المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تَتِمَّة: أخرج ابن أبي الدّنيا في "التهجّد"، وابن الضريس في فضائل - البحور الزاخرة في علوم الآخرة - جـ ١

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمةفي ذِكْرِ الموتِ وما يتعلقُ بِهِ، والرُّوح

- ‌الفصل الأول في النَّهْي عن تمَنِّي الموتِ وحِكْمتِه

- ‌الفصل الثاني في فَضْلِ المْوتِ وَذِكْرِهِ

- ‌الفصل الثالث في علامة خاتمة الخير، ومن دنى أجله، والكلام على شدة الموت

- ‌الفصل الرابع فيما يقول الإنسان في مَرض الموت وما يقرأ عنده. وما يقال إذا احتضر وتوابع ذلك

- ‌الفصل الخامس فيما جاء في ملك الموت وأعوانه

- ‌الفصل السادس فيما يحضر الميت من الملائكة وغيرهم وما يَراه المحتضر، وما يقال له، وما يبشر به المؤمن، وينذر به الكافر

- ‌الفصل السابع في الكلام على الروح وما يتعلق بذلك

- ‌خاتمة

- ‌الكتاب الأول في أحوال البرزخ

- ‌البابُ الأول في ذكر حال الميت عند نزوله قبره، وسؤال الملائكة له، وما يفسح له في قبره أو يضيق عليه، وما يرى من منزله في الجنة والنّار، وكلام القبر للميت عند نزوله إليه

- ‌فصل في كلام القبر للميت عند نزوله

- ‌فصل

- ‌تَتِمَّة:

- ‌فصل

- ‌فوائد

- ‌فصل في فظاعة القبر وسعته على المؤمن وضيقه على الكافر وفي ضمة القبر

- ‌من أسباب ضمة القبر

- ‌فائدتان:

- ‌البابُ الثاني في عذاب القبرِ ونعيمه

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الباب الثالث فيما ورد من سَماع الموتى كلامَ الأحياء وتلاقيهم، ومعرفتهم بحالهم بعد الموت، وحال أقاربهم في الدنيا، ومحل الأرواح فى البرزخ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌قال الحافظ عبد الحق الإشبيلي:

- ‌فصل

- ‌تتمة

- ‌فصل

- ‌تنبيه

- ‌الباب الرابع في ذكر ضيق القبور وظلمتها على أهلها وتنوّرها عليهم، وفي زيارة الموتى والاتّعاظ بحالهم والتفكر بهم

- ‌فصل

- ‌تنبيه

- ‌فصل

- ‌تنبيه

- ‌فصل في التذكر بأهل القبور والتفكر في أحوالهم، وذِكْر طرفٍ من أحوال السلف الصالح في ذلك

- ‌فوائد:

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌ الرابعة:

- ‌الخامسة:

الفصل: ‌ ‌تَتِمَّة: أخرج ابن أبي الدّنيا في "التهجّد"، وابن الضريس في فضائل

‌تَتِمَّة:

أخرج ابن أبي الدّنيا في "التهجّد"، وابن الضريس في فضائل القرآن (1)، وغيرهما عن عبادة بن الصّامت قال: إذا قام أحدكم من اللّيل، فليجهر بقراءته فإنه يطرد بجهره الشياطين، وفسّاق الجنّ، وإنّ الملائكة الذين هم في الهواء، وسكّان الدّار يستمعون لقراءته، ويصلّون بصلاته، فإذا مضت هذه الليلة، أوصت تلك الليلة المستأنفة فتقول نبهيه لساعته، وكوني عليه خفيفة، فإذا حضرته الوفاة جاء القرآن، فوقف عند رأسه وهم يغسّلونه، فإذا فرغ منه دخل القرآن حتى صار بين صدره وكفنه، فإذا وضع في حفرته وجاءه منكر ونكير، خرج القرآن فصار بينه وبينهما، فيقولان له إليك عنا، فإنا نريد أن نسأله فيقول: والله ما أنا بمفارقه حتى أدخله الجنّة، فإن كنتما أمرتما فيه بشيء فشأنكما، ثم يَنظرُ إليه فيقول: هل تعرفني؟ فيقول: لا، فيقول: أنا القرآن، أنا الذي كنت أسهرُ ليلَك، وأضمي نَهارَك، وأمنعك شهوتك، وسمعَك وبصرَك، فستجدني من بين الأخلّاء خليل صدق، ومن الإخوان أخا صدق، فأبشر فما عليك بعد مسألة منكر ونكير، مِنْ هَمّ ولا حَزن، ثمّ يخرجان عنه فيصعد القرآن إلى ربه تعالى، فيسأل له فراشًا ودثارًا، وقنديلًا من

(1) رواه ابن أبي الدنيا في "التهجد وقيام الليل" ص 135 - 138 (31) وابن الضريس في "فضائل القرآن" ص 116 (116)، وفي إسناده داود بن راشد الطفاوي يحدِّث بالبواطيل. وانظر التعليق على الحديث في آخره.

ص: 175

نور الجنة، فيؤمر له بفراش ودثار، وياسمين من ياسمين الجنة (1)، فيحمله ألف ملك من مقربي السّماء الدنيا، فيسبقهم القرآن إليه، فيقول: هل استوحشت بعدي؟ ما زلت منذ فارقتك، على أن كلّمت الله في فراش ودثار ومصباح، فهذا قد جئتك به، فتدخل عليه الملائكة، فيحملونه ويُفرِشُونه ذلك ويضعون الدثار تحت رجليه، والياسمين عند صدره، ثم يحملونه حتى يضعونه على شقه الأيمن، ثم يصعدون عنه فيستلقي عليه، فلا يزال ينظر إلى الملائكة، حتى يلجوا إلى السّماء، ثم يدفع القرآن في قبلة القبر، فيوسع عليه ما شاء الله من ذلك (2).

قال الجلال السيوطي في "شرح الصدور"(3) والحافظ ابن رجب في "أهوال القبور"(4): قال أبو عبد الرحمن المقري (5)، وكان

(1) في (ب) تقديم وتأخير في بعض العبارات.

(2)

رواه ابن أبي أسامة كما في "بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث"(729)، والعقيلي في "الضعفاء" 2/ 39 (ترجمة داود بن راشد) وقال: هذا حديث باطل. وذكره ابن الجوزي في "الموضوعات" 1/ 251 مرفوعًا وقال: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمتهم به داود.

وأورده الهيثمي 2/ 253 و 266 من حديث معاذ بن جبل مرفوعًا وعزاه للبزار. وقال المنذري: في إسناده من لا يعرف حاله وفي متنه غرابة كثيرة بل نكارة ظاهرة. "الترغيب والترهيب" 1/ 244.

(3)

"شرح الصدور" ص 175.

(4)

"أهوال القبور" ص 97 - 98.

(5)

هو عبد الله بن يزيد المكي وهو الذي يروي الحديث السابق عن داود.

ص: 176

في كتاب أبي معاوية: فيوسع له أربعمائة عام ثم يحمل الياسمين، من عند صدره فيجعله عند أنفه، فيشمّه غضًا إلى يوم ينفخ في الصور، ثم يأتي أهله كل يوم مرة أو مرتين، فيأتيه بخبرهم ويدعو لهم بالخير، والإقبال، فإن تعلّم أحدٌ من ولده القُرآن بشرَه بذلك، وإن كان عقبه عقب سوء أتى الدار بكرة وعشيا، فبَكى عليه إلى أن ينفخ في الصور.

قال الحافظ أبو عيسى المديني: هذا خبر حسن، وقد رواه الإمام أحمد رضي الله عنه وأبو خيثمة، وطبقتهما من المتقدمين، عن أبي عبد الرحمن المقري، هذا كلام الحافظ ابن رجب، في أهوال القبور، وقد رواه العقيلي في "الضّعفاء". (1)

قلت: ورواه ابن الجوزي في "الموضوعات"(2)، من وجه آخر عن عبادة مرفوعًا، قالا -أعني- العقيلي وابن الجوزي: ولا يصح.

وأخرج جويبر (3) في "تفسيره"، عن الضّحّاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة رجل من الأنصار، فانتهى إلى القبر لم يُلحد له، فجلس وجلس الناس،

(1)"الضعفاء الكبير" 2/ 39.

(2)

"الموضوعات" 1/ 251.

(3)

تقدم قول المصنف أن جويبرًا ضعيف. قلت: قال ابن المديني: جويبر أكثر على الضحاك روى عنه أشياء مناكير. وقال النسائي والدارقطني والجوزجاني: متروك. وقال ابن عدي: الضعف على حديثه ورواياته بيّن. وروي عن ابن خزيمة أنه كان يحتج به. انظر "تهذيب الكمال" 5/ 167.

ص: 177

وكأنّ على رؤسهم الطّير، فَضَربَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بصره في الأرض، ينكت بمخصرة معه، ثم رفع بصره إلى السّماء فقال:"أعُوذ بالله من عذاب القبر"، ثلاث مرّات، ثم قال: "إنّ العبد المؤمن، إذا كان في إقبال من الآخرة، وإدبار من الدنيا، أتاه ملك الموت فجلس عند رأسه، وتهبط إليه ملائكة معهم تحفة من تحف الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، ومن كسوتها فيجلسون منه مدّ البصر، سماطين فيبدأ ملك الموت فيبشره، ثمّ تبشّره الملائكة، فتسيل نفسه كما تسيل القَطْرة من فيّ السّقاء فرحًا بمباشرة ملك الموت، حتى إذا أخذ نفْسَه، لم تدعها الملائكة طرفة عين، حتى يأخذوها ويحتضنوها إليهم بتلك التحف التي هبطوا بها، فإذا ريحُها قد ملأ ما بين السّماء والأرض، فتقول الملائكة ما أطيب هذه الرائحة، فتقول الملائكة هذه [رائحة](1) نفس فلان، قبض اليوم، وتُصلِّي عليه، فإذا انتهوا به إلى السماء فُتحت أبواب السماء، فليس من بابِ إلا وَهو مشتاق إليه أن يهبط منه حتى إذا دخلوا بها من باب عمله بكى عليه الباب فلا يمرّون [بها] (2) على أهل سقاء إلا قالوا: مرحبًا بهذه النفس المطمئنة، التي قبلت دعوة (3) ربها حتى انتهوا إلى سدرة المنتهى، فيقول ملك الموت والملائكة الذين هبطوا إليها: يا رب قَبضْنا روح

(1) من (ب).

(2)

من (ب).

(3)

في (ب): (وصية) بدلًا من (دعوة).

ص: 178

فُلان بن فلان المؤمن، وهو أعلم منهم بذلك، فيقولُ الله: ردّوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدُهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، فإنه يسمعُ خفق نعالكم، ونفض أيديكم إذا وليتم عنه مدبرين، فتأتيه أملاك ثلاثة، ملكان من ملائكة الرحمة، وملك من ملائكة العذاب، وقد اكتنفه عمله الصالح والصلاة عند رجليه والصيام عند رأسه، والزكاة عن يمينه، والصدقة عن يساره، والبِرّ وحسن الخُلُق على صدره، فكلما أتاه ملك العذاب من ناحية، ذبّ عنه عمله الصالح، فيقوم بمرزبة، لو اجتمع أهل منى لم يقلوها، فيقول: أيّها العبد الصالح لولا ما اكتنفك من الصلاة والصوم، والزكاة، والصدقة لضربتك بهذه المرزبة ضربة يشتعل قبرك منها نارًا، فهو لكما وأنتما له. ثم يصعد ملك العذاب فيقول أحدهما لصاحبه: ارفق بوليّ الله فإنه جاء من هول شديد، فيقول: مَن ربّك؟ فيقول: الله، فيقول: ما دينك؟ قال: ديني الإسلام، فيقول: مَن نبيّك؟ قال: محمّد، فيقولان: وما يدريك؟ قال: قرأت كتاب الله، فآمنت به وصدّقت، وينتهرانه عندها، وهي أشد فتنة تُعرضُ على المؤمن، فينادى من السماء: قد صدق عبدي، فافرشوه من الجنة، واكسوه من كسوتها، وطيبوه من طيبها، وأفسحوا له في قبره مدّ البصر، وافتحوا له بابًا من الجنة عند رأسه، وبابًا عند رجليه، ثم يقولان له: نم نومة العروس في حَجلتها، لم يذق عذاب القبر، فهو يقول: ربّ أقم السّاعة لكي أرجع إلى أهلي ومالي وما أعددت لي، فيبعث من قبره مبيضَّ الوجه"، قوله

ص: 179

في الحديث: ينكت بمثناة آخره، أي: يبحَثُ. والمخصرة: ما اختصره الإنسان بيده فأمسكه من عصا ونحوه، والحَجَلة (1): بفتح المهملة، والجيم البشخانة. ذكرهُ السيوطي.

وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن ابن مسعود قال: إنَّ أحدكم إذا مات، ليُجلَّسُ في قبره إجلاسًا، فيقالُ: ما أنت؟ فإن كان مؤمنًا قال: أنا عبد الله حيّا وميّتا، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله، فيفسح له في قبره ما شاء الله، فيرى مكانه من الجنة، وينزل عليه كسوة يلبسها من الجنة، وأما الكافر فيقال له: ما أنت؟ فيقول: لا أدري! فيُقال: لا دريت، ثلاثًا، فيضيق عليه قبره، حتى تختلف أضلاعه، ويُرسل عليه حيّات من جوانب قبره، تنهشه، وتأكله، فإذا جَزِعَ فصاح قُمع بمقمع من نار وحديد، ويُفتحُ له باب إلى النّار (2).

وأخرج الآجري في "الشريعة"، عن ابن مسعود أيضًا رضي الله عنه قال: إذا تُوفي العبدُ بعثَ الله إليه ملائكة، فيقبضون روحه في أثوابه، فإذا وُضع في قبره، بعث اللهُ إليه ملكين ينتهرانه، فيقولان: مَن ربّك؟ قال: ربّي الله، قالا: ما دينك؟ قال: ديني الإسلام. قالا: من نبيك؟ قال: نبيّ محمّد، قالا: صدقت، كذلك كنت، أفرِشوه من الجنّة، وألبسُوه منها، وأروه مقعده منها، وأما الكافرُ: فيُضربُ ضربةً

(1) في هذا الحديث: "العروس في حجلتها" هو بيت يزين بالثياب والأَسِرَّة والستور للعروس. "اللسان" 2/ 787 - 790، مادة (حجل).

(2)

رواه ابن أبي شيبة 3/ 55 - 56، والبيهقي في "عذاب القبر"(9).

ص: 180

يلتهب قبره منها نارًا، ويضيق عليه قبره، حتى تَختلفَ أضلاعه، وتُبعث عليه حيّاتٌ من (1) حيات القبر، كأعناق الإبل (2).

وأخرج هنّاد في "الزهد"، وابن أبي شيبة، و [ابن] جرير وابن المنذر، وابن حِبّان في "صحيحه"، والطبراني في "الأوسط"، وابن مردوول والحاكم والبيهقي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، إن الميت إذا وُضع في قبره، إنه يسمع خفق نعالهم، حين يُولّون عنه، فإذا كان مؤمنًا، كانت الصّلاةُ عند رأسه، والزكاة عن يمينه، والصومُ عن شماله، وفعل الخيرات والمعروف والإحسان إلى الناس من قِبَل (3) رجليه، فيُؤتَى من قِبَل رأسه، فتقول الصلاة: ليس قِبَلي مدخل، فيُؤتى من قبل يمينه، فتقول الزكاة: ليس قِبَلي مدخل، ويُؤتى مِن قِبَل شِمالِه، فيقول له الصّوم: ليس قِبَلي مدخل، ثم يُؤتى من قِبَل رجليه، فيقول فعِل الخيرات والمعروف والإحسان إلى الناس: ليس قِبَلي مدخل، فيُقال له: اجلس فيجلس، وقد مثلت له الشمس، قد قربت للغروب، فيُقال له: أخَبرنا عمّا نسألك، فيقول: دعني حتى أصُلّي فيُقال: إنك ستفعل، فأخبرنا عمّا نسألك فيقول: عمّ تسألون؟ فيقالُ له: ما تقول في هذا الرجل الذي كان فيكم؟ يعني النبيّ صلى الله عليه وسلم، فيقولُ: أشهد أنه

(1) قوله: (حياتٌ من) ليست في (ب).

(2)

الشريعة للآجري رقم (811) وإسناده حسن.

(3)

قوله (قبل) سقطت من (ب).

ص: 181

رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا بالبينات من عند ربّنا، فصدَّقناه واتبّعناه، فيُقال له: صدقت، على هذا حييت، وعليه متّ، وعليه تبُعث إن شاء الله، ويُفسح له في قبره مدّ بصره، وذلك قول الله:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: الآية 27] ويُقال: افتحوا له بابًا إلى النار، فيُفتح له باب إلى النار، فيقال: هذا منزلك لو عصيت الله، فيزداد غبطة وسرورًا، ويُقال: افتحوا له بابًا إلى الجنة، فيُفتح له، فيُقال: هذا منزلك وما أعدّ الله لك، فيزداد غبطة وسرور، فيُعادُ الجسد إلى ما بدأ منه التراب، وتُجعلُ روحه في النسيم الطيب، وهي طيرٌ خضرٌ تعلّق في شجر الجنَّة، وأمّا الكافرُ فيُؤتى في قبره من قبل رأسه، فلا يوجد شيء فيُؤتى من قبل رجليه، فلا يوجد شيء، فيُجلَّس خائفًا مرعوبًا فيُقال له: ما تقول في هذا الرجل الذي كان فيكم؟ وما تشهد به، فلا يهتدي لاسمه، فيُقالُ: محمد [رسول الله](1) صلى الله عليه وسلم فيقول: سمعتُ الناس يقولون أشياء فقلتُ كما قالوا، فيقال له: كَذَبْتَ على هذا حيِيتَ، وعليه متّ، وعليه تبعث إن شاء الله ويُضيّقَّ عليه قبره، حتى تَختلِفَ أضلاعُه فذلك قوله تعالى:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: الآية 124] فيُقال: افتحوا له بابًا إلى الجنة، فيُفتح له بابٌ إلى الجنَّة فيُقال: هذا كان منزلك وما أعدَّ الله لك، لو كنت أطعته، فيزدادُ حسرة وثبورا، ثمّ يُقال: افتحوا له بابًا إلى النار، فيُفتح له بابٌ إليها،

(1) من (ب).

ص: 182

فيقال: هذا منزلك وما أعدّ الله لك، فيزداد حسرة وثبورًا".

قال أبو عمرو الضرير: قلت لحمّاد بن سلمة، كأن هذا من أهل القِبلة، قال: نعم، قال أبو عمرو: وكأنه يشهد بهذه الشهادة على غير يقين، يرجع إلى قلبه كانَ يسمعُ الناس يقولون شيئًا فيقوله (1).

وأخرج الإمام أحمد، والبيهقي بسند صحيح، عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت يهوديّة، فاستطعمت على بابي، فقالت: أطعموني، أعاذكم الله من فتنة الدّجّال، ومن فتنة عذاب القبر، فلم أزل أحبسها، حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، ما تقولُ هذه اليهوديّة؟

قال: "ما تقول؟ " قلت: تقول: أعاذكم الله من فتنة الدَجّال، ومن فتنة عذاب القبر، فقالت عائشة: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع يديه مَدَّا، يستعيذ بالله من فتنة الدّجّال، ومن فتنة عذاب القبر، ثمّ قال: "أمّا فتنة الدجّال فإنه لم يكن نبيٌّ إلا حذّر أمّته، وسأحذّركموه بحديث لم يحذرْهُ نبي أمتَه، إنّه أعور والله ليس بأعور، مكتوب بين عينيه: كافر يقرأه كلّ مؤمن، فأمّا فتنةُ القبر، فبي تفتنون وعنّي تُسألون، فإذا كان الرجل الصالح، أُجلس في قبره غير فزع، ولا مشغوف ثمَّ يقال له: فيم كُنتَ؟ فيقول: في الإسلام، فيقال: ما هذا الرجل الذي كان

(1) أخرجه عبد الرزاق (6703)، وهناد في "الزهد"(338)، والطبري في تفسيره 13/ 215، وابن حبان (3113)، والطبراني في الأوسط (2630)، والبيهقي في "عذاب القبر"(79) وهو حديث حسن.

ص: 183

فيكم؟ فيقول: محمد رسول الله، جاءنا بالبينات من عند الله، فصدّقناه فيفرج له فرجة قِبَل النار، فينظر إليها يحطم بعضها بعضا فيقال له: انظر ما وقاك الله ثم يفرج له فرجة إلى الجنة، فينظرُ إلى زهرتها، وما فيها فيقال له: هذا مقعدك منها، ويُقال: على اليقين كنت، وعليه متّ وعليه تبعث إن شاء الله.

وإذا كان الرّجل السّوء، أجلس في فبره فزعًا مشغوفًا، فيُقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري، فيُقالُ: ما هذا الرّجل الذي كان فيكم؟ فيقول: سمعتُ النّاس يقولون قولًا، فقلت كما قالوا، فيُفرج له فُرجة قبل الجنّة، فينظر إلى زهرتها وما فيها، فيُقال له انظر إلى ما صرف الله عنك، ثم يُفرجُ له فرُجة قِبَل النار، فيُنظرُ إليها يحطم بعضها بعضا، ويُقال له: هذا مقعدك منها على الشك كُنتَ، وعليه مِتّ، وعليه تبعث إن شاء الله تعالى، ثمَّ يُعذَّب" (1).

وأخرج الحكيم في "نوارده"(2)، عن سفيان الثوري قال: إذا سُئل الميّتُ: مَن ربك؟ تراءى له الشيطان، في صورة فيشيرُ إلى نفسه، إني أنا ربك. قال الحكيم: ويؤيّده قوله صلى الله عليه وسلم عند دفن الميت: "اللهم أجره من الشيطان" كما تقدم، فلو لم يكن للشيطان هناك سبيل، ما دعا صلى الله عليه وسلم بذلك.

(1) رواه أحمد 6/ 139 - 140 بإسناد حسن. ورواه مختصرًا البيهقي في "عذاب القبر"(194) وفي الصحيح ظرف منه.

(2)

"نوادر الحكيم" ص 323.

ص: 184

وأخرج ابن شاهين في "السُّنّة"(1) عن راشدٍ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "تعلموا حُجَّتَكم، فإنكم مسئولون"، حتى إن كان أهل البيت من الأنصار، يحضر الرجلَ الموتُ فيُوصُّونه، والغلام إذا عَقل، فيقولون له: إذا سألوك مَن ربّك؟ فقُل: الله ربّي: وما دينك؟ فقل: الإسلام دِيني، ومَن نبيّك؟ فقل: مُحمّد صلى الله عليه وسلم.

وأخرج السلفي في "الطيوريات"، عن سهل بن عمَّار قال: رأيتُ يزيد بن هارون في المنام بعد موته، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: أتاني في قبري ملكان، فظّان غليظان، فقالا: ما دينك؟ ومَن ربك؟ ومَن نبيّك؟ فأخذتُ بلحيتي البيضاء، وقلت: لمثلي يُقال له هذا؟ وقد علمّتُ الناس جوابكما ثمانين سنة، وقالا: أكتبت عن حريز بن عثمان قلت: نعم، قالا: إنه كان يبغض عثمان فأبغضه الله.

وأخرجه اللالكائي بدون زيادة: أكتبت إلخ، وبدل ثمانين سنة ستين سنة، وزاد فقال: أحدهما صدق، نَم نَومة العَروس، فلا روعة عليك بعد اليوم (2).

وأخرج اللالكائي في "السُّنّة"، عن محمّد بن نصر الصايغ، قال:

(1) ذكره في الدر المنثور في تفسير سورة إبراهيم آية (27).

(2)

شرح أصول أهل السنة للالكائي (2147)، تاريخ بغداد (14/ 346)، سير أعلم النبلاء (9/ 365).

ص: 185

كان أبي مُولعًا بالصّلاة (1) على الجنائز، من عرف ومن لم يعرف، فقال: يا بُني حَضرتُ يومًا جنازة، فلمّا دفنوها، نزل إلى القبر نفسان، ثم خرج واحد وبقى الآخر، وحَثا الناسُ التراب، فقلت: يا قوم يُدفن حيّ مع ميّت؟ فقالوا (2): ما ثَمَّ أحد، فقلت: لعلَّه شُبّه لي، ثم رجعت فقلت ما رأيت إلا اثنين، خرج واحد وبقي الآخر، لا أبرح حتى يكشف اللهُ لي ما رأيت، فجئت إلى القبر، فقرأت عشر مرّات يس وتبارك، وبكيت فقلت: يا ربّ اكشف لي عمّا رأيتُ فإني خائف على عقلي وديني، فانشقّ القبرُ وخرج منه شخص فولى مبادرًا فقلت: يا هذا بمعبودك إلّا وقفت حتى أسألك، فالتفت إليّ فقلت له: الثانية والثالثة فالتفت وقال: أنت نصر الصّايغ قلت: نعم. قال: هل تعرفني؟ قلت: لا. قال: نحن ملكان من ملائكة الرّحمة، وُكّلنا بأهل السُّنّة، إذا وُضعوا في قبورهم، نزلنا حتى نلقنهم الحُجَّة وغاب عني (3).

(1) في الأصل (في الصلاة) والتصويب من شرح أصول أهل السنة للالكائي وهو ما يقتضيه السياق.

(2)

في (ب): (فقال).

(3)

أخرجه اللالكائي (2145).

ص: 186