الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سُنَّةً، وَالْفَضِيلَةُ مَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ مِنْ أَصْلِ نَفْسِهَا كَالْقُنُوتِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ. قَالَ: وَهَذَا خِلَافٌ لَفْظِيٌّ لَا يَظْهَرُ إلَّا فِي الثَّوَابِ، فَالسُّنَّةُ أَعْلَى الْمَرَاتِبِ، وَالنَّدْبُ وَمُتَعَلِّقُهُ مِنْ الثَّوَابِ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ رَكِبَ الشَّافِعِيُّ مَسْلَكًا ضَيِّقًا فَأَطْلَقَ عَلَى الْجَمِيعِ سُنَّةً، ثُمَّ قَالَ: إنَّ تَرْكَ السُّورَةِ لَا يَقْتَضِي سُجُودَ السَّهْوِ، وَتَرْكَ الْقُنُوتِ يَقْتَضِي، حَتَّى قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يُوجَدُ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ.
[مَسْأَلَةٌ الْمَنْدُوبُ مَأْمُورٌ بِهِ]
ِ] الْمَنْدُوبُ مَأْمُورٌ بِهِ حَقِيقَةً فِي قَوْلِ الْقَاضِي، وَالْغَزَالِيِّ، وَابْنِ الصَّبَّاغِ، وَنَقَلَهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الدَّقَّاقِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ سُلَيْمٌ فِي " التَّقْرِيبِ ": إنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَصَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا وَرَدَ لَفْظُ الْأَمْرِ وَدَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّدْبُ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجْعَلُهُ مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ حَمْلٌ عَلَى بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ، وَإِخْرَاجُ الْبَعْضِ فَكَانَ حَقِيقَةً كَلَفْظِ الْعُمُومِ إذَا خُصَّ فِي بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو هَاشِمٍ وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ، وَلِهَذَا قَسَّمُوا الْأَمْرَ
إلَى وَاجِبٍ وَنَدْبٍ، وَمَوْرِدُ التَّقْسِيمِ مُشْتَرَكٌ، وَقَالَ الْكَرْخِيّ وَأَبُو بَكْرٍ الرَّازِيَّ: لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ حَقِيقَةً بَلْ مَجَازًا، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ وَأَبُو بَكْرٍ الشَّاشِيُّ، وَإِلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ، وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْأَوْسَطِ " عَنْ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ، وَنَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إنَّهُ الصَّحِيحُ.
وَقَالَ الرَّازِيَّ فِي " الْمَحْصُولِ ": إنَّهُ الْمُخْتَارُ، وَالصَّحِيحُ: الْأَوَّلُ، فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي " شَرْحِ الْكِفَايَةِ ": الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ الْمَنْدُوبَ مَأْمُورٌ بِهِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كُتُبِهِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ، وَهُوَ خِلَافُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ. قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: وَقَوْلُنَا: إنَّ ظَاهِرَ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ، وَقَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ: وَالصَّوَابُ: أَنَّ الْأَمْرَ إنْ كَانَ حَقِيقَةً فِي الْوُجُوبِ فَقَطْ فَالْمَنْدُوبُ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ، وَإِلَّا فَمَأْمُورٌ بِهِ، قَالَ: وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِ الْغَزَالِيِّ، فَإِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْوَاقِفِيَّةِ فِي مُقْتَضَى الْأَمْرِ، فَكَيْفَ اخْتَارَ أَنَّ الْمَنْدُوبَ مَأْمُورٌ بِهِ، وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ التَّوَقُّفُ فِيهِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَصِحُّ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ صِيغَةَ " افْعَلْ " حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ؟ وَهَذَا السُّؤَالُ يَخُصُّ الْآمِدِيَّ، وَابْنَ الْحَاجِبِ فَإِنَّهُمَا زَعَمَاهُ كَذَلِكَ.
قُلْنَا: الْكَلَامُ هُنَا فِي الْأَمْرِ هُوَ صِيغَةُ " أم ر " لَا فِي صِيغَةِ " افْعَلْ " وَالْأَمْرُ مَقُولٌ عَلَى الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ بِالْحَقِيقَةِ، وَ " افْعَلْ " يَخْتَصُّ بِالْوُجُوبِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لَا يَكُونُ إلَّا إيجَابًا، وَأَمَّا الْمَنْدُوبُ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ مُقَيَّدًا لَا مُطْلَقًا، فَيَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الْأَمْرِ لَا فِي الْمُطْلَقِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا فَهُوَ بَحْثٌ آخَرُ، وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ مِنْ الْحَنَابِلَةِ بِأَنَّهُ مُشَكَّكٌ كَالْوُجُودِ وَالْبَيَاضِ، وَأَجَابَ الْقَاضِي مِنْهُمْ بِأَنَّ النَّدْبَ بَعْضُ الْوُجُوبِ فَهُوَ كَدَلَالَةِ الْعَلَمِ عَلَى بَعْضِهِ، وَهُوَ لَيْسَ بِمَجَازٍ، وَإِنَّمَا الْمَجَازُ دَلَالَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ. قِيلَ: وَالْمَنْدُوبُ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ إلَّا أَنَّ إطْلَاقَهُ عَلَى الْوَاجِبِ أَوْلَى أَوْ هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْإِطْلَاقِ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ الِاسْتِعْمَالِ الشَّرْعِيِّ.
ثُمَّ قِيلَ: الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ، إذْ الْمَنْدُوبُ مَطْلُوبٌ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ، فَعَلَى هَذَا مَطْلُوبُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هَلْ اقْتِضَاءُ الشَّرْعِ لِلْمَنْدُوبِ أَمْرٌ حَقِيقَةً أَمْ لَا؟ وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ مَعْنَوِيٌّ، وَلَهُ فَوَائِدُ: أَحَدُهَا: قَالَ الْمَازِرِيُّ، وَالْإِبْيَارِيُّ: إنَّمَا جَعَلَ الْإِمَامُ الْخِلَافَ لَفْظِيًّا؛ لِتَعَلُّقِهِ بِبَحْثِ اللُّغَةِ، وَإِلَّا فَفَائِدَتُهَا فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ إذَا قَالَ الرَّاوِي: أُمِرْنَا، أَوْ أَمَرَنَا
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَذَا فَإِنْ قُلْنَا: لَفْظُ الْأَمْرِ يَخْتَصُّ بِالْوُجُوبِ كَانَ اللَّفْظُ ظَاهِرًا فِي ذَلِكَ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ يَتَرَدَّدُ بَيْنَهُمَا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُجْمَلًا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ خُولِفَ فِيهَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْبَحْثُ الْعَقْلِيُّ هَلْ وَجَدَ فِي النَّدْبِ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ؟ وَالثَّانِي: هَلْ يُسَمَّى النَّدْبُ أَمْرًا؟ وَهَذَا بَحْثٌ لُغَوِيٌّ، وَقَدْ نُوزِعَ فِي الْأَمْرِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا جَعَلَ ابْنُ بَرْهَانٍ مِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ الصَّحَابِيُّ: أُمِرْنَا أَوْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ نَهَانَا فَعِنْدَنَا يَجِبُ قَبُولُهُ، وَقَالَ الظَّاهِرِيَّةُ: لَا يُقْبَلُ حَتَّى يُعْقَلَ لَفْظُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّ الْمَنْدُوبَ عِنْدَهُمْ لَيْسَ بِمَأْمُورٍ بِهِ، وَعِنْدَنَا مَأْمُورٌ بِهِ.
الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ إذَا وَرَدَ لَفْظُ الْأَمْرِ وَدَلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْوُجُوبَ فَمَنْ قَالَ: بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ حَمَلَهُ عَلَى النَّدْبِ، وَلَمْ يَحْتَجْ فِي ذَلِكَ إلَى دَلِيلٍ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ عِنْدَهُ حَقِيقَتَيْنِ إحْدَاهُمَا بِالْإِطْلَاقِ، وَالْأُخْرَى بِالتَّقْيِيدِ، وَكَمَا حُمِلَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى إحْدَاهُمَا حُمِلَ عِنْدَ التَّقْيِيدِ عَلَى الْأُخْرَى، وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ مَجَازٌ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ؛ لِأَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى الْمَجَازِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِدَلَالَةٍ ذَكَرَهُ سُلَيْمٌ فِي " التَّقْرِيبِ ". الثَّالِثَةُ: لِحَمْلِ لَفْظِ الْأَمْرِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ وَجْهَانِ: وَقَالَ فِي " الْمَحْصُولِ ": مَنْشَأُ الْخِلَافِ هَاهُنَا: أَنَّ الْأَمْرَ حَقِيقَةٌ فِي مَاذَا؟ فَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً فِي التَّرْجِيحِ الْمُطْلَقِ مِنْ غَيْرِ إشْعَارٍ بِجَوَازِ الْمَنْعِ مِنْ التَّرْكِ، وَلَا بِالْمَنْعِ مِنْهُ فَالْمَنْدُوبُ مَأْمُورٌ بِهِ، وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً فِي التَّرْجِيحِ الْمَانِعِ مِنْ النَّقِيضِ فَلَا يَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ.