الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهل القبور قد قاموا على قبورهم، فبادروني بالكلام، فقالوا: يا هذا كم تدعو الله عز وجل أن يُرَيك إيانا تسألنا عن رجل لم يَزل منذ فارقكم تحليّه (1) الملائكة تحت شجرة طوبي.
قال الحافظ عبد الحق الإشبيلي:
وهذا كلام من أهل القبور إنما هو إخبار عن علّو درجة أحمد بن حنبل رضي الله عنه وارتفاع مكانه وعظم منزلته، فلم يقدروا أن يُعبّروا عن صفة حاله، وعن ما هو فيه إلا بهذا، وما هو في معناه (2).
قُلْتُ: وذكر الحافظ ابن رجب في "طبقات الأصحاب"(3)، رضي الله عنهم في ترجمة أحمد بن علي الصوفي، قال: كنتُ على مذهب الإمام الشافعي، رضي الله عنه وكان من عادتي أن لا أُرجع في الأذان، ولا أقنت فى صلاة الفجر، غير أنني أجهر ببسم الله الرَّحمن الرحيم، وكيان عادتي أيضاً ليلة الغيم أنوي رمضان، كما جرت عليه عادة أصحاب أحمد، فلما كان في بعض الليالي، رأيت كأنني في دار حسنة جميلة، وفيها الغلمان والخدم، والجند خلق عظيم وهم صغار وكبار، والدُخل والخُرج، والأمر والنهي، فإذا رجملٌ بهي شيخ على سرير والنور على وجهه ظاهر وعلى رأسه تاجٌ من ذهب مرصج بالجوهر، وثياب خضر تلمع، وكان إلى جانبي رجل ممنطق يشبه الجند، فقلت له: بالله هذا المنزل لمن؟ قال: لمن ضُربَ
(1) سقطت من (ط).
(2)
"الروح" ص 60 - 61.
(3)
1/ 46.
بالسوط، حتى يقول القرآنُ مخلوق، قلتُ أنا في الحال: أحمد بنُ حنبل، قال: هوَذا فقلتُ واللهِ إن في نفسي أشياء كثيرة، أشتهي أن أسأله عنها، وكان على سرير وحول السرير خلقٌ قيام فأومأ إليّ: أن أجلسْ وسَلْ عمّا تريد: فمنعني الحياء من الجلوس، فقلت يا سيّدي: عادتي لا أرجِّعُ في الأذان، ولا أقنت في صلاة الفجر، غيرَ أني أجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وأخشع فقال بصوتٍ رفيع عال: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتقى منك وأخشع، وأكثرهم لم يجهر بقراءتها، فقلت: عادتي ليلة الغيم أصوم، كما قال الإمامُ أحمد بنُ حنبل، فقال: اْعتقد ما شئت من أيّ مذهب تدين الله به، ولا تك مَعْمَعِيًا وأنا أُرعد.
فلما أصبحتُ أعلمْت من يصلي ورائي بما رأيت، وأخبرتهم أني حنبلي، ولم أجهر بعد ودعاني ذلك إلى أن قلتُ هذه القصيدة وهي قوله:
حقيقة إيماني أقولُ لتسمعوا
…
لعلي به يومَ القيامة أرجع
إلى أن قال:
وعن مذهي إن تسألوا فابن حنبل
…
به أقتدي ما دمت حيًّا أُمتَّعُ
وذكر القصيدة وهي طويلة مشهورة ذكرها الحافظُ في الطبقات وغيرهُ ممّن ترجَم الأصْحابَ واللهُ أعلم.
وذكر في "تنبيه الغافلين"، عن شيخ من أهل البصرة وكان من كبارِ الصالحين بها: أنه رأى الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه في النوم فقال: ما صنع اللهُ بك يا أحمد؟ فقال: رحمني وأكرمني، وحياني وقال: يا أحمد ادعُني بالدعوات التي كنت تدعو بها في دار الدنيا، فقلت: اللهم يا رب كل شيء، قال: صدقت يا أحمد أنا ربُّ كل
شيء، قلتُ: بقدرتك على كل شيء، قال: صدقت يا أحمد أنا القادر على كل شيء، قلت: اْغفر لي كُل شيء، قال: يا أحمد غفرت لك كل شيء، قلت: ولا تسألني عن شيء، وفيه: فقلتُ: يا رب شفعني في أهل السُنّة قال: قد شفعتك فيهم، وأعطيتك سؤلك.
قُلْتُ وذكر هذه الرؤيا بنحو ما ذكرنا البيهقي، والحافظ ابن الجوزي، وغيرهما بغير زيادة فقلت: يا رب شفعني إلى آخره، والله أعلم.
وذكر الحافظ ابن رجب، في "طبقات الأصحاب"(1) في ترجمة، شَيخه الإمام المحقق ابن القيم، قدس الله روحه، قال: رأى شيخُنا قبل موته بمدة شيخَه شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه في النوم، فسأله عن منزلته فأشار إلى علوها فوق بعض الأكابر، ثم قال له: وأنت قد كدت تلحق بنا؛ لكن أنت الآن في طبقة ابن خريمة، فمات بعد تلك الرّؤيا رضي الله عنه.
وذكر الحافظ في "طبقات الأصحاب"(1) أيضًا في ترجمة حافظ الدنيا وإمامها: الحافظ عبد الغني، طيب الله ثراه عن الضياء المقدسي، رحمه الله قال: سمعت الإمام أبا العباس أحمد بن محمد بن عبد الغني، سنة اْثنتي عشرة وستمائة، قال: رأيتُ البارحة الكمال، يعني: أخا عبد الغني، وكان تُوفّي في تلك السنة في النوم، وعليه ثوبٌ أبيض فقلت له: يا فلان أين أنت؟ قال: في جنة عدن قلت: أيهما أفضل الحافظ عبد الغني أو الشيخ أبو عمر؟ فقال: ما أدري، وأما
(1)(2/ 31، 451).
الحافظ فكل ليلة جمعة ينصب له كرسي عند العرش، ويقرأ عليه الحديث، وينثر عليه الدّرّ والجوهر، وهذا نصيبي منه، وكان في كمه شيء وقد أمسك بيده على رأسها.
وقال الإمام المحقق في الروح: قال أبو جعفر الضرير: رأيتُ عيسى بن زاذان بعد موته، فقلتُ: ما فعل الله بك؟ فأنشأ يقول (1):
لو رأيتَ الحسانَ في الخُلد حولي
…
والأكاويب مَعَهن للشراب
يتمرغن بالكتاب جميعا
…
يتمشين مُسبلات الثياب
ثم قال: والرؤيا الصحيحة أقسام منها إلهام، يلقيه الله سبحانه في قلب العبد، وهو كلام يكلم به الرب عبده في المنام، كما قال عبادة بن الصامت وغيره، ومنها مثلٌ يضربه ملك الرؤيا الموكل بها، ومنها التقاء رُوح النائم بأرواح الموتى من أهله وأقاربه وأصحابه وغيرهم، كما ذكرنا، ومنها عروج روحه إلى الله عز وجل وخطابها له، ومنها دخول روحه الجنَّة ومشاهدتها، وغير ذلك، فالتقاء أرواح الأموات والأحياء نوع من أنواع الرؤيا الصحيحة، التي هي عند الناس من جنس المحسوسات، وهذا موضع اْضطرب فيه الناس (2).
وقد أخرج الإمام أبو عبد الله بن منده، الحافظ من الأصحاب في كتاب "النفس والروح"، بسنده عن ابن عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما قال: لقي عُمرُ بنُ الخطاب عليَّ بن أبي طالب، رضي الله
(1)"الروح" ص 62.
(2)
المصدر السابق ص 63 - 64.
عنهما فقال له: يا أبا حسن، ربَّما شهدتَ وغِبنا ورُبّما شَهدنا وغبت، [ثلاثة أسألك عنهن] (1): فهل عندك منهن علم؟ فقال: وما هن؟ فقال الرجل يحبُ الرجل ولم يَرَ منهُ خيرا، والرجل يبغض الرجل ولم ير منه شرا. فقال عليّ: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن الأرواح جنودٌ مجندة، تلتقي في الهواء (2) أقسام، فما تعارف منها اْئتلف، وما تناكر منها اْختلف".
فقال عمرُ واحدة، والرجل يحدث الرجل الحديث إذ نسيه فبينا هو قد نسيه إذ ذَكَرَه، فقال: نعم، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ما في القلوب قلبٌ إلّا ولهُ سحابة كسحابة القمر بينا القمر يضيء إذ تخللته سحابة، فأظلم إذ تجلت فأضاء، وبينا القلب يتحدث إذ تخللته سحابة فنسي، إذ علت عنه فذكر".
فقال عمر اْثنتان: والرجلُ يرى الرّؤيا فمنها ما يَصدُقُ ومنها ما يكذب، فقال: نعم سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد [ينام] (3) يمتلئ نوماً إلا يُعرج بروحه إلى العرش، فالذي لا يستيقظ دون العرش، فتلك الرؤيا التي تصدُق والذي يستيقظ دون العرش، فهي التي تكذب".
(1) كذا في (ب)، و (ط)، وفي النسخة (أ) تقديم وتأخير في تلك الجملة.
(2)
كذا في (أ)، و (ط) والمثبت في (ب):"في الهوى".
(3)
ساقطة من (أ).
فقال عمر: ثلاثٌ كنتُ في طلبهن فالحمد لله الذي أصبتهن قبل الموت (1)(2).
ومن عجيب صحَّة الرؤيا ما ذكره الإمام المحقق في "الروح"، مما نحن بصدده أنَّ رجلا كان اْسمُه عبد الله، ويُكنىَّ بأبي محمد، وكان معروفًا برؤية الأموات، قال: وكان رجلاً صالحًا، مشهورًا برؤية الأموات وسؤالهم عن الغائبات، ونَقْل ذلك إلى أهلهم وقراباتهم، وكثر منه ذلك، فكان المرء يأتيه فيشكوا إليه أن حميمه قد مات من غير وصية، وله مال لا يهتدي لمكانه، فيعده خيرًا ويدعو الله في ليلته فيتراءى لهُ الميت الموصوف، فيسأله عن الأمر فيخبره به (3).
قال: فمن نوادره: أن اْمرأة عجوزًا من الصالحات ماتت، ولامرأة عندها سبعة دنانير وديعة، وشكت إليه ما نزل بها وأخبرته باسمها، واسم الميتة صاحبتها، ثم عادت إليه من الغد، فقال لها: تقولُ لك فلانَة: عُدّي من سقفِ بيتي سبع خشبات، تجدي الدنانير في السابعة، في خرقة صوف ففعلت، فوجدتها كما وَصَفَ لها (4).
قال: وقال علي القيرواني العابد: أخبرني رجلٌ لا أظن به كذبًا
(1) الخبر بطوله في "الأوسط" للطبراني (5220)، و "الحلية" 2/ 196 وأورد بعضه في "الفردوس"(6173)، وفي "مجمع الزوائد" 1/ 162.
قال الهيثمي: فيه أزهر بن عبد الله، قال العقيلي: حديثه غير محفوظ عن ابن عجلان وهذا الحديث يعرف من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي موقوفاً، وبقية رجاله موثقون، الضعفاء الكبير (1/ 135).
(2)
"الروح" ص 64 - 65
(3)
"الروح" ص 68.
(4)
المصدر السابق.
قال: اْستأجرتني اْمرأةٌ من أهل الدنيا، على هدم دارٍ لها، وبنائها بمال معلوم، فلما أخذت في الهدم؛ لزمت الفعلة هي ومن معها، فقلت: مالك؟ قالت: والله ما لي إلى هدم هذه الدار من حاجة، لكن أبي ماتَ وكان ذا يسار كثير، فلم نجد له كثير شيء فخلتُ: أي ظننتُ أن ماله مدفون، فعمدت إلى هدم الدار، لعلي أجد شيئًا فقال لها بعض من حَضَرنا: لقد فاتك ما هو أهون من ذلك، قالت وما هو؟ قال: فلان تمضين إليه، وتسألينه أن يُبيت قصتك الليلة، فلعله يرى أباك، فيدلك على مكان ماله بلا تعب، فذَهبَت إليه، ثم عادت إلينا فزعمت أنه كتب اْسمها، واسم أبيها عنده، فلما كان من الغد، بكرت إلى العمل وجاءت المرأة من عند الرجل، وقالت: إنَّ الرجل قال لي: رأيتُ أباك وهو يقول: المال في الخبية، فجعلنا نحفر تحت الخبية، وفي جوانبها حتى لاح لي شق، وإذا المال فيه قال: فأخذنا في التعجب، والمرأة تستخف بما وجدت، وتقول: مالُ أبي كان أكثرَ من هذا، ولكن أعود إليه، فمضت فأعلمته، ثم سألته المعاودة، فلمّا كان من الغد، أتت وقالت: إنه قال لها إن أباك يقول لكِ: اْحفري تحت الجابية المربعة، التي في مَخْزن الزيت، قال: ففتَحت المخزن، فإذا بجابية مُرَبَّعة في الركن، فأزلناها وحفرنا تحتها، فوجدنا كوزاً كبيرًا، فأخذته، ثم دام بها الطمع في المعاودة ففعلت، فرجعت من عنده وعليها الكآبة فقالت: زعم أنه رآه وهو يقول له قد أخذتْ ما قُدّر لها وأما ما بقي فقد أخذه عفريت من الجن يحرسه إلى مَنْ قُدِّرَ له. والله أعلم.