الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال أبي فبادر، بادر، بادر، فهذه ثلاث ساعاتٍ قد مضَت وليستْ بها أو ثلاثة أيام وأنَّى لي بها، أو ثلاثة أشهر وما أراني أدركها، أو ثلاث سنين، فهو أكثر من ذلك، وما أحبُ أن يكون ذلك كذلك، فلم يزل يُعطي، ويتصدق ثلاثة أيام، حتى إذا كانَ في آخر اليوم الثالث من هذه الرؤيا دَعا أهله وولده، فودعهم وسلم عليهم، ثم استقبل القبلة فمدد نفسه وغمض عينيه، وشهد شهادة الحق، ثم مات: قال فمكث الناس حينًا يتناوبون قبره من الأمصار، فيصلون عليه.
وذكر صدقة بن مرداس، في أوّل حديثه هذا: أنه نظر إلى القبور الثلاثة، على شرف من الأرض، بقرب هذه القرية وقرأ عليها من الكتابة. انتهى كلامُ الحافظ.
تنبيه
ذكر المحقق قدس اللهُ روحه: إن الأحاديث والآثار تدل على أن الزائر متى جاء عَلِمَ به المزور، وسمعَ كلامه، وأنسَ به وردّ عليه، وهذا عام في حق الشهداء وغيرهم وأنه لا توقيت في ذلك، قال: وهو أصح من أثر الضحاك الدّال على التوقيت، وهو من زار قبرًا يومَ السبت قبل طلوع الشمس، علم الميّت بزيارته، فقيل: وكيف ذلك؟ قال: لمكان يوم الجُمعة قال: وقد شَرع صلى الله عليه وسلم، لأمّته أن يُسلموا على أهل القبور سلامَ من يخاطبونه، ممن يسمع ويعقل: فأخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة، فقال: "السلامُ عليكم دار قومٍ مؤمنين، وإنا إن شاء اللهُ بكم
لاحقون" (1).
وأخرج ابن ماجة عن بُريدة رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعُلمهم إذا خرجوا إلى المقابر "السلامُ عليكم أهل الديار، من المسلمين، وإنا إن شاء اللهُ بكم لاحقون، أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع، أسأل الله لنا ولكم العافية"(2).
وأخرجَ مسلمٌ عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: "قولي السلامُ على أهل الديار من المسلمين، ويرحم الله المستقدمين والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون"(3).
وهذا خطابُ من يَسمعُ ويعقلُ، ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد، والسَّلف مُجمعونَ على هذا، وقد تَواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرفُ زيارة الحي له، ويستبشر به انتهى.
وذكر الإمام ناصرُ السنة ابن الجوزي قدس الله روحه في كتابه "عيونُ الحكايات"، بسنده عن محمد بن العباس الوراق قال: خرج رجلٌ مع أبيه حتى إذا كان ببعض الطريق، مات الأب فدفنه بشجر الدوم، ومضى في سفره ثم مرَّ بذلك الموضع ليلًا فلم ينزل إلى قبر أبيه، فإذا هاتف يهتف به ويقول:
أجدك تطوي الدّوم ليلًا ولا ترى
…
عليك لأهل الدَّوم أن تتكلما
وبالدُّوم ثاوٍ لَو ثُويتَ مكانه
…
فَمرّ بأهل الدُّوم عاج فَسلّما
(1) رواه مسلم (249)، وأبو داود (3237)، وابن ماجة (4306)، والنسائي 1/ 93، والإمام أحمد 2/ 305 و 375.
(2)
لفظ ابن ماجة (1547)، وهو في مسلم (975) بنحوه.
(3)
رواه مسلم (974)، والنسائي 4/ 94، والإمام أحمد 6/ 221.