الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَفْسِ الْأَمْرِ حَرَامًا، وَبِالْعَكْسِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِيمَنْ صَلَّى وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ: لَقِيَ اللَّهَ وَعَلَيْهِ تِلْكَ الصَّلَاةُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُعَاقِبُهُ، فَهَذَا تَرَكَ الْوَاجِبَ وَلَا عِقَابَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ بِاعْتِبَارِ الْوُجُوبِ بِمَعْنَى تَشَوُّفِ الشَّارِعِ، وَلَمْ يَتْرُكْهُ بِمَعْنَى التَّكْلِيفِ.
[مَسْأَلَةٌ الْحُرْمَةُ لَا تُلَازِمُ الْفَسَادَ]
َ) الْحُرْمَةُ لَا تُلَازِمُ الْفَسَادَ، فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ مُحَرَّمًا مَعَ الصِّحَّةِ. كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، وَثَوْبِ الْحَرِيرِ، وَفَائِدَةُ التَّحْرِيمِ سُقُوطُ الثَّوَابِ.
[مَسْأَلَةٌ مَا لَا يَتِمُّ تَرْكُ الْحَرَامِ إلَّا بِهِ]
ِ) مَا لَا يَتِمُّ تَرْكُ الْحَرَامِ إلَّا بِهِ يَنْقَسِمُ أَيْضًا إلَى الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ فِي مُقَدِّمَةِ الْوَاجِبِ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ. فَالْأَوَّلُ: مَا كَانَ مِنْ أَجْزَائِهِ كَالزِّنَى. فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْهُ نَهْيٌ عَنْ أَجْزَائِهِ، وَهِيَ الْإِيلَاجَاتُ وَالْإِخْرَاجَاتُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: لَا تَزْنِ، وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ: لَا تُولِجْ وَلَا تُخْرِجْ، وَالثَّانِي: مَا كَانَ مِنْ شُرُوطِهِ وَأَسْبَابِهِ كَمُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ مِنْ الْمُفَاخَذَةِ، وَالْقُبْلَةِ، وَسَائِرِ الدَّوَاعِي بَعْدَ ذَلِكَ، وَمِنْهُ الْعَقْدُ عَلَى الْأُمِّ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ سَبَبَ الْوَطْءِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ كَانَ الْعَقْدُ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ إلَيْهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ.
الثَّالِثُ: مَا كَانَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ كَمَا إذَا اخْتَلَطَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ فِي بَلْدَةٍ صَغِيرَةٍ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهُنَّ، وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّ نِكَاحَ الْأَجْنَبِيَّاتِ لَيْسَ بِحَرَامٍ، لَكِنْ لَمَّا اخْتَلَطَتْ بِهِنَّ الْأُخْتُ، وَعَسُرَ التَّمْيِيزُ كَانَ تَحْرِيمُ الْأَجْنَبِيَّاتِ مِنْ ضَرُورَاتِ تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْأُخْتِ، وَلِهَذَا لَوْ تَعَيَّنَتْ حَرُمَ نِكَاحُهَا عَلَى الْخُصُوصِ، وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ مَا لَوْ وَقَعَتْ النَّجَاسَةُ فِي الْمَاءِ، فَإِنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَجْرَاهُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، وَقَالَ: الْمَاءُ طَاهِرٌ فِي عَيْنِهِ، وَلَمْ يَصِرْ نَجَسًا بِحَالٍ، وَإِنَّمَا النَّجَاسَةُ مُجَاوِرَةٌ، فَلَمْ يُنْهَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الطَّاهِرِ، لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِاسْتِعْمَالِ النَّجَسِ. فَكَانَ تَحْرِيمُ اسْتِعْمَالِ الطَّاهِرِ مِنْ ضَرُورَاتِهِ اسْتِعْمَالُ النَّجَسِ إلَّا أَنَّ هَذَا لَا يَلِيقُ بِأُصُولِ الشَّافِعِيِّ، بَلْ هُوَ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ قَاعِدَتَهُ. أَنَّ الْمَاءَ جَوْهَرٌ طَاهِرٌ، وَالطَّاهِرُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصِيرَ نَجَسًا فِي عَيْنِهِ بِالنَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّ قَلْبَ الْأَعْيَانِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ وُسْعِ الْخَلْقِ، بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى أَصْلِ الطَّهَارَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ نَهْيٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ.
وَيُسْتَدَلُّ عَلَى هَذَا بِفَضْلِ الْمُكَاثَرَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ كُوثِرَ عَادَ طَهُورًا بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ صَارَ الْمَاءُ عَيْنُهُ نَجَسًا بِالْمُخَالَطَةِ لَمَا تَصَوَّرَ انْقِلَابُهُ طَاهِرًا بِالْمُكَاثَرَةِ. قَالَ وَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنَّ الْمَائِعَ اللَّطِيفَ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ خَالَطَتْ أَجْزَاؤُهُ أَجْزَاءَهَا، وَامْتَزَجَتْ بِهِ لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ، فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِنَجَاسَةِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا مَعْنَى لَهَا إلَّا الِاجْتِنَابَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ وُجُوبَ الِاجْتِنَابِ ثَابِتٌ فِي الْكُلِّ وَقَدْ وَافَقَ عَلَى حِكَايَةِ هَذَا الْخِلَافِ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ "، فَقَالَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَصِيرُ كُلُّهُ نَجَسًا، وَهُوَ اللَّائِقُ بِمَذْهَبِنَا، وَقِيلَ: إنَّمَا حَرُمَ الْكُلُّ لِتَعَذُّرِ الْإِقْدَامِ عَلَى الْمُبَاحِ قَالَ وَهُوَ يَلِيقُ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ قُلْت وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْإِمَامُ فِي " الْمَحْصُولِ " وَمَا أَوْرَدَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ
فِي الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِمْ رَدَّهُ الْأَصْفَهَانِيُّ بِأَنَّ وُجُوبَ الِاجْتِنَابِ عِنْدَ اخْتِلَاطِ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي عِلَّةِ الِاجْتِنَابِ مَا هِيَ؟ وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي " الْمُعْتَمَدِ ": اخْتَلَفُوا فِي اخْتِلَاطِ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ، فَقِيلَ: يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ النَّجَاسَةَ مُسْتَهْلَكَةً، وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَمَارَةِ الدَّالَّةِ عَلَى اسْتِهْلَاكِهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ عَدَمُ تَغَيُّرِ الْمَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ كَثْرَةُ الْمَاءِ.
وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَ الْكَثْرَةَ بِالْقُلَّتَيْنِ، وَمِنْهُمْ مِنْ قَدَّرَهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ. إذَا عَلِمْت هَذَا، فَنَقُولُ: إذَا لَمْ يُمْكِنْ الْكَفُّ عَنْ الْمَحْظُورِ إلَّا بِالْكَفِّ عَمَّا لَيْسَ بِمَحْظُورٍ، كَمَا إذَا اخْتَلَطَ بِالطَّاهِرِ النَّجَسُ كَالدَّمِ وَالْبَوْلِ يَقَعُ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ أَوْ الْحَلَالُ بِالْحَرَامِ، فَإِمَّا أَنْ يَخْتَلِطَ وَيَمْتَزِجَ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ التَّمْيِيزُ، فَيَجِبُ الْكَفُّ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ، وَيُحْكَمُ بِتَحْرِيمِ الْكُلِّ. قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " التَّلْخِيصِ " وَغَيْرِهِ، وَكَذَا لَا يَخْتَصُّ التَّحْرِيمُ بِالْمَمْنُوعِ أَصَالَةً، ذَكَرَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ "، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ: فِي أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَإِنْ حَكَى الْخِلَافَ فِي كَيْفِيَّةِ التَّحْرِيمِ عَلَى مَا سَبَقَ.
أَمَّا إذَا لَمْ يَخْتَلِطْ بِدُخُولِ أَجْزَاءِ الْبَعْضِ فِي الْبَعْضِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مَا يَجِبُ الْكَفُّ عَنْ الْكُلِّ، كَالْمَرْأَةِ الَّتِي هِيَ حَلَالٌ تَخْتَلِطُ بِالْمُحَرَّمَاتِ، وَالْمُطَلَّقَةُ بِغَيْرِ الْمُطَلَّقَةِ، وَالْمُذَكَّاةُ بِالْمَيْتَةِ، فَيَحْرُمُ إحْدَاهَا بِالْأَصَالَةِ وَهِيَ الْمُحَرَّمَةُ وَالْأَجْنَبِيَّةُ وَالْمَيِّتَةُ، وَالْأُخْرَى بِعَارِضِ الِاشْتِبَاهِ وَهِيَ الزَّوْجَةُ، وَالْمُذَكَّاةُ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ بِالْأَصَالَةِ يَجِبُ اجْتِنَابُهُ وَلَا يَتِمُّ اجْتِنَابُهُ إلَّا بِاجْتِنَابِ مَا
اشْتَبَهَ بِهِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَقِيلَ: تُبَاحُ الْمُذَكَّاةُ وَالْأَجْنَبِيَّةُ وَلَكِنْ يَجِبُ الْكَفُّ عَنْهُمَا. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَأَمَّا تَوَهُّمُ هَذَا مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ وَصْفٌ ذَاتِيٌّ لَهُمَا أَيْ: قَائِمٌ بِذَاتِهِمَا، كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ بِالْأَسْوَدِ وَالْأَبْيَضِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ مُتَعَلِّقَانِ بِالْفِعْلِ، وَهُمَا الْإِذْنُ فِي الْفِعْلِ وَوُجُوبُ الْكَفِّ، وَحِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ التَّنَاقُضُ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ مُرَادَ هَذَا الْقَائِلِ أَنَّ تَحْرِيمَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالْمُذَكَّاةِ بِعَارِضِ الِاشْتِبَاهِ، وَهُمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُبَاحَتَانِ، فَالْخِلَافُ إذَنْ لَفْظِيٌّ. الثَّانِي: مَا يُسْقِطُ حُكْمَ التَّحْرِيمِ، كَمَا إذَا اخْتَلَطَتْ مَحْرَمٌ بِنِسَاءِ بَلْدَةٍ عَظِيمَةٍ، فَيُجْعَلُ كَالْعَدَمِ، وَيُبَاحُ لَهُ نِكَاحُ أَيِّ امْرَأَةٍ أَرَادَ.
الثَّالِثُ: مَا يُتَحَرَّى فِيهِ، كَالثِّيَابِ وَالْأَوَانِي. قَالَ الْإِمَامُ فِي " الْمَحْصُولِ ": وَكَانَ الْقِيَاسُ عَدَمَ التَّحَرِّي؛ لِأَنَّ تَرْكَ اسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ لَا يَتَأَتَّى بِيَقِينٍ إلَّا بِتَرْكِ الْجَمِيعِ. قَالَ: وَهَاهُنَا فِيهِ خِلَافٌ، يَعْنِي هَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى الِاجْتِهَادِ أَمْ يَجُوزُ الْهُجُومُ بِمُجَرِّدِ الظَّنِّ؟ وَالْأَصَحُّ: الْأَوَّلُ، وَمِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ: لَوْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَلَمْ يَنْوِ مُعَيَّنَةً حُرِّمَتَا جَمِيعًا إلَى حِينِ التَّعْيِينِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْمُطَلَّقَةَ وَغَيْرَهَا، وَإِذَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ غَلَبَ الْحَرَامُ، وَحَكَاهُ الْغَزَالِيُّ فِي " الْمُسْتَصْفَى " عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ قَبْلَهُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: يَحِلُّ قَبْلَهُمَا وَالطَّلَاقُ غَيْرُ وَاقِعٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ مَحَلًّا، فَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَ أَحَدٌ عَبْدَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: حُرِّمَتَا جَمِيعًا، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ
تَعْيِينُ مَحَلِّ الطَّلَاقِ، ثُمَّ عَلَيْهِ التَّعْيِينُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ، وَالْمَنْعُ فِي ذَلِكَ مُوجَبُ ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ، أَمَّا الْمُضِيُّ إلَى أَنَّ إحْدَاهُمَا مُحَرَّمَةٌ، وَالْأُخْرَى مَنْكُوحَةٌ كَمَا تَوَهَّمُوهُ فِي اخْتِلَاطِ الْمَنْكُوحَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ فَلَا يَنْقَدِحُ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جَهْلٌ مِنْ الْآدَمِيِّ عَرَضَ بَعْدَ التَّعْيِينِ. أَمَّا هَذَا فَلَيْسَ مُتَعَيِّنًا فِي نَفْسِهِ، بَلْ يَعْلَمُهُ اللَّهُ تَعَالَى مُطْلَقًا لِإِحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا. اهـ.
وَمَا قَالَهُ أَوَّلًا مِنْ احْتِمَالِ حِلِّ الْوَطْءِ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَحَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي كِتَابِ " الْخِلَافِ وَالْإِجْمَاعِ "، وَلَوْ قِيلَ: بِحِلِّ وَطْءِ إحْدَاهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَطْءَ لِإِحْدَاهُمَا تَعْيِينٌ لِلطَّلَاقِ فِي الْأُخْرَى، كَمَا هُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لَمْ يَبْعُدْ، ثُمَّ إذَا عَيَّنَ إحْدَاهُمَا فِي نِيَّتِهِ. قَالَ الْإِمَامُ فِي بَابِ الشَّكِّ فِي الطَّلَاقِ مِنْ " النِّهَايَةِ ": أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ التَّحْرِيمَ مَا لَمْ يُقَدِّمُ بَيَانًا. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إذَا عَرَفَ الْمُطَلَّقَةَ حَلَّ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى فِي الْبَاطِنِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ غِشْيَانِهِمَا جَمِيعًا. أَمَّا إذَا غَشِيَ إحْدَاهُمَا فَمَا سَبَبُ الْمَنْعِ حِينَئِذٍ؟ ثُمَّ حَمَلَ كَلَامَ الْأَصْحَابِ عَلَى مَا إذَا ظَهَرَتْ الْوَاقِعَةُ لِلْحَاكِمِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ تَعْيِينٌ بِالنِّيَّةِ. أَمَّا لَوْ قَالَ لَهَا وَلِأَجْنَبِيَّةٍ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ، فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ: أَرَدْت الْأَجْنَبِيَّةَ؟ وَجْهَانِ، وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْعِتْقِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: لِعَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمٌ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ، فَإِنَّ الْوَجْهَيْنِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ لَهُ حُكْمًا وَأَثَرًا.