الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع في الكلام على الروح وما يتعلق بذلك
اعلم رَحمني الله وإياكَ أن الناس اختلفوا في حقيقة الرّوح، ومنهم من سكت عن الخوض في ذلك لقوله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85]. وأما الذين خاضوا في الكلام عليها تباينت مذاهبهم، واختلفت أراؤهم، والصحيح أن الروح جسم مخالف بالماهية، لهذا الجسم المحسوس، وهو جسمٌ نوراني عُلوي، خفيف حي متحرك، ينفذ في جوهر الأعضاء، ويسري فيها سريان الماء في الوَرد، وسريان الذهن في الزّيتون، والنار في الفحم، فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف، بقي ذلك الجسم اللطيف، مُشابكًا لهذه الأعضاء، وأفادها هذه الآثار من الحس والحركة الإرادية، وإذا فسدت هذه الأعضاء، بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها، وخرجَتْ عن قبول تلك الآثار، فارق الروح البدن، وانفصل إلى عالم الأرواح، اختار هذا القول، الإمامُ المحقق ابن القيم، في كتابه "الرّوح" (1) من أقوال عديدة وقال: إنه الصواب في هذه المسألة وهو الذي لا يصح غيره، وكلّ الأقوال سواه باطلة، وعليه دلّ الكتاب والسّنّة، وإجماع الصحابة وأدلّة العقل والفطرة، وذكر لهذا القول مائة دليل وخمسة عشر دليلا، وأجاد، وأفاد، وزيف قول ابن سينا وابن
(1) نقل المصنف جل هذا الفصل من كتاب "الروح" لابن القيم.
حزم وأمثالهما، وكتابه هذا من أجل ما رأينا في هذا الفن، بل هو أجلّها وأعظمها، ولا ينبغي لمن له رغبة في العلوم أن يجهله، ولا شيء منه فعليك به فإنه مفيد جدًا.
فائدة: نقل بعض المتكلمين أن محلّ الروح القلبُ، واستدلّ له بحديث ابن عساكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"وأما النفس ففي القلب، والقلب بالنياط، والنياط يسقي العروق، فإذا هلك القلب انقطع العِرق"(1)، وهذا الحديث مرسل وقال ابن حجر في "الإصابة" (2): الحديث فيه غريب كثير، وأسانيده ضعيفة جدًا والله أعلم.
فإن قلتَ هل تموت الروح، أم الموت على البدن وحده؟ قلتُ: أجاب عن هذا الإمام المحقق في "الرّوح" فقال: قد اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: تموتُ وتذوق الموت؛ لأنها نَفْس و {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عِمرَان: الآية 185] قالوا: وقد دَلّت الآيةُ على أنّه لا يبقى إلا الله وحده قال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26)} [الرَّحمن: الآية 26] الآية. وقال: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القَصَص: الآية 88] قالوا: وإذا كانت الملائكة تموت فالنفوس البشرية أولى قالوا: وقد أخبر الله عن أهل النار أنهم قالوا: {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غَافر: الآية 11] فالموتة الأولى هذه المشهودة وهي للبدن، والأخرى للرّوح.
(1) تاريخ دمشق لابن عساكر (16/ 374).
(2)
(2/ 112) في ترجمة خزيمة بن حكيم.
وقال آخرون: لا تموت الأرواح فانّها خلقت للبقاء، وإنما تموت الأبدان قالوا: وقد دلّت على هذا الأحاديث الدالة على نعيم الأرواح، وعذابها بعد المفارقة، إلى أن يُرجعها الله في أجسادها، ولو ماتت الأرواح لانقطع عنها النعيم والعذاب، وقد قال تعالى:{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)} [آل عِمرَان: الآية 169] الآية. هذا مع القطع بأن أرواحهم فارقت أجسادهم، وقد ذاقت أجسادهم الموت.
قال: والصّواب أن يُقال: موت النفس هو مفارقتها لأجسادها، وخروجها منها، فإن أريد بموتها هذا القدر فهي ذائقة الموت، وإن أريد أنها تعدم وتضمحل، أو تصير عدمًا محضًا فهي لا تموت بهذا الاعتبار، بل هي باقية بعد خلقها في نعيم أو في عذاب (1).
قال: وقد نظم أحمد بن الحسين الكندي هذا الاختلاف في قوله:
تنازع الناسُ حتى لا اتّفاقَ لهم
…
إلّا على شحب والخلقُ في شحب
فقيل تخلص نفس المرء سالمة
…
وقيل تشرك جسم المرء في العطب
فإن قلت: فعند النفخ في الصور هل تبقى الأرواح حية كما هي؟ أو تموت، ثم تحيى؟ فالجوابُ ما ذكره المحقق: أنه مستثناة
(1) الروح لابن القيم ص 70 - 71 ط دار الكتاب العربي، مع اختلاف في كلمات يسيرة.
من قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزُّمَر: الآية 68] فقد استثنى الله بعضَ من في السّموات، ومن في الأرض من هذا الصّعق؛ فقيل هم الشهداء، وهو قول أبي هريرة وابن عباس وسعيد بن جبير، وقيل: جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، وقيل هم الذين في الجنة من الحور العين، وغيرهم ومن في النار من أهل العذاب، وخزنتها وهذا قول أبي إسحاق بن شاقِلّا من أصحابنا، وقد نصّ إمامنا (1) رضي الله عنه على أن الحور العين لا يمتن عند النفخ في الصّور، وقد أخبر الله تعالى أن أهل الجنة {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدّخَان: الآية 56]، وهذا نصّ على أنهم لا يموتون، غير تلك الموتة الأولى فلو ماتوا مرّة ثانية لكانت موتتان.
وأما قول أهل النار {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غَافر: الآية 11] فتفسير هذه الآية والتي قبلها قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البَقَرَة: الآية 28] فكانوا أمواتًا وهم نُطف في أصلاب آبائهم وفي أرحام أمّهاتهم ثم أحياهم بعد ذلك، ثم أماتهم ثم يحييهم يوم النشور، وليس في ذلك إماتة أرواحهم قبل يوم القيامة، وإلا كانت ثلاث موتات، وصعق الأرواح عند النفخ في الصّور لا يلزم منه موتها، ففي الصحيح أن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أوّل من يفيق، فإذا موسى آخذ
(1) يقصد الإمام أحمد بن حنبل، والكلام ما زال لابن القيم في الروح ص 70.
بقائمة العرش فلا أدري أفاق قبلي، أم جوزي بصعقه يوم الطور، فهذا صعق في موقف يوم القيامة، إذا جاء الله لفصل القضاء وأشرقت الأرض بنور ربها فحينئذ تصعق الخلائق كلهم، قال تعالى:{فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45)} [الطُّور: الآية 45] ولو كان هذا الصّعق موتًا، لكانت موتة أخرى، قال: وقد تنبه لهذا جماعة من الفضلاء. فقال القرطبي: ظاهر هذا الحديث، أن هذه صعقة غشي تكون يوم القيامة، لا صعقة الموت الحادثة عند نفخ الصّور (1).
وحاصل الجواب أن الروح لا تموت ولا تفنى، والله الموفق.
فإن قلتَ: فأين مستقر الأرواح، بعد مفارقتها الأجساد إلى يوم القيامة، هل في السماء أم في الأرض، وهل هي في الجنة أم في النار؟ أم لا؟ وهل تودع في أجساد غير أجسادها التي كانت فيها؟ فتنعّم وتعذّب فيها أم تكون مجرّدة؟
قلتُ: قد أجاب عن هذه المسألة الإمام المحقّق في الروح (2)، وهي مسألة عظيمة قد تكلم فيها الناس، واختلفوا [فيها] وهي إنما تتلقى من السمع فقط وحاصل ما اعتمده من الجواب، بعد أن ذكر مذاهب الناس في ذلك وأطال نحو كرّاسين أن: الأرواح متفاوتة في مستقرها في البرزخ أعظم تفاوت (3):
(1) الروح ص 71 - 72.
(2)
انظر الروح لابن القيم من أول ص 154.
(3)
من هنا نص كلام ابن القيم في الروح ص 187.
فمنها أرواح في أعلا علّيّين وهي أرواح الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وهم متفاوتون في منازلهم، كما رآهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء.
ومنها [أرواح](1) في حواصل طيور خضرٍ، تسرح في الجنة حيث شاءت وهي أرواح بعض الشّهداء لا جميعهم، كما قد يتوهم، بل مِن الشّهداء مَن تُحبَس روحه عن دخول الجنة لِدَين عليه أو غيره كما في المسند، عن محمد بن جحش أنّ رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما لي إن قُتِلتُ في سبيل الله؟ قال: "الجنة"، فلمّا وَلَّى قال:"إلا الدين سارني به جبريل آنفا"(2).
ومنهم من يكون محبوسًا على باب الجنة، كما في الحديث الآخر "رأيت صاحبكم محبوسًا على باب الجنَّة"(3).
ومنهم من يكون محبوسًا في قبره.
ومنهم من يكون مَحبوسًا في الأرض لم تعلُ روحه إلى الملأ الأعلى، فإنها كانت روحًا سفلية أرضية فإن الأنفس الأرضية، لا تجامع الأنفس السماوية، كما لا تجامعها في الدنيا معرفة ربها، ومحبته وذكره، والأنس به والتقرب إليه، بل هي أرضية سُفلية، لا
(1) ساقطة من الأصل. ومستدركة من كتاب الروح.
(2)
رواه أحمد 5/ 289 و 290، وعبد بن حميد (367)، والنسائي 7/ 314، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(930) وإسناده قوي.
(3)
أحمد (5/ 11) من حديث سمرة بن جندب.
تكون بعد المفارقة لبدنها إلا هناك، كما أن النفس العُلوية التي كانت في الدّنيا عاكفة على محبة الله وذكره، والتقرب إليه، والأنس به تكون بعد المفارقة في الأرواح العُلوية المناسبة لها، فالمرءُ مَع مَن أحبّ، في البرزخ ويومَ المَعاد، فالرّوح بعد المفارقة تُلحقُ بأشكالها وأخواتها، وأصحاب عملها فتكون معهم هناك.
وفي الحديث (1)"وتجعل روحه يعني المؤمن مع النّسيم الطيّب" أي: الأرواح الطّيّية، المشاكلة لروحه.
قال: ومنها أرواح تكون في تنور الزنادقة والزواني، وأرواح في نهر الدم تسبح فيه، وتلقم الحجارة فليس للأرواح سعيدها وشقيها مستقر واحد، بل رُوح في أعلا عليين وروح أرضية سفلية.
وإذا تأملت السّنن والآثار في هذا الباب، وكان لك فضل اعتناء عرفت حجة ذلك، ولا تظن أنّ بين الآثار الصحيحة في هذا الباب تناقضًا فإنها كلها حقّ، يصدّق بعضها بعضا، لكن الشأن في فهمها ومعرفة النّفس وأحكامها، وأن لها شأنًا غير شأن البدن، وأنها مع كونها في الجنة فهي في السماء وتتصلُ بالقبر وبالبَدن فيه وهي أسرع شيء حركةً وانتقالًا، وصعودًا وهبُوطًا، وأنها تنقسمُ إلى مُرسلة ومحبوسة، وعُلوية وسُفلية، ولَها بعد المفارقة صحة ومرض، ولذة ونعيم وألم أعظم مما كان لها في حال اتصالها بالبدن بكثير، فهنالك الحبس والألم والعذاب والمرض، والحسرة وهنالك اللذة
(1) انظر: ص 182، 183 ت (1).
والراحة والنعيم والإطلاق وما أشبه حالها في هذا البدن بحال الجنين في بطن أمه، وحالها بعد المفارقة، بحاله بعد خروجه من البطن إلى هذه الدار. قال: فلهذه الأنفس أربع دور، وكُلُّ دار أعظمُ من التي قبلها:
الدارُ الأولى: بطن الأم، وذلك الحَصْرُ والضيق و (العجز)(1) والظلماتُ الثلاث.
الدار الثانية: هذه الدار التي نشأت فيها وألفتها واكتسبت فيها الخير والشر، وأسباب السعادة، والشقاوة.
الدار الثالثة: دار البرزخ وهي أوسع من هذه الدار وأعظم، بل نسبتها إليها كنسبة هذه الدار إلى الأولى.
الدار الرابعة: دارُ القرار إلى الجنة أو النار فلا دار بعدَها والله سبحانه وتعالى ينقلها في هذه الدار طبقًا بعد طبق، حتى يبلغها إلى الدار التي لا يصلح لها غيرها، وهي التي خُلقت لها، وهُيئت للعمل الموصل لها إليها؛ ولها في كل دار من هذه الدّور حكم وشأن، غير شأن الدار الأخرى، فتبارك الله فاطرها، ومنشيها ومميتها، ومحييها، ومسعدها ومشقيها، فهو الذي فاوت بينها في درجات لمسعادتها وشقوتها كما فاوت بينها، في مراتب علوها وأعمالها، وقواها وأخلاقها، فمن عرفها كما ينبغي، شهدَ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي له الملك كله، وله الحمد كله، وبيده
(1) فى (ب)، و (ط):(الغم).
الخير كله، وإليه يُرجَع الأمر كُلّه، وله القوة والقدرة كلها، والعزة والكمال المطلق من جميع الوجوه، وعرف بمعرفة نفسه صِدقَ أنبيائه ورسله، وأن الذي جاءوا به هو الحقّ الذي تشهد به العقول، وتقربه الفطر، وما خالفه هو الباطل، وبالله التوفيق (1).
وسيأتي الكلامُ على مستقر الأرواح أوفى مِن ذلك.
فإن قُلتَ: هل الروّح قديمة أم مخلوقة؟ وإن قُلتم أنها محدثة فما الجواب عن قوله تعالى: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسرَاء: الآية 85] وكيف يكون أمر الله مخلوقًا وقد أخبر الله سُبحانه، أنه نفخ في آدم من روحه؟
قلتُ: قد أجاب عنها الإمام المحقّق: وهي مسألة عظيمة زلّ فيها عَالَم وضلّ فيها طوائف، من بني آدم وهدى الله أتباع رسله فيها للحق المبين والصواب المستبين، فأجمعت الرسل صلوات الله وسلامُه عليهم، على أنها محدثة مصنوعة، وهذا معلوم بالاضطرار، من دينهم أن العالم حادث وأنّ معاد الأبدان واقعُ وأن الله وحده هو الخالق، وكل ما سواه مخلوق له وقد انطوى عصر الصحابة والتابعين، وتابعيهم وهم القرون الفضيلة، على ذلك، من غير اختلاف بينهم في حدوثها، وأنها مخلوقة حتى نبعث نابعة ممن قصر فهمه في الكتاب والسنة.
فزعم أنها قديمة غير مخلوقة واحتج على أنها من أمر الله
(1) انتهى هنا كلام ابن القيم في الروح ص 190.
وأمره قديم، وبأنّ الله تعالى أضافها إليه كما أضاف إليه علمه، وكتابه وقدرته وسمعه وبصره ويده، وتوقّف آخرون، وقالوا: لا نقول شيئا.
وسئل عن ذلك حافظ أصبهان أبو عبد الله بن منده من أصحابنا فقال: أمّا بعد فإن سائلًا سألني عن الروح التي جعلها الله قوام أنفس الخلق، وأبدانهم وذكر أن أقوامًا تكلموا في الروح وزعموا أنها غير مخلوقة، وخَصّ بعضهم منها روح القدس وأنها من ذات الله، قال: وأنا أذكر اختلاف أقاويل الناس، وأبيّن ما يخالف أقاويلهم من الكتاب والأثر، وأقاويل الصحابة والتابعين وأهل العلم.
وأذكر بعد ذلك، وجوه كلام الذين تكلموا على الروح بغير علم، وأنّ كلامهم يوافق قول جهم وأصحابه، فنقول -وبالله التوفيق-: إن الناس اختلفوا في معرفة الأرواح ومحلّها من النفس فقالت طائفة الأرواح كلها مخلوقة وهذا مذهب أهل الجماعة والأثر، واحتجت بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم:"الأرواح جنودٌ مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف"(1) والجنود المجنّدة لا تكون إلا مخلوقة.
وقالت طائفةٌ: الأرواح من أمر الله أخفى الله حقيقتها وعلمها عن الخلق، واحتجت بقوله تعالى {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسرَاء: الآية 85].
وقالت طائفة: الأرواح نور من نور الله تعالى، وحياة من
(1) رواه مسلم (2638) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ورواه البخاري (3336) من حديث عائشة رضي الله عنها.
حياته، واحتجت بقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله خلق خلقهُ [من] ظلمة، ثم ألقى عليهم من نوره"(1)، ثم ذكر الخلاف في الأرواح هل تموت أم لا، وهل تعذّب مع الأجسادُ في البرزخ وفي مستقرها بعد الموت؟ وهل هي النفس، أو غيرها؟
قال محمد بن نصر المروزي في كتابه: تأوّل صنف من الزّنادقة وصنف من الروافض في روح آدم ما تأوّله النصراني في روح عيسى، وما تأوّله قوم من أنّ الرّوح انفصل من ذات الله، فصار في المؤمن، فعند صنف من النصارى، أنّ عيسى ومريم جميعًا غير مخلوقين؛ لأن عيسى عندهم صار في مريم، فهو غير مخلوق على زعمهم، وقال صنف من الزنادقة وصنف من الروافض: إنّ روحَ آدم مثل ذلك، أنه غير مخلوق قالوا: ثم صار بَعد آدم في الوصي بعده، ثم هي في كلّ نبيّ ووصيّ إلى أن صار في عليّ، ثم في الحسن والحسين، ثم في كل وصيّ وإمام فبه يعلم الإمام كلّ شيء، لا يحتاج أن يعلم من أحد، ولا خلاف بين المسلمين أنّ الأرواح التي في آدم وبنيه وعيسى ومن سواه من بني آدم كلها مخلوقة لله، خلقها وأنشأها وكوّنها وأخبر عنها ثم أضافها إلى نفسه، كما أضاف إليه سائر خلقه، قال تعالى:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجَاثيَة: الآية 13].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (2) قدّس الله روحه الزكيّة: روح الآدمي مخلوقة مبتدعة، باتفاق سلف الأمّة وأئمّتها، وسائر أهل
(1) أحمد (2/ 176) وما بين القوسين (في).
(2)
الروح السابق ص 228.
السّنّة، وقد حكى إجماع الأمّة على أنها مخلوقة غير واحد من المسلمين، مثل محمد بن نصر المروزي، الإمام المشهور الذي هو من أعلم زمانه بالإجماع، والاختلاف وكذلك أجاب أبو إسحاق بن شاقلّا، من أصحابنا بلفظ سألت رحمك الله عن الروح، مخلوقة هي أم غير مخلوقة؟، قال: وهذا لا يشكّ فيه من وُفِّق للصّواب، أنّ الرّوح من الأشياء المخلوقة وقد تكلّم في هذه المسألة طوائف من أكابر العُلماء والمشايخ، وردّوا على من يزعم أنّها غير مخلوقة.
وصنّف الحافظ أبو عبد الله بن منده في ذلك كتابًا، وقبله الإمام محمد بن نصر المروزي، وغيره والشيخ أبو سعيد الخراز، وأبو يعقوب النهرجوري، والقاضي أبو يعلى (1) وقد نصّ على ذلك الأئمة الكبار، واشتد نكيرهم على من يقول ذلك في روح عيسى بن مريم فكيفَ بروح غيره كما ذكره سيّدنا الإمام أحمد رضي الله عنه فيما كتبه في محتبسه في الرّدّ على الزّنادقة، والجهميّة قال: ثم إن الجهمي ادّعى أمرًا فقال: أنا أجد آية في كتاب الله على أنّ القرآن مخلوق، قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: الآية 171] وعيسى مخلوق، قلنا له إن الله منعك الفهم للقرآن، إن عيسى تجري عليه
(1) محمد بن نصر المروزي أبو عبد الله الحافظ له مصنفات: "السنة"، و"تعظيم قدر الصلاة" و"الإيمان" وغيرها ت 294 هـ. وأبو سعيد الخراز شيخ الصوفية ت 286 هـ "سير أعلام النبلاء" 13/ 419. والقاضي أبو يعلى الفراء ت 458 هـ له كتاب "الروح" و"مسائل الإيمان" وغيرها "سير أعلام النبلاء" 18/ 89.
ألفاظ لا تجري على القرآن؛ لأنّا نسمّيه مولودًا وطفلا وجنينا، وغُلامًا يأكل ويشرب، وهو مخاطب بالأمر والنهي ويجري عليه الخطاب، الوعد والوعيد، ثم هو من ذرية نوح، ومن ذرية إبراهيم، فلا يَحل لنا أن نقول في القرآن ما نقوله في عيسى، فهل سمعتم الله يقول في القرآن ما قال في عيسى؟
ولكن المعنى في قوله {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} [النساء: الآية 171] فالكلمة التي ألقاها إلى مريم حين قال له: كن فكان عيسى بكن، وليس عيسى هو كن ولكن كان بكن، فكن من الله قول وليس كن مخلوقًا، وكذبت النصارى والجهمية على الله في أمر عيسى؛ وذلك أن الجهمية قالوا: روح الله وكلمته إلا أن كلمته مخلوقة وقالت النصارى: عيسى روح الله وكلمته في ذاته، كما يُقال هذه الخرقة من هذا الثوب قلنا: نحن إنّ عيسى بالكلمة كان، وليس هو الكلمة، وإنما الكلمة قول الله كن، وقوله وروح منه نقول: من أمره كان الرّوح فيه كقوله: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجَاثيَة: الآية 13] يقول من أمره وتفسير روح الله إنما معناه بكلمة الله خلقها، كما يقال عبد الله وسماء الله (1). وأرض الله فقد صرح بأن روح المسيح مخلوقة فكيف سائر الأرواح، وقد أضاف الله إليه الرّوح الذي أرسله إلى مريم، وهو
(1) الرد على الزنادقة للإمام أحمد ص 124، ط دار اللواء بالرياض، الكلام بنصه نقله ابن تيمية في "درء تعارض العقل والنقل" 7/ 258 عن الإمام أحمد.
عبده ورسوله، ولم يدل ذلك على أنه قديم غير مخلوق فقال تعالى {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ (1) لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)} [مريم: 17 - 19] فهذا الروحُ هو روح الله وهو عبده ورسولهُ.
ثم استدلّ على خلقها الإمام المحقق في كتابه (باثنتي)(2) عشر وجهًا، وأطنب فراجعه.
ثم قال: وأمّا ما احتجت به هذه الطائفة، فإن الذي أتوا به من متشابه القرآن والعدول عن محله، وهذا شأن كل ضالّ مُبتدع فحكم القرآن من أوّله إلى آخره يدلُ على أن الله خالقُ الأرواح ومبتدعها، وأما قوله تعالى {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسرَاء: الآية 85] فمعَلوم قطعًا أنه ليس المراد هاهنا بالأمر الطلب الذي هو أحد الأنواع للكلام.
فيكونُ المرادُ أنّ الروح كلامه الذي يأمرُ به، وإنما المرادُ بالأمر هاهنا المأمورُ وهو عرف مستعمل "في عرف العرب، وفي القرآن منه كثير، كقوله تعالى:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النّحل: الآية 1] أي مأموره الذي قدره، وقضاؤه وقال له كن وكذلك قوله {فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} [هُود: الآية 101] أي: مأموره الذي أمرَ به من هلاكهم وكذلك قوله تعالى
(1) في ط "ليهب" وهي إحدى القراءة في الآية وهي قراءة ورش وأبو عمرو، انظر:"التبصرة في القراءة السبع" لمكي ص 585.
(2)
في (ب)، و (ط):(باثني).
{وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ} [النّحل: الآية 77]، وكذلك لفظُ الخلق يُستعمل بمعنى المخلوق كقوله تعالى:{هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} [لقمَان: الآية 11] أي: مخلوقه وكقوله للجنة "أنتِ رحمتي، أُسْكِنُكِ مَن شِئتُ من خلقي"(1) أو كما ورد فليس في قوله {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسرَاء: الآية 85] ما يدل على أنّها قديمة غير مخلوقة، بِوَجْهٍ ما. وقد قال بعض السّلف في تفسيره المراد بالرّوح في الآية، أنه جَرى بأمر الله في أجْساد الخلق، وبقدرته استقرّ، وهذا بناء على روح الإنسان، وفي ذلك خِلاف بين السلف والخلف، وأكثر السّلف بل كُلهم على أنّ الزوح المسئول عنها في الآية، ليست أرواح بني آدم بل هي الروح الذي أخبر الله عنه في كتابه، أنه يقوم يوم القيامة مع الملائكة، وهو ملك عظيم.
وقد ثبت في الصحيح من حديث عبد الله قال بينا أنا أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قال فمررنا على نفرٍ من يهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الرّوح وقال بعضهم: لا تسألوه عسى أن يجيء فيه بشيء تكرهونه، وقال بعضهم نسأله فقال رجل يا أبا القاسم: ما الروح؟ فسكت عنه صلى الله عليه وسلم فعلمت أنه يوحى إليه فقمت فلما تجلى عنه قال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)} [الإسرَاء: الآية 85](2).
(1) البخاري (4849، 4850) بلفظ: "أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي".
(2)
رواه البخاري (125) و (4721) و (7297) و (7456) و (7462) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
قال المحقّق: معلوم أنهم إنما يسئلونه من أمر لا يُعرف إلّا بالوحي، وذلك هو الروح الذي عند الله، لا يعلمها الناس وأمّا أرواح بني آدم فليست من الغيب، وأطال فراجعه:
وأمّا استدلالهم بإضافتها إلى الله سبحانه وتعالى بقوله {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحِجر: الآية 29] فينبغى أن تعلم أنّ المضاف إلى الله سبحانه نوعان "صفات لا تقوم بأنّفسها، كالعِلم والقُدرة والسّمع والبصر، فهذه إضافة صفة إلى الموصوف بها (فعلمه وقدرته، وكلامه وإرادته وحياته)(1) صفات له غير مخلوقة، وكذلك وجهه ويده سبحانه، والثاني:
إضافة أعيان منفصلة كالبيت والعبد والناقة والرّسول والرّوح، فهذه إضافة مخلوق إلى خالقه ومصنوع إلى صانعه، ولكن إضافته تقتضي تخصيصًا أو تشريفًا يتميز به المضاف إليه من غيره، كبيت الله وإن كانت البيوت كلها مُلكًا له، وكذلك ناقة الله فالإضافة الخاصّة تقتضي محبته لها، وتكريمه وتشريفه، بخلاف الإضافة العامة، فإنها تقتضي الخلق والإيجاد، والخاصّة تقتضي الاختيار وربّك يخلق ما يشاء ويختار، وإضافة الرّوح إليه من هذه الإضافة الخاصّة لا مِن العَامة، ولا من باب إضافة الصّفات فتأمّل هذا الموضع، فإنّه يخلّصُك من ضلالات كثيرة، وقع فيها ما يشاء الله من الناس.
قال المحقّق: فإن قيل: فما تقولون في قوله تعالى: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحِجر: الآية 29] فأضاف النفخ إلى نفسه وهذا
(1) في العبارة تقديم وتأخير في (ب)، و (ط).
يقتضي المباشرة من الله تعالى، كما في قوله {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: الآية 75] ولهذا قرن بينهما في الذكر في الحديث الصحيح، في قوله صلى الله عليه وسلم "فيأتون آدم فيقولون: أنت آدم أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته وعلّمك أسماء كل شيء" (1)، فذكروا لآدم أربع خصائص اختصّ بها عن غيره، ولو كانت الرّوح التي فيه إنّما هي من نفخة الملك، لم يكن له خصوصيةٌ بذلك، وكان بمنزلة المسيح، بل وسائر أولاده فإنّ الزوح حصلت فيهم من نفخة المَلَك. وقد قال تعالى:{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحِجر الآية 29] فهو الذي سوّاه بيده وهو الذي نفخ فيه من روحه؟
فالجواب: ما ذكره المحقّق من أنّ هذا الموضع هو الذي أوجب لهذه الطّائفة أن قالتْ بقدم الرّوح وتوقّف فيه آخرون، ولم يفهموا مُراد القُرآن، فأمّا الرّوحُ المضافة إلى الرّبّ فهي روح مخلوقة، أضافها إلى نفسه إضافة تخصيص وتشريف، كما بيّنّاه وأمّا النفخ فقد قال تعالى في مريم:{وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا} [الأنبيَاء: الآية 91] وقد أخبر في موضع آخر أنه أرسل إليها الملك فنفخ في فرجها فكان النفخ مضافًا إلى الله، أمرًا وإذنًا وإلى الرسول مباشرة يبقى هاهنا سؤالان: أحدهما أن يقال إذا كان النفخُ حصل في مريم من الملك، وهو الذي ينفخ في سائر
(1) روي ذلك في حديث أبي هريرة الطويل: رواه البخاري (3340) و (4712) ومسلم (194).
البشر، فما وجه تسمية المسيح روح الله؟ وإذا كان سائر الناس تحدث أرواحهم من هذه الروح، فما خاصية المسيح؟
الثاني: أن يقال: فهل تَعلق الروح بآدم كانت بواسطة نفخ الملك؟ أم الرّبُّ هو الذي نفخها بنفسه، كما خلقه بيده؟
قيل -لعمرُ الله- إنّهما سؤالان مهمّان، فأما الأوّل: فالجواب عنه ما ذكره المحقق أنّ الرّوح الذي نفخ في مريم هو الرّوح المضاف إلى الله، الذي اختصّه لنفسه، وأضافه إليه، وهُوَ روح خاصّ من بين سائر الأرواح، وليس هو الرّوح الذي ينفخه الملك الموكّل بالنفخ في بطون الحوامل، من المؤمنين والكفّار فإنّ الله سبحانه وكّل بالرّحم مَلكًا ينفخ الروح في الجنين، فيكتب رزق المولود وأجله وعمله وشقاوته وسعادته، وأمّا هذا الروح المرسل إلى مريم، فهو روح الله، الذي (هو)(1) من الأرواح النفيسة، فكان لمريم بمنزلة الأب لسائر النوع الإنساني، فإن نفخته لما دَخلت في فرجها كان ذلك بمنزلة لقاح الذكر للأنثى، من غير أن يكون هناك وطء وأمّا ما اختصّ به آدم، فهو أنه لم يخلق كخلقه من أب ولا أمّ، كخلق سائر النّوع من أب وأمّ، ولا كان الروح الذي نفخ الله فيه منه، هو الملك الذي ينفخ الروح في سائر أولاده ولو كان كذلك لم يَكنْ لآدم به اختصاص، وإنّما ذكر في الحديث ما اختصّ به على غيره، (وهي)(2) أربعة أشياء خَلْقُ الله له بيده، ونفخُه
(1) ليست في (ب)، ولا (ط).
(2)
في (ب)، و (ط):(وهو).
فيه من روحه وإسجادُ ملائكته له وتعليمه أسماء كلّ شيء فنفخه فيه من روحه، يستلزم نافخًا ونفخًا ومنفوخًا منه، فالمنفوخ منه هو الروح المضافة إلى الله، فمنها سرت النفخة في طينة آدم، فأتته الروح من قبل رأسه (1). كما قال ابن عباس رضي الله عنهما فالله تعالى هو الذي نفخ في طينته، من تلك الروح هذا هو الذي دلّ عليه النّصُّ وأمّا كونُ النفخة بمباشرة منه سبحانه، كما خلقه بيده أو أنها حصلت بأمره، كما حصلت في مريم، فهذا يحتاج إلى دليل، والفرق بين خلق الله تعالى له بيده ونفخه فيه من روحه أن اليد غيرَ مخلوقة، والرّوحُ مخلوقة، والخلق فعل من أفعال الرّبّ وأمّا النفخ فهل هو فعل من أفعال الرّبّ القائمة به أو هو مفعول من مفعولاته القائمة بعبده المنفصلة عنه، هو مما يحتاج إلى دليل، وهذا بخلاف النفخ في فرج مريم، فإنه مفعول من مفعولاته وأضافه إليه لأنّه بإذنِه وأمرِه فنفْخهُ في آدم هل هو فعل له؟ أو مفعول؟ وعلى كلّ تقدير، فالرّوح التي نفخ فيها من آدم روح مخلوقة غير قديمة وهي مادّة روح آدم، فروحه أولى أن تكون حادثة، مخلوقة وهو المراد والله الموفّق.
فإن قلتَ: هل تقدّم خَلق الأرواح على الأجسام أم تأخر؟ قُلتُ: ذكر المحقّق أنّ في هذه المسألة قولين معروفين، حكاهما شيخ
(1) روى معنى ذلك ابن الجوزي في "التبصرة" 1/ 25 من حديث أنس مرفوعًا: لما نُفخ في آدم الروح مَارَتْ فطارت فصارت في رأسه.
الإسلام ابن تيميّة قدّس الله روحه، وممّن ذهب إلى تقدّم خلقها محمد بن نصر المروزي، وأبو محمد ابن حزم الظاهري، وحكاه إجماعًا.
وذكر المحقق أدلّة القولين في كتابه "الرّوح"، وظاهرُ كلامه بل صريحه أنّ الجسد خلق قبل الروح، ومن أدلّة هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:"إنّ خلق ابن آدم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا دَمًا، ثمّ يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح"(1). فالملك وحده يرسل إليه فينفخ فيه فإذا نفخ فيه، كان ذلك سبب حدوث الروح فيه ولم يقل يرسل الملك إليه بالروح، فيدخلها في بدنه فإنما أرسل إليه الملك فأحدث فيه الروح بنفخه فيه، لا أنّه سبحانه أرسل إليه الروح التي كانت موجودة قبل ذلك بالزمان الطويل، مع الملك ففرق بين أن يُرسل إليه الملك فينفخ فيه، وبين أن يُرسل إليه روحًا مَخلوقة قائمة بنفسها مع الملك، وقال فى موضع آخر، وأما "حديث خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام"، فلا يصحّ إسنادُه وذكر علّته (2).
وقال الإمام المحقق في كتابه "روضة المحبين ونزهة المشتاقين": إنّ القول بأنّ الأرواح خلقت قبل الأجساد، قول فاسد وخطأُ صريح بل القول الصّحيح، الذي دلّ عليه الشّرع والعقل، أنّ الأرواح مخلوقة مع الأجساد، وأنّ الملك ينفخ الروح في الجسد، إذا مَضى على
(1) رواه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: البخاري (3208) و (3332) و (7454) ومسلم (2643).
(2)
ينظر كتاب الروح (160) من رواية عمرو بن عبسة وأما رواية على فذكرها ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 401) وحكم عليه بالوضع.
النُطفة أربَعة أشهر، ودخلت في الخامس، وذلك أول حدوث الرّوح فيه، ومن قال إنّها مخلوقة قبل ذلك فقد غلط، وأقبح منه قول من قال إنها قديمة. انتهى (1).
وبعضهم ردّ عليه وصحّح القول بأنّ الأرواح خلّقت قبل، واستدل بما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الأرواح جُنودٌ مجندة، فما تعارف منها ائتلفَ، وما تناكر منها اختلف"(2).
قال ناصر السّنّة ابن الجوزي رحمه الله في "تبصرته": قال أبو سليمان الخطابي (3): معنى هذا الحديث: الإخبار عن مبدأ كونِ الأرواح خُلقت قبل الأجساد، وتقدّمت على الأجساد في التكون، على ما روي إنّ الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بكذا وكذا قال ابن الجوزي: وفي هذا الحديث دليل على أن الأرواح ليست بأعراض، وأنها كانت موجودة قبل الأجساد وأنّها تبقى بعد الأجساد يُؤيّد هذا المعنَى قوله صلى الله عليه وسلم:"أرواح الشُّهداء في حواصل طير خضر تعلق من ثمر الجنة"(4) انتهى ملخصًا.
وقد حكينا القولين فاختر لنفسك ما يحلو.
فَإِنْ قُلتَ: إذا فارقت الأرواح الأبدان، وتجردت بأيّ شيء يتميز بعضها من بعض حتى تتعارف وتتلاقى وهل تتشكل إذا تجردت
(1) روضة المحبين ص 77.
(2)
تقدم تخريجه ص 107 وهو في الصحيح.
(3)
أعلام الحديث (1536).
(4)
رواه مسلم (1887) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
بشكل بدنها التي كانت فيه أم لا.
فالجَوابُ: إنّ المحقّق أجاب عن هذا بعد أن قال: إن هذه المسألة لا أكاد أجد من تكلم فيها، وإنما يمكن الجواب عنها على أصول أهل السّنّة، التي تظافرت عليه أدلّة القرآن والسّنّة والاعتبارات، وهو أنّ الرّوح ذات قائمة بنفسها، تصعد وتنزل قال وعلى هذا أكثر من مائة دليل قد ذكرناها في كتابنا الكبير في معرفة الأرواح والنفس، وبيّنّا بطلان ما خالف هذا القول من وجوه كثيرة، وأنّ من قال غيره لم يعرف نفسه وأمّا على أصول من يقول إنّها مجرّدة عن المادّة، وعلائقها وليست بداخل العالم ولا خارجه، ولا شكل لها ولا قدر ولا شخص، وكذا على أصُول من يقول: إنها عرض من أعراض البدن، فلا جواب لهذا على أصولهم، بل لا وجود لها على زعمهم، بل تعدم وتبطل باضمحلال البدن، كما تبطل سائر صفات الحي.
قال: وقد وصفها الله سبحانه وتعالى بالدخول والخروج والقبض، والتوفي والرجوع، وصعودها إلى السماء، وفتح أبوابها لها وغلقها عنها، فقال:{أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ} [الأنعَام: الآية 93] وقال {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27)} [الفَجر: الآية 27] الآية وقال: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)} [الشمس: الآية 7 - 8] فأخبر أنه سوى النفس كما سوى البدن في قوله {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ} [الانفِطار: الآية 7] فتسوية البدن تابع لتسوية النفس، والبدنُ موضع
لها كالقالب، قال: ومن هنا يعلم أنها تؤخذ من بدنها صورة تميز بها عن غيرها، فتميز الروح عن الروح وصفاتها أعظم مِن تميز البدن عن البدن بصفاته، وحاصل الجواب أنّها تَؤخذ من بدنها صورة متميزة، عن غيرها تميزًا بيّنًا لا خفاءَ معه ولا اشتباه والله الموفق.
فإن قيل النفسُ واحدة أم ثلاثة؟، فقد وقع في كلام كثير أن لابن آدم ثلاثة أنفس، مطمئنة ولوّامة وأمّارة، وأن منهم من يغلب عليه هذه، ومنهم من يغلب عليه الأخرى ويحتجون على ذلك بقوله تعالى:{يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27)} [الفَجر: الآية 27] وبقوله: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1)} وقوله: {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)} [القِيَامَة: الآية 1، 2] وقوله: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يُوسُف: الآية 53].
فالجوابُ كما قال المحقق: إنها نفس واحدة ولكن لها ثلاث صفات، تسمى باعتبار كلّ صفة باسم، فتسمّى مطمئنّة، باعتبار طمأنينتها إلى ربّها بعبوديّته ومحبته والإنابة إليه، والتوكل عليه، والرضى به والسّكون إليه فالطمأنينة إلى الله سبحانه، خفية ترد منه سبحانه على قلب عبده المؤمن تجمعه عليه، ولا يمكن حصول الطمأنينة الحقيقة إلّا بالله وبذكره، وهو كلامه المنزل على نبيّه المرسل، كما قال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} [الرعد: الآية 28] فإن طمأنينتَه سكونهُ واستقراره. بزوال القلق، والانزعاج والاضطراب عنه وهذا لا يتأتى بشيء سوى الله وذكره البتة، وأطال. فراجعه.
وأما اللّوّامة التي أقسم بها سبحانه، فاختلف فيها فقالت طائفة: هي التي لا تثبت على حالة واحدة أخذوه من لفظة اللّوم وهو التردّد، فهي كثيرة التقلّب والتّلون وهي مِنْ أعظم آيات الله فإنَّها مخلوقة من مخلوقاته تتقلب وتتلون في السّاعة الواحدة، فضلًا عن اليوم والشّهر والعام، والعمر ألوانًا متلوّنة فتذكر وتغفل، وتقبل وتعرض، وتلطف، وتكثف، وتحب وتبغض، وترضى وتغضب، إلى غير ذلك من الأوصاف وقالت طائفة: اللفظة مأخوذة من اللّوم، ثم اختلفوا فقالت فرقة: هي نفسُ المؤمن، وهذا من صفاتها المجرّدة.
قال الحسن البصري (1) رحمه الله: إنّ المؤمن لا تراه إلّا يلوم نفسه دائمًا، يقول ما أردتِ بهذا؟ لِمَ فعلتِ هذا؟ كان غيرَ هذا أولى، أو نحوًا منْ هذا الكلام.
وقال غيره: هي نفس المؤمن تُوقعه في الذنب، ثم تلوم عليه فهذا اللوم من الإيمان بخلاف الشّقي، فإنه لا يلوم نفسه على ذنب، بل يلومها وتلومه على فوات الذنب، كأنّه من جهله بنفسه وربّه يرى أنّه إذا فاته الذنب فاته ما يوجب التأسف على فواته، والندم واللوّم لنفسه وهذا من سفهه وغفلته وقالت طائفة بل هذا اللوم لنوعين فإنّ كلّ أحدٍ يلوم نفسه بَرًّا كان أو فاجرًا، فالسّعيد يلومها على ارتكاب معصية الله وترك طاعته، والشقي لا يلومها إلّا على فوات حَظها وهواها، وقالت فرقةٌ هذا اللوم يوم القيامة فإن كلّ أحد يلوم نفسه إن كان مسيئًا فعلى إساءته وإن كان محسنًا فعلى تقصيره، وعدم زيادته.
(1)"الدر المنثور" في تفسير سورة القيامة آية (2).
قال المحقق (1): وهذه الأقوال كلها حق ولا تنافي بينها، واعلم أن اللوامة نوعان: لوّامة ملومة، وهي النفس الجاهلة، الظالمة التي يلومها الله وملائكته، ولوّامة غير ملومة وهي التي لا تزال تلوم صاحبها على تقصيره في طاعة الله، مَع بذل جهده فهذه لوّامة غير ملومة، بخلاف الأولى فإنها تلوم صاحبها والله يلومها.
قال المحقق (2): وأشرف النفوس من لامت نفسَها في طاعة الله، واحتملت ملام اللائمين في مرضاته، فلا يأخذها في الله لومة لائم. وأمّا النّفس الأمّارة فهي المذمومة فإنها تأمر بكلّ سُوء وهذا من طمعها، إلا ما وفّقها الله وثبتّها وأعانها وَمَن يخلص مِن شرّ نفسه، غير من وفّقه الله كما قال تعالى حاكيًا عن زليخا:{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)} [يُوسُف: الآية 53] وقال: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} [النُّور: الآية 21] فالنفس المطمئنة قرينها الملك، والنّفْس الأمّارة قرينها الشيطان، فنسأل الله العافية والتوفيق، فإنّه وليّ التوفيق.
فَإنْ قُلْتَ هل تتلاقى أرواح الموتى وتتزاور وتتذاكر أم لا؟ قُلْتُ: أجاب عن هذه المسألة الإمام المحقّق وقال: إنّها مسألة شريفة كبيرة القدر.
(1)"الروح" ص 338.
(2)
"الروح" ص 339 بتصرف.
وملَخّص ما أجَاب: أنّ الأرَواحَ قسمان: أرواح معذبة، وأرواحٌ منعّمة، والمعذّبة في شُغل، بما هي فيه من العذاب، عَن التزاور والتلاقي، والأرواح المنعّمة مرسلة، غيرُ محبوسة تتلاقى وتتزاور، وتتذاكر ما كان منها في الدنيا، وما يكون من أهل الدنيا فتكون كل روح مع رفيقها الذي هو على مثل عملها، وروح نبينّا صلى الله عليه وسلم مع الرفيق الأعلى قال تعالى:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [النِّساء: الآية 69] الآية (1). وهذه المعية ثابتة في الدنيا وفي دار البرزخ وفي دار الجزاء، والمرء مع من أحبّ في هذه الدور الثلاث وروى جرير عن مسروق قال: قال أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم: ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا، فإذا مت رفعت فوقنا فلم نرك فأنزل الله {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [النِّساء: الآية 69] الآية.
وقال الشعبي: جاء رجل من الأنصار وهو يبكي إلى النّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: "ما يبكيك يا فلان؟ " فقال: يا نبي الله والله الذي لا إله إلا هُو لأنت أحبّ إليّ من نفسي، وأنّا نذكرك أنا وأهلي فيأخذني كذا، حتى أراك فذكرت موتك وموتي، فعرفت أني لن أجامعك إلّا في الدُنيا، وأنك ترفع مع النّبيّين وعرفت أنّي إن دخلت الجنّة، كنتُ في منزل أدنى من منزلك فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه شيئًا فأنزل الله {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [النِّساء: الآية 69] الآية (2).
(1)"الروح" ص 45.
(2)
رواه سعيد بن منصور 4/ 1307 - 1308 (661) من طريق عطاء بن السائب عن الشعبي مرسلًا. ورواه الطبراني 12/ 86 (12559) من طريق عطاء عن الشعبي عن ابن عباس، به.
وفي قصّة الإسراء من حديث عبد الله بن مسعود قال: "لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم لقي إبراهيم وموسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهم فتذاكروا الساعة، فبدؤا بإبراهيم فسئلوه عنها فلم يكن عنده علم منها، حتى أجمعوا الحديث إلى عيسى فقال عيسى: عهد الله إليّ فيما دون وجبتها، فذكر خروج الدجال فقال: فأهبط فأقتله، وترجع الناس إلى بلادهم فيستقبلهم يأجوج ومأجوج، وهم من كلّ حدب ينسلون فلا يمرّون بماء إلا شربوه، ولا يمرّون بشيء إلّا أفسدوه فيجأرون إلى الله تعالى فَأدعوا الله فيميتُهم فتجأر الأرضُ إلى الله من ريحهم ويَجارون إليّ فأدَعو ويُرسلُ الله السّماءَ بالماء فتحمل أجسامَهُمْ فتقذفها في البحر، ثُمْ تُنسفُ الجبالُ وتُمَدُّ الأرضُ مَدّ الأديم فعهد اللهُ إليّ إذا كان كذلك فإن السّاعة من النّاس كالحامل المتم لا يَدرِي أهلها متى تفجؤهم بولادتها ليلًا أو نهارًا" قال المحقق ذكره الحاكم والبيهقي وغيرهما (1).
وهذا نصٌ في تذاكر الأرواح وقد أخبر الله سبحانه عَن الشُهداء بأنّهم أحياء عند رَبّهم يُرزقون وأنهم يستبشرون بنعمة من الله وفضل، وهذا يدل على تلاقيهم من ثلاثة أوجه؛ أحدها: أنهم أحياء عند الله وإذا كانوا أحياء فهم يتلاقون، الثاني: أنهم يستبشرون بإخوانهم
(1) حديث ضعيف، رواه ابن أبي شيبة (49917)، وابن ماجه (1365)، وأحمد 1/ 375، والشاشي (845)، وأبو يعلى (5294) وصححه البوصيري، والحاكم 2/ 384 و 4/ 488.
لقدومهم عليهم، ولقائهم لهم. الثالث: أن لفظ يستبشرون يُفيد في اللّغة أنهم يبشر بَعضُهم بعضًا مثل ما يتباشرون في الدنيا.
وقد تواترت الأخبارُ بذلك فمنها ما ذكره صالح بنُ بشر قال: رأيتُ عطاء السلمي في النوّم بعد موته فقلت: يرحمك الله، لقد كنت طويل الحزن في الدنيا، فقال: أمّا والله لقد أعقبني ذلك فرحًا طويلًا، وسرورًا دائمًا، فقلت في أي الدّرجات أنت؟ قال:{مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ} [النساء: الآية 69] الآية (1).
وقال عبد الله بن المبارك: رأيتُ سفيان الثوري في النوم فقلت له: ما فَعل الله بك؟ قال: لقيتُ محمدًا وحزبه.
وقال صخر بن راشد: رأيت عبد الله بن المبارك في النوم بعد موته فقلت: أليس قَدْ مِتَّ؟ قال: بلى. قلت: فما صنع الله بك؟ قال: غَفَر لي مغفرة أحاطت بكلّ ذنب. فَقلت: فسفيان الثوري؟ فقال: بخٍ بخٍ ذلك {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [النِّسَاء: الآية 69] الآية (2).
وذكر ابن أبي الدُنيا مِن حديث حمّاد بن زيد عن هشام بن حَسّان عن حَفصة بنتِ راشد قالت: كان مروان المحلمي (3) لي جارًا، وكان ناصبًا (3) مجتهدًا فمات، فَوجَدْتُ عليه وَجْدًا شديدًا،
(1)"حلية الأولياء" 6/ 172.
(2)
"حلية الأولياء" 6/ 386، وتاريخ بغداد 10/ 168.
(3)
في المخطوط: المحكي، رياضيًا، وما أثبت من المحقق عفا الله عنه.
قالت فرَأيته فيما يرى النائم، فقلت: أبَا عبد الله ما صنع الله بك؟ قال: أدخلني الجنّة قلت: ثُمَّ ماذا قال: ثم رَّفعتُ إلى أصحاب اليمين قُلتُ: ثمَّ ماذا قال: رُفعت إلى المقربين، قلتُ: فمن رأيتَ من إخوانك؟ قال: رأيتُ الحسنَ وابن سيرين وميمون بن سياه (1).
قال المحقق: وقد جاءت سنّة صريحة بتلاقي الأرواح وتعارفها.
أخرج ابن أبي الدُنيا قال: لما مات بشر بن البراء بن معرور رضي الله عنه وجدَت أمّ بشر وَجْدًا شديدًا فقالت: يا رسول الله إنه لا يزال الهَالِكُ يَهلك من بني سلمة فهل تتعارف الموتى؟ فأرسل إلى بشر السّلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم، والذي نفسي بيده يا أمّ بشر إنهم ليتعارفون كما يتعارف الطيرُ في رؤوس الشجر"، وكان لا يهلك هالك من بني سلمة إلّا جاءته أمّ بشر فقالت: يا فُلان عليك السلام فيقول وعليك فتقول: اقرأ علي بشر السلام (2).
وأخرج ابن أبي الدُنيا أيضًا عن عبيد بن عُمير قال: أهل القبور يتوكفون الأخبار، فإذا أتاهم الميت قالوا: ما فعل فلان؟ فيقولون صالح، ما فعل فلان؟ فيقول: صالح، ما فعل فلان؟ فيقول: ألم يأتكم؟ أما قدم عليكم؟ فيقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون، سلك به غير سبيلنا (3).
(1)"تاريخ بغداد" 5/ 338.
(2)
أورد البخاري بعضه في "التاريخ الكبير" 5/ 305، انظر ص 349 ت (1).
(3)
أخرجه عبد الله بن أحمد عن أبيه في "السنة" 2/ 613، وأبو نعيم في "الحلية" 3/ 271.
قال صالح المري: بلغني أنّ الأرواح تتلاقى عند الموت، فتقول أرواح الأموات التي تخرج إليهمْ كيف كانَ مأواك وفي أي الجسدين؟ كنت في طيب أم في خبيث؟، ثم بكى حتى بلغه البكاء.
وقال عبيد بن عمير: إذا مات الميتُ تلقته الأرواح يستخبرونه كما يستخبر الركب ما فعل فلان؟ ما فعل فلان؟ فإذا قال: تُوُفي ولم يأتهم قالوا: ذُهِب به إلى أمّه الهاوية.
وقال أيضًا: لو أني آيس مِن لقاء مَن مات من أهلي لألقاني مِتّ كمدًا.
وفي كتاب "الروح" للمحقق أنّ أبا أيّوب الأنصاري حدّث أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ نفس المؤمن إذا قبضت تلقاها أهل الرّحمة من عند الله، كمَا يتلقى المُبشَّر في الدنيا، فيقولون انظروا أخاكم حتى يستريح فإنه كان في كرب شديد، فيسألونه ماذا فعل فلان؟ وماذا فعلت فلانة؟ وهل تزوّجت فلانة؟ فإذا سألوه عن رجل مات قبله قال: قد مات قبلي، قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون ذُهبَ به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم وبئست المربية"(1)(2).
(1) كذا في جميع الأصول (المريبة) وما أثبت من مصادر التخريج.
(2)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير" 4/ 129 (3887)، وفي "الأوسط"(148)، وفي "مسند الشاميين" (1544) و (3574). وأورده الهيثمي 2/ 327 وقال: فيه مسلمة بن علي وهو ضعيف. قلتُ: مسلمة بن علي قال فيه ابن حبان: روى عن الثقات الموضوعات. "المجروحين" 1/ 336، سيأتي في 136 ت (2) ص 350 (3).
وفي "الهدي" للمحقق أيضًا، عن بعض أهل عاصم الجحدري قال: رأيتُ عاصمًا الجحدري في منامي بعدَ مَوته بسنتيْن، فقُلتُ: أليس قدْ متّ؟ قال: بلى، قلت: فأين أنت؟ قال: أنا والله في رَوضة من رِياض الجنة، ونفر من أصحابي، نجتمع كُلّ ليلة جمعة وصبحتها إلى أبي بكر بن عبد الله المزني، فنتلاقى أخبارَكم قال: قلتُ أجسامكم أم أرواحكم؟ قال: هيهات بليتِ الأجسامُ إنما تتلاقى الأرواح، قال: فقلت فهل تعلمون زيارتنا إياكم؟ قال: نعلمُ بها عشية الجُمعة ويوم الجمعة كله، وليلةَ السبت إلى طلوع الشمس، قال: قلتُ وكيف ذاك دون الأيام كلها؟ قال: لفضل يوم الجمعة، وعظمته (1).
فإن قيل: فهل تتلاقى أرواح الأحياء والأموات؟ فالجواب: نعم تتلاقى.
قال المحققُ في "الرّوح": وشواهدُ هذه المسألة وأدلتها أكثر من أنْ يُحصيها إلا الله تعالى، فتلتقي أرواح الأحياء والأموات كما تلتقي أرواح الأحياء، وقد قال تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)} [الزُّمَر: الآية 42].
(1) زاد المعاد 1/ 415 - 460 وعزاه ابن القيم إلى ابن أبي الدنيا في "المنامات"، والخبر في "شعب الإيمان" للبيهقي 7/ 18.
وذكر أبو عبد الله بنِ مَنده من الأصحاب عن ابن عبّاس في هذه الآية قال: بلغني أنّ أرواحَ الأحياء والأموات تلتقي في المنام، فيتساءلون بينهم، فيمسك اللهُ أرواح الموتى ويرسل أرواح الأحياء، إلى أجسادها. وذكر ابن أبي حاتم نحوه عن السدي (1).
قال المحقق (2): وهذا أحد القولين في الآية وهو أن الممسَكة مَنْ تُوفيت وفاة الموت أولا، والمرسلة من توفيت وفاة النوم والمعنى على هذا أنه يَتوفى نفس الميت، فيمسكها، ولا يُرسِلُها إلى جَسَدها قبل يوم القيامة ويتوفي نفس النائم، ثم يُرسلها إلى جَسَدها إلى بقية أجلها، فيتوفاها الوفاة الأخرى والقول الثاني: أن الممسكة والمرسلة كلاهما توفي وفاة النوم، فمن استكملت أجلها أمسكها عنده فلا يردها، إلى جَسدها ومَن لم تستكمل أجلها رَدّها إلى جسدها.
واختار هذا شيخ الإسلام (3) قدس الله روحه قال: وعليه يَدُلّ القرآن والسّنّة، فإنّه سُبحانه ذكر إمساكَ التي قَضى عليها الموت من هذه الأنفس، التي توفاها وفاة النوم، وأما التي توفاها حين مَوتها فتلك لمْ يصفها بإمساك، ولا إرسال، بل هي قسم ثالث والذي يترجح هُو القولُ الأوّل لأنه سبحانه أخبرَ بوفاتين، وفاة كُبرى وهي:
(1) تفسير الطبري 24/ 9.
(2)
"الروح" ص 50.
(3)
كما نقله في الروح ص 50 - 51.
وفاة الموت، ووفاة صغرى، وهي وفاة النوم.
وقسّم الأرواح قسمين: قسمًا قضَى عليه الموت فأمسكها عنده، وهي التي توفاها وفاة الموت، وقسمًا لها بقية أجل فردّها إلى جسدها قاله المحقق، ثم قال: والتحقيقُ أنَّ الآية تتناوَل النوعين فإنَّه سبحانه ذكر وفاتين، وفاتَ نوم ووفات موت، وذكر إمساك المتوفاة وإرسال الأخرى، ومعلوم أنه يمُسك كُلّ نفس ميّت سواءً مات في النوم أو اليقظة ويُرسل كُل نفسِ مَن لم يمت فقوله {يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزُّمَر: الآية 42] يتناول من مات في اليقظةِ، ومن مات في المنام.
وقد دَلَّ على التقاء أرواح الأحياء والأموات؛ أنّ الحيّ يرى الميت في منامه فيستخبره، ويخبره الميت بما لا يعلمه الحي، فيصادف خبره ما أخبر في الماضي والمستقبل، وربُما أخبره بمالٍ دفنَه الميتُ في مكانٍ لم يعلم به سواه، وقد حكى غير واحد من أهل العلم، أنّ رجلًا غنيًا حج فأودع آخر موْسومًا بالأمانة والصّلاحِ ألفَ دينارٍ حتّى يعود، مِن عَرفة فلمّا عاد، وجده قد مات، فسأل ورثته عن المال، فلم يكن لهم به علم فسأل علماء مكة عن قصّته، فقالوا له: إذا كان نصف الليل فائت زمزم وانظر فيها، وناد يا فلان باسمه، فإن كان من أهل الخير فيُجيبك من أوّل مرّة، فذهب ونادى فيها فلم يجبه أحد فأخبرهم فقالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون، نخشى أن يكون
صاحبك من أهل النار، اذهب إلى أرض اليمن ففيها بئر تسمى برهوت (1)، يقال إنها على فم جهنم، فانظر فيها بالليل، وناد فيها يا فلان فيجيبك منها فمضى إلى اليمن.
وسأل عن البئر فدُلّ عليها، فذهب ليلًا ونادى فيها يا فلان، فأجابه فقال أين ذهبي فقال: دفنتُه في الموضع الفلاني من داري، فلم آمن عليه ولدي فائتهم، واحفر هناك تجده فقال: ما الذي أنزلك هاهنا، وقد كنت يظنّ بك الخير قال: كانت لي أخت فقيرة هجرتها، وكنتُ لا أحسن عليها، فعاقبني الله تعالى بسببها، وأنزلني هذا المنزل، فبالله عليك إذا رجعت إلى أولادي وأخذت حقك تذهب إلى أختي، وتعمل معها جميلًا وتسألها بأن ترضى عني.
فذكر ذلك إلى أولاده، وذكر لَهم أمانته فأجابوه إلى ذلك، فأخذها، وأمرهم بأن يتوجّهوا إلى عمّتهم، ويأخذوا بخاطرها وتجعل أخاها في حِلّ، فذهبوا إليها وسألوا عنها، فأخُبرُوا بأنها تسأل الناس، فعاد الأولاد وأخبَروا الرّجل، بذلك فذهب الرجل إليها فاجتمع بها، وسألها ما كان حالها مع أخيها، فأبت وقالت: لا تذكره لي، وأغتمّت لذلك فأخذ الرّجل بخاطرها، وأعطاها صلة فعفت عن أخيها ودعت له بالرحمة، فعاد الرجل بعد ذلك إلى زمزم
(1) وردت أخبار أن هذه البئر تلقى فيها أرواح الكفار. انظر تفسير القرطبي 16/ 604، وابن كثير 4/ 161. ومصنف عبد الرزاق 5/ 116، ومعجم البلدان 1/ 405 - 406. قال الحافظ في الفتح 7/ 233: وهو قول ابن الدغنة.
ونادى يا فلان فأجابه وقال: جزاك الله خيرًا، قد رضي الله عني برضاها، وأعادني إلى هنا ذكر هذه الحكاية الحافظ ابن رجب في "أهوال القبور"، وابن حجر في "أسنى المطالب" وفي "الزّواجر" والبقاعي في "مختصر أهوال القبور" وغيرهم مِن العلماء - رحمهم الله تعالى- والله أعلم.
قال المحقق في "الرّوح": وصحّ عن حمّاد بن سلمة، عن ثابت عن شهر بن حوشب أن الصّعب بن جثامة، وعوفَ بنَ مالك، كانا متواخيين (1)، قال صعب لعوف: أي أخي أيّنا مات قبل صاحبه فليتراء له، قال أو يكون ذلك قال: نعم، فمات صعب فرآه عوف فيما يرى النائم كأنه قد أتاه، قال قلت: ما فعل الله بك، قال غفر لي بعد المثارب، ورأيت لمعة سوء في عنقه قلت: أخي: ما هذه؟ قال: عشرة دنانير استلفتها من فلان اليهودي، فهنّ في قرني فأعطوه إيّاها. واعلم أي أخي أنه ما يحدث في أهلي حدث بعد موتي إلّا قد لحق بي خبره، حتى هرّة لنا ماتت منذ أيّام، واعلم أنّ بنتي تموت إلى ستة أيام، فاستوصوا بها معروفًا.
فلمّا أصبحت قلت إن في هذا لمعلمًا فأتيت أهله، فقالوا: مرحبًا بعوف أهكذا تصنعون بتركة إخوانكم، لم تقربنا منذ مات صعب، فاعتللت بما يَعتلُ بِه النَّاس، فنظرت إلى القرن فأنزلته فانتشلت ما فيه فوجدت الصّرّة التي فيها الدنانير، فبعثت إلى
(1) روى أبو يعلى (3404) عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين عوف بن مالك وبين صعب بن جثامة. ورواه شهر مرسلًا كما عند ابن أبي شيبة 5/ 341.
اليهودي فقلت: كان لك على صعب شيء، قال: رَحمَ الله صَعبًا كان من أخيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هي له قلت لتخبرني قال: نعم. أسلفْتُه عشرةَ دنانير قال: فمددتها إليه قال هي والله بأعيانها قال: قلت: هذه واحدة فقلت هل حدَث فيكم حدث بعد موته؟ قالوا: نعم، حدث فينا كذا قلتُ: اذكروه. قالوا: نعم هرّة ماتت منذ أيام فقلت هاتان اثنتان. قلت: أين ابنت أخي؟ قالوا: تلعب فأتيت بها فمسكتها فإذا هي محمومة، فقلت: استوصوا بها معروفًا، فماتت لستّة أيام (1).
قال المحقق: وهذا من فقه عوف رحمه الله ورضي عنه وكان من الصَّحابة حيثُ نفَّذَ وصيّة الصعب بن جثامة بعد موته وعلم صحّة قوله بالقرائن التي أخبر بها من أنّ الدّنانير عشرة وهي في القرن، ثم سأل اليهوديّ فطابقَ قوله لما في الرّؤيا فجزم عوف بصحة الأمر، فأعطى اليهودي الدنانير، وهذا فقه إنما يليق بأفقه الناس وأعلمهم وهم الصحابة رضي الله عنهم ولعل أكثر المتأخرين ينكر ذلك، ويقول: كَيفَ جاز لعوفٍ أنْ ينقل الدنانير من تركة صعب، وهي لأيتامه وورثته إلى يهودي بمنام؟
قال المحقق: ونظير هذا من الفقه الذي خصهم الله به دون الناس، قصّة ثابت بن قيس بن شمّاس، وقد ذكرها أبو عمر بن عبد البر وأخرجها مالك محن محمد بن مالك الأنصاري عن ثابت بن
(1)"شعب الإيمان" 1/ 450 وذكر بعضه البخاري في "التاريخ الصغير" 1/ 39.
قيس بن شمّاس رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "يا ثابت أما ترضَى أن تعيش حميدًا وتقتل شهيدًا وتدخل الجنة"(1) قال الإمام مالك: فقُتِل ثابتُ يوم اليمامة شهيدًا.
وقال أبو عمر عن ابن ثابت قال: لما نزلت {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحُجرَات: الآية 2] دخل أبوه بيته وأغلق عليه الباب، ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرسل إليه يسألهُ ما خبره؟ قال: أنا رجلٌ شديدُ الصوت أخافُ أن قد حبط عملي قال: "لستَ منهم، بل تعيش بخير وتموت بخير". قال: ثم أنزل الله {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمَان: الآية 18]، فأغلق عليه بيته وطفق يبكي، ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فأخبره فقال: يا رسول إني أحُبّ الجمال وأحبُّ أن أسود في قومي، فقال:"لستَ منهم بل تعيش حميدا، وتقتل شهيدا، وتدخل الجنة". قال: فَلمَّا كان يوم اليمامة خرج مع خالد بنُ الوليد رضي الله عنه إلى مسيلمة فلمَا التقَوا انكشفوا، فقال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حفر كل واحد له حُفيرة، فثبتا وقاتلا حتى قُتلا وعلى ثابت يومئذ درع له نفسه فمرّ به رجل من المسلمين، فأخذها فبينا رجل من المسلمين نائم، إذ أتاه ثابت في منامه فقال له: أوصيك بوصية فإياك أن تقول هذا حُلم فتضيعه، إني لمّا قتلت أمس مرّ بي رجل من المسلمين، فأخذ درعي، ومنزله في أقصى الناس وعند خبائه فرس يستن في
(1) مالك في الموطأ (945).
طوله، وقد كفا على الدّرع برمة، وفوق البرمة رحلًا، فأت خالدا فمُرْهُ أن يبعث إلى درعي فيأخذها، وإذا قَدِمْتَ المدينة على خليفة رسول الله، يعني الصّديق رضي الله عنه فقل له إنّ عليّ من الدَّين كذا وكذا، وفلان من رقيقي عتيق، وفلان فأتى الرجل خالدًا فأخبره، فبعث إلى الدّرع فأتي به، وحُدّث أبو بكر برؤياه، فأجازَ وصيّته (1). قال المحققُ عن أبي عمر: ولا نعلم أحدًا أجُيزت وصيّته بعد موته، غير ثابت بن قيس رحمه الله ورضي عنه.
قال المحقق: فقد اتفق أبو بكر وخالد والصحابة رضي الله عنهم على العمل بهذه الرّؤيا، وتنفيذ الوصية بها، وانتزاع الدرع ممن هو في يده بها، وهذا محض الفقه والله أعلم. والمقصود أنّ الأرواح تجتمع مع بَعْضِها، سواء كانت موتى أو لا.
وقد أخرج ابن أبي شيبة، عن عبد الله بن عمرو قال: الجنّة مطويّة معلّقة بقرون الشمس، تُنشر في كلّ عام مرّة، وأرواح المؤمنين في طير الزرازير، يتعارفون ويُرزقون من ثمر الجنة (2).
وأخرج أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "إنَّ
(1) انظر خبر ثابت مطولًا ومختصرًا في "الآحاد والمثاني" لابن أبي عاصم 3/ 361، والطبراني في "الكبير" 2/ 70 (1320)، والحاكم 3/ 135، والبيهقي في الدلائل 6/ 356.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 7/ 56 باب ما ذكر في الجنة وما فيها مما أُعد لأهلها. ومن طريقه أخرجه أبو نعيم في "الحلية" 1/ 289 و 290، وفي "صفة الجنة"(133) والجوزقاني في "الأباطيل" 1/ 320 - 321، وإسناده ضعيف، انظر في ص 331 ت (2)، (ص 349) ت (3).
أرواح المُؤمِنَين ليلتقيان على مسيرة يوم، وما رأى أحدُهما صاحبه قط" (1).
وأخرج البزارُ بسند صحيح عن أبي هريرة رفعه: "إن المؤمن ينزل به الموت ويعاين ما يعاين، يودُ لو خرجت نفسه، والله يحب لقاءه، وأن المؤمن تصعد روحه إلى السّماء، فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفه من أهل الدنيا، فإذا قال: تركت فلانا في الدنيا أعجبهم ذلك، وإذا قال: إن فُلانا قد مات قالوا: ما جيء به إلينا"(2).
وسيأتي بقية الكلام على ذلك في باب مفرد، والله أعلم.
فإن قيلَ: هل النفس والروح شيء واحد؟ أم هما شيئان؟
قلتُ: هذا فيه خلاف مشهور بين الناس. وظاهر حديث أبي هريرة المتقدم أنَّهما شيء واحد، وأنا أذكر تفصيل ذلك وما قيل فيه، مبينًا للصّواب إن شاء الله تعالى:
حكى ابن زيد، عن أكثر العلماء: أن الرّوح والنفس اسمان لمسمى واحد، يعني كالبر والقمح اسم للحنطة، والإنسان والبشر اسم للحيوان الناطق، ويسمّى هذا عند أهل الأصول مترادفًا.
وقال ابن حبيب: هما شيئان فالروح هي النفس المتردد في
(1) رواه الإمام أحمد 2/ 175 (6636) و 2/ 220 (7048)، والبخاري في "الأدب المفرد"(261)، وإسناده لا بأس به.
(2)
رواه البزار (874)"كشف الأستار" بأطول منه، وأورده الهيثمي 3/ 52، وقال: في الصحيح طرف منه، انظر ص 127 ت (2) ص 350 ت (3).
الإنسان، والنفس هي التي يقالها جسد مجسد لها يدان ورجلان وعينان ورأس وأنها هي التي تلذ وتفرح وتألم وتحزن، وأنها هي التي تُتَوفَّى في المنام، وتخرج وتسرح، وترى الرؤيا فتسرُ بما ترى أو تحزن به، ويبقى الجسم دونها بالروح لا يلذّ ولا يفرح، ولا يعقل حتى تعود إليه النفس، فإن أمسكها الله ولم يرجعها إلى جسدها، تبعها الروح فصارت معها شيئًا واحدًا، ومات الجسم وإن أرسلها إلى أجل مسمّى، وهو أجل الوفاة حَيَى الجسمُ، واحتج بقوله {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزُّمَر: الآية 42].
والصواب، قول الأكثر: إنهما شيء واحد، لما تظافرت به الأحاديث الصّحيحة، والأخبار الصريحة من إطلاق كل واحد منهما عليها فتارةً يقول: الروح، وتارة يقول النفس.
وقال ابن منده من أصحابنا: اختلفوا في معرفة الروح والنفس، فقال بعضهم، النفس (1) طينية نارية والروح نورية روحانية. وقال بعضهم: الروحُ لاهوتية والنفس ناسوتية وإن الخلق بها ابتلى، وقالت طائفة: وهم أهل الأثر إن الروح غيرُ النفس، والنفس غيرُ الروح، وقوام النفس بالرّوح، والنّفس صورة العبد، والهَوى والشهوة والبلاء معجون فيها، ولا عدوّ أعدى لابن آدم من نفسه، لا تريد إلّا الدنيا ولا تحب إلّا هي، والرّوح تدعو إلى الآخرة وتؤثرها وجعل الهوى تبعًا للنّفس، والشيطان تبع لها وللهوى، والملك مع
(1) ليست في (أ).
العقل والروح والله تعالى يُمدّها بإلهامه، وتوفيقه ذكر ذلك ابن القيم، في الرّوح، ثم اعتمد أن الروح والنفس واحدة، وإنما يختلفان بالصّفات لا بالذّوات، والله تعالى أعلم.
وذكر بعض الصّوفية: أن النّفس هي الأصل في الإنسان، فإذا صقلت بالرياضة والمشاهدة، وأنواع الذكر والتّألّه والفكر صارت روحًا، ثم قد تترقى إلى أن تصير سرّا من أسرار الله تعالى، والله أعلم (1).
تتمة: وممّا ينبغي أن يعلم، أنّ الميّت يعرف من غسله وجهّزه، ويسمع ما يقال فيه وما يقال له، والجنازة مارّة وأن الملائكة تمشي في الجنازة، وأن السماء والأرض والملائكة تبكي على المؤمن إذا مات، وأن الميت يُلقَّنُ ونحن نذكر أدلّة ذلك كلّه.
أخرج الإمام أحمد والطبراني في "الأوسط"، وابن أبي الدنيا والمروزي، عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنّ الميت يعرف من يغسله ويحمله، ومن يكفنه ومن يدليه في حفرته"(2).
وأخرج ابن أبي الدنيَا عن مجاهد قال: إذا مات الميّت فمَلكٌ قابضٌ نفسه، فما من شيء إلا وهو يراه عند غسله، وعند حمله،
(1) على ترتيب ن ب.
(2)
رواه الإمام أحمد 3/ 3 و 62، والخطيب في "تاريخه" 12/ 212 وفي "موضح أوهام الجمع" 2/ 264، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" 1/ 208، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 2/ 21، وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط وفيه رجل لم أجد من ترجمه.
حتى يوصله إلى قبره.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: الروحُ بيد ملكٍ يمشي به، فإذا دَخل قبره جُعل فيه (1).
وأخرج أبو نعيم عن عَمرو بن دينار قال: ما من ميت يموت، إلا روحه في يد ملك ينظر إلى جسده، كيف يغسّل وكيف (2) يكفّن وكيف يُمشى به، ويقال له وهو على سريره اسمع كيف ثناء الناس عليك (3).
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عمرو بن دينار قال: ما من ميت يموت، إلّا روحه في يد ملك الموت، فهم يغسلونه وهو يرى ما يصنع أهله، فلو يقدر على الكلام، لنهاهم عن الرّنّة والعويل.
وأخرج عن سفيان قال: الميتُ يعَرف كلّ شيء، حتى إنّه ليناشد غاسله، بالله إلا أحسنت غسلي، قال: ويقال له وهو على سريره: اسمع ثناء الناس عليك.
وفي "التذكرة"(4): أنّ الروح ترفعها الملائكة، حتى توقفها بين يدي الله تعالى فيسألها، فإن كانت من أهل السعادة قال لهم: سيروا بها وأروها مقعدها من الجنَّة، فيسيروا بها في الجنة قدر ما يغسل الميت، فإذا غُسل وكفّن رُدَّت، وأدرجت بين كفنه وجسده فإذا حُمل
(1) رواه ابن أبي شيبة 7/ 168.
(2)
[كيف] ليست في (أ).
(3)
"حلية الأولياء" 3/ 349.
(4)
(1/ 101) تحقيق أبو سفيان محمود منصور.
على النعش، فإنها تسمع كلامَ الناس من متكلم بخير، ومن متكلم بشر، فإذا وصل إلى قبره، وصُلِّيَ عليه رُدّت فيه الرّوح وأقعد ودخل عليه الملكان كما سيأتي.
وأخرج البخاري ومسلم عن أنس أن النّبي صلى الله عليه وسلم وقف على قتلى بدر فقال عمرُ: يا رسول الله، كيف تكلِّم أجسادًا لا أرواح فيها؟، فقال:"يا فُلان بنُ فلان هل وجدتم ما وعد ربكم حقا"، فإنّي وجدت ما وعدني ربّي حقا، فقال:"ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، غير أنهم لا يستطيعون أن يردّوا على شيء"(1).
وأخرج أبو الشيخ، من مُرسل عبيد بن مرزوق قال: كانت امرأةٌ بالمدينة تقُمُّ المسجد، أي تكنسه فماتت فلم يعلم بها النبي صلى الله عليه وسلم فمرّ على قبرها فقال: ما هذا القبر؟ فقالوا: أمّ محجن، قال:"التي كانت تقمّ المسجد؟ " قالوا: نعم فصفّ النَّاس فصلَّى عليها، فقال:"أيّ العمل وجدتِ أفضل؟ " قالوا: يا رسول الله أتسمع؟ قال: "ما أنتم بأسمع منها"، فذكر أنها أجابته: قَمُّ المسجد.
وأخرج الشيخان عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وُضعت الجنازة واحتملها الرّجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت قدّموني، وإن كانت غير صالحة، قالت: يا ويلها أين تذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلّا الإنسان، ولو يسمعه الإنسان لصعق"(2).
(1) رواه البخاري (3976) ومسلم (1779).
(2)
رواه البخاري (1314) و (1316) و (1380).
وأخرج الإمام أحمد في "الزّهد"، عن أمّ الدّرداء قالت: إنَّ الميت إذا وُضع على سريره، فإنّه يُنادي يا أهلاه ويا جيراناه، ويا حملة سريراه، لا تّغرنكم الدّنيا كما غرّتني، ولا تلعبنّ بكم كما لعبت بي، فإنّ أهلي لم يحملوا من وزري شيئا (1).
وأخرج سعيد بن منصور: إن الملائكة لتمشي أمام الجنازة، ويقولون: ما قدّم فلان؟ ويقول الناس: ما ترك فلان؟ وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي الجلد قال: قرأتُ في مسألة داود رَبَّه قال: إلهي ما جزاء من شيّع الجنازة ابتغاء مرضاتك؟ قال: جزاؤه أن تشيّعه الملائكة يوم يموت، وأصلّي على روحه في الأرواح (2).
وأخرجه ابن عساكر عن ابن مسعود مرفوعًا، ولفظه: أن داود قال: إلهي ما جزاء من شيع ميتًا إلى قبره ابتغاء مرضاتك؟ قال: جزاؤه أن تشيّعه ملائكتي، فتصلّي على روحه في الأرواح (3).
وأخرج أبو نعيم، وأبو يعلى، وابن أبي الدنيا، وابن أبي حاتم، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما من إنسان إلّا وله بابان في السّماء، بابُ يصعد عمله فيه، وباب ينزل منه رزقه، فإذا مات العبدُ المؤمن بكيا عليه"(4).
(1) رواه البيهقي في "الزهد الكبير" 2/ 202، وهو في "صفة الصفوة" 4/ 396. وروي نحوه عن عمر مرفوعًا كما في "تاريخ جرجان" ص 178، و"الفردوس" 4/ 31.
(2)
الحلية (6/ 56).
(3)
الفردوس بمأثور الخطاب (4559)(3/ 239).
(4)
رواه الترمذي (3255)، وأبو يعلى (4133)، وفي إسناده ضعف ويقويه ما روي عن ابن عباس موقوفًا: رواه البيهقي في "الشعب" 3/ 183، وهو الخبر التالي.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قوله تعالى {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} [الدّخَان: الآية 29] هل تبكي السماء والأرض على أحد؟ قال: "نعم إنه ليس أحد من الخلائق إلا له باب في السّماء، منه ينزل رزقه، وفيه يصعد عمله، فإذا مات المؤمن، فأغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله، وينزل منه رزقُه فقد بكى، فإذا فَقَد مصلّاه من الأرض الذي كان يصلي فيها ويذكر الله فيها بكت عليه، وإن قوم فرعون لم يكن لهم في الأرض أثارٌ صالحة، ولم يكن يصعد إلى الله منهم خير، فلم تبك عليهم السماء والأرض (1).
وأخرج ابن جرير وابن أبي الدنيا عن عبيد الحضرمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مات مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه، إلّا بكت عليه السماء والأرض"، ثم قرأ:" {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} [الدّخَان: الآية 29] ". ثمّ قال: "إنهما لا يبكيان على كافر"(2).
وقال مجاهد: ما من مؤمن يموت إلا تبكي عليه الأرض سبعين صباحًا.
وقال محمد بن كعب: إن الأرض لتبكي من رجل وتبكي على رجل، تبكي على من كان يعمل على ظهرها بطاعة الله، وتبكي من
(1) شعب الإيمان 3/ 183.
(2)
تفسير الطبري 25/ 125 وهو منقطع.
رجل يعمل على ظهرها بمعصية الله (1).
وقال علي كرّم الله وجهه: إذا بلغت الجنازة القبر فجلس الناس فلا تجلس، ولكن قم على شفير قبره فإذا دُلي في قبره فقل: بسم الله، وفي سبيل الله، وعلى ملّة رسول الله، اللهم إنه عبدك نزل بك، وأنت خيرُ منزول به خلّف الدنيا خلْفَ ظهره فاجعل ما قَدِمَ عليه خيرًا مما خلّف، فإنك قلت {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ} [آل عِمرَان: الآية 198] (2).
وأخرج الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره، وليقرأ عند رأسه بفاتحة الكتاب، وعند رجليه بخاتمة سورة البقرة في قبره"(3).
وكان أنس رضي الله عنه يقول إذا وُضع الميتُ في قبره: اللهم جاف القبر عن جنبيه وصعّد روَحهُ، وتقبله وتلقاه منك برَوح (4).
وقال عَمرو بن مرة: كانوا يستحبون، إذا وضع الميت في
(1) رواه ابن المبارك في "الزهد" ص 150، وأبو نعيم في "الحلية" 3/ 213.
(2)
رواه البزار في مسنده 2/ 124، وأروده الهيثمي 3/ 44 وقال: فيه عبد الله بن أيوب وهو ضعيف.
(3)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير" 12/ (13613)، والبيهقي في الشعب 7/ 16 وفيه ضعف. وأورده في المجمع 3/ 44.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 19 و 20 و 6/ 107، والطبراني 1/ 244 (687)، والبيهقي في الشعب 7/ 8.
اللحد أن يقولوا: اللهم أعذه من الشّيطان الرجيم.
وأخرج الطبراني في "الكبير"، عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا مات أحدُ من إخوانكم فسوّيتم التراب عليه، فليقم أحدكم على رأس قبره، ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة فإنه يسمعه ولا يجيبه، ثم يقول يا فلان ابن فلانة، فإنه يستوي قاعدًا، ثم يقول: يا فلان بن فلانة، فإنه يقول أرشدنا أرشدك الله، ولكن لا تشعرون فليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وأنك رضيت بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمدّ نبيّا وبالقرآن إماما، فإنّ منكرًا ونكيرًا يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه ويقول: انطلق بنا ما نقعد عند من لقّن حجّته، فيكون الله حجيجه دونهما قال رجل يا رسول الله: فإن لم يعرف أمّه؟ قال: ينسبه إلى حواء يا فلان ابن حواء"(1). والله أعلم.
(1) رواه الطبراني في "الكبير" 8/ (7979). وأروده في "المجمع" 2/ 324 و 3/ 45 وقال: في إسناده جماعة لم أعرفهم وهو حديث ضعيف، قال العراقي في تخريج الأحياء (4/ 420) لا يصح وقال الألباني في الضعيفة (599) حديث منكر.