المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مسألة الواجب المخير] - البحر المحيط في أصول الفقه - ط الكتبي - جـ ١

[بدر الدين الزركشي]

فهرس الكتاب

- ‌[المقدمة]

- ‌[فَصْلٌ أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ فِي الْأُصُولِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ شَرَفِ عِلْمِ الْأُصُولِ]

- ‌[الْمُقَدِّمَاتُ]

- ‌[فَصْلٌ الْغَرَضُ مِنْ عِلْمِ الْأُصُولِ وَحَقِيقَتُهُ وَمَادَّتُهُ وَمَوْضُوعُهُ وَمَسَائِلُهُ]

- ‌[مَفْهُوم الدَّلِيلُ]

- ‌[أَقْسَامُ الدَّلِيلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَدِلَّةُ الْعُقُولِ]

- ‌[مَفْهُوم النَّظَرُ]

- ‌[أَقْسَامُ النَّظَرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ النَّظَرُ مُكْتَسَبٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعِلْمُ الْحَاصِلُ عَقِبَ النَّظَرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ النَّظَرُ وَاجِبٌ شَرْعًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ النَّظَرُ الْفَاسِدُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْجَهْلَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي الْعِلْمِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَفَاوُتُ الْعُلُومِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعِلْمُ إمَّا قَدِيمٌ وَإِمَّا حَادِثٌ]

- ‌[الرُّؤْيَا الصَّالِحَةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَرَاتِبِ الْعُلُومِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاخْتِلَافُ فِي الْمُحِسَّاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَعَلُّقُ الْعِلْمِ بِأَكْثَرَ مِنْ مَعْلُومٍ وَاحِدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ يُقَارِنُ الْعِلْمُ بِالْجُمْلَةِ الْجَهْلَ بِالتَّفْصِيلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ يُوجَدُ عِلْمٌ لَا مَعْلُومَ لَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ طُرُقُ مَعْرِفَةِ الْأَشْيَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْجَهْلُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الظَّنُّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الظَّنُّ طَرِيقُ الْحُكْمِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَفَاوُتُ الظُّنُونِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَقْسَامُ الظَّنِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الشَّكُّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الشَّكُّ لَا يُبْنَى عَلَيْهِ حُكْمٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْوَهْمُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ السَّهْوُ وَالْخَطَأُ]

- ‌[خَاتِمَةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اسْتِعْمَالُ الظَّنِّ بِمَعْنَى الْعِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ الْعَقْلُ]

- ‌[الْعَقْلُ ضَرْبَانِ]

- ‌[الْحَدُّ النَّظَرُ فِي حَقِيقَتِهِ وَأَقْسَامِهِ وَشُرُوطِ صِحَّتِهِ]

- ‌[مَذَاهِبُ اقْتِنَاصِ الْحَدِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ صُعُوبَةُ الْحَدِّ]

- ‌[الْحَدّ الْحَقِيقِيّ وَالْحَدُّ الرَّسْمِيُّ]

- ‌[أَقْسَامُ الْحَدِّ]

- ‌[شُرُوطُ صِحَّةِ الْحَدِّ]

- ‌[الْخَفَاءُ هَلْ يُعْتَبَرُ الْخَفَاءُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَادِّ أَوْ إلَى كُلِّ أَحَدٍ]

- ‌[فَرْعٌ التَّحْدِيدُ بِمَا يَجْرِي مَجْرَى التَّقْسِيمِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ فِي الْحَدِّ]

- ‌[فَائِدَةٌ إعْرَابُ الصِّفَاتِ فِي الْحُدُودِ]

- ‌[الْقِسْمَةُ حَدِّهَا وَأَنْوَاعِهَا وَشُرُوطِ صِحَّتِهَا]

- ‌[شُرُوطُ صِحَّةِ الْقِسْمَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَوَقُّفُ الْمَطْلُوبِ التَّصْدِيقِيِّ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَوْضُوعُ وَالْمَحْمُولُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ النَّتِيجَةُ تَتْبَعُ الْمُقَدِّمَاتِ]

- ‌[الْأَحْكَامُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَفْيُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْحُكْمُ هَلْ هُوَ قَطْعِيٌّ أَمْ ظَنِّيٌّ]

- ‌[مَفْهُوم الْخِطَابُ]

- ‌[خِطَابُ التَّكْلِيفِ وَخِطَابُ الْوَضْعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُعْلَمُ بِهِ خِطَابُ اللَّهِ وَخِطَابُ رَسُولِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا حَاكِمَ إلَّا الشَّرْع]

- ‌[اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي حُكْمِ دَلَالَاتِ الْعُقُولِ]

- ‌[الْعَقْلُ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ]

- ‌[الْعَقْلُ مُدْرِكٌ لِلْحُكْمِ لَا حَاكِمٌ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى شُكْرُ الْمُنْعِمِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ حُكْمُ أَفْعَالِ الْعُقَلَاءِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ]

- ‌[حُكْمُ الْأَعْيَانِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَوَازُ فتور الشَّرِيعَة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَقْدِيرُ خُلُوِّ وَاقِعَةٍ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَحْكَامُ الشَّرْعِ ثَابِتَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مُجَرَّدُ السُّكُوتِ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا عَدَا الْمَذْكُورِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَعْرِيفُ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْحَسَنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَمْرُ لَا يَقْتَضِي حُسْنَ الْمَأْمُورِ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ خِطَابُ التَّكْلِيفِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوَاجِبِ]

- ‌[تَنْبِيه أَقْسَامُ الْوَاجِبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَوُجُوبِ الْأَدَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَسْمَاءُ الْوَاجِبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ بَعْضُ الْوَاجِبَاتِ أَوْجَبُ مِنْ بَعْضٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَرَتُّبُ الذَّمِّ أَوْ الْعِقَابِ عَلَى التَّرْكِ يَتَحَقَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ]

- ‌[فَصْلٌ انْقِسَامُ الْوَاجِبِ] [

- ‌مَسْأَلَة الواجب الْمُخَيَّرِ]

- ‌[شُرُوطُ التَّخْيِير]

- ‌[مَسْأَلَتَانِ فِي الْكَفَّارَة] [

- ‌الْأُولَى تَعْيِينُ خَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الشُّرُوعُ بخصلة هَلْ يُعَيِّنُهَا]

- ‌[فَائِدَةٌ مُعْظَمُ الْعِبَادَاتِ عَلَى التَّخْيِيرِ]

- ‌[تَتِمَّةٌ وُجُوبُ الْأَشْيَاءِ قَدْ يَكُونُ عَلَى التَّخْيِيرِ]

- ‌[جَوَازُ تَرْكِ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ أَوَّلَ الْوَقْتِ]

- ‌[الْمُنْكِرُونَ لِلْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ]

- ‌[تَتِمَّاتُ هَلْ يَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الْوَقْتِ]

- ‌[الْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ قَدْ يَكُونُ مَحْدُودًا وَقَدْ يَكُونُ وَقْتُهُ الْعُمُرَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَا لَا يَتِمُّ الواجب إلَّا بِهِ]

- ‌[الْمَذَاهِبُ فِي الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَقَائِقُ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ مُتَبَايِنَةٌ]

- ‌[قَاعِدَةٌ تَجْمَعُ مَسَائِلَ جَائِزُ التَّرْكِ مُطْلَقًا]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الزِّيَادَةُ عَلَى أَقَلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ لَا يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الصَّوْمُ وَاجِبٌ عَلَى أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الْمُبَاحُ مَأْمُورٌ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَرْضُ الْكِفَايَةِ لَا يُبَايِنُ فَرْضَ الْعَيْنِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ هَلْ يَتَعَلَّقُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ بِالْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ إذَا تَرَكَ الْجَمِيعُ فَرْضَ الْكِفَايَةِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ التَّكْلِيفُ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ مَنُوطٌ بِالظَّنِّ لَا بِالتَّحْقِيقِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ سُقُوطُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ بِفِعْلِ الْجَمِيعِ دَفْعَةً وَاحِدَةً]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ يَسْقُطُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ بِمَنْ فَعَلَهُ أَوَّلًا]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ هَلْ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ وَفِعْلُ الْبَعْضِ مُسْقِطٌ لِلْحَرَجِ أَمْ لَا]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ مَعْنَى قَوْلِهِمْ سَقَطَ بِفِعْلِ الْبَعْضِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَة سُقُوط فَرْضِ الْكِفَايَةِ بِفِعْلِ الْمَلَائِكَةِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ فَرْضُ الْكِفَايَة يَلْزَم بِالشُّرُوعِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَة هَلْ يَتَعَيَّنُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَة الْقِيَام بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ أَوْلَى مِنْ الْقِيَامِ بِفَرْضِ الْعَيْنِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَة يُتَصَوَّرُ الْمُخَيَّرُ فِي الْوَاجِبِ الْكِفَائِيِّ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَة الْجَمْع بَيْنَ قَوْلِ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَرَامِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْحُرْمَةُ لَا تُلَازِمُ الْفَسَادَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَا لَا يَتِمُّ تَرْكُ الْحَرَامِ إلَّا بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَوْ تَعَدَّى عَمَّا أُبِيحَ لَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا نُسِخَ التَّحْرِيمُ هَلْ تَبْقَى الْكَرَاهَةُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْحَرَامُ وَالْوَاجِبُ مُتَنَاقِضَانِ]

- ‌[فَرْعٌ كَوْنُ الْوَاحِدِ وَاجِبًا وَحَرَامًا بِاعْتِبَارَيْنِ]

- ‌[تَكْمِيلٌ تضاد الْمَكْرُوه وَالْوَاجِبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَحْرِيمُ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ يُقَالُ هَذَا أَحْرَمُ مِنْ هَذَا]

- ‌[خَاتِمَةٌ تَرْكُ الْوَاجِبِ أَعْظَمُ مِنْ فِعْلِ الْحَرَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُبَاحِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْمُبَاحُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مِنْ صِيَغِ الْمُبَاحِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْإِبَاحَةُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْإِبَاحَةُ لَيْسَتْ بِتَكْلِيفٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُبَاحُ لَا يُسَمَّى قَبِيحًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُبَاحُ هَلْ هُوَ جِنْسٌ لِلْوَاجِبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُبَاحُ هَلْ هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَنْدُوبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَنْدُوبُ مَأْمُورٌ بِهِ]

- ‌[فُرُوعٌ الْمَنْدُوبُ حَسَنٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُتْرَكُ الْمَنْدُوبُ إذَا صَارَ شِعَارًا لِلْمُبْتَدِعَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُتْرَكُ الْمَنْدُوبُ لِخَوْفِ اعْتِقَادِ الْعَامَّةِ وُجُوبَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ سُنَّةُ الْعَيْنِ وَسُنَّةُ الْكِفَايَةِ]

- ‌[خَاتِمَةٌ السُّنَّةُ لَا تَعْدِلُ الْوَاجِبَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَكْرُوهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَدْ تَكُونُ الْكَرَاهَةُ شَرْعًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَكْرُوهُ هَلْ هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ الْمَكْرُوهُ مِنْ التَّكْلِيفِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَكْرُوهُ هَلْ هُوَ قَبِيحٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَكْرُوهُ هَلْ يَدْخُلُ تَحْتَ الْأَمْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خِلَافِ الْأَوْلَى]

الفصل: ‌مسألة الواجب المخير]

[فَصْلٌ انْقِسَامُ الْوَاجِبِ] [

‌مَسْأَلَة الواجب الْمُخَيَّرِ]

انْقِسَامُ الْوَاجِبِ] الْوَاجِبُ يَنْقَسِمُ بِحَسَبِ فَاعِلِهِ إلَى: وَاجِبٍ عَلَى الْعَيْنِ، وَوَاجِبٍ عَلَى الْكِفَايَةِ: وَبِحَسَبِ ذَاتِهِ إلَى وَاجِبٍ مُعَيَّنٍ، وَوَاجِبٍ مُخَيَّرٍ، وَبِحَسَبِ وَقْتِهِ إلَى وَاجِبٍ مُضَيَّقٍ وَوَاجِبٍ مُوَسَّعٍ، وَيَجِبُ فِعْلُهُ فِي وَقْتِهِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَدَاءً وَقَضَاءٍ. فَنَقُولُ: مَسْأَلَةُ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ إيجَابُ شَيْءٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مَحْصُورَةٍ، كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ، وَجَزَاءِ الصَّيْدِ، وَفِدْيَةِ الْأَذَى جَائِزٌ عَقْلًا. خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ حَيْثُ ذَهَبَ إلَى امْتِنَاعِهِ عَقْلًا زَاعِمًا لُزُومَ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ؛ لِتَنَاقُضِ الْوُجُوبِ وَالتَّخْيِيرِ جَهْلًا مِنْهُمْ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَا هُوَ وَاجِبٌ، وَمَا هُوَ مُخَيَّرٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ. وَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِهِ فَهُوَ يَقْتَضِي وُجُوبَ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ، وَأَيَّ وَاحِدٍ مِنْهَا فَعَلَ، سَقَطَ الْفَرْضُ؛ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْوَاجِبِ، لَا أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَلَا يُوصَفُ الْجَمِيعُ بِالْوُجُوبِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا، كَمَا قَالَهُ

ص: 246

الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ عَنْ مَذْهَبِ الْفُقَهَاءِ كَافَّةً، وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ عَنْ إجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ. قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ: وَنَعْنِي بِهَذَا أَنَّ مَا مِنْ وَاحِدٍ إلَّا وَيَتَعَلَّقُ بِهِ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَلَسْنَا نَعْنِي أَنَّ الْوَاجِبَ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ فِي حُكْمِ اللَّهِ مُلْتَبِسٌ عَلَيْنَا، وَإِلَّا لَزِمَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ، وَحُكِيَ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ أَيْضًا، وَالثَّانِي: وَبِهِ قَالَ الْمُعْتَزِلَةُ: الْكُلُّ وَاجِبٌ ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ، وَقَالَ: الْكُلُّ وَاجِبٌ عَلَى التَّخْيِيرِ وَالْبَدَلِ، وَإِذَا فُعِلَ بَعْضُهَا سَقَطَ بِهِ وُجُوبُ بَاقِيهَا، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ الْجُبَّائِيُّ وَابْنِهِ وَبَعْضِ أَصْحَابِهِ وَبَعْضِ الْفُقَهَاءِ. قَالَ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ ": وَاخْتَارَهُ الشَّرِيفُ الْمُرْتَضَى. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَاخْتَارَهُ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ مِنْ مَالِكِيَّةِ الْعِرَاقِ. قَالَ: وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْوَاجِبَ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ عِنْدَ الْمُكَلَّفِ، لَكِنْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَخْتَارُ إلَّا فِعْلَ مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَاخْتِيَارُهُ مُعَرِّفٌ، لَنَا أَنَّهُ الْوَاجِبُ فِي حَقِّهِ، وَعَلَى هَذَا فَيَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُكَلَّفِينَ. حَكَاهُ ابْنُ الْقَطَّانِ مَعَ جَلَالَتِهِ. وَقَالَ فِي الْمَحْصُولِ ": إنَّ أَصْحَابَنَا يَنْسُبُونَهُ إلَى الْمُعْتَزِلَةِ، وَالْمُعْتَزِلَةُ إلَى أَصْحَابِنَا، وَاتَّفَقَ الْفَرِيقَانِ عَلَى فَسَادِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ ": لَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ غَيْرُ

ص: 247

مُعَيَّنٍ عِنْدَنَا كَانَ خِلَافًا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، وَجَرَى مَجْرَى تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ. هَذَا مِمَّا لَا يَذْهَبُ إلَيْهِ أَحَدٌ. انْتَهَى، وَقَدْ عَلِمْتَ فَسَادَهُ.

وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْوَاجِبَ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَخْتَلِفُ، فَإِنْ فَعَلَهُ الْمُكَلَّفُ فَذَاكَ، وَإِلَّا وَقَعَ نَفْلًا وَسَقَطَ الْوَاجِبُ بِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ، فَهَلْ يَتَعَيَّنُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ أَوْ بِاخْتِيَارِهِ؟ وَجْهَانِ: وَالْأَوَّلُ: حَكَاهُ أَبُو الْخَطَّابِ الْحَنْبَلِيُّ فِي تَمْهِيدِهِ " وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْقَوَاطِعِ "، وَأَغْرَبَ فَنَسَبَهُ إلَى الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: إنَّهُ قَوْلُ مُعْظَمِ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَالثَّانِي: حَكَاهُ أَبُو يُوسُفَ فِي الْوَاضِحِ "، فَقَالَ: ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ وَاحِدٌ، وَيَتَعَيَّنُ بِاخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِ، فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ الْوَاجِبَ مَا فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّ الْمُكَلَّفَ يَخْتَارُهُ. قِيلَ: وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْفِعْلِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ عَنْهُ غَيْرُهُ أَنْ لَا وُجُوبَ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ. وَيَجِيءُ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ الْوَقْفُ، فَإِنْ فَعَلَ وَاحِدًا مِنْهَا فَهُوَ الْوَاجِبُ، كَمَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: إنَّ مَالِكَ النِّصَابِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ عَيْنِ الْمَالِ وَمِنْ غَيْرِهِ، فَإِذَا أَخْرَجَهَا مِنْ عَيْنِ الْمَالِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوُجُوبَ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِهَا تَبَيَّنَّا أَنَّهَا لَمْ تَجِبْ فِي الْعَيْنِ. وَيَجِيءُ قَوْلٌ آخَرُ: إنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُ الْخِصَالِ أَدْوَنَ كَانَ هُوَ الْوَاجِبَ،

ص: 248

فَإِنْ فَعَلَ الْأَكْمَلَ سَقَطَ بِهِ، وَهَذَا كَمَا فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ، فَإِنَّ خَبَرَ مُعَاذٍ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ. وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ " وَالْأَصْحَابُ أَنَّ الْوَاجِبَ التَّبِيعُ، وَأَنَّهُ إذَا أَخْرَجَ التَّبِيعَةَ كَانَ أَوْلَى، وَأَسْقَطَ الْوَاجِبَ، وَيَكُونُ مُتَطَوِّعًا بِالزِّيَادَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: سَبَبُ ذَلِكَ قِيَامُ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الثَّلَاثِينَ تَبِيعٌ.

إذَا عَلِمْت هَذَا فَالْكَلَامُ بَعْدَهُ فِي مَوَاضِعَ. أَحَدُهَا: تَحْقِيقُ مَوْضِعِ الْخِلَافِ. الثَّانِي: هَلْ هُوَ مَعْنَوِيٌّ أَوْ لَفْظِيٌّ؟ . الثَّالِثُ: فِي كَيْفِيَّةِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجَمِيعِ أَوْ الْبَعْضِ. الرَّابِعُ: فِي شُرُوطِ التَّخْيِيرِ. [تَحْقِيقُ مَوْضِعِ الْخِلَافِ] أَمَّا الْأَوَّلُ: وَهُوَ تَحْقِيقُ مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَتَحْرِيرُ مَعْنَى الْإِبْهَامِ، فَأَمَّا عِنْدَنَا

ص: 249

فَالْوَاجِبُ أَحَدُ الْخِصَالِ، وَلَا تَخْيِيرَ فِيهِ، وَتَخْيِيرُ الْمُكَلَّفِ إنَّمَا هُوَ فِي تَعْيِينِ الْوَاجِبِ لِلْوُجُودِ لَا لِلْوُجُوبِ، فَإِنَّ الْجِهَةَ الشَّخْصِيَّةَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وُجُوبٌ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي الْمِئَتَيْنِ مِنْ الْإِبِلِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَرْبَعِ حِقَاقٍ وَخَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَطَقَ بِالتَّخْيِيرِ، فَقَالَ:(فَإِذَا بَلَغَتْ مِئَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ. أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ) فَأَوْجَبَ أَحَدَهُمَا وَخَيَّرَ فِي تَعْيِينِ الْوَاجِبِ.

وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: مُتَعَلَّقُ الْوُجُوبِ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْخِصَالِ، وَلَا تَخْيِيرَ فِيهِ، وَمُتَعَلَّقُ التَّخْيِيرِ خُصُوصِيَّاتُ الْخِصَالِ وَلَا وُجُوبَ فِيهَا. وَقَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ شَارِحُ الْمَحْصُولِ ": لَا نَقُولُ فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ، بَلْ الْوَاجِبُ هُوَ حِصَّةٌ مِنْهُ يَصْدُقُ عَلَيْهَا الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ. وَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَوْلِ بِإِيجَابِ الْمُشْتَرَكِ، وَيَكُونُ مِنْ صُوَرِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ بِأَنَّهُ وَاحِدٌ، وَلَا يُتَصَوَّرُ التَّخْيِيرُ فِي الْوَاحِدِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ: يَجِبُ الْجَمِيعُ عَلَى التَّخْيِيرِ، فَظَاهِرُهُ مُتَنَاقِضٌ فِي نَفْسِهِ، إذْ مَعْنَى وُجُوبِ الْجَمِيعِ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِفِعْلِهَا، وَمُقْتَضَى التَّخْيِيرِ أَنْ يَبْرَأَ بِفِعْلِ أَيُّهَا شَاءَ، وَلَا يَجْتَمِعَانِ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ بِوُجُوبِ الْجَمِيعِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُ الْجَمِيعِ، وَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُوبُ فِعْلِ الْجَمِيعِ، أَوْ وُجُوبُ الْجَمِيعِ عَلَى الْبَدَلِ لَا عَلَى الْجَمْعِ بِمَعْنَى إنْ لَمْ يَفْعَلْ هَذَا فَعَلَ هَذَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ.

ص: 250

وَكَانَ الْغَلَطُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إمَّا مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ حَيْثُ ظَنُّوا أَنَّ الْوُجُوبَ مَعَ التَّخْيِيرِ لَا يَجْتَمِعَانِ، أَوْ مِنْ النَّاقِلِينَ عَنْهُمْ بِأَنْ وَافَقُوهُمْ عَلَى عِبَارَةٍ مُوهِمَةٍ، وَاَلَّذِي نَقَلَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي كِتَابِ الْإِفَادَةِ " عَنْهُمْ: أَنَّ الْجَمِيعَ وَاجِبٌ عَلَى الْبَدَلِ.

وَقَدْ حَرَّرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ذَلِكَ فَقَالَ: الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ يُقَالُ عَلَى الْمُتَوَاطِئِ، كَالرَّجُلِ وَلَا إبْهَامَ فِيهِ، وَأَنَّ حَقِيقَتَهُ مَعْلُومَةٌ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ غَيْرِهَا مِنْ الْحَقَائِقِ وَيُقَالُ عَلَى الْمُبْهَمِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ أَوْ أَشْيَاءَ، كَأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُقْصَدْ فِيهِ إلَّا الْحَقِيقَةُ الَّتِي هِيَ مُسَمَّى الرُّجُولِيَّةِ.

وَالثَّانِي فِيهِ أَحَدُ الشَّخْصَيْنِ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيَّنْ، وَلِذَلِكَ يُسَمَّى مُبْهَمًا؛ لِأَنَّهُ انْبَهَمَ عَلَيْنَا أَمْرُهُ، وَالْأَوَّلُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِيَّاتِهِ كَالْأَمْرِ بِالْإِعْتَاقِ، فَإِنَّ مُسَمَّى الْإِعْتَاقِ وَمُسَمَّى الرَّقَبَةِ مُتَوَاطِئٌ كَالرَّجُلِ. فَلَا تَعَلُّقَ لِلْأَمْرِ بِالْخُصُوصِيَّاتِ لَا عَلَى التَّعْيِينِ، وَلَا عَلَى التَّخْيِيرِ. فَلَا يُقَالُ فِيهِ: وَاجِبٌ مُخَيَّرٌ، وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْمُخَيَّرِ، وَأَكْثَرُ أَوَامِرِ الشَّرِيعَةِ مِنْ ذَلِكَ. وَالثَّانِي مُتَعَلَّقُ الْخُصُوصِيَّاتِ فَلِذَلِكَ وَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِ وَسُمِّيَ الْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ. قَالَ: وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ تَزْوِيجَ أَحَدِ الْخَاطِبَيْنِ، وَإِعْتَاقَ وَاحِدٍ مِنْ الْجِنْسِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الْحَاجِبِ، وَكَذَا نَصْبُ أَحَدِ الْمُسْتَعِدِّينَ لِلْإِمَامَةِ إذَا شَغَرَ الْوَقْتُ عَنْ إمَامٍ. الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ فِيهِ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْخُصُوصِيَّاتِ، وَإِنَّمَا مِثَالُهُ أَهْلُ الشُّورَى الَّذِينَ جَعَلَ عُمَرُ الْأَمْرَ فِيهِمْ؛ لِتَعَلُّقِ الْأَمْرِ بِأَعْيَانِهِمْ.

ص: 251

وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ فِي الْمُسْتَوْفَى ": الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا وَقَعَ مِنْ جِهَةِ الْإِجْمَالِ الَّذِي فِي اللَّفْظِ، فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمُخَيَّرَ فِيهِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمُخَيَّرَ فِي أَنْوَاعِهِ إنْ كَانَ ذَا أَنْوَاعٍ، وَفِي أَشْخَاصِهِ إنْ كَانَ ذَا أَشْخَاصٍ. فَيُقَالُ: لَا شَكَّ إنْ أَرَدْت الْمُخَيَّرَ فِيهِ فَالْعَيْنُ وَاحِدٌ لَا يَصِحُّ التَّخْيِيرُ فِيهَا، وَإِنْ أَرَدْت التَّخْيِيرَ فِي أَنْوَاعِهِ وَأَشْخَاصِهِ، فَأَنْوَاعُ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ بِالْجِنْسِ وَأَشْخَاصِهِ يَصِحُّ التَّخْيِيرُ فِيهَا، وَبِهِ يَنْقَطِعُ النِّزَاعُ وَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ. قُلْت: وَالصَّوَابُ: أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ مُحَقَّقٌ، فَإِنَّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْوَاجِبَ كُلُّ خَصْلَةٍ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْأُخْرَى، وَبِهِ يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إعْتَاقِ رَقَبَةٍ مِنْ الْجِنْسِ، وَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ قَوَاعِدُ الْمُعْتَزِلَةِ: أَنَّ الْوَاجِبَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْخِصَالِ، وَهَذَانِ مَعْنَيَانِ مُتَغَايِرَانِ يُمْكِنُ أَنْ يَذْهَبَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قَائِلٌ. وَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ أَوْلَى أَنْ يُسَمَّى إبْهَامًا، وَالْفُقَهَاءِ أَوْلَى أَنْ يُسَمَّى كُلُّ وَاحِدٍ، وَالْمُعْتَزِلَةُ إنَّمَا قَصَدُوا الْفِرَارَ مِنْ قَوْلِنَا: أَحَدُهَا وَاجِبٌ لِعَدَمِ جَوَازِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ. وَأَصْحَابُنَا لَا يُرَاعُونَ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ، وَيُجَوِّزُونَ التَّخْيِيرَ بَيْنَ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَمَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ، وَمَعَ ذَلِكَ جَعَلُوا الْوَاجِبَ مُبْهَمًا. فَإِذَا نَظَرْنَا إلَى مُجَرَّدِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ فِي الْمَعْنَى.

تَنْبِيهٌ: لَا يَخْفَى تَخْصِيصُ الْخِلَافِ بِمَا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَطْلُوبًا. أَمَّا إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ فِي الْحَقِيقَةِ أَحَدَهَا، وَلَمْ يُقْصَدْ بِالتَّخْيِيرِ ظَاهِرُهُ بَلْ التَّهْدِيدُ، فَالْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ وَاحِدٌ قَطْعًا. وَمِثَالُهُ: قَوْله تَعَالَى: {فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11]

ص: 252

وَنَحْوُ هَذَا {فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا} [الطور: 16] وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ.

[هَلْ الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ أَوْ مَعْنَوِيٌّ؟] وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ أَوْ مَعْنَوِيٌّ؟ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: إنَّهُ لَفْظِيٌّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ، وَابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْأَوْسَطِ "، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْقَوَاطِعِ "، وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ فِي التَّقْرِيبِ "، وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ "، وَالْإِمَامُ الرَّازِيَّ فِي الْمَحْصُولِ ". قَالُوا: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ لِاتِّفَاقِ الْكُلِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِتْيَانُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ كَذَلِكَ، وَأَنَّهُ إذَا أُتِيَ بِوَاحِدٍ مِنْهَا كَفَى ذَلِكَ فِي سُقُوطِ التَّكْلِيفِ. وَلَكِنَّ مُرَادَ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ مَا مِنْ وَاحِدٍ يُفْعَلُ إلَّا يَقَعُ وَاجِبًا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ عَبْدُ الْجَبَّارِ فِي الْعُمْدَةِ "، وَلِهَذَا لَمْ يُصَحِّحَ الْإِمَامُ النَّقْلَ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ، فَقَدْ حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ " وَهُوَ الْقُدْوَةُ عِنْدَهُمْ، وَأُصُولُهُ تَقْتَضِي مَا نُقِلَ عَنْهُ، وَأَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَهُ يَتْبَعُ الْحَسَنَ الْخَاصَّ. فَيَجِبُ عِنْدَ التَّخْيِيرِ اسْتِوَاءُ الْجَمِيعِ فِي الْحَسَنِ الْخَاصِّ، وَإِلَّا وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْوَاضِحِ ": قَدْ أَعْيَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الْعُلَمَاءَ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ فَمَا أَحَدٌ تَصَوَّرَ الْخِلَافَ فِيهَا.

ص: 253

وَفِي الْجُمْلَةِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا كُلَّهَا، وَلَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ فِي الْجَمِيعِ، وَلَا أَنَّهُ إذَا أَتَى بِشَيْءٍ مِنْهَا أَجْزَأَهُ، وَلَا أَنَّهُ لَا يَقَعُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ وَاجِبٍ وَغَيْرِهِ مِنْ مُبَاحٍ أَوْ نَدْبٍ، وَحِينَئِذٍ فَلَا أَعْرِفُ مَوْضِعَ الْخِلَافِ، وَكَذَا قَالَ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ ": قَدْ دَارَتْ رُءُوسُ الْمُخْتَلِفِينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَعْيَتْهُمْ، وَلَا فَائِدَةَ لَهَا مَعْنَوِيَّةً لِلِاتِّفَاقِ عَلَى مَا ذَكَرَ. اهـ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ: بَلْ الْخِلَافُ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّا نُخَطِّئُهُمْ فِي إطْلَاقِ اسْمِ الْوُجُوبِ عَلَى الْجَمِيعِ؛ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْكَفَّارَةِ أَحَدُ الْأُمُورِ، وَقَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَابْنِ فُورَكٍ أَنَّ الْخِلَافَ مَعْنَوِيٌّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْآمِدِيَّ وَابْنِ التِّلِمْسَانِيِّ، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ تَدُلُّ عَلَيْهِ. فَإِنَّهُ قَالَ: الْأَمْرُ بِوَاحِدٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ يَقْتَضِي وَاحِدًا مِنْ حَيْثُ هُوَ أَحَدُهَا.

وَقَالَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ أَيْضًا: الْوَاجِبُ مِنْهَا وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنْ وَقَعَ غَيْرُهُ وَقَعَ نَفْلًا وَسَقَطَ بِهِ الْوَاجِبُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْوَاجِبُ [أَحَدُهَا] وَلَكِنْ عَلَى الْبَدَلِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ تُرَادَ مَعَ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ الْخُصُوصِيَّاتُ أَوْ لَا، أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ: احْتِمَالَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْخِصَالِ. وَالثَّانِي: أَنَّ كُلَّ خَصْلَةٍ وَاجِبَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَفْعَلَ غَيْرَهَا.

ص: 254

وَالْأَوْفَقُ لِقَوَاعِدِ الْمُعْتَزِلَةِ الْأَوَّلُ، وَهُوَ تَعَلُّقُ الْوُجُوبِ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ لَا غَيْرُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمَوْصُوفُ بِالْحَسَنِ. وَالْأَوْفَقُ لِقَوَاعِدِنَا أَنْ يَصِحَّ ذَلِكَ وَغَيْرُهُ، وَيَظْهَرُ أَثَرُهَا فِيمَا لَوْ فَعَلَ خَصْلَةً، فَعَلَى هَذَا هُوَ الْوَاجِبُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: الْوَاجِبُ تَأَدَّى بِهَا لَا أَنَّهَا هِيَ الْوَاجِبُ. وَقَالَ الْهِنْدِيُّ: الصَّوَابُ أَنَّ الْخِلَافَ مَعْنَوِيٌّ، وَيَظْهَرُ لَهُ فَوَائِدُ فِي الْخَارِجِ: إحْدَاهَا: أَنَّهُ إذَا فَعَلَ خَصْلَةً يُقَالُ عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ: إنَّهَا الْوَاجِبُ، وَعَلَى الْمَعْنَى الْآخَرِ يَتَأَدَّى بِهَا الْوَاجِبُ. الثَّانِيَةُ: إذَا فَعَلَ الْجَمِيعَ مَعًا يُثَابُ عَلَى الْجَمِيعِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ لَمْ يَسْبِقْهَا غَيْرُهَا، وَعَلَى رَأْيِهِمْ يُثَابُ عَلَى وَاحِدَةٍ فَقَطْ، كَذَا نَقَلَ الْإِمَامُ فِي الْبُرْهَانِ " وَالْآمِدِيَّ عَنْهُمْ وَكَأَنَّهُمْ يَعْنُونَ ثَوَابَ الْوَاجِبِ. الثَّالِثَةُ: إذَا تَرَكَ الْجَمِيعَ، وَقُلْنَا: لِلْإِمَامِ الْمُطَالَبَةُ بِالْكَفَّارَاتِ أُجْبِرَ عَلَى فِعْلِ وَاحِدٍ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ عَلَى رَأَيْنَا، كَمَا نَقُولُ: الْقَاضِي يُكْرِهُ الْمُولِيَ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ، وَأَمَّا عَلَى رَأْيِهِمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا.

ص: 255

الرَّابِعَةُ: مَاتَ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ الْمُخَيَّرَةُ وَلَمْ يُوصِ بِإِخْرَاجِهَا، وَعَدَلَ الْوَارِثُ عَنْ أَعْلَى الْأُمُورِ أَيْ الْعِتْقِ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْجَوَازُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَا مُخَرَّجَيْنِ مِنْ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ إنْ قُلْنَا: إنَّ الْجَمِيعَ وَاجِبٌ فَلَهُ إسْقَاطُ الْوُجُوبِ بِإِخْرَاجِ وَاحِدٍ، وَإِنْ قُلْنَا: أَحَدُهَا لَا بِعَيْنِهِ لَمْ يُجْزِئْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِي الْوُجُوبِ، وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ يُقَالُ بِمِثْلِهِ عِنْدَ فِعْلِ أَدْنَاهَا إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ وَجْهُ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ عَدَمَ التَّعْيِينِ لَمْ يَخْتَصَّ بِالْعِتْقِ، وَإِنْ كَانَ الْعُدُولُ إلَى الْأَعْلَى مَعَ إمْكَانِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ بِالْأَدْنَى فَهَذَا مَأْخَذُ غَيْرِ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَأَيْضًا التَّصَرُّفُ عَنْ الْمَيِّتِ لَا ضَرُورَةَ بِهِ إلَى فِعْلِ مَا لَا إثْمَ فِي تَرْكِهِ، وَإِنْ وَصَفْنَاهُ بِالْوُجُوبِ. الْخَامِسَةُ: لَوْ أَوْصَى فِي الْكَفَّارَةِ الْمُخَيَّرَةِ بِخَصْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَكَانَتْ قِيمَتُهَا تَزِيدُ عَلَى قِيمَةِ الْخَصْلَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ، فَهَلْ يُعْتَبَرُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ تَأْدِيَةُ وَاجِبٍ، وَهَذَا هُوَ قِيَاسُ كَوْنِ الْوَاجِبِ أَحَدَهَا. وَأَصَحُّهُمَا: اعْتِبَارُهُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَحَتِّمٍ، وَتَحْصُلُ الْبَرَاءَةُ بِدُونِهِ، وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. فَإِنْ قُلْنَا: الْكُلُّ وَاجِبٌ فَالْجَمِيعُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ مُبْهَمٌ فَالزَّائِدُ مِنْ الثُّلُثِ وَيَطْرُقُهُ النَّظَرُ السَّابِقُ. السَّادِسَةُ: حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ، وَقَدْ جَنَى جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْقِصَاصِ، فَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ حَنِثَ، كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَتَوَقَّفَ فِيهِ.

ص: 256

السَّابِعَةُ: لَوْ جَنَى عَلَى الْمُفْلِسِ أَوْ عَلَى عَبْدِهِ، وَقُلْنَا: الْوَاجِبُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ وَأَنَّ فِي الْمُخَيَّرِ يَجِبُ الْجَمِيعُ، فَلَيْسَ لَهُ الْقِصَاصُ، وَإِنْ قُلْنَا: بِالْآخَرِ كَانَ لَهُ. الثَّامِنَةُ: إذَا طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ أَوْ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ، إنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ مُبْهَمٌ، فَالطَّلَاقُ وَقَعَ مُبْهَمًا، فَلَا يَقَعُ إلَّا عِنْدَ التَّعْيِينِ، وَإِنْ قُلْنَا: وَقَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ فَمِنْ حِينِ اللَّفْظِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. التَّاسِعَةُ: تَيَمَّمَ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ لَا يُجْزِئُهُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، الْحَجَرِ أَوْ الْمَاءِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ وُجُوبِ الْمَاءِ الطَّلَبُ، فَيَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ، إذْ لَا تَيَمُّمَ مَعَ وُجُوبِ الطَّلَبِ.

[كَيْفِيَّةُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ] وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَقَالَ الْقَاضِي: مِنْ حُجَجِ أَصْحَابِنَا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ لَوْ أَقْدَمَ عَلَى الْخِصَالِ الثَّلَاثِ فِي الْكَفَّارَةِ مَعًا، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِأَنْ يُنَصِّبَ فِي تَأْدِيَتِهَا وُكَلَاءَ، فَتَتَّفِقُ أَفْعَالُهُمْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَقَدْ قَالُوا: أُجْمِعَ أَنَّهَا إذَا وَقَعَتْ فَالْوَاجِبُ مِنْهَا وَاحِدٌ. وَانْفَصَلَ أَبُو هَاشِمٍ عَنْ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ بِأَنَّ مَا اتَّصَفَ بِالْوُجُودِ لَا يَتَّصِفُ بِالْوُجُوبِ، فَإِنَّ الْوُجُوبَ مِنْ أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ التَّكْلِيفُ بِالشَّيْءِ مَعَ حُدُوثِهِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قَبْلَ حُدُوثِهِ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ قُبَيْلَ الِاسْتِطَاعَةِ عِنْدَهُ.

ص: 257

وَرَدَّهُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِفْهَا بِالْوُجُوبِ عِنْدَ الْوُجُودِ فَنَقُولُ: فِي كُلِّ مَا وَجَبَ قَبْلَ حُدُوثِهِ إذَا حَدَثَ أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا، وَإِذَا وُجِدَتْ الْخِصَالُ الثَّلَاثُ فِي الْكَفَّارَةِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ: كُلُّهَا وَاجِبَةٌ حَتَّى يُثَابَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا ثَوَابَ الْوَاجِبِ. وَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ أَصْحَابِنَا مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ وَاحِدٌ إذَا أُتِيَ بِالْجَمِيعِ مُنْتَقَدٌ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْأَوْسَطِ ": عِنْدَنَا أَنَّهُ إذَا فَعَلَ الْجَمِيعَ أُثِيبَ ثَوَابَ أَعْلَاهَا، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْكُلِّ أَثِمَ بِتَرْكِ أَدْنَاهَا.

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مُحَقِّقًا لِذَلِكَ: يَأْثَمُ بِمِقْدَارِ عِقَابِ أَدْنَاهَا، لَا أَنَّهُ نَفْسُ عِقَابِ أَدْنَاهَا. وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْقَوَاطِعِ " نَحْوَهُ، فَقَالَ: قَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا فَعَلَ الْجَمِيعَ فَالْوَاجِبُ أَعْلَاهَا؛ لِأَنَّهُ يُثَاب عَلَى جَمِيعِهَا، وَثَوَابُ الْوَاجِبِ أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ النَّدْبِ، فَانْصَرَفَ الْوَاجِبُ إلَى أَعْلَاهَا؛ لِيَكْثُرَ ثَوَابُهُ، وَإِنْ تَرَكَ الْجَمِيعَ عُوقِبَ عَلَى أَدْنَاهَا لِيَقِلَّ وَبَالُهُ وَوِزْرُهُ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ سَقَطَ بِفِعْلِ الْأَدْنَى. انْتَهَى. وَظَنَّ بَعْضُهُمْ تَفَرُّدَ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ بِذَلِكَ، وَقَالَ: إنَّمَا هَذَا قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ. قُلْت: وَقَدْ سَبَقَ مُوَافَقَةُ ابْنِ بَرْهَانٍ لَهُ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ، وَقَالَهُ ابْنُ التِّلِمْسَانِيِّ فِي شَرْحِ الْمَعَالِمِ ": فَقَالَ: إذَا أَتَى بِالْخِصَالِ مَعًا فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَكِنَّ ثَوَابَ الْوَاجِبِ أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ التَّطَوُّعِ، وَلَا يَحْصُلُ إلَّا عَلَى وَاحِدٍ فَقَطْ، وَهُوَ أَعْلَاهَا إنْ تَفَاوَتَتْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَحَصَلَ لَهُ ذَلِكَ، فَإِضَافَةُ غَيْرِهِ إلَيْهِ لَا تَنْقُصُهُ، وَإِنْ تَسَاوَتْ فَإِلَى أَحَدِهَا، وَإِنْ تَرَكَ الْجَمِيعَ عُوقِبَ عَلَى أَقَلِّهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَأَجْزَأَهُ.

ص: 258

قُلْت: وَهَذَا نَظِيرُ الْقَوْلِ الْمَحْكِيِّ فِي الصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ أَنَّ الْفَرْضَ أَكْمَلُهَا، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا، وَاَللَّهُ يَحْتَسِبُ مَا شَاءَ مِنْهُمَا نَظِيرَ الْقَوْلِ الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي أَوَّلًا عَنْ أَصْحَابِنَا، وَحَكَوْا هُنَاكَ وَجْهًا: أَنَّ كِلَيْهِمَا فَرْضٌ، وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ هُنَا، لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَحَكَى الْقَاضِي قَوْلًا ثَالِثًا: أَنَّ الَّذِي يَقَعُ وَاجِبًا هُوَ الْعِتْقُ، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ ثَوَابًا؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ وَأَشَقُّ عَلَى النُّفُوسِ، وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، وَقَدْ يَجِيءُ فِيمَا سَبَقَ قَوْلٌ رَابِعٌ: أَنَّهُ لَا يُثَابُ وَيُعَاقَبُ إلَّا عَلَى أَحَدِهَا؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ لَا بِعَيْنِهِ. وَيَجِيءُ خَامِسٌ: أَنَّهُ يُثَابُ ثَوَابَ الْوَاجِبِ عَلَى أَدْنَاهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ، وَعَلَى الثَّانِي ثَوَابُ التَّطَوُّعِ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِيمَا نَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي فِي كِتَابِ النَّذْرِ فِيمَا إذَا الْتَزَمَ فِي اللَّجَاجِ، فَقَالَ: وَإِنْ كَانَ الْمُلْتَزَمُ مِنْ جِنْسِ مَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْقَدْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْكَفَّارَةِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ وَفَّى بِمَا قَالَ كَانَتْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ تَطَوُّعًا. نَصَّ عَلَيْهِ. اهـ.

وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي الْمُعْتَمَدِ ": قَالَ شُيُوخُنَا: يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ وَالْعِقَابَ عَلَى أَدْوَنِهَا عِقَابًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ لَمْ يُعَاقَبْ. قَالَ: لَكِنَّهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ عَلَى الْإِخْلَالِ بِأَجْمَعِهَا لَا بِوَاحِدٍ مِنْهَا. قَالُوا: وَإِذَا فَعَلَهَا اسْتَحَقَّ ثَوَابَ الْوَاجِبِ عَلَى أَعْظَمِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ

ص: 259

وَحْدَهُ لَكَانَ وَاجِبًا، وَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ الثَّوَابَ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ ": إذَا تَرَكَ الْكُلَّ اسْتَحَقَّ مِقْدَارًا وَاحِدًا مِنْ الْعِقَابِ عَلَى تَرْكِ الْكُلِّ بِمَعْنَى أَنَّهُ تَرَكَ ثَلَاثَ وَاجِبَاتٍ عَلَيْهِ عَلَى التَّخْيِيرِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: يُعَاقَبُ عَلَى أَدْنَاهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا تَرَكَ الْكُلَّ يُضَاعَفُ عَذَابُهُ، فَلَا يَكُونُ هُنَاكَ مَقَادِيرَ مِنْ الْعِقَابِ بَعْضُهَا أَعْلَى وَبَعْضُهَا أَدْنَى بِخِلَافِ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ يَتَضَاعَفُ الثَّوَابُ، فَيَسْتَحِقُّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ ثَوَابًا، فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: يُثَابُ عَلَى أَعْلَاهَا، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: إذَا فَعَلَ الْجَمِيعَ، فَاخْتُلِفَ فِي الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ مِنْهَا، فَقِيلَ: أَعْلَاهَا، وَهُوَ رَأْيُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَأَشَارَ عَبْدُ الْجَلِيلِ إلَى مُنَاقَشَةٍ فِي هَذَا، فَقَالَ الْقَاضِي: يَقُولُ: إنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي التَّرْكِ يَنْطَلِقُ الْإِثْمُ بِأَدْنَاهَا، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: إذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْفِعْلِ تَعَلَّقَ الْوُجُوبُ أَيْضًا بِأَدْنَاهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْوُجُوبُ يَتَعَلَّقُ بِوَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ. انْتَهَى. وَمَا نَاقَضَ فِيهِ عَبْدُ الْجَلِيلِ مَرْدُودٌ، فَقَدْ سَبَقَ فِي كَلَامِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ تَوْجِيهُ الْفَرْقِ.

ص: 260