الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي الْمَكْرُوهِ]
ِ وَهُوَ لُغَةً ضِدُّ الْمُرَادِ، وَيُطْلَقُ فِي حَقِّ اللَّهِ عَلَى مَعْنَى الْإِرَادَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ} [التوبة: 46] أَيْ: أَرَادَ التَّثْبِيطَ فَمَنَعَ الِانْبِعَاثَ، فَسُمِّيَتْ إرَادَةَ كَرَاهَةٍ بِاعْتِبَارِ ضِدِّهِ؛ لِأَنَّ الْبَارِيَ سُبْحَانَهُ وَاحِدٌ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقُومَ بِهِ الْمُتَضَادَّانِ، وَلَا يُعْتَبَرُ هَذَا الْمَعْنَى فِي الشَّرْعِيَّاتِ؛ لِأَنَّا لَا نَشْتَرِطُ فِي الْأَمْرِ الْإِرَادَةَ، وَلَا فِي النَّهْيِ الْكَرَاهَةَ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ التَّنْفِيرِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى:{وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات: 7] . وَيُطْلَقُ عَلَى أَرْبَعَةِ أُمُورٍ: أَحَدُهَا: الْحَرَامُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى:{كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء: 38] أَيْ مُحَرَّمًا، وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي عِبَارَةِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْآنِيَةِ: وَأَكْرَهُ آنِيَةَ الْعَاجِ، وَفِي بَابِ السَّلَمِ: وَأَكْرَهُ اشْتِرَاطَ الْأَعْجَفِ وَالْمَشْوِيِّ وَالْمَطْبُوخِ؛ لِأَنَّ الْأَعْجَفَ مَعِيبٌ، وَشَرْطُ الْمَعِيبِ مُفْسِدٌ. قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ: وَهُوَ غَالِبٌ فِي عِبَارَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ كَرَاهَةَ أَنْ يَتَنَاوَلَهُمْ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [النحل: 116] ، فَكَرِهُوا إطْلَاقَ لَفْظِ التَّحْرِيمِ.
الثَّانِي: " مَا نُهِيَ عَنْهُ نَهْيَ تَنْزِيهٍ " وَهُوَ الْمَقْصُودُ هُنَا. الثَّالِثُ: تَرْكُ الْأَوْلَى كَصَلَاةِ الضُّحَى؛ لِكَثْرَةِ الْفَضْلِ فِي فِعْلِهَا، وَحَكَى الْإِمَامُ فِي " النِّهَايَةِ " أَنَّ تَرْكَ غُسْلِ الْجُمُعَةِ مَكْرُوهٌ مَعَ أَنَّهُ لَا نَهْيَ فِيهِ. قَالَ: وَهَذَا عِنْدِي جَارٍ فِي كُلِّ مَسْنُونٍ صَحَّ الْأَمْرُ بِهِ مَقْصُودًا. قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي " الْأُمِّ ": عَلَى أَنَّ تَرْكَ غُسْلِ الْإِحْرَامِ مَكْرُوهٌ. وَفَرَّقَ مُعْظَمُ الْفُقَهَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ مَا وَرَدَ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ يُقَالُ فِيهِ: مَكْرُوهٌ، وَمَا لَا يُقَالُ فِيهِ: خِلَافُ الْأَوْلَى، وَلَا يُقَالُ: مَكْرُوهٌ. وَفَرَّقَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ الْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ كَرَاهَةِ تَحْرِيمٍ، فَقَالَ: الْمَكْرُوهُ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ: مَا ثَبَتَ تَحْرِيمُهُ بِغَيْرِ قَطْعِيٍّ، وَالْحَرَامُ مَا ثَبَتَ بِقَطْعِيٍّ كَالْوَاجِبِ مَعَ الْفَرْضِ.
الرَّابِعُ: مَا وَقَعَتْ الشُّبْهَةُ فِي تَحْرِيمِهِ كَلَحْمِ السَّبُعِ، وَيَسِيرِ النَّبِيذِ هَكَذَا عَدَّهُ الْغَزَالِيُّ فِي " الْمُسْتَصْفَى " مِنْ أَقْسَامِ الْكَرَاهَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا فِي الْفُرُوعِ فِي أَكْثَرِ الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ الْمُخْتَلَفِ فِي جَوَازِهَا، لَكِنَّ الْغَزَالِيَّ اسْتَشْكَلَهُ بِأَنَّ مَنْ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى تَحْرِيمِهِ فَهُوَ عَلَيْهِ حَرَامٌ، وَمَنْ أَدَّاهُ إلَى حِلِّهِ فَلَا مَعْنَى لِلْكَرَاهَةِ فِي حَقِّهِ إلَّا إذَا كَانَ فِي شُبْهَةِ الْخَصْمِ حَزَازَةٌ فِي نَفْسِهِ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ فَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُ لَفْظِ الْكَرَاهَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ خَوْفِ التَّحْرِيمِ، وَإِنْ كَانَ غَالِبُ الظَّنِّ الْحِلَّ، وَيُتَّجَهُ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ: الْمُصِيبُ وَاحِدٌ، وَأَمَّا