مَرَاتِبِهِ عَلَى مُقْتَضَى الْحَالِ.
وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا مَادَّةً لِبَعْضِ أَنْوَاعِ الْأُصُولِ، وَهُوَ الْخِطَابُ دُونَ مَسَائِلِ الْأَخْبَارِ، وَالْإِجْمَاعُ، وَالنَّسْخُ، وَالْقِيَاسُ، وَهِيَ مُعْظَمُ الْأُصُولِ. ثُمَّ إنَّ الْمَادَّةَ فِيهِ لَيْسَتْ عَلَى نَظِيرِ الْمَادَّةِ مِنْ الْكَلَامِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ بِهَا مَادَّةٌ لِفَهْمِ الْأَدِلَّةِ.
وَأَمَّا الْفِقْهُ: فَلِأَنَّهُ مَدْلُولُ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَأُصُولُ الْفِقْهِ أَدِلَّتُهُ، وَلَا يُعْلَمُ الدَّلِيلُ مُجَرَّدًا مِنْ مَدْلُولِهِ.
وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ فِي وَجْهِ اسْتِمْدَادِهِ مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ: إنَّ عِلْمَ أُصُولِ الْفِقْهِ فِيهِ أَلْفَاظٌ لَا تُعْلَمُ مُسَمَّيَاتُهَا مِنْ غَيْرِ أُصُولِ الدِّينِ لَكِنَّهَا تُؤْخَذُ مُسَلَّمَةً فِيهِ. عَلَى أَنْ يُبَرْهِنَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ، أَوْ تَكُونَ مُسَلَّمَةً فِي نَفْسِهَا. وَهِيَ الْعِلْمُ، وَالظَّنُّ، وَالدَّلِيلُ، وَالْأَمَارَةُ، وَالنَّظَرُ، لِأَنَّ لَفْظَ الطُّرُقِ يَشْمَلُ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَالْحُكْمُ أَيْضًا، إذْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ خِطَابٍ شَرْعِيٍّ، وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ بِالدَّلِيلِ فِي غَيْرِ أُصُولِ الدِّينِ، وَمَا ذُكِرَ مِنْهُ غَيْرُ مَا عَدَّدْنَاهُ، فَهُوَ تَبَعٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي مَعْرِفَةِ هَذَا الْعِلْمِ، لِيَتَوَقَّفَ مِنْهُ إذَنْ عَلَى بَعْضِهِ لَا عَلَى كُلِّهِ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ ابْنُ بَرْهَانٍ وَغَيْرُهُ.
وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ أَنَّ اسْتِمْدَادَ أُصُولِ الْفِقْهِ مِنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ قَوْلُ الرَّسُولِ الَّذِي دَلَّ التَّكَلُّمُ عَلَى صِدْقِهِ، فَيُنْظَرُ فِي وَجْهِ دَلَالَتِهِ عَلَى الْأَحْكَامِ.
إمَّا بِمَلْفُوظِهِ، أَوْ بِمَفْهُومِهِ، أَوْ بِمَعْقُولِ مَعْنَاهُ وَمُسْتَنْبَطِهِ، وَلَا يُجَاوِزُ نَظَرُ الْأُصُولِيِّ ذَلِكَ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِعْلَهُ.
قَالَ: وَقَوْلُ الرَّسُولِ إنَّمَا يَثْبُتُ صِدْقُهُ وَكَوْنُهُ حُجَّةً مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ.
وَهَذَا لَيْسَ بِمَرَضِيٍّ فَإِنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُوجَدُ فِيهِ مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ مَعْرِفَةَ الْعِلْمِ، وَالظَّنَّ، وَالدَّلِيلَ، وَالنَّظَرَ وَغَيْرَهُ مِمَّا سَبَقَ. وَقَوْلُهُ بِأَنَّ نَظَرَ الْأُصُولِيِّ لَا يُجَاوِزُ قَوْلَهُ وَفِعْلَهُ مَمْنُوعٌ. فَإِنَّهُ يَنْظُرُ فِي الِاسْتِصْحَابِ وَالْأَفْعَالِ قَبْلَ الشَّرْعِ، وَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ، وَغَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ بِقَوْلِ الرَّسُولِ، وَلَا فِعْلَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَادَّةَ عَلَى قِسْمَيْنِ: إسْنَادِيَّةٍ، مُقَوَّمَةٍ، فَالْمُقَوَّمَةُ دَاخِلَةٌ فِي أَجْزَاءِ الشَّيْءِ وَحَقِيقَتِهِ، وَهِيَ الْفِقْهُ، وَالْإِسْنَادِيَّة مَا اسْتَنَدَتْ إلَى الدَّلِيلِ، كَعِلْمِ الْكَلَامِ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أُصُولَ
الْفِقْهَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ عِلْمَ الْكَلَامِ، وَإِنَّمَا عِلْمُ الْكَلَامِ دَلِيلُ الْمُعْجِزَةِ، وَهُوَ دَلِيلُ الْأُصُولِ، فَاسْتَنَدَ إلَى الدَّلِيلِ. وَكَذَلِكَ مَادَّةُ الْعَرَبِيَّةِ.
فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يُجْعَلُ الْفِقْهُ مَادَّةً لِلْأُصُولِ. وَهُوَ فَرْعُ الْأُصُولِ، وَمَادَّةُ كُلِّ شَيْءٍ أَصْلُهُ، فَهَذَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ أَصْلًا وَالْأَصْلُ فَرْعًا؟ أَجَابَ الْمُقْتَرِحُ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْبُرْهَانِ " بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُذْكَرَ الْفِقْهُ فِي الْأُصُولِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ، فَيُذْكَرُ الْوَاجِبُ بِمَا هُوَ وَاجِبٌ، وَالْمَنْدُوبُ بِمَا هُوَ مَنْدُوبٌ، لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مُبَيِّنٌ حَقِيقَةَ الْأُصُولِ. وَإِنَّمَا الْمَحْذُورُ أَنْ يُذْكَرَ جُزْئِيَّاتُ الْمَسَائِلِ، فَإِنَّ ذِكْرَهَا يُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ.
[تَوَقُّفُ مَعْرِفَةِ أُصُولِ الْفِقْهِ عَلَى الْفِقْهِ]
وَاعْلَمْ أَنَّ مَعْرِفَةَ أُصُولِ الْفِقْهِ تَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْفِقْهِ، إذْ يَسْتَحِيلُ الْعِلْمُ بِكَوْنِهَا أُصُولَ فِقْهٍ مَا لَمْ يُتَصَوَّرْ الْفِقْهُ، لِأَنَّ الْمُضَافَ إلَى مَعْرِفَةٍ إضَافَةٌ حَقِيقِيَّةٌ لَا بُدَّ وَأَنْ يَتَعَرَّفَ بِهَا، وَلَا يُمْكِنُ التَّعْرِيفُ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ سَبْقِ مَعْرِفَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْمُرَكَّبِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِمُفْرَدَاتِهِ ضَرُورَةً وَأَمَّا الْمَوْضُوعُ: فَشَيْءٌ يَبْحَثُ عَنْ أَوْصَافِهِ وَأَحْوَالِهِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي ذَلِكَ الْعِلْمِ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمَنْطِقِيِّينَ: مَوْضُوعُ كُلِّ عِلْمٍ مَا يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ أَعْرَاضِهِ الذَّاتِيَّةِ. أَيْ مَا يَلْحَقُ الشَّيْءَ لِذَاتِهِ، كَالتَّعَجُّبِ اللَّاحِقِ لِلْإِنْسَانِ لِذَاتِهِ، لَا بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ آخَرَ. أَوْ لِجُزْئِهِ، كَالْمَشْيِ اللَّاحِقِ لَهُ بِوَاسِطَةِ كَوْنِهِ حَيَوَانًا.
أَوْ لِأَمْرٍ يُسَاوِيهِ، كَالضَّحِكِ اللَّاحِقِ لَهُ بِوَاسِطَةِ التَّعَجُّبِ، فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ أَعْرَاضُهُ الذَّاتِيَّةُ.
وَقَدْ يَكُونُ لِأَعَمَّ دَاخِلٍ فِيهِ. كَالْحَرَكَةِ لِلْإِنْسَانِ لَكِنَّهُ مَهْجُورٌ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِرُجُوعِ مَوْضُوعَاتِ مَسَائِلِ الْعِلْمِ إلَيْهِ. فَمَوْضُوعُ الْفِقْهِ: أَفْعَالُ
الْمُكَلَّفِينَ، وَمَوْضُوعُ أُصُولِ الْفِقْهِ: الْأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةِ. وَمَوْضُوعُ الْهَنْدَسَةِ: الْمِقْدَارُ، وَمَوْضُوعُ الطِّبِّ: بَدَنُ الْإِنْسَانِ. فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ هِيَ مَجَالُ الْبَحْثِ فِي هَذِهِ الْعُلُومِ يُبْحَثُ فِيهَا عَنْ أَعْرَاضِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ اللَّاحِقَةِ بِهَا، كَمَا أَنَّهُمْ شَبَّهُوا مَا يُبْحَثُ فِي كُلِّ عِلْمٍ عَنْ أَعْرَاضِهِ وَأَحْوَالِهِ بِمَادَّةٍ حِسِّيَّةٍ يَضَعُهَا إنْسَانٌ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيُوقِعَ فِيهَا أَثَرًا مَا، كَالْخَشَبِ الَّذِي يُؤَثِّرُ فِيهِ النَّجَّارُ حَتَّى يَصِيرَ سَرِيرًا، أَوْ بَابًا. وَكَالْفِضَّةِ الَّتِي يُؤَثِّرُ فِيهَا الصَّائِغُ حَتَّى يَصِيرَ خَاتَمًا أَوْ سِوَارًا وَنَحْوَهُ.
وَأَمَّا مَبَادِئُ كُلِّ عِلْمٍ فَهِيَ حُدُودُ مَوْضُوعِهِ وَأَجْزَائِهِ وَأَعْرَاضِهِ مَعَ الْمُقَدِّمَاتِ الَّتِي تُؤَلَّفُ عَنْهَا قِيَاسَاتُهُ. وَذَلِكَ كَحَدِّ الْبَدَنِ وَأَعْضَائِهِ، وَمَا يَعْرِضُ لَهَا مِنْ صِحَّةٍ وَسَقَمٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى عِلْمِ الطِّبِّ. وَحَدُّ الْفِعْلِ وَأَصْنَافُهُ وَأَشْخَاصُهُ وَمَا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ حِلٍّ وَحُرْمَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى عِلْمِ الْفِقْهِ، وَحَدُّ اللَّفْظِ، وَمَا يَعْرِضُ مِنْ صَوَابٍ وَخَطَأٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّحْوِ.
وَهُوَ جَمْعُ مَبْدَأٍ، وَمَبْدَأُ الشَّيْءِ هُوَ مَحَلُّ بِدَايَتِهِ. وَسُمِّيَتْ حُدُودُ مَوْضُوعِ الْعِلْمِ وَأَجْزَاؤُهُ وَمُقَدِّمَاتُهُ الَّتِي هِيَ مَادَّةُ قِيَاسَاتِهِ مَبَادِئَ، لِأَنَّهُ عَنْهَا وَمِنْهَا يَنْشَأُ، وَيَبْدُو.
وَأَمَّا مَسَائِلُ كُلِّ عِلْمٍ فَهِيَ مَطَالِبُهُ الْجُزْئِيَّةُ الَّتِي يُطْلَبُ إثْبَاتُهَا فِيهِ كَمَسَائِلِ الْعِبَادَاتِ، وَالْمُعَامَلَاتِ وَنَحْوِهَا لِلْفِقْهِ، وَمَسَائِلِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالْعَامِّ، وَالْخَاصِّ، وَالْإِجْمَاعِ، وَالْقِيَاسِ، وَغَيْرِهَا لِأُصُولِ الْفِقْهِ.
وَالْمَوْضُوعُ: قَدْ يَكُونُ وَاحِدًا، كَالْعَدَدِ لِلْحِسَابِ، وَقَدْ يَكُونُ كَثِيرًا، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا تَنَاسُبٌ، أَيْ: مُشَارَكَةٌ. إمَّا فِي ذَاتِيٍّ، كَمَا إذَا جُعِلَ الِاسْمُ، وَالْفِعْلُ، وَالْحَرْفُ، مَوْضُوعَاتِ النَّحْوِ، لِاشْتِرَاكِهَا فِي الْجِنْسِ، وَهُوَ الْكَلِمَةُ. وَإِمَّا فِي عَرَضِيٍّ كَمَا إذَا جُعِلَ بَدَنُ الْإِنْسَانِ وَأَجْزَاؤُهُ وَالْأَدْوِيَةُ
وَالْأَغْذِيَةُ مَوْضُوعَاتِ الطِّبِّ، لِاشْتِرَاكِهَا فِي غَايَةٍ، وَهِيَ الصِّحَّةُ.
وَمَوْضُوعُ أُصُولِ الْفِقْهِ قَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ الْأَمْرَانِ، فَإِنَّهُ إمَّا وَاحِدٌ، وَهُوَ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ مِنْ جِهَةِ إنَّهُ مُوَصِّلٌ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَإِمَّا كَثِيرٌ، وَهُوَ أَقْسَامُ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، لِاشْتِرَاكِهَا إمَّا فِي جِنْسِهَا، وَهُوَ الدَّلِيلُ، أَوْ فِي غَايَتِهَا، وَهُوَ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْعِلْمِ أَكْثَرُ مِنْ مَوْضُوعٍ وَاحِدٍ أَمْ لَا؟ فَقِيلَ، يَجُوزُ مُطْلَقًا غَيْرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَشْرَكَهُ فِي أَمْرٍ ذَاتِيٍّ، أَوْ عَرَضِيٍّ، كَالطِّبِّ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ أَحْوَالِ بَدَنِ الْإِنْسَانِ، وَعَنْ الْأَدْوِيَةِ وَنَحْوِهَا. وَقِيلَ: يَمْتَنِعُ مُطْلَقًا، لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الِانْتِشَارِ.
وَاخْتَارَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ " مِنْ الْحَنَفِيَّةِ تَفْصِيلًا: وَهُوَ إنْ كَانَ الْمَبْحُوثُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ الْعِلْمِ إضَافِيًّا جَازَ، كَمَا أَنَّهُ يُبْحَثُ فِي الْأُصُولِ عَنْ إثْبَاتِ الْأَدِلَّةِ لِلْحُكْمِ، وَالْمَنْطِقُ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ إيصَالِ تَصَوُّرٍ، أَوْ تَصْدِيقٍ إلَى تَصَوُّرٍ أَوْ تَصْدِيقٍ، وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ الْعَوَارِضِ الَّتِي لَهَا مَدْخَلٌ فِي الْمَبْحُوثِ عَنْهُ نَاشِئَةً عَنْ أَحَدِ الْمُتَضَايِفَيْنِ، وَبَعْضُهَا عَنْ الْآخَرِ، فَمَوْضُوعُ هَذَا الْعِلْمِ كِلَا الْمُتَضَايِفَيْنِ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ إضَافِيٍّ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْمَوْضُوعِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْعِلْمِ، ثُمَّ إنْ كَانَ إضَافِيًّا، فَقَدْ يَكُونُ الْمُضَافُ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ مَوْضُوعَ ذَلِكَ الْعِلْمِ، كَأُصُولِ الْفِقْهِ، وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا، كَعِلْمِ الْمَنْطِقِ، فَإِنَّ مَوْضُوعَهُ الْقَوْلُ الشَّارِحُ، وَالدَّلِيلُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُوَصِّلُ إلَى التَّصَوُّرِ وَالتَّصْدِيقِ