الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في فظاعة القبر وسعته على المؤمن وضيقه على الكافر وفي ضمة القبر
أخرج الحاكم، وابن ماجة، والبيهقي خبر عثمان وتقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم:"ما رأيت منظرًا إلا والقبر أفظع منه"(1).
وأخرج ابن ماجة عن البراء قال: كنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في جنازة فجلس على شفير قبر فبكى وأبكى حتَّى بل الثرى ثم قال: "يا إخواني لمثل هذا فاعملوا"(2).
أخرج الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة عن ابن عمر قال: توفى رجل بالمدينة فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا ليته مات في غير مولده " فقال رجل من الناس: لم يا رسول الله؟ قال: "إن الرجل إذا توفي في غير مولده قيس له من مولده إلى منقطع أثره في الجنة"(3).
وأخرج ابن منده عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا: "يفسح للغريب في قبره كبعده عن أهله".
وأخرج عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا: "إنما القبر
(1) رواه أحمد 1/ 63، وابن ماجة (4267)، والحاكم 1/ 526 و 4/ 366، والبيهقي 4/ 56 انظر ص 187 ت (1).
(2)
رواه ابن ماجة (4195)، والبيهقي 3/ 369 بإسناد ضعيف فيه محمد بن مالك لم يسمع من البراء.
(3)
رواه أحمد 2/ 177، والنسائي 4/ 7، وابن ماجة (1614)، وابن حبان (2934). وإسناده حسن.
روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار" (1).
وأخرج البيهقي عن ابن عمر نحوه. وأخرج علي بن سعيد عن معاذ رضي الله عنه قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: ألا تخبريني عن مقبورنا وما يلقى وما يصنع به. فقالت: إن كان مؤمنًا فسح له في قبره أربعون ذراعًا.
قال القرطبي: وهذا إنما يكون بعد ضيق القبر والسؤال، وأما الكافر فلا يزال قبره ضيقًا عليه. قال: وقوله صلى الله عليه وسلم في "القبر إنه روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار" محمول عندنا على الحقيقة إلى المجاز، وإن القبر يملأ على المؤمن خضًرا وهو العشب من النبات وقد بينه ابن عمر (2) في حديثه أنه الريحان ويملأ نارًا ..
قال: وذهب بعض العلماء إلى حمله على المجاز وإن المراد خفة السؤال على المؤمن وسهولته عليه وأمنه وطيب عيشه وراحته وسعته عليه بحيث يرى مد بصره؛ كما يقال: فلان في الجنة إذا كان في رغد من العيش وسلامة وكذا في ضده قال والأول أصح (3).
وأخرج أحمد (4)، والحكيم الترمذي، والبيهقي في كتاب "عذاب القبر"، عن حذيفة، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فلما انتهينا إلى
(1) رواه الترمذي (2460) قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وقال الألباني في"ضعيف الترمذي": ضعيف جدًا. انظر ص 165 ت (1).
(2)
في "التذكرة": ابن عمرو.
(3)
انظر "التذكرة" ص 145.
(4)
كلمة "أحمد" ليست في (ب).
القبر، قعدنا على شفته، فجعل يرددِّ بصره فيه، ثم قال:"يُضغط فيه المؤمن ضغطة تزول منها حمائله ويُملأ على الكافر نارًا"(1).
قال في النهاية: الحمائل هنا: عُروق الانثَييْنِ. وَيَحْتمل أن يُراد موضع حَمَائِل السيف، أي عَواتِقه وصَدْره وأضْلاعه (2).
وأخرج أحمد، والبيهقي عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن للقبر ضغطةً، لو كان أحدٌ منها ناج لنجا منها سعدُ بنُ معاذٍ"(3).
وأخرج الإمام أحمد والبيهقي، والحكيم، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: لما دُفن سعد بن معاذ سبَّح النبي صلى الله عليه وسلم وسبَّح الناس معه طويلًا، ثم كبَّر وكبَّر الناس، ثم قالوا: يا رسول الله، لمَ سَبَّحْتَ؟ قال:"لقد تضايق على هذا الرجل قبرُه حتى فرج الله عنه"(4).
(1) رواه أحمد 5/ 407، والحكيم في "نوادر الأصول" 1/ 624، والبيهقي في إثبات عذاب القبر رقم (128)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 3/ 46: رواه أحمد وفيه محمد بن جابر، وهو ضعيف، وقال ابن الجوزي في الموضوعات 3/ 231: هذا حديث لا يصحّ، وتعقّبه ابن حجر في "القول المسدد" ص (28 - 29) وقال: قلت: وأبو البختري اسمه سعيد بن فيروز لم يدرك حذيفة، ولكن مجرَّد هذا لا يدل على أن المتن موضوع؛ فإن له شواهد في أحاديث كثيرة لا يتسع الحال لاستيعابها.
(2)
النهاية 1/ 442.
(3)
رواه أحمد 6/ 55 و 98، والبيهقي في "إثبات عذاب القبر" رقم (119)، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/ 46): رواه أحمد عن نافع عن عائشة، وعن نافع عن إنسان عن عائشة، وكلا الطريقين رجالهما رجال الصحيح.
(4)
رواه أحمد 3/ 360 و 377، والطبراني في "الكبير"(5346)، والبيهقي في "إثبات عذاب القبر"(126)، وأورده الحكيم الترمذي 1/ 625.
وأخرج النسائي، والبيهقي، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"هذا الذي تحرَّكَ له العرشُ، وفُتِحَتْ له أبوابُ السماء، وشهده سبعون ألفًا من الملائكة، لقد ضمَّ ضمَّةً، ثم فُرِّج عنه"(1) يعني سعَدَ بن معاذ رضي الله عنه. قال الحسن: تحرك العرش فرحًا بروحه.
وأخرج الطبراني، عن أبي أيوب، بسند صحيح، أن صبيًا دُفن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو أفلت أحدٌ من ضمَّةِ القبرِ، لأفلتَ هذا الصبيُّ"(2).
قال: ابن أبي مليكة، ما أجير من ضغطة القبر أحد، ولا سعد ابن معاذ الذي منديلٌ من مناديله - أي: في الجنة - خيرٌ من الدنيا وما فيها.
قال مجاهد: أشدُّ حديثًا سمعناه عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله في سعد بن معاذ، وقوله في أمر القبر.
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما عُفِي] (3)
(1) رواه النسائي 4/ 100 - 101، والبيهقي في "الدلائل" 4/ 28، وفي "عذاب القبر"(122).
(2)
رواه الطبراني في "الكبير" 4/ (3858)، قال الهيثمي في "المجمع" 3/ 47: رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله رجال الصحيح.
(3)
إلى هنا تنتهي الورقات الساقطة وقد استدركتها من (ب)، (ط) كما تقدم بيانه، انظر ص 210.
أحدٌ منْ ضَغْطةِ القَبر إلَّا فاطمةُ بنتُ أسد"، فقيل: يا رسول الله، ولا القاسمُ ابنك؟ قال: "ولا إبراهيمُ". وكان أصغرهما (1).
قال أبو القاسم السعدي في كتاب "الروح" له: لا ينجو من ضغطةِ القبر صالحٌ ولا طالحٌ.
والمرادُ إلاّ من استثناه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وهو فاطمةُ بنتُ أسد بن هاشم بنِ عبدِ مناف والدةُ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما إن ثبت الحديثُ فقيل الحكمة في ذلك لأنها ضمّت المصطفى، وقيل؛ لأنّه سَكبَ عليها الماء الذي فيه الكافور. توُفّيَت في المدينة ودُفنت شِمال قبّة عثمان في موضع يقال له الحمام، وعليها قبّةٌ صغيرة، كذا في "زُبدة الأعمال" والله أعلمْ.
قال أبو القاسم السَّعديّ: والفرقُ بينَ المسلم والكافر دوامُ الضغْطِ للكافر، وحُصولُ هذه الحالة للمؤمنِ في أوّل نزوَله إلى قبره، ثم يعودُ إلى الانفساح لهُ فيه.
قال: والمرادُ بضغطةِ القبر: التقاء جانبيْه على جسدِ الميّت. قال الحكيم الترمذيّ: سببُ هذه الضَّغْطة؛ أنَّه مَا منْ أحَد إلاّ وقد ألم بخطيئةٍ ما، وإن كان صالحًا؛ فجُعلتْ هذه الضغطة جزاء لها ثُمّ تُدركُه الرحمة. ولذلك ضغط سعدِ بنِ معاذٍ رضي الله عنه.
(1) الخبر في "تاريخ المدينة" 1/ 124 من رواية محمد بن علي بن أبي طالب - ابن الحنفية - مرفوعًا وهو مرسل قوي قال في تخريج الأحياء (4069) ذكره في كتاب أخبار المدينة عن أنس وهو فيه عن محمد بن علي.