الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَهْلُ الْحَدِيثِ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ قَوْلَ أَهْلِ الْكَلَامِ: إنَّ أَوَّلَ وَاجِبٍ النَّظَرُ، وَقَالُوا: إنَّ أَوَّلَ وَاجِبٍ مَعْرِفَةُ اللَّهِ عَلَى مَا وَرَدَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ. وَلَوْ قَالَ الْكَافِرُ: أَمْهِلُونِي؛ لِأَنْظُرَ فَأَبْحَثَ فَإِنَّهُ لَا يُمْهَلُ، وَلَا يُنْظَرُ، وَلَكِنْ يُقَالُ لَهُ: أَسْلِمْ فِي الْحَالِ، وَإِلَّا فَأَنْتَ مَعْرُوضٌ عَلَى السَّيْفِ. قَالَ: وَلَا أَعْرِفُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ سُرَيْجٍ: انْتَهَى، وَهُوَ عَجِيبٌ، فَقَدْ حَكَوْا فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ وَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا تَعَيَّنَ قَتْلُ الْمُرْتَدِّ، فَقَالَ: عَرَضَتْ لِي شُبْهَةٌ فَأَزِيلُوهَا؛ لِأَعُودَ إلَى مَا كُنْت عَلَيْهِ. هَلْ يُنَاظَرُ لِإِزَالَتِهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَقَالَ: الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي الْمُعْتَمَدِ ": إذَا تَرَكَ الْمُكَلَّفُ أَوَّلَ النَّظَرِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ عَلَيْهِ، وَعَلَى تَرْكِ مَا بَعْدَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعَاقَبَ عَلَى تَرْكِ النَّظَرِ الْأَوَّلِ عِقَابًا أَعْظَمَ مِنْ عِقَابِ تَرْكِ النَّظَرِ الثَّانِي: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّمَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ فِعْلِ الْأَوَّلِ غَيْرَ أَنَّ عِقَابَهُ عَظِيمٌ يَجْرِي مَجْرَى الْعِقَابِ عَلَى تَرْكِ كُلِّ النَّظَرِ.
[مَسْأَلَةٌ النَّظَرُ الْفَاسِدُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْجَهْلَ]
َ] قَدْ سَبَقَ أَنَّ النَّظَرَ الْفَاسِدَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْجَهْلَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ: يَسْتَلْزِمُهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَالْحَقُّ أَنَّ الْفَسَادَ إنْ كَانَ مَقْصُورًا عَلَى الْمَادَّةِ اسْتَلْزَمَ الْجَهْلَ؛ لِأَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْعَالَمَ قَدِيمٌ، وَاعْتَقَدَ أَنَّ كُلَّ قَدِيمٍ غَنِيٌّ عَنْ الْغَيْرِ اعْتَقَدَ أَنَّ الْعَالَمَ غَنِيٌّ عَنْ الْمُؤَثِّرِ، وَهُوَ جَهْلٌ مُحَالٌ. وَإِنْ
كَانَ الْفَسَادُ مَقْصُورًا عَلَى الصُّورَةِ أَوْ يَشْمَلُ الصُّورَةَ وَالْمَادَّةَ لَا يَسْتَلْزِمُ، كَقَوْلِنَا: لَا شَيْءَ مِنْ الْإِنْسَانِ بِحَجَرٍ، وَكُلُّ حَجَرٍ جَمَادٌ يَلْزَمُ لَا شَيْءَ مِنْ الْإِنْسَانِ بِجَمَادٍ عِلْمًا. وَإِنْ كَانَتْ صُورَةُ الْقِيَاسِ غَيْرَ صَحِيحَةٍ؛ لِعَدَمِ إيجَابِ الصُّغْرَى.
ضَابِطٌ: [الْإِدْرَاكُ] الْإِدْرَاكُ بِلَا حُكْمٍ تَصَوُّرٌ، وَمَعَ الْحُكْمِ تَصْدِيقٌ، لَكِنْ مَجْمُوعُهُمَا أَوْ الْحُكْمُ وَحْدَهُ فِيهِ خِلَافٌ، فَذَهَبَ الْقُدَمَاءُ إلَى أَنَّهُ الْحُكْمُ. وَاخْتَارَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ أَنَّهُ الْمَجْمُوعُ. وَمَالَ إلَيْهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُنْوَانِ "، وَهُوَ جَهْلٌ، إنْ كَانَ جَازِمًا غَيْرَ مُطَابِقٍ، وَتَقْلِيدٌ إنْ طَابَقَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِمُوجِبٍ، وَعِلْمٌ إنْ كَانَ لِمُوجِبٍ عَقْلِيٍّ أَوْ حِسِّيٍّ، أَوْ مُرَكَّبٍ مِنْهُمَا وَهُوَ الْمُتَوَاتِرَات، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَازِمًا فَإِنْ تَسَاوَى طَرَفَاهُ، فَهُوَ الشَّكُّ، وَإِلَّا فَالرَّاجِحُ ظَنٌّ صَادِقٌ إنْ طَابَقَ، أَوْ كَاذِبٌ إنْ لَمْ يُطَابِقْ، وَالْمَرْجُوحُ وَهْمٌ. وَلَا يَرِدُ قَوْلُ الْقَائِلِ: اعْتِقَادُ الْمُقَلِّدِ حَادِثٌ. وَكُلُّ حَادِثٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ، فَكَيْفَ يَقُولُونَ فِي الِاعْتِقَادِ لَهُ بِالْمُوجِبِ؟ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ بِالْمُوجِبِ مَا ذَكَرْنَا، وَاعْتِقَادُ الْمُقَلِّدِ لَيْسَ عَنْ بُرْهَانٍ حِسِّيٍّ، أَوْ عَقْلِيٍّ، أَوْ مُرَكَّبٍ مِنْهُمَا.
وَأُورِدَ بِأَنَّ الشَّكَّ تَرَدُّدٌ لَا حُكْمَ فِيهِ، فَكَيْفَ يُورَدُ فِي قِسْمِ الْحُكْمِ؟ وَأَيْضًا فَالْوَهْمُ يُنَافِي الْحُكْمَ بِالشَّيْءِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّاكَّ لَهُ حُكْمَانِ مُتَسَاوِيَانِ بِمَعْنَى أَنَّهُ حَاكِمٌ بِجَوَازِ وُقُوعِ
هَذَا النَّقِيضِ بَدَلًا عَنْ النَّقِيضِ الْآخَرِ، وَبِالْعَكْسِ. وَالظَّانُّ حَاكِمٌ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ وُجُودُ الْوَهْمِ، وَحُكْمُهُ بِالطَّرَفِ الْآخَرِ يَكُونُ مَرْجُوحًا، فَظَهَرَ أَنَّ الشَّاكَّ حَاكِمٌ، وَكَذَلِكَ الْوَاهِمُ. نَعَمْ جَعْلُهُمْ التَّقْلِيدَ الْجَازِمَ الْمُطَابِقَ لَا لِمُوجِبٍ لَا يَعُمُّ أَنْوَاعَ التَّقْلِيدِ، بَلْ يَخُصُّ الصَّحِيحَ مِنْهُ، وَجَعْلُهُمْ الْجَهْلَ هُوَ الْحُكْمَ الْجَازِمَ مِنْ غَيْرِ مُطَابَقَةٍ لَا يَعُمُّ أَنْوَاعَ الْجَهْلِ بَلْ يَخُصُّ الْمُرَكَّبَ، وَيَخْرُجُ عَنْهُ الْجَهْلُ الْبَسِيطُ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْعِلْمِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعْلَمَ، وَسَمَّى الدَّارِمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا الْوَهْمَ تَجْوِيزًا. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ الشَّكُّ وَالظَّنُّ مُتَرَادِفَانِ. .
قُلْت: وَهَذَا إنَّمَا قَالُوهُ فِي الْأَحْدَاثِ لَا مُطْلَقًا. أَلَا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ: الطَّلَاقُ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ؟ . يُرِيدُونَ التَّسَاوِيَ أَوْ الْمَرْجُوحَ، وَإِلَّا فَهُوَ يَقَعُ بِالظَّنِّ الْغَالِبِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ. قَالَ الدَّارِمِيُّ: وَمَنْ قَالَ بِهَذَا يُسَمِّي الرَّاجِحَ غَالِبَ الظَّنِّ، ثُمَّ رُجِّحَ أَنَّ مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ هُوَ الشَّكُّ، وَالرَّاجِحُ ظَنٌّ، وَالزَّائِدُ فِي الرُّجْحَانِ غَالِبُ الظَّنِّ.