الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
قال الحافظ ابن عبد الهادي، في كتابه "الصارم المنكي" نقلًا عن أستاذه شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه (1)؟: زيارة القبور على وجهين: زيارة شرعية، وزيارة بدعية، فالشّرعيّة المقصود بها السلام على الميت، والدعاء له كما يقصد بالصلاة على جنازته، فزيارته بعد موته من جنس الصلاة عليه، فالسّنّة فيها أن يسلّم على الميت ويدعو له، سواء كان نبيّا أو غير نبيّ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم، يأمر أصحابه إذا زاروا القبور، أن يقول أحدهم السلامُ عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ويرحم اللهُ المستقدمين منكم والمستأخرين، نسألُ الله لنا ولكم العافية اللهُمّ لا تحرمنا أجرَهُم ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم، وهكذا يقول إذا زار أهل البقيع، ومن به من الصحابة، وغيرهم أو زار شهداء أحد وغيرهم قال: وليست الصلاةُ عند قبورهم، أو قبور غيرهم مُستحبة، أو عند قبور أحدٍ من الأنبياء والصالحين أفضل من الصلاة في المساجد التي ليس فيها ذلك باتفاق أئمة المسلمين بل الصلاة في المساجد التي على القبور إما مُحرمة أو مكروهة (2).
(1) هو شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحنبلي، ولد بحران يوم الاثنين العاشر من ربيع الأول سنة 661 هـ، عنى بالحديث وسمع المسند والكتب السنة ومعجم الطبراني، وأخذ الفقه والأصول عن والده، ثم أخذ كتاب سيبويه، وأقبل على تفسير القرآن وتأهل للفتوى والتدريس وهو دون العشرين، وتوفي سنة 728 هـ.
(2)
انظر تلخيص كتاب الاستغاثة (56).
قال: وأما الزيارة البدعية فهي أن يكون مقصود الزائر أن يطلب حوائجه من ذلك الميت، أو يقصد الدعاء عند قبره، أو يقصد الدعاء به فهذا ليس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أستحبه أحد من سلف الأمّة وأئمتها، بل هُو من البدع المنهي عنها. قُلْتُ: أمّا مَن كان قصده بالزيارة أن يطلب حوائجه من الميت، فهذا لا يشك عاقل في قبحه وتحريمه، إذ الحوائج منوطةٌ لخالقها، فليس إلَّا اللهُ يقضي حاجة، من شك في هذا طغى وتمرد، وأما إذا كان قصدهُ الدعاء عند قبر الميت أو التوسل به، فليس بمحرم (1)، نَعَم: إن اعتقد أن الدعاء عند القبور أفضل منه فى نحو المساجد، أو أنّه لا يُجُابُ إلَّا ثمَّ كان هذا قبيحًا والله أعلم.
قال شيخ الإسلام رضي الله عنه، في كتابه "الجواب الباهر عن مسألة زيارة المقابر" (2): زيارة أهل التوحيد لقبور المسلمين تتضمن السلام عليهم، والدعاء لهم، وهو مثل الصلاة على جنائزهم، وزيارة أهل الشرك تتضمن أنهم يشبّهون الخلوق بالخالق، ينذرون له، ويسجدون له، ويدعونه ويحبونه كما يحبون الله، فيكونون قد جعلوه لله ندّا، وسووه برب العالمين. وأطال في ذلك.
(1) بل الصواب عدم جواز التوسل بالميت، وهنا مسألتان:
الأولى: قصد الدعاء عند قبر الميت: فإذا كان الدعاء بالرحمة والمغفرة للميت فلا بأس به بل هو مرغب فيه، وأما إذا دعا عند قبر الميت ظنًا منه أن الدعاء عنده أقرب للإجابة لصلاحه أو لولايته، فهذا لا يجوز بحال.
الثانية: التوسل به، وهو بمعنى مظنة قبول الدعاء عنده، وهو غير مشروع، وهو بمعنى الزيارة الشركية التي أورد المصنف كلام ابن تيمية وابن القيم عنها.
(2)
الرد على الأخنائي ص 124.
وقال الإمام المحقق في كتابه: "إغاثة اللهفان من مكايد
الشيطان" (1): بعد أن قرر زيارة القبور المشروعة. وحكى النزاع في
ذلك في نحو ثلاث كراريس وذكر زيارة أهل الإيمان، على نحو ما قدمناه.
وأما الزيارة الشركيّة فأصَلُها مأخوذٌ عَن عُبّاد الأصنام، قالوا: الميتُ المعظم عند الله، الذي لروحه قرب ومزيةّ عند الله تعالى، لا تزال تأتيه الألطاف من الله، وتفيض على روحه الخيرات، فإذا علق الزائر روحه به وأدناها منه، فاض من روح المزور على روح الزائر من تلك الألطاف بواسطتها، كما ينعكس الشعاع من المِرآة الصافية، والماء ونحوه على الجسم المقابل له قالوا: فتمامُ الزيارة أن يتوجه الزائر بروحه وقلبه إلى الميت، ويعكف بهمته عليه، ويوجّه قصده كله وإقباله عليه، بحيث لا يبقى فيه التفات إلى غيره، وكلما كان جمع الهمة والقلب عليه أعظم كان أقرب إلى انتفاعه به، وقد ذكر هذه الزيارة على هذا الوجه ابن سينا (2) والفارابي (3)، وغيرهما من
(1)"إغاثة اللهفان"(1/ 282، 223، 362)، (2/ 205)، "زاد المعاد"(1/ 146)، و"الروح"(5، 16، 119).
(2)
ابن سينا: هو: أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن على بن سينا، البلخي ثم البخاري، صاحب التصانيف في الطب والفلسفة والمنطق، صنَّف "المجموع" وصنف "الحاصل والمحصول"، ولد في صفر عام 370 هـ، وتوفي سنة 428 هـ وله كتاب "دور الشفاء"[سير أعلام النبلاء 17/ 531]
(3)
شيخ الفلسفة الحكيم، أبو نصر، محمد بن محمد بن طَرْخَان بن أوْزَلَغ، التركي الفارابي المنطقي له تصانيف مشهورة، أحكم العربية بالعراق، وسار إلى حران ومصر وسكن دمشق، توفي سنة 339 هـ، [سير أعلام النبلاء 15/ 416].