الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وأمّا معرفة الموتى بحالهم في الدنيا قبل الدفن، ومعرفتهم في قبورهم بحال أهلهم وأقاربهم في الدنيا. فأخرج الإمام أحمد، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ الميت يَعرف من يغسله ومن يحمله، ومن يدلّيه في قبره". فقال ابن عمر وهو في المجلس - يعني: لأبي سعيد -: ممّن سمعتَ هذا؟ فقال أبو سعيد: من رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا تفضحوا أمواتكم بسيّئات أعمالكم، فإنها تعرض على أوليائكم من أهل القبور"(2)(3).
وأخرج الإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه، مرفوعًا:"إنَّ أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات، فإن كانت (4) خيرَا استبشروا، وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لا تُمتهم حَتَّى تهديهم، كما هديتنا"(5).
(1) رواه أحمد 3/ 3 و 62، والخطيب 12/ 212، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" 1/ 208. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 3/ 21 وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط وفيه رجل لم أجد من ترجمه.
(2)
أورده في الفردوس (7357)، وعزاه في كشف الخفا 2/ 481 لابن أبي الدنيا والمحاملي بسند ضعيف.
(3)
انظر: "المنامات" 19 - 20 (2).
(4)
كذا في (أ) والمثبت في (ب)، و (ط)"كان".
(5)
رواه أحمد 3/ 164 - 165، وفي إسناده مجهول. وانظر "الضعيفة" للألباني (863).
وأخرجه أبو داود، من حديث جابر بن عبد الله، غير أنه قال:"حتى تهديهم كما هديتنا، وألهمهم أن يَعملوا بطاعتك"(1).
وأخرج ابن أبي الدنيا من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّه لم يبقَ من الدنيا إلَّا مثلُ الذباب تَمورُ في جَوّها، فالله الله في إخوانكم من أهل القبور، فإن أعمالكم تعرض عليهم"(2).
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي الدرداء أنه قال: إن أعمالكم تُعرضُ على موتاكم، فيُسرون ويساءون، فكان أبو الدردراء يقول عند ذلك: اللهم إني أعوذ بك أن أعمل عملًا أخزَى عند عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، وفي لفظ اللهم إني أعوذ بك أن يَمقتني خالي عبد الله بن رواحة إذا لقيتُه، يقول ذلك في سجوده (3).
ودخل عباد على إبراهيم بن صالح، وهو أمير على فلسطين، فقال له: عِظني، قال: ما أعظك أصلحك الله، بلغني أن أعمال
(1) رواه الطيالسي في "مسنده" 1/ 345 (1903) وفي إسناده متروك. وفي الباب اْيضا حديث النعمان بن بشير. رواه الحاكم 4/ 307. وحديث أبي أيوب أخرجه الطبراني في الكبير (3887) و (3888)، وابن عدي في "الكامل" 3/ 1148 وكلها أسانيد ضعيفة جدًا.
(2)
رواه الحاكم 4/ 342، والبيهقي في "الشعب"(10242)، وفي إسناده مالك بن أدّا مجهول كما في "الجرح والتعديل" 9/ 336.
(3)
رواه نعيم بن حماد في "زوائده" على "الزهد" لابن المبارك (165)، ونعيم ضعيف.
الأحياء تُعرض على أقاربهم من الموتى، فانظر ماذا تعرضُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمك قال: فبكى إبراهيم حتى سالت دموعه على لحيته ومِمّا ينبغي أن يتفطّنَ له أنه جاء أنَّ أعمال الأمّة كُلّها تُعرضُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم لأمته بمنزلة الوالد، بل أولى ولقد سمعتُ أستاذِي الشيخ عبد القادر التغلبي، قدَّسَ الله روحه يقول: شيخُ المرءِ أولى من أبيه؛ لأنَّ أبَ الإنسان يُربّيه حتى يبلغ أشدّه، ويَدَعُه فيكون جُلّ تربيته له من جهة ما يتعلقُ بأمُور الدنيا، وأمّا الشيخ فإنه يرشدُه لمعرفة ما يجب عليه وما يُسن وما يُكره، وما يُحرم وما يُباح ويدلّه على رَبِّه، ويعلّمه كلّ ما يحتاج إليه من أمر آخرته، ويعرّفه ما يجبُ لِلّه، وما يجوز وما يستحيل، وكذلك لنبيّه، أو نحو ذلك رضي الله عنه وجزاه الله عنا خيرًا.
وممَّا يدلّ لما ذكرنا مِن أنّ أعمالَ الأمّة، تُعرض على النبى صلى الله عليه وسلم ما أخرجه البزار في مُسنده، عن عبد الله رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام".
وقال صلى الله عليه وسلم: "حياتي خيرٌ لكم تحُدثون ويحُدث لكم، ومماتي خيرٌ لكم تُعرضُ عليّ أعمالُكم فما رأيتُ مِن خير، حمدتُ اللهَ عليه، وما رأيتُ من شرٍ استغفرتُ الله لكم"(1).
(1) رواه البراز في "البحر الزخار"(1925) بتمامه.
ورواه الحارث بالفقرة الثانية "بغية الباحث"(953)، وابن سعد في "الطبقات" 2/ 194، وأروده بتمامه الهيثمي 9/ 24 وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. =
وأخرج ابن أبي الدُنيا، عن محمد بن الحسين، عن خالد بن عمرو القرشي: حدثني صدقة بن سليمان الجعفري، قال: سرتُ سيرة سَمجة فماتَ أبي فأُنبئْتُ وندمت على ما فرطتُ، قال: ثم زَللتُ أيضًا (1) زلَّة، فرأيت أبي في المنام فقال: أي بُني ما كان أشد فَرحي بك، وأعمالك تعرض علي، فنشبهها بأعمال الصالحين، فلمّا كانت هذه المرة، استحيت حياء شديدًا، فلا تخزني فيمن حَولي من الأموات، قال خالد: فكانَ بعد ذلك قد خشعَ ونسك فكنتُ أسمعه يقول في دعائه في السحر، وكان لنا جارًا بالكوفة: أسألك إنابةً لا رجوع فيها ولا حور، يا مُصلح الصالحين ومهدي الضالين [وراحم المذنبين](2).
تنبيهان: الأوّل: إذا كانَ الإنسانُ يستحي من أهله وأقاربه أن تُعرضَ عليهم أعماله السّيّئة، فما بالُه لا يستحي من الذي خلقه من عدم، وعلمه الأخبار والحكم، وجعل له العقل والفكر، وخلق له السمع والبصر، وهو سبحانه وتعالى من غير شك مطلع على جميع أعماله الظاهرة والباطنة؛ لا ريب أن الله أحق أن يُستحى منه.
الثاني: قد ورد أن أبانا آدم تُعرض عليه أعمالُ ذريته، وأنُه يفرحُ
= وهو في "مسند الفردوس"(686) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ومن حديث أنس رواه ابن عدي في "الكامل" 3/ 76 (ترجمة خراش بن عبد الله) وهو متهم بالوضع.
(1)
في "كتب القبور": أيما.
(2)
انظر: "القبور" ص 206 - 207.
لصالحها ويغتم لسيّئها، فينبغي لكل ذي لُبّ أن لا يسوء أباهُ بأعماله الخبيثة.
وفي الحديث: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم، تُعرض عليه صلاة أمّته يومَ الجمعة، ذكره الحافظ ابن رجَب (1) من حديث أوس، وأبي الدّرداء وأبي هريرة، وأبي مسعود، وأبي أمامة وأنس، وغيرهم. قال: وأشهرها حديثُ أوس بن أوس (2).
قال: وأمَّا قوله صلى الله عليه وسلم: "حياتي خيرٌ لكم" إلى آخره فقد رواهُ حمَّادُ بن زيد، عن غالب بن بكر المزني مرسلًا (3).
وَروى ابن أبي الدنيا في "كتاب الأولياء"، بإسناده عن عبيد بن سعد، عن أبي أيوب الأنصاري قال: غزونا حتى انتهينا إلى القسطنطينية، فإذا قاصٌّ يقول: مَن عَمل صالحًا من أوّل النهار، عُرض على أقاربه ومعارفه إذا أمسى مِن أهل الآخرة، فقال أبو أيوب: أنظر أيها القاص: ما تقول؟ فقال: والله إن ذلك لكذلك. فقال: اللهُم لا تفضحني عند عُبادة بن الصامت، ولا عند سعد بن عبادة، فيما عملت [بعدهما] (4) فقال القاص: واللهِ ما كتب اللهُ ولايته لعبد إلَّا ستر الله عورته، وأثنى عليه بأحسن عمله (5).
(1)"أهوال القبور" ص 149.
(2)
كتاب "أهوال القبور" ص 149.
(3)
انظر المصدر السابق، انظر ص 308 ت (1).
(4)
ليست في (أ) وهي في (ب)، و (ط).
(5)
"كتاب الأولياء" 1/ 21.
ورَوى في كتاب "الموتى" بإسناده عن مجاهد إن الرجل ليُسرّ بصَلاح ولده في قبره (1).
وقد سبق في صدر الكتاب (2)، أن مصعبَ بن جثامة وعوف بن مالك، كانا متآخين وان مصعبًا قال لعوف: أي أخي أيّنا مات قبل صاحبه فليتراءى له قال: أو يكون ذلك؟ قال: نعم، فمات مُصعَبُ فرآهُ عوفٌ، فيما يرى النائم الخبر بتمامه تقدم.
قال الحافظ ابن رجب: وقد رُويت هذه القصّة على وجهٍ آخر، قال: وهُو أشبهُ فَرَوى ابن المبارك في كتاب "الزهد"(3)، عن أبي بكر ابن مَريم، عن عطيّة بن قيس، عن عوف بن مالك الأشجعي، أنه كانّ مُؤاخيًا لرجل من قيس، يُقالُ لهُ مُحكم، ثم إنَّ مُحكمًا حضَرته الوفاة، فأقبل عليه عوف فقال له: يا محكم: إذا أنت وردت فارجع إلينا، فأخبرنا بالذي صنع بك، قال محكم: إن كان ذلك يكون لمثلي فعلت، فقبض محكم، ثم ثوى عوف بعده عاما، فرآه في المنام فقال له: يا محكم ما صَنعت وما صُنع بك؟ فقال له: وُفّينّا أجورنا، قال: كلكم؟ قال: كُلنّا إلَّا خواصًا هلكوا في السر، الذين يشار إليهم بالأصابع، واللهِ لقد وُفّيتُ أجري كُلَّه، حتى وفيتُ أجرَ هرّة ضَلّت لأهلي قبل وفاتي بليلة فأصبح عوف فغدا على امرأة مُحكم، فلما دَخل قالت: مرحبًا زورَ مُصعب بعد مُحكم، فقال عوف: هل رأيت محكمًا منذ مات؟ قالت: نعم، رأيتُه البارحة، ونازعني ابنتي ليذهب بها، فأخبرها عوف بالذى رأى، وما ذكر من الهرة التي ضلّت، فقالت: لا علم لي
(1)"المنامات" ص 29، رقم (16).
(2)
ص 133.
(3)
"الزهد" ص 286 (830).
بذلك، خدمي أعلم بذلك فدعت خدمها، فسألتهم فأخبروها أنها ضفت لهم هرّة قبل موت محكم بليلة فال الحافظ: ومحكم هو ابن جثامة أخو المصعب قلت: والتعدّد ممكن (1)، والله أعلم.
وأخرج ابن أبي الدنيا، عن أبي بكر بن عياش، عن حَفّار، كان في بني أسد قال الحفار: كنتُ أنا وشريك لي نتحارس في مقبرة بني أسد، قال: فإني لليلة في المقابر إذ سمعتُ قائلًا يقول: مَنْ قُبِرَ يا عبد الله؟ قال: مالك يا جابر، قال: غدًا تأتينا أمُّنا، قال: وما ينفعها؟ لا تصلُ إلينا إذ أبي قد غضب عليها، وحلف أن لا يُصَلي عليها قال: فجعلا يكرران ذلك مرارًا فجئتُ بشريكي، فجعل يَسمعُ الصّوتَ ولا يفهم الكلام، فلقّنته إياه ثم تفهَّمَ ففهمه، فلما كان من الغد جاءني رجل فقال: احفر في هاهنا قَبرًا (2) بين القبرين اللذين سمعت منهما الكلام، فقلتُ: اسم هذا جابر، واسم هذا عبد الله، قال: نعم، فأخبرته بما سمعت، فقال: نعم قد كنتُ حلفْتُ أن لا أصلي عليها؛ لا جرمَ لأكفّرن عن يمين، ولأصلّيَنَّ عليها، ولأترحمَنَّ عليها، قال: ثم مرّ بي بعد، وبيده عكاز وإداوة فقال: إني أريدُ الحج لمكان يميني تلك.
(1) ورد في هامش الأصل هذا الكلام:
قلت: بل يتعين حمل القصة على التعدد؛ لأن كلا الحكايتين محفوظ فإن الإمام المحقق قاله في قصة مصعب: صح عن حماد بن سلمة عن ثابت عن شهر بن حوشب فذكر الحكاية وأثبتها كفا أسلفناه. والله أعلم.
(2)
في (أ)"قبل" والمثبت من (ب).
وقال ناصُر السنة ابن الجوزي، قدَّس الله روحه: حدثني الشيخ أبو الحسن البرّادنسي عن بعض العدول، أن رَجلًا رأى في منامه قاضي القضاة: أبا الحسن الزَينبيّ فقال له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي وأنشد:
وإنّ امرأً ينجو من النار بعدما
…
تزوَّد من أعمالها لسعيدُ
ثم قال: قلُ لِفلان وفلان - رجلان كانا وصيين له - لِمَ تُضيّقُونَ صدرَ فُلان وفلانة؟ فسمَّى ثلاث سراري كُنَّ له، قال: ولم أسمع بأسمائهن إلَّا في هذا المنام، فلقي الرجل الوصيين، فذكر لهما ذلك فقالا: سبحان الله" والله لقد كُنَّا البارحة في المسجد نتحدث في التَّضْييق عليهن
قال الإمام المحقق في "الروح": قال سعيد بن المسيب: التقى عبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي، رضي الله عنهما، فقال أحدهما للآخر: إن مت قبلي فأخبرني ما لقِيتَ من ربك، وأنا إن مت قبلك، لقيتك فأخبرتك، فقال الآخر: وهل تلتقي الأمواتُ والأحياء؟ قال: نعم أرواحهم في الجنّةِ تذهبُ حيث شاءت، قال: فماتَ فلان فلقيه في المنام، فقال: توكل وأبشر فلم أر مثل التوكل قط (1).
وقال العباسُ عمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عن العباس، كنُتُ
(1) رواه ابن المبارك في "الزهد" ص 144 من طريق سعيد بن المسيب، به. ورواه أبو نعيم في "الحلية" 1/ 205 من طريق المغيرة بن عبد الرحمن، فذكره. وصورة الروايتين الإرسال. وسيأتي رد لهذه القصة في ص 369 من كلام ابن القيم رحمنا الله وإياه. وانظر "الروح" ص 52.
أشتهي أن أرى عمرَ رضي الله عنه في المنام، هما رأيته إلَّا عندَ قُرب الحَوْل فأريته يمسحُ العرقَ عن جبينه، وهُو يقولُ هذا أوانُ فراغي، إن كان عرشي ليُهَدُّ؛ لولا أني لقيتُ رؤوفًا رحيمًا (1).
وقال عبدُ الله بن عمر بن عبد العزيز، رحمهما الله تعالى: رأيت أبي في النوم بعد موته، كأنه في حديقة، فدَفع إليَّ تُفاحة، فأوّلتها الولد فقلت: أي الأعمال وجدت أفضل؟ قال: الاستغفارُ أي بُنيّ.
قال: ورأى مسلمة بن عبد الملك، عُمر بن عبد العزيز بعد موته فقال: يا أمير المؤمنين مع أيّ الحالات صرت بعد الموت؟
قال: يا مسلمة: هذا أوانُ فراغي، واللهِ ما استرحتُ إلَّا الآن، قال: قلتُ: فأين أنت يا أمير المؤمنين؟ قال: مع أئمة الهُدى في جنات عدن.
قال: ولمّا ماتَ الحسن بن صالح رآه عمّار بنُ سيف في المنام، فقال له: قد كُنت متمنيًا لقاك، فماذا عندك فتخبرنا به؟ فقال: أبشر فإني لم أر مثل حسن الظن بالله شيئا.
قال: ولما ماتت رابعة، رأتها أمرأةٌ من صاحباتها، وعليها حلةٌ من استبرق وخمار من سندس، فقالت لها: ما فعلت بالجبَّة التي كفنتك فيها؟ والخمار الصوف؟ قالت: والله إنه نُزع عَنّي، وأبدلتُ به هذا الذي ترين علي، وطُوِيَت أكفاني وخُتم عليها، ورُفعَتْ في عليين، ليكملَ لي ثوابُها يومَ القيامة، قالت: فقلت لها: كنتِ تعملين أيام الدنيا، فقالت: وما هذا عندما رأيت من كرامة الله لأوليائه؟ فقلتُ:
(1) رواه ابن سعد في "الطبقات" 3/ 375، والخبر في "صفة الصفوة" 1/ 292.
فما فعَلت عبدة بنت أبي كلاب؟ فقالت: هيهات، سبقتنا والله إلى الدرجات العُلا، قلت: وَبِمَا وقد كنت عند الناس أعبد منها؟ فقالت: إنها لم تكن تبالي على أيّ حال أصبحت من الدنيا وأمست، فقلتُ: فما فُعِل ببشر بن منصور؟ قالت: بخ بخ، أعُطِيَ واللهِ فوقَ ما كانَ يؤمل، قلتُ: مريني بأمرٍ أتقرب به إلى الله، قالت: عليك بكثرة ذكر الله، فيوشك أن تغبطي بذلك في قبرك (1).
قال: وقال أبو يعقوب القاري/ 184/ رأيتُ في منامي رَجُلاً آدماً طويلاً، والناسُ يَتْبَعُونه، فقلتُ من هذا، قالوا: أوُيس القرني فاتبعته، فقلت: أوصني يرحمك الله، فَكَلَحَ في وَجْهي، فقلت: مُسترْشِد فأرشدني، رحمك الله، فأقبل عليّ فقال: اْبتغ رحمة الله عند محبته، واحذر نقمته عند معصيته، ولا تقطع رجاك منه في خلال ذلك، ثم ولىّ وتركني.
وقال ابن السماك: رأيت مُسعراً في النوم فقلت له: أيُّ الأعمال وَجدْتَ أفضل؟ قال: مجالس الذكر.
وقال الأجلح: رأيتُ سلمة بن كُهيل في النوم، فقُلتُ: أيُّ الأعمال وجدتَ أفضل؟ قال: قيامُ الليل.
وقال أبو بكر بن مريم: رأيتُ وفاء بن مريم بعد موتهِ، فقلتُ: يا وفاء ما فعلت؟ قال: نجوتُ بعد كل جهد، فقلتُ: فأيّ الأعمال
(1) الخبر في "صفة الصفوة" 4/ 30. وبعضه فيه في 3/ 377.
وجدتموها أفضل؟ قال: البُكاء من خشية الله عز وجل.
قال: وقالت فاطمة بنت عبد الملك، اْمرأة عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه: اْنتبَهَ عُمرُ بنُ عبد العزيز ليلة فقال: لقدْ رأيتُ رؤيا مُعجبة، فقلت: جعلني الله فداك فأخبرني بها فقال: ما كنت لأخبرَكِ بها حئ أصبح، [فلما طلع الفجر خرج فصلىَّ ثم عاد إلى مجلسه قالت: فاغتنمت خلوته] (1) فقلتُ أخبرني بالرّؤيا التي رأيت، قال: رأيت كاني رُفعتُ إلى أرض خضراء واسعة، كأنها بساط أخضر، وإذا فيها قصرٌ أبيض، كأنه الفضة، وإذا خارج قد خرجَ من ذلك القصر، فهتف بأعلى صوته يقول: أين محمد بن عبد المطلب؟ أين رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى دخل ذلك القصر.
ثم إن آخر خرج من ذلك القصر، فنادى أين أبو بكر الصديق ابن أبي قحافة، إذ أقبل أبو بكر حتى دخل ذلك القصر، ثم خرج آخر فنادى: أين عمر بن الخطاب؟ فأقبل عُمر، حتى دخل ذلك القصر، ثم خرج آخر فنادى أين عثمانُ بن عفان؟ فأقبل حتى دخل ذلك القصر، ثم خرج آخر فقال: أين عليّ بن أبي طالب؟ فأقبلَ حتى دخل ذلك القصر، ثم خرج آخر فنادى: أين عُمر بن عبد العزيز؟ قال: عمر، فقمتُ حتى دخلت ذلك القصر، قال: فدفعتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقَومُ حولَه فقلتُ: في نفسي: أين أجلس؟ فجلستُ إلى جنب
(1) سقطت من (أ).
عمر بن الخطاب، فنظرتُ، فإذا أبو بكر عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا بين يديَّ رسولُ اللهَ صلى الله عليه وسلم وبين أبي بكر رجل، فقلتُ: مَن هذا الرجل الذي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين أبي بكر؟ فقالوا: هذا عيسى بن مريم، فسمعت هاتفًا يهتف، وبيني وبينه ستر نور: يا عمر بن عبد العزيز: تمسّكْ بما أنت عليه، واثبت على ما أنت عليه، ثم كأنه أُذن لي في الخروج، فقمتُ فخرجْتُ مِن ذلك القصر، فالتفتّ خلفي، فإذا أنا بعثمان بن عفان، وهو خارج من ذلك القصر، يقول: الحمدُ لله الذي غفر لي.
قال عمر بن عبد العزيز: رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر، جالسان عنده فسَلّمْتُ عليهم، وجلستُ فبينا أنا جالس، إذ أُتي بعليّ ومعاوية، فأدُخلا بيْتًا وأجيفَ عليهما الباب، وأنا أنظر فما كان بأسرع من [أن خرج علي وهو يقول قُضي لي ورب الكعبة وما كان بأسرع من](1) أن خرج معاوية على أثره، وهو يقول: غُفر لي وربِّ الكعبة.
وقال حمّاد بن أبي هاشم: جاء رجلٌ إلى عُمر بن عبد العزيز، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر عن يمينه، وعمر عن شِماله، وأقبل رجلان يختصمان، وأنت بين يديه جالس، فقال لك: يا عمر إذا عملتَ فاعمل بعمل هذين؛ لأبي بكر وعمر، فاستحلفهُ عمر بالله،
(1) سقطت من (أ).
أرأيت هذه الرؤيا؟ [فحلف](1) فحلفَ فَبكى عمر.
قال: وقال عبد الرحمن بن غنم، رأيت معاذ بن جبل، رضي الله عنه، بعد وفاته بثلاث ليال على فرسٍ أبلق، خلفه رجال بيض، عليهم ثياب خضر، على خيل بُلق وهُوَ قُدامهم وهو يقول:{يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} الآية [يس: آية 26] ثم التفت عن يمينه وشماله، يقول: يا ابن رواحة، يا ابن مظعون: الحمدُ لله الذي صدقنا وعده، وأورثنا الجنة، ثم صافحني وسلّم عليّ.
قال: وقال قُبيصةُ بن عقبة: رأيتُ سفيان الثوري في المنام بَعدَ موته فقُلتُ: ما فعل الله بك يا أبا عبد الله؟ فأنشأ يقول:
نظرتُ إلى ربيِّ عيانا فقال لي
…
هنيئا رِضايا عنكَ يا ابن سعيد
لقد كُنَت قوّاما إذا الليلُ قد دجا
…
بِعَبْرة محزون وقلبِ عميد
فدونك فاختر أيّ قصر تريده
…
وزُرني فإنّي منكَ غيرُ بعيد
قُلْتُ: ذكر الحافظ ابن رجب في "طبقات الأصحاب"، في ترجمة الحافظ العماد (2)، عن سبط ابن الجوزي، أنه قال: نمتُ وأنا متفكر في جنازته يعني: العماد، وذكرتُ أبيات سفيان الثوري: يعني التي ذكرناها آنفًا فقلت: أرجو أنّ العمادَ يرى ربّه، كما رآه سفيان عند نزول حفرته، ونمتُ فرأيتُ العماد في النوم، وعليه حلة خضراء،
(1) سقطت من (ب)، و (ط) والمثبت من (أ).
(2)
انظر ترجمة في "سير أعلام النبلاء" 22/ 47 وهو أخو الحافظ عبد الغني المقدسي.
وعمامة خضراء، وهو في مكان متسع، كأنه روضة وهو يرقى في درج مرتفعة، فقلت يا عماد الدين: كيف بت فإني والله متفكر فيك فنظر إليّ وتبسّم على عادته وقال:
رأيتُ إلهي حين أنزلت حفرتي
…
وفارقتُ أصحابي وأهلي وجيرتي
فقال جزيت الخير عني فإنني
…
رضيتُ فها عَفْوى لديك ورحمتي
دأبتَ زمانًا تأملُ العفو والرضى
…
فَوقِّيتَ نيراني، ولقيتَ جَنَّتي
قال: فانتبهتُ مرعوبًا، وكتبتُ الأبيات.
قال الحافظ في الطبقات: وَذُكِرَ أيضًا هذا المنام، عن أبي المظفر السبط. قُلْتُ: وكذا ذكره الشيخُ عبد الرحمن العليمي، في طبقاته المسمَّى بـ "المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد"، رضي الله عنهم، وفي "طبقات" الحافظ ابن رجب، بَعد هذا عن الضّياء، قال: رُئي الحافظ العماد في النوم على حصان، فقيل له: إلى أين؟ قال: أزور الجبّار (1).
ورآه آخر فقال: ما فعل الله بك؟ فقال: {يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)} [يس: 26، 27]، والله أعلم.
وقال سفيانُ بنُ عُيينة: رأيت سُفيان الثوريّ يطيرُ من نخلة إلى تحلة، ومن شجرة إلى شجرة، وهو يقول:{لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)} [الصافات: آية 61]، فقيل له: بما أدْخلت الجنّة؟ فقال: بالورع، قيل له: فما فَعلَ عليُّ بنُ عاصم؟ قال: ما نراهُ إلا مثلَ
(1) الخبر في "سير أعلام النبلاء" 22/ 50.
الكوكب (1).
قال الإمام المحقق، في كتاب الروح: وكان شعبةُ بن الحجاج، ومسعر بن كدام، حافظين، وكانا جليلين، قال أبو أحمد "الترمذي": فرأيتهما بعد موتهما فقلتُ يا أبا بسطام: ما فعل الله بك؟ فقال: وفقك الله لما أقول:
حَباني إلهي في الجنان بقبة
…
لها ألف باب من لجُين وجوهرا
وقال لي الرحمنُ يا شعبةُ الذي
…
تحبَّر في جمع العلوم فأكثرا
تنعّمْ بقُربي إنني عنك ذو رضا
…
وعن عبديَ القوَّام في اللّيل مسعرا
كفى مُسعر عزًا بأن سيزورني
…
وأكشفُ عن وجهي الكريم لينظرا
وهذا فعالي بالذينَ تنسّكوا
…
ولم يألفوا في سالف الدهر مُنكَرا (2)
قال: وقال أحمد بنُ محمد اللبدي: رأيتُ الإمام أحمد بن حنبل في النوم فقلت: يا أبا عبد الله، ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، ثم قال يا أحمد ضُربتَ فيَّ ستين سوطا، قلتُ: نعم يا رب، قال: هذا وجهي قد أبحتك فانظر إليه.
وقال أبو بكر أحمد بن محمد بن الحجاج: حدّثني رجلٌ من أهل طرسوس قال: دعوت الله عز وجل أن يُريني أهل القبور، حتى أسألهم عن أحمد بن حنبل، ما فعل الله به؟ فرأيت بعد عشر سنين في المنام، كأنّ
(1) رُوي نحو هذا الخبر في "تاريخ بغداد" 9/ 173 و 11/ 457، وفي "سير أعلام النبلاء" 7/ 279، و"تهذيب الكمال" 20/ 519.
(2)
الخبر في "سير أعلام النبلاء" 7/ 220 عدا البيت الأخير. وفي الروح "البريدي" بدلاً من "الترمذي".