الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْحَدّ الْحَقِيقِيّ وَالْحَدُّ الرَّسْمِيُّ]
ُّ] فَنَقُولُ: الْحَادُّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ، وَهُوَ قَوْلُنَا: إنْسَانٌ مَوْضُوعٌ لِلْحَيَوَانِ النَّاطِقِ أَوْ يَدَّعِيَ أَنَّ ذَاتَ الْإِنْسَانِ مَحْكُومٌ عَلَيْهَا بِالْحَيَوَانِيَّةِ وَالنَّاطِقِيَّةِ، أَوْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ مِنْ الْإِنْسَانِ إنَّهُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ الْإِشَارَةَ إلَى هَذِهِ الْمَاهِيَّةِ الْمُتَصَوَّرَةِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ عَلَيْهَا بِنَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ. فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ، فَالْأَوَّلُ وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى فَلِمَاذَا لَا يُمْنَعُ؟ ، وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الدَّعَاوَى؟ ؛ لِأَنَّهُ فِي إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى كُلِّ مُقَدِّمَةٍ يَفْتَقِرُ إلَى مُقَدِّمَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، وَذَلِكَ لَا يَدُورُ وَلَا يَتَسَلْسَلُ، بَلْ يَنْتَهِي إلَى مُقَدِّمَةٍ أَوَّلِيَّةٍ، أَوْ قَطْعِيَّةٍ وَكَذَا هُنَا. قَالَ: وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ مَا ذَكَرْنَا إجْمَاعُ النُّظَّارِ عَلَى النَّقْضِ وَالْمُعَارَضَةِ عَلَى الْحَدِّ، وَمَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ النَّقْضُ وَالْمُعَارَضَةُ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَأَخِّرَانِ فِي الرُّتْبَةِ عَنْ الْمَنْعِ، وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ لَا نِزَاعَ فِي أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ نَحْوَ الْخَبَرِ، وَلَا خَبَرَ هُنَاكَ. اهـ. وَهَذَا يَنْظُرُ لِمَا سَبَقَ فِي طَلَبِ الْبُرْهَانِ عَلَيْهِ، وَنَقْلُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَوْجِيهِ الْمُعَارَضَةِ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ السَّابِقِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. فَقَدْ مَنَعَ بَعْضُهُمْ الْمُعَارَضَةَ فِيهِ. قَالَ: لِأَنَّهَا تُشْعِرُ بِصِحَّةِ الْمُعَارِضِ قَبْلَهُ، فَيَلْزَمُ ثُبُوتُ حَدَّيْنِ مُتَبَايِنَيْنِ لِمَحْدُودٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَالْحَقُّ: أَنَّ الْمُعَارَضَةَ إنْ كَانَتْ فِي حَدٍّ رَسْمِيٍّ، فَلَا نُبْطِلُهُ. فَإِنَّهُ يَجُوزُ
فِيهِ التَّعَدُّدُ عَلَى مَا سَيَأْتِي لِتَعَدُّدِ اللَّوَازِمِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ، وَقُلْنَا لَيْسَ لِشَيْءٍ حَدَّانِ ذَاتِيَّانِ، فَالْمُعَارَضَةُ إبْطَالٌ. وَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِهِ فَلَا إبْطَالَ فِيهَا. وَأَمَّا الْحَدُّ اللَّفْظِيُّ فَلَا مَدْخَلَ لِلْمَنْعِ فِيهِ وَلَا لِلْمُعَارَضَةِ قَطْعًا. وَقَالَ الرَّشِيدُ الْحَوَارِيُّ. إنَّمَا تَدْخُلُهُ الْمُعَارَضَةُ بِحَدٍّ أَرْجَحَ مِنْهُ أَوْ النَّقْضُ، كَمَا لَوْ قِيلَ: حَدُّ الْغَصْبِ إثْبَاتُ الْيَدِ الْعَادِيَةِ عَلَى مَالٍ لِلْغَيْرِ، وَقَالَ الْخَصْمُ: بَلْ إثْبَاتُ الْيَدِ الْعَادِيَةِ مَعَ إزَالَةِ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ. فَيَقُولُ: هَذَا يَبْطُلُ بِالْغَاصِبِ مِنْ الْغَاصِبِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ، وَالْغَصْبُ مُحَقَّقٌ.
قَالَ: وَقَدْ يَتَكَايَسُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَيَقُولُ: الْحَدُّ لَا يُمْنَعُ بَعْدَمَا ثَبَتَ كَوْنُهُ حَدًّا، وَلَكِنْ لِمَ قُلْت: إنَّمَا ذَكَرْته حَدٌّ؟ وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ: الْحَدُّ لَا يُمْنَعُ أَيْ: مَا يُدَّعَى كَوْنُهُ حَدًّا لَا يُمْنَعُ، وَإِلَّا كُلُّ مَا صَحَّ كَوْنُهُ حَدًّا فَلَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ، ثُمَّ كُلُّ دَعْوَى ادَّعَاهَا الْإِنْسَانُ وَصَحَّ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا يَقُولُهُ، فَلَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ، فَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالْحَدِّ. .
[التَّنْبِيهُ] الثَّانِي [حَدُّ الشَّيْءِ بِحَدَّيْنِ فَأَكْثَرَ] مَنَعُوا أَنْ يَكُونَ لِلشَّيْءِ حَدَّانِ فَأَكْثَرُ، وَحَكَى الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي كِتَابِهِ " الْإِفَادَةِ " فِيهِ خِلَافًا، وَاخْتَارَ الْجَوَازَ. قَالَ: وَلَا يَمْتَنِعُ فِي اللُّغَةِ أَنْ يَكُونَ لِلشَّيْءِ عِدَّةُ أَوْصَافٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَحْصُرُهُ، وَكَمَا قَالُوا فِي الْحَرَكَةِ: نَقْلَةٌ وَزَوَالٌ وَذَهَابٌ فِي جِهَةٍ، وَقَوْلُهُمْ: إنَّ التَّعَدُّدَ يُؤَدِّي إلَى الْمُنَاقَضَةِ، وَيَبْطُلُ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ حَقًّا مَمْنُوعٌ. اهـ.
وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ تُفِيدُ أَنَّ نِزَاعَهُمْ فِي الْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ، وَعَلَى هَذَا احْتِجَاجُهُ بِمَا ذُكِرَ لَا يَقْوَى؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ التَّعَدُّدِ فِي اللَّفْظِيِّ وَالرَّسْمِيِّ، وَقَدْ نَبَّهَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى أَنَّ امْتِنَاعَ تَعَدُّدِ الْحَدَّيْنِ الذَّاتِيَّيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِ الذَّاتِيِّ بِمَا لَا يُتَصَوَّرُ فَهْمُ الذَّاتِيِّ قَبْلَ فَهْمِهِ. فَإِنَّ الْقَصْدَ بِهِ فَهْمُ ذَاتِيَّاتِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ حِينَ فُهِمَ جَمِيعُ ذَاتِيَّاتِهَا؛ لِأَجْلِ التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ. وَوُجُودُ اشْتِمَالِهِ عَلَى ذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ التَّعَدُّدِ، وَسَكَتَ عَمَّا يَقْتَضِيهِ التَّعْرِيفَانِ الْأَخِيرَانِ لِلذَّاتِيِّ، بَلْ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُمَا لَا يَقْتَضِيَانِ امْتِنَاعَ التَّعَدُّدِ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ خِلَافٌ فِي التَّعَدُّدِ فِي الْحَقِيقِيِّ، وَقَدْ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ بِجَوَازِ التَّعَدُّدِ فِي الرَّسْمِيِّ وَاللَّفْظِيِّ. أَمَّا اللَّفْظِيُّ فَلِأَنَّهُ يَكْثُرُ بِكَثْرَةِ الْأَسَامِي الْمَوْضُوعَةِ لِلشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وَأَمَّا الرَّسْمِيُّ فَلِأَنَّ عَوَارِضَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَلَوَازِمَهُ قَدْ تَكْثُرُ بِخِلَافِ الْحَقِيقِيِّ، فَإِنَّ الذَّاتِيَّاتِ مَحْصُورَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا لَمْ يَكُنْ حَدًّا حَقِيقِيًّا. وَإِنْ ذَكَرَ مَعَهَا زِيَادَةً فَهِيَ حَشْوٌ، فَإِذَنْ الْحَدُّ الْحَقِيقِيُّ لَا يَتَعَدَّدُ.
[التَّنْبِيهُ] الثَّالِثُ [الْفَصْلُ هَلْ هُوَ عِلَّةٌ لِوُجُودِ الْجِنْسِ؟] اخْتَلَفُوا أَنَّ الْفَصْلَ هَلْ هُوَ عِلَّةٌ لِوُجُودِ الْجِنْسِ؟ فَقَالَ ابْنُ سِينَا وَغَيْرُهُ. نَعَمْ، لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِ جِنْسٍ مُجَرَّدٍ عَنْ الْفُصُولِ، كَالْحَيَوَانِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ. وَخَالَفَهُمْ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ؛ لِأَنَّ الْمَاهِيَّةَ الْمُرَكَّبَةَ مِنْ ذَاتٍ وَصِفَةٍ أَخَصُّ
مِنْهَا، كَالْحَيَوَانِ الْكَاتِبِ يَكُونُ الذَّاتُ جِنْسَهَا، وَالصِّفَةُ فَصْلَهَا مَعَ امْتِنَاعِ كَوْنِ الصِّفَةِ عِلَّةً لِلذَّاتِ لِتَأَخُّرِهَا عَنْهَا، وَهَذَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ تِلْكَ الْمَاهِيَّةَ اعْتِبَارِيَّةٌ، وَالْكَلَامُ فِي الْمَاهِيَّاتِ الْحَقِيقِيَّةِ. وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْعِلَّةِ أَحْكَامٌ: مِنْهَا: أَنَّ الْفَصْلَ الْوَاحِدَ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّوْعِ الْوَاحِدِ لَا يَكُونُ جِنْسًا لَهُ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ، كَمَا ظَنَّ جَمَاعَةٌ أَنَّ النَّاطِقَ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ فَصْلٌ لِلْإِنْسَانِ، وَإِلَى الْمَلَكِ جِنْسٌ لَهُ، وَالْحَيَوَانُ بِالْعَكْسِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفَصْلَ لَوْ كَانَ جِنْسًا، لَكَانَ مَعْلُولًا لِلْجِنْسِ الْمَعْلُولِ لَهُ، فَيَكُونُ الْمَعْلُولُ عِلَّةً لِعِلَّتِهِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَمِنْهَا: أَنَّ الْفَصْلَ لَا يُقَارِنُ إلَّا جِنْسًا وَاحِدًا فَإِنَّهُ لَوْ قَارَنَ جِنْسَيْنِ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى يَلْتَئِمَ مِنْ الْفَصْلِ وَأَحَدِ الْجِنْسَيْنِ مَاهِيَّةٌ، وَمِنْهُ وَمِنْ الْآخَرِ أُخْرَى؛ لِامْتِنَاعِ أَنْ يَكُونَ لِمَاهِيَّةٍ وَاحِدَةٍ جِنْسَانِ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ يَلْزَمُ تَخَلُّفُ الْمَعْلُولِ عَنْ الْعِلَّةِ ضَرُورَةَ وُجُودِ الْفَصْلِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَاهِيَّتَيْنِ، وَعَدَمِ جِنْسِ مَا لَزِمَهَا فِي الْأُخْرَى.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْفَصْلَ لَا يُقَوِّمُ إلَّا نَوْعًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ امْتِنَاعُ أَنْ يُقَارِنَهُ إلَّا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَمِنْهَا: أَنَّ الْفَصْلَ الْقَرِيبَ لَا يَكُونُ إلَّا وَاحِدًا، فَإِنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَ لَزِمَ تَوَارُدُ عِلَّتَيْنِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ بِالذَّاتِ، وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ تَكْثِيرَ الْفُصُولِ، وَالْحَقُّ: أَنَّ الْفَصْلَ لَا تَجُوزُ زِيَادَتُهُ عَلَى وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ لِوُجُودِ حِصَّةِ النَّوْعِ مِنْ الْجِنْسِ، فَإِنْ كَفَى الْوَاحِدُ فِي التَّقْوِيمِ اُسْتُغْنِيَ عَنْ الْآخَرِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فَصْلًا، وَحَيْثُ وُجِدَ فِي كَلَامِ الْعُلَمَاءِ تَعَدُّدُ الْفُصُولِ بِقَوْلِهِمْ: فَصْلٌ ثَانٍ
وَثَالِثٌ، فَلَا تَحْقِيقَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ. فَإِنَّ الْمَجْمُوعَ فَصْلٌ وَاحِدٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِمَّا جَعَلُوهُ فَصْلًا هُوَ جُزْءُ الْفَصْلِ، وَلَمَّا ذَهَبَ الْإِمَامُ إلَى بُطْلَانِ قَاعِدَةِ الْعِلِّيَّةِ جَوَّزَ الْفُرُوعَ الثَّلَاثَةَ. الْأَوَّلُ: لِجَوَازِ تَرْكِيبِ الشَّيْءِ مِنْ أَمْرَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا أَعَمُّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ كَالْحَيَوَانِ، وَالْأَبْيَضِ. فَالْمَاهِيَّةُ إذَنْ تَرَكَّبَتْ مِنْهُمَا، لِكَوْنِ الْحَيَوَانِ جِنْسًا وَالْأَبْيَضِ فَصْلًا لَهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَيَوَانِ الْأَسْوَدِ وَبِالْعَكْسِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجَمَادِ الْأَبْيَضِ. فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا جِنْسًا وَفَصْلًا، وَهُوَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ. وَفَصْلًا يُقَارِنُ جِنْسَيْنِ لَهُ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالْجَمَادِ وَالْأَسْوَدِ وَالْأَبْيَضِ. وَهُوَ الْحُكْمُ الثَّانِي الْمُسْتَلْزِمُ لِلثَّالِثِ. وَقَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: ذَهَبَ الْإِمَامُ إلَى أَنَّ الْفَصْلَ الْوَاحِدَ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَوْعٍ وَاحِدٍ قَدْ يَكُونُ جِنْسًا لَهُ، وَيَجُوزُ اقْتِرَانُهُ بِجِنْسَيْنِ، فَيَكُونُ مُقَوِّمًا لِنَوْعَيْنِ، وَذَلِكَ فِي الْمَاهِيَّةِ الْمُرَكَّبَةِ مِنْ قَيْدَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمُّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ، كَالْحَيَوَانِ الْأَبْيَضِ، فَإِنَّ الْحَيَوَانَ يَصْدُقُ عَلَى الْأَبْيَضِ وَغَيْرِهِ، وَالْأَبْيَضَ يَصْدُقُ عَلَى الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ. فَإِنْ جَعَلْت الْحَيَوَانَ جِنْسًا لِهَذِهِ الْمَاهِيَّةِ كَانَ الْأَبْيَضُ فَصْلًا لَهَا. وَإِنْ جَعَلْت الْأَبْيَضَ جِنْسًا لَهَا كَانَ الْحَيَوَانُ فَصْلًا. قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: وَاَلَّذِي نَقُولُهُ: إنَّا نَمْنَعُ أَنَّ مَاهِيَّتَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ تَتَأَلَّفُ عَنْ هَذَيْنِ الْمَفْهُومَيْنِ وَإِنَّمَا يَتَأَلَّفُ عَنْهُمَا مَاهِيَّةٌ اعْتِبَارِيَّةٌ. وَكَلَامُنَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمَاهِيَّاتِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْخَارِجِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ شَيْئًا مِنْهَا يَتَرَكَّبُ مِمَّا هَذَا شَأْنُهُ.