الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلَى فَهْمِ السَّامِعِ، وَأَنْ يَكُونَ شَائِعًا فِي جَمِيعِ أَحْوَالِ الْمَحْدُودِ، وَلَا يَجُوزُ تَحْدِيدُ الشَّيْءِ بِمَا يَكُونُ عِلَّتَهُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ.
[الْخَفَاءُ هَلْ يُعْتَبَرُ الْخَفَاءُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَادِّ أَوْ إلَى كُلِّ أَحَدٍ]
تَنْبِيهٌ [الْخَفَاءُ] هَلْ يُعْتَبَرُ الْخَفَاءُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَادِّ أَوْ إلَى كُلِّ أَحَدٍ؟ مِثَالُهُ النَّفْسُ أَخْفَى مِنْ النَّارِ، فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ شَخْصًا عَرَّفَ نَفْسَهُ أَجْلَى مِنْ النَّارِ، فَهَلْ تُحَدُّ لَهُ النَّارُ بِأَنَّهَا جِسْمٌ كَالنَّفْسِ؟ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ الْمَنْعُ، وَالظَّاهِرُ: الْجَوَازُ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُرَكَّبًا عَلَى اخْتِلَافٍ وَتَفْصِيلٍ، فَعِنْدَ الْمَنْطِقِيِّينَ لَا بُدَّ فِي الْحَدِّ مِنْ التَّرْكِيبِ، وَمَنَعَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَنَقَلَهُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ. قَالَ: وَإِلَيْهِ يَمِيلُ شَيْخُنَا أَبُو الْحَسَنِ. وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي " الْإِفَادَةِ ": الصَّحِيحُ: جَوَازُهُ، وَمَنْ مَنَعَهُ اعْتَبَرَهُ بِالْعِلَّةِ، وَهُوَ فَاسِدٌ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَرْكِيبِ الْحَدِّ مِنْ وَصْفَيْنِ فَأَكْثَرَ. فَمَنَعَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ الْجَمْعَ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ فِي حَدٍّ وَاحِدٍ إذَا أَمْكَنَ إفْرَادُ أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ عَنْ الْآخَرِ، وَلِهَذَا اخْتَارَ فِي حَدِّ الْجِسْمِ أَنَّهُ الطَّوِيلُ الْعَرِيضُ الْعَمِيقُ، وَاخْتَارَ الْبَاقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا تَرْكِيبَ الْحَدِّ مِنْ وَصْفَيْنِ وَأَكْثَرَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا.
وَزَعَمَتْ الْفَلَاسِفَةُ أَنَّ الْحَدَّ لَا يَكُونُ إلَّا مُرَكَّبًا مِنْ جِنْسٍ وَفَصْلٍ. وَزَعَمُوا أَنَّ مَا اطَّرَدَ بِوَصْفٍ وَاحِدٍ وَانْعَكَسَ فَهُوَ رَسْمٌ لَا حَدٌّ، وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ قَوْلَنَا: الْإِنْسَانُ هُوَ الضَّاحِكُ رَسْمٌ، وَقَوْلُهُمْ: الْإِنْسَانُ حَيٌّ نَاطِقٌ مَائِتٌ حَدٌّ؛ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ جِنْسٍ وَفَصْلٍ. انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِمَنْعِ التَّرْكِيبِ تَكْلِيفَ الْمَسْئُولِ أَنْ يَأْتِيَ فِي حَدِّ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ بِعِبَارَةٍ وَاحِدَةٍ، إذْ الْمَقْصُودُ اتِّحَادُ الْمَعْنَى بِدُونِ اللَّفْظِ، وَالْعِبَارَاتُ لَا تُقْصَدُ لِأَنْفُسِهَا، وَلَيْسَتْ هِيَ حُدُودًا بَلْ مُنْبِئَةٌ عَنْ الْحُدُودِ. {تَنْبِيهٌ} ظَاهِرُ كَلَامِ الْأُسْتَاذِ أَنَّ خِلَافَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمَنْطِقِيِّينَ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَقَالَ الْمُقْتَرِحُ: لَمْ يَتَوَارَدْ كَلَامُهُمَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ. بَلْ الْمُرَادَانِ مُتَغَايِرَانِ، فَمُرَادُ الْمَنْطِقِيِّينَ بِالتَّرْكِيبِ هُوَ الْمُرَكَّبُ مِنْ جِنْسٍ وَفَصْلٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ فِي الْحَدِّ، وَالتَّرْكِيبُ الَّذِي أَرَادَهُ الْأُصُولِيُّونَ هُوَ تَدَاخُلُ الْحَقَائِقِ، وَهُوَ مُبْطِلٌ لِلْمَحْدُودِ. مِثَالُهُ: إذَا حُدَّ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ الَّذِي يَصِحُّ مِنْ الْمُتَّصِفِ بِهِ إحْكَامُ الْفِعْلِ وَإِتْقَانُهُ، فَيُقَالُ: هَذَا فِيهِ تَرْكِيبٌ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ، فَتَكُونُ الْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ عِلْمًا؛ وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ دَاخِلَتَيْنِ فِي الْعِلْمِ لَزِمَ التَّرْكِيبُ الْمُفْسِدُ لِلْحَدِّ، وَإِنْ كَانَتَا خَارِجَتَيْنِ عَنْ الْعِلْمِ، فَالْعِلْمُ بِانْفِرَادِهِ لَا يَصِحُّ بِهِ الْإِحْكَامُ؛ لِأَنَّ الْعَالِمَ الْعَاجِزَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِحْكَامُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ.