المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالث في علامة خاتمة الخير، ومن دنى أجله، والكلام على شدة الموت - البحور الزاخرة في علوم الآخرة - جـ ١

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمةفي ذِكْرِ الموتِ وما يتعلقُ بِهِ، والرُّوح

- ‌الفصل الأول في النَّهْي عن تمَنِّي الموتِ وحِكْمتِه

- ‌الفصل الثاني في فَضْلِ المْوتِ وَذِكْرِهِ

- ‌الفصل الثالث في علامة خاتمة الخير، ومن دنى أجله، والكلام على شدة الموت

- ‌الفصل الرابع فيما يقول الإنسان في مَرض الموت وما يقرأ عنده. وما يقال إذا احتضر وتوابع ذلك

- ‌الفصل الخامس فيما جاء في ملك الموت وأعوانه

- ‌الفصل السادس فيما يحضر الميت من الملائكة وغيرهم وما يَراه المحتضر، وما يقال له، وما يبشر به المؤمن، وينذر به الكافر

- ‌الفصل السابع في الكلام على الروح وما يتعلق بذلك

- ‌خاتمة

- ‌الكتاب الأول في أحوال البرزخ

- ‌البابُ الأول في ذكر حال الميت عند نزوله قبره، وسؤال الملائكة له، وما يفسح له في قبره أو يضيق عليه، وما يرى من منزله في الجنة والنّار، وكلام القبر للميت عند نزوله إليه

- ‌فصل في كلام القبر للميت عند نزوله

- ‌فصل

- ‌تَتِمَّة:

- ‌فصل

- ‌فوائد

- ‌فصل في فظاعة القبر وسعته على المؤمن وضيقه على الكافر وفي ضمة القبر

- ‌من أسباب ضمة القبر

- ‌فائدتان:

- ‌البابُ الثاني في عذاب القبرِ ونعيمه

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الباب الثالث فيما ورد من سَماع الموتى كلامَ الأحياء وتلاقيهم، ومعرفتهم بحالهم بعد الموت، وحال أقاربهم في الدنيا، ومحل الأرواح فى البرزخ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌قال الحافظ عبد الحق الإشبيلي:

- ‌فصل

- ‌تتمة

- ‌فصل

- ‌تنبيه

- ‌الباب الرابع في ذكر ضيق القبور وظلمتها على أهلها وتنوّرها عليهم، وفي زيارة الموتى والاتّعاظ بحالهم والتفكر بهم

- ‌فصل

- ‌تنبيه

- ‌فصل

- ‌تنبيه

- ‌فصل في التذكر بأهل القبور والتفكر في أحوالهم، وذِكْر طرفٍ من أحوال السلف الصالح في ذلك

- ‌فوائد:

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌ الرابعة:

- ‌الخامسة:

الفصل: ‌الفصل الثالث في علامة خاتمة الخير، ومن دنى أجله، والكلام على شدة الموت

‌الفصل الثالث في علامة خاتمة الخير، ومن دنى أجله، والكلام على شدة الموت

أخرج الترمذي عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا: "إذا أرادَ اللهُ بعبد خيرا استعمَلهُ" قالوا: كيف يستعمله؟ قال: "يوفقه لعمل صالح قبل الموت"(1).

وأخرج الإمام أحمد والبزار والحاكم عن عمرو بن الحمق مرفوعًا: "إذا أحبَّ اللهُ عبدا عسله"، قالوا: وما عسله؟ قال: "يوفق له عملا صالحًا بين يدي أجله، حتى يُرضي جيرانه"(2).

وابن أبي الدنيا عن عائشة مرفوعًا، "إذا أراد اللهُ بعبدٍ خيرا، بعثَ إليه قبل موته بعام ملكا، يسدّده ويوفقه، حتى يموت على خير أحايينه فيقول الناس: ماتَ فلانٌ على خير أحايينه"(3) الحديث.

فائدة: قال بعض العلماء: الأشياء المقتضية لسوء الخاتمة

(1) رواه أحمد 3/ 106 و 120 و 230، والترمذي (2142)، وابن حبان (341)، والحاكم 4/ 340، والبغوي (4098) وهو حديث صحيح.

(2)

صحيح، رواه أحمد 5/ 224، والبزار في "البحر الزخار"(2310)، وابن حبان (342) و (343)، والحاكم 1/ 345، والطبراني في "مسند الشاميين"(183).

(3)

رواه ابن المبارك في "الزهد" ص 386، وإسحاق بن راهويه في "مسند عائشة"(1591) ورجاله ثقات.

ص: 55

والعياذ بالله تعالى أربعة: التهاونُ بالصلاة، وشرب الخمر، وعقوق الوالدين، وإيذاء المسلمين. وزاد بعضُهم: النظر في الأحداث - يعني: الغلمان- المرد، أي: بشهوة فإنّ ابن القيمّ قال تبعًا لغيره: ما ابتُلي بمحبة المردان إلا من سقط من عَين الرحمن.

وتقدم بعض الكلام على شدة الموت ولنلحقه بتكملة:

أخرجَ الطبرانيُّ في الكبير، وأبو نعيم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نفس المؤمن تخرجُ رشحًا، وإن نفس الكافر تسيلُ كما تسيل نفسُ الحمار، وإنَّ المؤمنَ ليعمل الخطيئة فَيُشَدُّ بها عليه عند الموت؛ ليكفر بها عنه وإن الكافر ليعمل الحسنة فيسهل بها عليه عند الموت ليجزي بها"(1).

وأخرج الدينوري في "المجالسة" عن وهيب بن الورد قال: يقولُ الله تعالى: "إني لا أريد أن أخرج أحدًا من الدنيا وأنا أريد أن أرحمه، حتى أوفيه بكل خطيئة كان عملها سقمًا في جسده، ومصيبة في أهله وولده، وضيقًا في معاشه، وافتقارًا في رزقه، حتى أبلغ منه مثاقيل الذّرّة، فإن بقي عليه شدّدت عليه عند الموت، حتى يفضي إلي كيوم ولدته أمّه. وعزّتي لا أُخرج عبدًا من الدنيا وأنا أريد أن أعذبه، حتى أوفيه بكلّ حسنةٍ عملها. صحّة في جسمه، وسعة في رزقه، ورغدًا في عيشه، وأمنًا في سربه حتى أبلغَ منه مثاقيل الذّرّ، فإن بقي له شيء

(1) رواه الطبراني 10/ 79 (10015)، وعند أبي نعيم 5/ 59، وروى الترمذي بعضه (980). وانظر "مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 48 وعبد الرزاق 3/ 595.

ص: 56

هوّنت عليه الموت، حتى يفضي إليّ وليس له حسنة يتقي بها النار" (1).

قال في "الصحاح": فلان آمن في سربه بالكسر أي: في نفسه.

وأخرج ابن أبي الدنيا عن زيد بن أسلم قال: إذا بقي على المؤمن من درجاته شيء لم يبلغه بعمله شُدد عليه الموت؛ ليبلغَ بسكراته وشدائده درجته من الجنة. وإن الكافر إذا كان قد عمل معروفًا في الدنيا هون عليه الموت؛ ليستكمل ثواب معروفه في الدنيا ثم يصير إلى النار.

وأخرج الترمذيّ وحسنه، والحاكم وصححه، وابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"المؤمن يموت بعرق الجبين"(2).

وأخرجَ الحاكم والترمذي في نوادره عن سَلمان رضي الله عنه مرفوعًا: "ارقبوا الميت عند الموت ثلاثًا: إن رشحتْ جبينه، وذَرفتْ عيناه -أي: سالتَ- وانتشَر منخاره -أي: انتفخ- فهي رحمة الله تعالى قد نزلت به. وإن غطّ غطيطَ البَكر -أيْ: تردَّد صوته بحيث لا يجد مساغًا. والبَكر من الإبل بمنزلة الفتي من الناس. المخنوق صفة للبكر -وخمد لونه، وأزبد شدقاه، فهو عذاب من الله قد حلّ به"(3).

(1) أخرجه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" 7/ 22 بأخصر منه وعزاه محققه لابن عساكر في "تاريخ دمشق" ترجمة عبد الله بن الزبير من طريق الدينوري.

(2)

صحيح رواه أحمد 5/ 355 و 357 و 360، وابن ماجه (1452)، والترمذي (982)، والنسائي 4/ 5، والحاكم من حديث بُريدة رضي الله عنه.

(3)

"نوادر الأصول" للحكيم الترمذي 1/ 523، ورواه الرافعي في "التدوين" 1/ 498. إسناده ضعيف.

ص: 57

وقال ابن مسعود: إنّ المؤمن يبقى عليه خطايا يجازى بها عند الموت، فيعرق لذلك جبينه (1). وقال سفيان: كانوا يستحبون العرق للموت (2).

ومن ثم قال علقمة لبعض أصحابه: احضرني فلقّنّي لا إله إلا الله، فإن عرق جبيني فبشّرني. قال بعض العلماء: وإنما يعرق جبينه حيَاء من ربه لما. اقترف من مخالفته؛ لأنّ ما سفل منه قد مات، وإنما بقيت منه قوة الحياة وحركاتها فيما علا، والحياء في العينين. والكافر في عمى عن هذا كله. والموحد المعذب في شُغل عن هذا بالعذاب، الذي قد حلّ به.

وأخرج الإمام أحمد في "الزهد"، وابن أبي شيبة في "مسنده"، وابن أبي الدنيا عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"تحدثوا عن بني إسرائيل فإنه كان فيهم أعاجيب". ثم أنشأ يحدثنا قال: "خرجت طائفة منهم فأتوا مقبرة من مقابرهم فقالوا: لو صلينا ركعتين ودعونا الله يُخرج لنا بعض الأموات يخبرنا عن الموت، ففعلوا فطلعَ رجل أسود اللون، بين عينيه أثر السجود، ققال: يا هؤلاء ما أردتم إليّ لقد مت منذ مائة سنة فما سكنت عني حرارة الموت حتى الآن، فأدعوا الله أن يعيدني كما كنت.

وأخرج الإمام أحمد في الزهد عن عمر بن حبيب أن رجلين من بني إسرائيل عبدا حتى سئما العبادة فقالا: لو خرجنا إلى القبور فجاورناها لعلنا أن نراجع، فجاؤوا إلى القبور، فعبدا اللَّه فنشر لهما

(1)"نوادر الأصول" 1/ 524، وعزاه السيوطي في "شرح الصدور" لسعيد بن منصور، والمروزي في "الجنائز".

(2)

"مصنف أبي شيبة" 3/ 48.

ص: 58

ميت فقال لهما: لقد متُّ منذ ثمانين سنة، وإني لأجد ألم الموت بعد، وقال كعب: لا يذهب عن الميت ألم الموت ما دام في قبره، وإنه لأشد ما يمر على المؤمن، وأهون ما يصيب الكافر (1). رواه أبو نعيم.

وأخرج ابن أبي الدنيا، بسند رجاله ثقات، عن الحسن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ألم الموت وغصته، فقال:"هو كقدر ثلاثمائة ضربةٍ بالسيف"(2).

وأخرج أيضًا عن الضحاك: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الموت، فقال:"أَدْنَى جبذات الموتِ بمنزلةِ مائة ضربةٍ بالسَّيف"(3).

وقال علي: والذي نفسي بيده لألف ضربة بالسيف أهون من موت على فراشه (2).

وأخرج أبو الشيخ في كتاب "العظمة" عن الفضيل بن عياض أنه قيل له: ما بال الميت تنزع نفسه، وهو ساكت، وابن آدم يضطرب من القرصة؟ قال: إن الملائكة توثقه (3).

وأخرج المروزي في "الجنائز" وابن أبي الدنيا عن ميسرة مرفوعًا "لو أن قطرة من ألم الموت وضعت على أهل السماء والأرض لماتوا جميعًا. وإن في القيامة لساعة تضاعف عن شدة الموت سبعين ضعفًا (2).

وأخرج ابن أبي الدنيا في التاريخ عن أنس مرفوعًا: "لمعالجة ملك الموت أشد من ألف ضربة بالسيف"(4)، وأخرج أيضًا أن

(1)"حلية الأولياء" 6/ 44.

(2)

ذكر الموت (451، 452، 453).

(3)

رواه أبو الشيخ في كتاب العظمة ص 436 ومن طريقه أبو نعيم في "الحلية" 8/ 111، وفيه راو مجهول.

(4)

رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" 3/ 252 ومن طريقه ابن الجوزي في =

ص: 59

عمرو بن العاص رضي الله عنه قال له ابنه لما احتضر: يا أبت إنك كنت تقول ليتني ألقى رجلًا عاقلًا عند الموت حتى يصف لي ما يجد وأنت ذَلِكَ الرجل فصف لي الموت، قال: يا بني والله لكأني أتنفس من سم إبرة وكأن غصن شوك يجر من قدمي.

وقال في "العاقبة": كان عمرو بن العاص رضي الله عنه يقول: لوددت أني لو رأيتُ رجلًا لبيبًا حازمًا قد نزل به الموت فيخبرني عن الموت، فلما نزل به الموت، قيل له: يا أبا عبد الله، كنت تقول أيام حياتك: وددت أني رأيت رجلًا لبيبًا حازمًا قد نزل به الموت، فيخبرني عن الموت، وأنت ذَلِكَ الرجل اللبيب الحازم وقد نزل بك الموت فأخبرنا عنه فقال: أجد كأنّ السموات قد أطبقت على الأرض وأنا بينهما، وكأن نفسي تخرج على ثقب إبرةٍ، وكأنَ غُصْن شوك يجذب به من هامتي إلى قدمي، ثم قال متمثلًا بقول أمية بن أبي الصلت:

ليتني كنت قبل ما قد بدا لي

في رؤوس الجبال أرعى الوعولا (1)

وأخرج الحاكم في "المستدرك"، وابن سعد عن عوانة بن الحكم أنّ عمرو بن العاص كان يقول: عجبًا لمن نَزَل به الموتُ وعقله معه، كيف لا يصفه، فلما نزل به قال له ابنه عبد الله يا أبت:

= الموضوعات 3/ 225، وأورده السيوطي في اللآلي 2/ 416. قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يروى عن الحسن. وقال الألباني في "ضعيف الجامع"(4774): ضعيف جدًا انظر ص 62 ت (1).

(1)

العاقبة (113) خبر أمية بن الصلت في الأغاني 4/ 135، و"طبقات فحول الشعراء" 1/ 266 - 267.

ص: 60

إنك كنت تقول عجبًا لمن نزل به الموت، وعقله معه كيف لا يصفه، فصف لنا الموت. قال: يا بُني الموتُ أجلُّ من أن يُوصف، ولكن سأصفُ لك منه شيئًا أجدني كأنّ على عُنقي جبال رَضوى، وأجدني كأن في جوفي شوك السلاء، وأجدُني كأنَّ نفَسي يخرج من ثقب إبرة (1).

وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا وأبو نعيم، عن ابن أبي مُليكة أنّ عمرَ رضي الله عنه قال لكعب: أخبرني عن الموت قال: يا أمير المؤمنين: هو مثل شجرة كثيرة الشوك في جوف ابن آدم، فليس منه عِرق ولا مِفصل إلا فيه شوكة ورَجُلٌ شديد الذراعين فهو يعالجها وينزعها (2).

وأخرج ابن أبي الدنيا عن وهب بن منبّه قال: الموت أشد من ضربِ السيف، ونَشْر بالمناشير، وغَلْيٍّ في القدور، ولو أنّ ألَمَ عِرقٍ من عروق الميت قُسّم على أهل الأرض لوسعهم ألَمًا ثمّ هو أوّل شِدّة يلقاها الكافر، وآخر شِدّة يلقاها المؤمن.

وأخرج أبو نعيم في "الحلية"، عن واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أحضروا موتاكم ولقنوهم لا إله إلا الله وبشروهم بالجنّة، فإن الحليم من الرجال والنساء يتحيّر عند ذلك المصرع، وإنَّ الشيطانَ أقرب ما يكون من ابن آدم عند ذلك المصرع، والذي نفسي بيده لمعاينة ملك الموت أشد من ألف ضربة بالسيف، والذي نفسي بيده لا تخرجُ

(1) الطبقات 4/ 260، والمستدرك 3/ 514. وفي إسناده ضعف.

(2)

"حلية الأولياء" 6/ 44. وفي إسناده ضعف.

ص: 61

نفس عبد مؤمن من الدنيا، حتى يتألّم كل عِرق منه على حياله" (1).

وقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم إنك تأخذ الرّوح من بين العصب والقصب والأنامل، اللهم فأعنّي على الموت وهوّنه عليّ" رواه ابن أبي الدنيا.

وأخرج الحارث بنُ أبي أسامة، بسند جيد عن عطاء بن يسار مرفوعًا:"معالجة ملك الموت أشد من ألف ضربة بالسيف، وما من مؤمن يموت، إلا وّكُلّ عِرق يألمُ منه على حدة، وأقرب ما يكون عدوّ الله -يعني: الشيطان- منه تلك الساعة"(2).

وأخرج ابن أبي الدنيا عن أنس رضي الله عنه قال: لم يلق ابن آدم شيئا قط، منذ خلقه الله أشد من الموت عليه (3).

وأخرج الإمامُ أحمد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: آخر شدة يلقاها المؤمن الموت (4).

وقال عمر بن عبد العزيز: ما أحبُّ أن يهوَّن علي سكرات الموت؛ لأنه آخر ما يؤجر به المسلم (5).

(1)"حلية الأولياء" 5/ 186. وضعفه الألباني انظر "الضعيفة" (1448) مضى في ص 48 ت (1).

(2)

"بغية الباحث"(256)، و"الحلية" 8/ 201، "تاريخ بغداد" 3/ 252 وهو مرسل، وإسناده ضعيف جدًا.

وروى أوله من حديث أنس: الخطيب 3/ 252 وابن الجوزي في "الموضوعات"(1745) وإسناده هالك.

(3)

رواه أحمد 3/ 154 (12566) والطبراني في "الأوسط"(1997) وإسناده ضعيف.

(4)

رواه أحمد 1/ 223، وابن أبي حاتم في "التفسير"(1228).

(5)

"حلية الأولياء" 5/ 317.

ص: 62

وقال رجل لكعب: ما الداء الذي لا دواء له؟ قال: الموت.

قال زيد بن أسلم: دواه رضوان الله.

وقال الحسن: أشد ما يكون من الموت على العبد إذا بلغت الروح التراقي، فعند ذلك يضطربُ وتغلو نفسه.

وأخرج ابن أبي الدنيا، عن محمد بن كعب القرظيِّ قال: بلغني أن آخر من يموت ملك الموت، يقال له يا ملك الموت مت، فيصرخ عند ذلك صرخة لو سمعها أهل السموات والأرض لماتوا فزعًا، ثم يموت.

وأخرجَ زيادُ النُميري قال قرأتُ في بعض الكتب، أن الموتَ أشدُّ على ملك الموت منه على جميع الخلق.

وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ليس أحدٌ أشدَّ بلاءً من الأنبياء كما يشدد علينا البلاء كذلك يضاعف لنا الأجر"(1) وقال في مرض موته: "اللهم أعني على سكرات الموت"(2).

فإن قلت: ما وجه تشديد البلاء على الأكابر من الأنبياء والصالحين، فهل له من حكمة؟

قلتُ: نعم بل له حِكم فقد قال الإمام ابن عقيل: كأن له

(1) رواه البخاري في "الأدب المفرد"(510)، وابن ماجه (4024)، والحاكم 1/ 99 و 4/ 342 من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بإسناد حسن.

ورواه عبد الرزاق (20626) وأحمد 3/ 94 (11893) من وجه آخر.

(2)

رواه البخاري (6510) من حديث عائشة رضي الله عنها.

ص: 63

سبحانه وتعالى فيهم جواهرَ مودعة، أحبّ أن يظهرها ويجعلهم حججًا على المتخلفين عنه، صبرًا على بلائه، ورضًا بقضائه.

وقال القرطبي: لتشديد الموت على الأنبياء فائدتان (1):

إحداهما، تكميل فضائلهم ورفع درجاتهم، وليس ذلك نقصًا ولا عذابًا، بل هو كما جاء "إنّ أشدّ الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل".

والثانية: أنْ يعرف الخلق مقدار ألم الموت وأنه باطن، وقد يطلع الإنسان على بعض الموتى، فلا يرى عليه حركة ولا قلقًا ويرى سُهولة خروج روحه، فيظنُ سهولة أمر الموت ولا يعرف ما الميت فيه، فلما ذكر الأنبياء الصّادقون في خبرهم شدة ألمه مع كرامتهم على الله، قَطَعَ الخلقُ بشدة الموت، الذي يقاسيه الميت مطلقًا بإخبار الصادقين عنه ما عدا الشهداء، أي لما أخرج الطبراني عن أبي قتادة، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الشهيد لا يجد ألم القتل، إلا كما يجد أحدكم القرصة"(2). وأخرج النسائي مثله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (3).

(1)"التذكرة" ص 41.

(2)

رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(280). وفيه رشدين بن سعد وهو ضعيف. المعجم الكبير (9/ 164) الترمذي (4/ 190).

(3)

رواه أحمد 2/ 297، والنسائي 6/ 36، والترمذي (1668)، وابن ماجه (2802)، وابن حبان (4655) وإسناده حسن.

ص: 64

فائدتان: الأولى: ذكر جماعة من العلماء أن السّواك يسهّل خروج الرّوح، واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين في قصّة سواكه صلى الله عليه وسلم عند موته (1).

الثانية: أخرج ابن أبي حاتم (2) عن قتادة في قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [المُلك: الآية 2] خلق الموت في صورة كبش لا يمرّ على أحدٍ إلا مات، وخلق الحياة في صورة فرس لا تمر على شيء إلا أحُيي.

وأخرج أبو الشيخ في كتاب "العظمة"، عن وهب بن منبه قال: خلق الله الموت كبشًا أملحًا مستترًا بسواد وبياض؛ له أربعة أجنحة، جناح تحت العرش، وجناح في الثرى، وجناح في المشرق، وجناح في المغرب، قال له كن فكان، ثم قال له أبرز فبرز الموت عزرائيل (3).

وبهذه الآثار عُرف أن الموت جسم خلق في صورة كبش؛ لا عرض.

ويؤيده ما ورد في حديث الصحيحين: "يُجَاءُ بالموت يوم القيامة في صورة كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، ثمّ يُقال: هل

(1) كما في حديث عائشة رضي الله عنها عند البخاري (890).

(2)

"التفسير" 10/ 3363.

(3)

"العظمة" 3/ 900.

ص: 65

تعرفون ما هذا؟ فيقولون: نعم، وكل قَدْ رآه، هذا الموت. فيذبح". زاد أبو يعلى:"كما تذبح الشاة"(1).

ولا شكّ أن ألم الموت شديد، والحرص منه لا يفيد، فيا من غَفَل عنَ هذا الخطْبِ العظيم، والداء الجسيم. انتبه قبل أن يحلّ بك الحِمام، وتذوقَ طعم الآلام. فلا ينفع ثمّ عُذر ولا ندامةَ، سوى التقوى والاستقامة، فما بالك تطلب الدنيا طلب من لا يموت، وتجهد نفسك في جمعها، مع أنّ حظك من ذلك القوت، انتبه يا مسكين لذلك الوقت المحتوم، واعبد مولاك الجوَاد الحيّ القيّوم، فإنَّ الدنيا لا تدوم، والندمُ على ذي الفعل المذموم. وما أحسن قول القائل:

أذكرُ الموتَ ولا أرهبهُ

إنّ قلبي لغليظ كالحجر

أطلب الدّنيا كأنّي خالد

ووَرائي الموت يقفو بالأثر

وكفى بالموت فاعلم واعظا

لمن الموت عليه قد قدَر

والمنايا حوله ترصُده

ليس ينجي المرءُ منهنّ مَفر

فمثل لنفسك يا مغرور قد حلّت بك السّكرات، ونزل بك الأنين والغمرات، فمِن قائل: إنّ فلانا قدْ أوصى. وماله قد أُحصي. ومن قائل يقول: إنّ فلانا ثقل لسانه، فلا يعقل يعرف جيرانه، ولا يكلم إخوانه. وكأنّي أنظر إليك تسمع الخطاب، ولا تحسن ردّ

(1) رواه البخاري (4760) ومسلم (2849) وأبو يعلى (1175) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.

ص: 66

الجواب، ثم تبكي ابنتك كالأسيرة، وتتضرّع وتقول من ليتمي بعدك يا حسن السّيرة، وأنت تسمع ذلك، ولا تردّ جوابا فمالك. وأنشدوا:

فأقبلت الصُّغرى تمرّغ خدّها

على وَجنتي حينا وحينا على صدري

وتخمش خدّيها وتبكي بحرقة

تنادي أبي إني غُلبتُ عن الصبر

أجبني أبي مَن لليتامى تركتهم

كأفراخ زغب في بعيد من الوكري

* * *

ص: 67