الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي الْمَنْدُوبِ]
ِ وَهُوَ مَا يُمْدَحُ فَاعِلُهُ وَلَا يُذَمُّ تَارِكُهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَارِكٌ لَهُ، فَخَرَجَ بِالْقَيْدِ مَا لَوْ أَقْدَمَ عَلَى ضِدٍّ مِنْ أَضْدَادِ الْمَنْدُوبِ وَهُوَ مَعْصِيَةٌ فِي نَفْسِهِ، فَيَلْحَقُهُ الْإِثْمُ إذَا تَرَكَ الْمَنْدُوبَ مِنْ حَيْثُ عِصْيَانُهُ لَا مِنْ حَيْثُ تَرْكُهُ الْمَنْدُوبَ. قَالَهُ فِي " التَّلْخِيصِ ". قَالَ: وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ مَا يُمْدَحُ فَاعِلُهُ وَلَا يُذَمُّ تَارِكُهُ بَاطِلٌ، لِصِدْقِهِ عَلَى فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يُسَمَّى نَدْبًا كَمَا لَا يُسَمَّى مُبَاحًا. وَالنَّدْبُ، وَالْمُسْتَحَبُّ، وَالتَّطَوُّعُ، وَالسُّنَّةُ أَسْمَاءٌ مُتَرَادِفَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَفِي " الْمَحْصُولِ ": لَفْظُ السُّنَّةِ يَخْتَصُّ فِي الْعُرْفِ بِالْمَنْدُوبِ بِدَلِيلِ قَوْلِنَا: هَذَا الْفِعْلُ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: السُّنَّةُ لَا تَخْتَصُّ بِالْمَنْدُوبِ بَلْ تَتَنَاوَلُ مَا عُلِمَ وُجُوبُهُ أَوْ نَدْبِيَّتُهُ. اهـ.
وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ: مَا عَدَا الْفَرَائِضَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: سُنَّةٌ: وَهِيَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. وَمُسْتَحَبٌّ: وَهُوَ مَا فَعَلَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِهِ مَا أَمَرَ بِهِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ فَعَلَهُ، وَتَطَوُّعَاتٌ: وَهُوَ مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ بِخُصُوصِهِ نَقْلٌ بَلْ يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ ابْتِدَاءً كَالنَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ، وَرَدَّهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي " الْمِنْهَاجِ " بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَجَّ فِي عُمُرِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَأَفْعَالُهُ فِيهَا سُنَّةٌ، وَإِنْ لَمْ تَتَكَرَّرْ، وَالِاسْتِسْقَاءُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةُ لَمْ يُنْقَلْ إلَّا مَرَّةً، وَذَلِكَ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ اهـ. وَفِي وَجْهٍ ثَالِثٍ: أَنَّ النَّفَلَ وَالتَّطَوُّعَ لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ وَهُمَا مَا سِوَى الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ، وَالْمُسْتَحَبِّ، وَنَحْوُ ذَلِكَ أَنْوَاعٌ لَهَا.
وَفِي وَجْهٍ رَابِعٍ قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ: السُّنَّةُ مَا اُسْتُحِبَّ فِعْلُهُ وَكُرِهَ تَرْكُهُ، وَالتَّطَوُّعُ مَا اُسْتُحِبَّ فِعْلُهُ وَلَمْ يُكْرَهْ تَرْكُهُ. وَفِي وَجْهٍ خَامِسٍ: حَكَاهُ فِي بَابِ الْوُضُوءِ مِنْ " الْمَطْلَبِ ": السُّنَّةُ مَا فَعَلَهُ صلى الله عليه وسلم، وَالْمُسْتَحَبُّ مَا أَمَرَ بِهِ سَوَاءٌ فَعَلَهُ أَوْ لَا، أَوْ فَعَلَهُ وَلَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ، فَالسُّنَّةُ إذًا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْإِدَامَةِ، وَقِيلَ: السُّنَّةُ مَا تُرَتَّبُ كَالرَّوَاتِبِ مَعَ الْفَرَائِضِ، وَالنَّفَلُ وَالنَّدْبُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ. حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي " اللُّمَعِ "، وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ ": النَّفَلُ قَرِيبٌ مِنْ النَّدْبِ إلَّا أَنَّهُ دُونَهُ فِي الرُّتْبَةِ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مَا ارْتَفَعَتْ رُتْبَتُهُ فِي الْأَمْرِ وَبَالَغَ الشَّرْعُ فِي التَّخْصِيصِ مِنْهُ يُسَمَّى سُنَّةً، وَمَا كَانَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ تَطَوُّعًا وَنَافِلَةً، وَمَا تَوَسَّطَ بَيْنَ هَذَيْنِ فَضِيلَةً وَمُرَغَّبًا فِيهِ.
وَفَرَّقَ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْهَيْئَةِ: بِأَنَّ الْهَيْئَةَ مَا يَتَهَيَّأُ بِهَا فِعْلُ الْعِبَادَةِ، وَالسُّنَّةَ مَا كَانَتْ فِي أَفْعَالِهَا الرَّاتِبَةِ فِيهَا، وَجَعَلَ التَّسْمِيَةَ وَغَسْلَ الْكَفَّيْنِ فِي الْوُضُوءِ مِنْ الْهَيْئَاتِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ، وَالْخِلَافُ يَرْجِعُ إلَى الْعِبَارَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو تَمَّامٍ بِمَكَّةَ. قَالَ: سَأَلْت الشَّيْخَ أَبَا إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيَّ بِبَغْدَادَ عَنْ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ: إنَّهُ سُنَّةٌ وَفَضِيلَةٌ وَنَفْلٌ وَهَيْئَةٌ، فَقَالَ: هَذِهِ عَامِّيَّةٌ فِي الْفِقْهِ، وَمَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إلَّا فَرْضٌ لَا غَيْرُ. قَالَ: وَقَدْ اتَّبَعَهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ فَذَكَرَ أَنَّ فِي الصَّلَاةِ سُنَّةً وَهَيْئَةً، وَأَرَادَ بِالْهَيْئَةِ رَفْعَ الْيَدَيْنِ وَنَحْوَهُ. قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ يَرْجِعُ إلَى السُّنَّةِ. قَالَ: وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ سَأَلْت عَنْ هَذَا أُسْتَاذِي الْقَاضِي أَبَا الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيَّ بِالْبَصْرَةِ. فَقَالَ: هَذِهِ أَلْقَابٌ لَا أَصْلَ لَهَا، وَلَا نَعْرِفُهَا فِي الشَّرْعِ. قُلْت لَهُ: قَدْ ذَكَرَهَا أَصْحَابُنَا الْبَغْدَادِيُّونَ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَغَيْرُهُ، فَقَالَ: الْجَوَابُ عَلَيْكُمْ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَفَرَّقَ أَصْحَابُنَا النُّظَّارُ، فَقَالُوا: السُّنَّةُ مَا صَلَّاهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي جَمَاعَةٍ وَدَاوَمَ عَلَيْهَا، وَلِهَذَا لَمْ يَجْعَلْ مَالِكٌ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ