الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَسْأَلَةٌ لَا يُتْرَكُ الْمَنْدُوبُ لِخَوْفِ اعْتِقَادِ الْعَامَّةِ وُجُوبَهُ]
ُ] وَلَا يُتْرَكُ لِخَوْفِ اعْتِقَادِ الْعَامَّةِ وُجُوبَهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ، وَوَافَقَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ فِيمَا حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي " الِاسْتِذْكَارِ " أَنَّهُ قَالَ: لَا أُحِبُّ أَنْ يُدَاوِمَ الْإِمَامُ عَلَى مِثْلِ أَنْ يَقْرَأَ كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ بِالْجُمُعَةِ وَنَحْوِهِ؛ لِئَلَّا يَعْتَقِدَ الْعَامَّةُ وُجُوبَهُ.
[مَسْأَلَةٌ سُنَّةُ الْعَيْنِ وَسُنَّةُ الْكِفَايَةِ]
ِ] وَكَمَا يَنْقَسِمُ الْفَرْضُ إلَى عَيْنٍ وَكِفَايَةٍ فَكَذَلِكَ السُّنَّةُ. وَسُنَّةُ الْكِفَايَةِ أَنْ يَقَعَ الِامْتِثَالُ لِأَمْرِ الِاسْتِحْبَابِ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، وَيَنْقَطِعَ دَلَالَةُ النَّصِّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَبْقَى مُتَسَحَّبًا بَلْ دَاخِلًا فِي حَيِّزِ الْمُبَاحِ أَوْ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ سُنَّةِ الْعَيْنِ فَإِنَّهَا بِفِعْلِ الْبَعْضِ الِاسْتِحْبَابُ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ، كَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي " شَرْحِ الْإِلْمَامِ " وَمِثَالُ سُنَّةِ الْعَيْنِ الْوِتْرُ، وَصِيَامُ الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ، وَصَلَاةُ الْعِيدَيْنِ، وَمِثَالُ سُنَّةِ الْكِفَايَةِ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ وَالتَّسْلِيمُ وَالتَّشْمِيتُ، وَكَذَا الْأُضْحِيَّةَ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ: إذَا ضَحَّى الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ، فَقَدْ وَقَعَ اسْمُ الْأُضْحِيَّةِ، وَكَذَلِكَ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الْأَكْلِ حَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَفِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ مَا يَقْتَضِيهِ، وَكَذَا مَا يُفْعَلُ بِالْمَيِّتِ مِمَّا يُنْدَبُ إلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَيُفَارِقُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ سُنَّةَ الْكِفَايَةِ فِي أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ لَا يُنَافِيهِ الِاسْتِحْبَابُ فِي حَقِّ مَنْ زَادَ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي سَقَطَ بِهِ الْفَرْضُ، وَالسُّنَّةُ عَلَى الْكِفَايَةِ يُنَافِيهَا الِاسْتِحْبَابُ فِيمَا زَادَ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ الَّذِي اقْتَضَى الِاسْتِحْبَابَ، وَهُنَا فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: [الْمَشْهُورُ وُقُوعُ سُنَّةِ الْكِفَايَةِ] . الْمَشْهُورُ وُقُوعُ سُنَّةِ الْكِفَايَةِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الشَّاشِيُّ، وَقَالَ فِي كِتَابِهِ " الْمُعْتَمَدِ " فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ مَا نَصُّهُ: لَمْ نَرَ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ سُنَّةً عَلَى الْكِفَايَةِ بِحَالٍ، وَالسُّنَنُ مَعْلُومَةٌ وَيُخَالِفُ الْفَرْضُ حَيْثُ انْقَسَمَ إلَى عَيْنٍ وَكِفَايَةٍ، فَإِنَّ فِي الْكِفَايَةِ فَائِدَةً، وَهِيَ السُّقُوطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ عَلَى الْبَاقِينَ، وَالسُّنَّةُ لَا يَظْهَرُ لَهَا أَثَرٌ فِي كَوْنِهَا عَلَى الْكِفَايَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا إثْمَ فِي تَرْكِهَا فَتَسْقُطُ كَمَنْ تَرَكَ بِفِعْلِ مَنْ فَعَلَ، وَإِنَّمَا هِيَ ثَوَابٌ يَحْصُلُ لَهُ بِالسَّلَامِ مَثَلًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ ثَوَابٌ بِفِعْلِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ يُوجَدُ مِنْ جِهَةٍ تُسَاوِيهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ جَمَاعَةٌ سُنَّ لَهُمْ تَحِيَّةٌ بِالْمَسْجِدِ، وَلَا تَسْقُطُ سُنَّةُ التَّحِيَّةِ فِي حَقِّ بَعْضِهِمْ بِفِعْلِ الْبَعْضِ؟ وَهَذَا لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ مُوَجَّهٌ عَلَى الْجَمَاعَةِ احْتِيَاطًا؛ لِيَحْصُلَ ذَلِكَ الْفَرْضُ، فَإِذَا فَعَلَ بَعْضُهُمْ فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَسَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ، وَالسُّنَّةُ إنَّمَا أُمِرَ بِهَا اسْتِحْبَابًا لِحَظِّ الْمَأْمُورِ فِي تَحْصِيلِ الثَّوَابِ لَهُ، فَلَا يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابٌ بِمَا لَا كَسْبَ لَهُ فِيهِ. اهـ. الثَّانِيَةُ [سُنَّةُ الْكِفَايَةِ أَهَمُّ مِنْ سُنَّةِ الْعَيْنِ] قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْقِيَامَ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ أَهَمُّ مِنْ فَرْضِ الْعَيْنِ مِنْ جِهَةِ إسْقَاطِ الْحَرَجِ عَنْ الْكُلِّ، فَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ بِمِثْلِهِ هُنَا فِي سُنَّةِ الْعَيْنِ وَالْكِفَايَةِ، لَكِنْ لَا حَرَجَ هُنَا فَلْيَكُنْ أَفْضَلِيَّةُ سُنَّةِ الْكِفَايَةِ مِنْ جِهَةِ تَحْصِيلِهِ الثَّوَابَ لِلْجَمِيعِ، وَفِيهِ بُعْدٌ كَمَا تَقَدَّمَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ، وَقَدْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي كِتَابِ
الْأُضْحِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَكَ غَيْرُهُ فِي ثَوَابِ أُضْحِيَّتِهِ وَذَبَحَ عَنْ نَفْسِهِ جَازَ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ «تَضْحِيَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ، وَقَوْلُهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ» .
فَائِدَةٌ [الْعِبَادَةُ هِيَ الطَّاعَةُ لِلَّهِ تَعَالَى] الْعِبَادَةُ هِيَ الطَّاعَةُ لِلَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: بِمَا افْتَقَرَ مِنْ الطَّاعَاتِ إلَى النِّيَّةِ. قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي " الْمُلَخَّصِ ": قَالَ: وَالطَّاعَةُ: مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ، وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي " الْعُدَّةِ ": الطَّاعَةُ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ، وَالْمَعْصِيَةُ مُخَالَفَةُ الْأَمْرِ. وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: الطَّاعَةُ مُوَافَقَةُ الْمُطَاعِ، وَالْمَعْصِيَةُ مُخَالَفَةُ الْمُرَادِ. وَقِيلَ: مُخَالَفَةُ الْمَعَاصِي، وَهَذَا بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ شَرْطُهُ الْإِرَادَةُ. قَالَ: وَالْعِبَادَةُ مَا كَانَ طَاعَةً لِلَّهِ مَنْوِيًّا بِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِعْلًا كَالصَّلَاةِ، أَوْ تَرْكًا كَالزِّنَا، وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: الْوُضُوءُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ؛ لِعَدَمِ افْتِقَارِهِ إلَى النِّيَّةِ، وَلَنَا: أَنَّ الْعِبَادَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ التَّعَبُّدِ، وَعَدَمُ النِّيَّةِ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ عِبَادَةً، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا، وَعِنْدِي: أَنَّ الْعِبَادَةَ وَالطَّاعَةَ وَالْقُرْبَةَ إنَّمَا يَكُونُ فِعْلًا وَتَرْكًا إذَا فَعَلَ