الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس فيما جاء في ملك الموت وأعوانه
قال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السَجدَة: الآية 11] وقال: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [الأنعَام: الآية 61](1).
أخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [الأنعَام: الآية 61] قال: أعوان ملك الموت من الملائكة. زاد إبراهيم النخعي فيما رواه أبو الشيخ: ثم يقبضهما ملك الموت (2).
وأخرج أبو الشيخ وابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما أراد الله أن يخلق آدم بعث ملكًا من حملة العرش، يأتي بتراب من الأرض، فلما أهوى (3) ليأخذ قالت الأرض: أسألك بالذي أرسلك لا تأخذ منِّي اليوم شيئًا يكون منه للنار نصيب غدًا. فتركها، فلما رجع إلى ربه قال: ما منعك أن (تأتيني)(4) بما أمرتُك
(1) جلّ هذا الفصل منقول من كتاب السيوطي "شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور" ص 75 - 88. باب ما جاء في ملك الموت وأعوانه وفصل قطع الآجال كل سنة ص 89 - 90 بتصرف يسير من المصنف كاختصار الكلام في بعض المواضع أو عدم ذِكر بعض الأسانيد التي ينقلها السيوطي.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 13/ 372 والطبري في تفسيره 11/ 411.
(3)
في (ب)، (ط):(هوى).
(4)
في (ب)، و (ط):(تأتي).
قال: سألتني بك فعظمتُ أن أردّ شيئًا سألتني بك. فأرسل آخر فقال مثل ذلك، حتى أرسلهم كلهم. فأرسل ملك الموت فقالت له مثل ذلك، فقال: إن الذي أرسلني أحقُّ بالطاعة منك، فأخذ من وجه الأرض كلها، من طيبها وخبيثها، فجاء به إلى ربِّه فصبَّ عليه من ماء الجنة فصار حمأً مسنونا فخُلقَ منه آدم عليه السلام. زاد ابن عساكر عن يحيى بن خالد فسمّاه ملك الموت، ووكّله بالموت (1).
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في "شعب الإيمان" عن ابن سابط قال: يدبر أمرَ الدّنيا أربعة: جبريلُ وميكائيل وإسرافيل وملكُ الموت، فأمّا جبريلُ، فصاحب الجنود والريح، وأما ميكائيل فصاحب القطر والنبات، وأمّا ملك الموت فموكل بقبض الأنفس وأمّا إسرافيل فيتنزل بالأمر عليهم بما يُؤمرون (2).
وأخرج أبو الشيخ في "العظمة" عن الرّبيع بن أنس، أنَّه سُئِل عن ملك الموت، هل هو الذي وحده يقبض الأرواح قال: هُو الذي يَلي أمرَ الأرواح، وله أعوان على ذلك، غير أنَّ ملك الموت هو الرئيس، وكل خطوة منه من المشرق إلى المغرب. قلتُ: أين تكون أرواح المؤمنين؟ قال: عند السدرة (3).
(1) رواه محمد بن عبد الواحد الأصبهاني في مجلس في رؤية الله تبارك وتعالى (662). ورواه أبو الشيخ في "العظمة"(1047) بإسناد معضل.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 7/ 170 والبيهقي في "الشعب"(158). وإسناده إلى ابن سابط صحيح.
(3)
العظمة (433)، وأخرجه الطبري في "التفسير" 7/ 217، وإسناده ضعيف.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)} [النَّازعَات: الآية 5] ملائكة يكونون مع ملك الموت يحضرون الموتى عند قبض أرواحهم، فمنهم من يعرج بالروح، ومنهم من يُؤمّن على الدعاء ومنهم من يستغفر للميت حتى يصلى، عليه ويدلى في حفرته (1).
وقال عكرمة في قوله تعالى: {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27)} [القِيَامَة: الآية 27] أعوان ملك الموت يقول بعضهم لبعض: مَنْ يرقى بروحه من أسفل قدمه إلى موضع خروج نفسه.
وأخْرَجَ الطبرانيُّ في "الكبير" وأبو نعيم وابن منده عن الحارث بن الخزرج، عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول -ونظر (2) إلى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار، فقال-:"يا ملك الموت، أرفق بصاحبي فإنَّه مؤمنُ"، فقال ملكُ الموت: طب نفسًا، وقر عيْنا، واعلم أني بكل مؤمن رفيق، واعلم يا محمد أني لأقبض روح ابن آدم، فإذا صرخ صارخ من أهل بيته همت في الدار ومعي روحه، فقلت ما هذا الصّارخ، والله ما ظلمناه ولا سبقنا أجله، ولا استعجلنا قدره، وما لنا في قبضه من ذنب، فإن ترضوا بما صنع الله تؤجروا وإن تسخطوا تَأثموا وتؤزروا، وإن لنا عندكم عودة بعد عودة فالحذر الحذر، وما مِنْ أهل بيت شعر ولا مدر برٌّ ولا فاجر، ولا جبل إلا أنا أتصفحهم في كل يومٍ وليلة، أنا أعرف بصغيرهم وكبيرهم
(1) ذكره في "الدر المنثور" في تفسير آية النازعات (5).
(2)
كذا في (أ) وفي (ب)، و (ط):(وانظر).
منهم بأنفسهم والله لوْ أردتُ أنْ أقبضَ روح بعوضَة ما قدرت على ذلك، حتى يكون الله هو يأذن بقبضها (1).
قال جعفر بن محمد: بلغني أنّه إنما يتصفحهم عند مواقيت الصلاة، فإذا نَظَرَهُ عند الموت فإن كان يحافظ على الصلاة، دنا منه ملكُ الموت وطرد عنه الشيطان، ويلقنه الملك لا إله إلا الله محمد رسول الله، في ذلك الحال العظيم.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن الحسن: ما من يوم إلا وملكُ الموت يتصفح في كل بيتٍ ثلاثَ مرات، فمنْ وجده منهم قد استوفى رزقه وانقضى أجله، قبض روحه. وإذا قبض روحه أقبل أهله برنّة وبكاء، فأخذ ملك الموت بعضادَتي الباب، فيقول ما لي إليكم من ذنب، وإني لمأمورٌ والله ما أكلت له رزقًا، ولا أفنيت له عُمرا، ولا انتقصت له أجلا، وإنّ لي فيكم لعودة ثم عودة حتى لا أبقي منكم أحدا (2).
قال الحسن: والله لو رأوا مقامه، وسمعوا كلامه؛ لذهلوا عن ميتهم ولبكوا على أنفسهم.
وأخرجَ ابن أبي الدُنيا، عن عبيد بن عمير قال: بينما إبراهيم
(1) ضعيف جدًا، رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(2254)، والبزار (784) - "كشف الأستار"، والطبراني في "الكبير"(4188)، وأبو الشيخ في "العظمة"(477)، وابن الجوزي في "الموضوعات"(1747) وفي إسناده عمرو بن شمر، وهو متروك.
(2)
موضوع. رواه أبو الشيخ في "العظمة"(443) وفي إسناده الحسن بن دينار، متروك ومتهم بالكذب.
عليه السلام يَوْمًا في داره إذْ دخلَ عليه رجلٌ حسن الشارة -بالشين المعجمة والرَاء المخفّفة: أي الهيئة. فقال يا عبد الله: من أدخلك داري؟ قال: أدخلنيها ربّها قال: ربّها أحقّ بها، فمن أنت؟ قال: ملك الموت قال: لقد نُعتَ لي منك أشياء ما أراها فيك، قال: أدبر فأدبر، فإذا عيون مقبلة وإذا عيون مدبرة، وإذا كلّ شعرة منه كأنها إنسان قائم، فتعوّذ إبراهيم عليه السلام من ذلك وقال: عُد إلى الصّورة الأولى. قال: يا إبراهيم، إنَّ الله إذا بعثني إلى من يحبّ لقاءه، بعثني في الصورة التي رأيت أوّلا.
وأخرج نحوَه (1) الإمام ابن الإمام عبد الله، في زوائد "الزهد" وابن أبي الدنيا عن كعب غير أنهما قالا: قال إبراهيم إن كنت صادقًا فأرني منك آية أعرف أنك ملك الموت. قال له ملك الموت أعرض بوجهك فأعرَضَ ثُمَّ نظر فأراهُ الصَّورة التي يقبض المؤمنين قال: فرأى من النَّور والبهاء شيئًا لا يعلمه إلا الله، ثم قال: أعرض بوجهك فأعرض، ثمَّ نَظَر فأراهُ الصورة التي يُقبَضُ فيها الكُفّارُ والفجّار، فرعب إبراهيم رُعبا، حتى ارتَعدتْ فرائصه، وألصقَ بطنهُ بالأرض، وكادت نفسه تخرج.
وفي "شرح الصُّدور في أحوال الموتى والقبور" للسيوطي (2)،
(1) أخرجه أبو الشيخ (449) وأبو نعيم 5/ 375 بأطول منه من قول كعب.
(2)
شرح الصدور ص 79. وروى نحوه أبو نعيم في "الحلية" 6/ 28 وهو من قول كعب.
عن ابن عباس وابن مسعودٍ معًا قالا: لمّا اتخذ اللهُ إبراهيمَ خليلًا سأل ملكُ الموت ربّه أنْ يأذنَ له، فيبشره بذلك فأذن له، في إبراهيمَ فبشرّه، فقال: الحمدُ لله. ثم قال: يا مَلكَ الموت أرني كيف تقبض أنفاس الكفار. قال: يا إبراهيم، لا تطيق قال: بلى فأعرض ثم نظر فإذا برجُل أسود، ينال رأسه السّماء يخرجُ من فيه لهب النار، ليس من شعرة في جسده، إلَّا في صورة رَجُل يخرجُ من مسامعه لهبُ النار، فغشي على إبراهيم ثم أفاق وقد تحوّل ملكُ الموت في الصّورة الأولى، فقال: يا ملك الموت؛ لو لم ير الكافر من النار والخزي إلّا صورتك لكفاه، فأرني كيفَ تقبضُ أرواح المؤمنين. قال: أعرضْ ثمَّ التفَتَ فإذا هو برجل شابّ أحسنُ النّاس وَجْهًا وأطيَبُه ريحًا في ثيابِ بيض، فقال: يا ملك الموت لو لم يَر المؤمن عندَ موته من قُرّة العيني والكرامة إلّا صورتك لكان يكفيه.
وأخرجَ الإمام أحمدُ، وأبو الشيخ وأبو نعيم عن مجاهد قال: جُعلت الأرض لملك الموت مثل الطست، يتناول من حيث شاء، وجُعل لهُ أعوان يتوفونَ الأنفُسَ، ثمَّ يقبضُها مِنهُم (1).
وأخرجَ ابن أبي الدُنيا: قيلَ لملك الموتِ ما مِنْ نَفْسٍ منفوسة إلا وأنت تقبض روحها؟ قال: نعم. قيل: كيف وأنت هاهنا والأنفس في أطراف الأرض؟ قال: إنّ الله سَخّرَ لي الدُنيا فهيَ كالطست، يُوضع
(1) رواه الطبري 7/ 217، وأبو الشيخ (436)، وأبو نعيم 3/ 286 وإسناده إلى مجاهد حسن.
قدّام أحدكم فيتناول من أيّ أطرافها شاء، كذلك الدنيا عندي (1).
وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ وأبو نعيم عن شهر بن حوشب، قال: ملك الموت جالسٌ والدنيا بين ركبتيه، واللوح الذي فيه آجال بني آدم في يده وبين يديه ملائكة قيام، وهو يَعرضُ اللوح، لا يطرف فإذا أتى على أجل عبد قال: اقبضوا هذا (2).
وأخرج ابن أبي الدنيا أنّ الدّنيا سهلها وجبلها بين فخذي ملك الموت، ومعه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فيقبض الأرواح فيعطي هؤلاء لهؤلاء [وهؤلاء لهؤلاء](3)، يعني ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، قيل فإذا كانت ملحمة، وكان السيف مثل البرق قال يدعوها فتأتيه الأنفس (4).
وقال سيدنا سليمان بن داود عليه السلام لملك الموت -وكان له صديقًا-: مالك تأتي أهل البيت فتقبضهم جميعًا، وتدع أهل البيت إلى جنبهم لا تقبض منه أحدا؟ قال: لا أعلم بما أقبض منها إنما أكون تحت العرش، فتلقئ إلى (صكاك)(5) فيها أسماء. رواه ابن أبي شيبة عن خيثمة (6).
(1) روى نحوه أبو الشيخ في العظمة (443، 469) وكلها مقاطيع وأخبار متناقَلة عن أهل الكتاب وفي الحبائك للسيوطي (36).
(2)
رواه أبو الشيخ (444)، وأبو نعيم في "الحلية" 6/ 261.
(3)
زيادة ن (ب)، و (ط).
(4)
رواه أبو الشيخ (472). وإسناده منقطع.
(5)
في (ب): (صهار).
(6)
رواه ابن أبي شيبة 7/ 70، وأبو نعيم في "الحلية" 4/ 119.
وأخرج أيضًا عنه قال: دَخل ملك الموت إلى سليمان، فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه، يديم النظر إليه، فلمّا خرج قال: الرجُل مَن هذا؟ قال: هذا ملكُ الموت قال: رأيتُه ينظر إليّ كأنّه يريدني. قال: فما تريدُ؟ قال: أريدُ أنْ تحمِلَني على الرّيح حتى تلقيَني بالهِند، فدعا الريح فحمله عليها، فألقته في الهند. ثم أتى ملك الموت سليمان فقال: إنك كُنت تديم النّظر إلى رجل من جلسائي. فال: كنتُ أعجبُ منه أمرت أن أقبضه بالهند وهو عندك (1).
وذكر الجلال السيوطي في "أحوال الموتى والقبور" عن ابن عساكر من خبر خيثمة قال سُليمانُ بنُ داود لملك الموت: إذا أردتَ أن تقبض رُوحي فأعلمني. فقال: ما أنا بأعلم بذلك منك إنما هو كتب تلقى إليّ فيها تسمية من يموت.
وأخرجَ ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ ملكا استأذن ربّه أن يهبط إلى إدريس، فأتاه فسلّم عليه، فقال له إدريس: هل بينك وبين ملك الموت شيء؟ قال: ذلك أخي من الملائكة. قال: هل تستطيع أن تنفعني عنده بشيء؟ قال: أمّا أن تؤخّر شيئًا أو تقدمُه فلا، ولكن سأكلمه فيرفق بك عند الموت قال: اركب بين جناحيّه، فركب إدريس فصعد به إلى السماء العليا فلقى ملكَ
(1) رواه ابن أبي شيبة 7/ 70، وأحمد في "الزهد" ص 41، وأبو الشيخ في "العظمة"(441) مطولًا و (453)، وأبو نعيم في "الحلية" 4/ 18 و 6/ 60، وهذا الأثر وغالب الآثار السابقة إسرائيليات لا تثبت صحتها.
الموت، وإدريس بين جناحه، فقال له: يا ملك الموت إنّ لي إليك حاجة. قال: علمت حاجتك، تكلمني في إدريس، وقد محي اسمه من الصحيفة، ولمْ يبقَ من أجله إلا نصفُ طرفة، فمات إدريس بين جناحي ذلك الملك (1).
وأخرجَ المروزي وابن أبي الدنيا عن جابر بن زيد: أن ملك الموت كان يقبض الأرواح بغير وجع، فسبّه النّاس ولعنوه فشكى إلى ربّه، فوضع الله الأوجاع ونُسى ملك الموت، يقال مات فلان بوجع كذا وكذا (2).
وأخرج الإمام أحمد والبزّار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كانَ ملك الموت يأتي الناس عيانًا، فأتى مُوسى فلطمه، ففقأ عينهُ فأتى ربه فقال: يا ربّ عبدك موسى فقأ عيني، ولولا كرامتُه عليك لشققت عليه. قال له: اذهب إلى عبدي فليضع يده على جلد ثور، فله بكلّ شعرة وارت يده سَنة. فأتاه فقال له، فقال: ما بعد هذا؟ قال: الموت. قال: فالآن، فشفه شمّه فقبض روحه، وردّ الله عليه عينه، فكان يأتي الناس خُفية"(3).
(1) ذكره القرطبي في "التفسير" 11/ 118 - 119.
(2)
رواه أبو الشيخ في "العظمة"(437).
(3)
رواه أحمد 2/ 533 والحاكم 2/ 578، وأورده الهيثمي 8/ 204. وهو في صحيح البخاري (1339) دون قوله:"كان ملك الموت يأتي الناس عيانا". وهي زيادة منكرة.
وأخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كانَ داودَ عليه السلام فيه غيرةٌ شديدة، فكان إذا خَرج أغلق الأبواب فلمْ يدخل على أهله أحد حتى يرجع، فخرج ذات يوم ورجع فإذا في الدار رجل قائم، فقال له: من أنت؟ قال: أنا الذي لا أهاب الملوك ولا يُمنعُ مني الحجاب، قال داود: أنت إذن والله ملكُ الموت، مَرحبًا بأمر الله. فرمل داود مكانه، فقبضت نفسه"(1).
وأخرج الطبراني، عن الحسين أن جبريل هَبط على النبي صلى الله عليه وسلم يوم موته، فقال: كيف تجدُك؟ قال: "أجدني يا جبريلُ مغمومًا وأجدني مكروبًا" فاستأذَنّ ملكُ الموت علي الباب، فقال جبريل: يا مُحمَّد هذا ملك الموت، يستأذن عليك، ما استأذن على آدميّ قبلك، ولا يستأذن على آدميّ بعدك. قال:"ائذن له". فأقبل حتى وقف بين يديه فقال: إن الله أرسلني إليك، وأمرني أن أطيعك إن أمرتني أن أقبضَ نفسك، قبضتها، وإن كَرهتَ تَركتُها قال:"وتفعلُ يا ملك الموت؟ " قال: نعم بذلك أمُرت، فقال له جبريل: إن الله اشتاق إلى لقائك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"امض لما أُمرتَ به"(2).
وأخرج أبو نعيم عن ثابت البناني قال: الليلُ والنهار أربعةٌ
(1) رواه أحمد 2/ 419 (9432) وفيه ضعيف.
(2)
حديث موضوع، رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(2890).
وأورده الهيثمي 9/ 35 وقال: فيه عبد الله بن ميمون القداح وهو ذاهب الحديث.
وعشرون ساعة، ليس فهها ساعة تأتي على ذي روحْ إلّا وملك الموت قائمٌ عليها، فإن أُمِر بقبضها قبضَها وإلَّا ذهبَ (1).
وأخرج الإمام أحمد في "الزهد" وأبو الشيخ عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا: "إن ملك الموت لينظر في وجوه العباد، في كل يوم سبعين نظرة، فإذا ضَحك العبدُ الذي بعث إليه، يقول: عجبَا بُعثت إليه لأقبض روحه وهو يضحك"(2).
تنبيه: أخرج أبو الشيخ، والعقيلي في "الضّعفاء" والديلمي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آجَالُ البهائم (وخشاش) (3) الأرضِ كلها في التسبيح، فإذا انقضى تسبيحها قبض الله أرواحها وليس لملك الموت من ذلك شيء"(4).
قال السيوطي: وله طريق آخر، أخرجه الخطيبُ في الرواة عن مالك، من حديث ابن عمر مثله.
قال ابن عطية (5)، والقرطبي: وكأن معنى ذلك أن الله يعدم حياتها بلا مباشرة ملك، فالآدميّ شرُف بأن خلق له ملكا وأعوانه
(1)"الحلية" 2/ 326.
(2)
رواه الديلمي كما في "الفردوس" 1/ 233.
(3)
في (ب)، (ط):(حشاش).
(4)
رواه أبو الشيخ في "العظمة"(1232)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" 4/ 321، والديلمي (1695)، وابن عساكر 63/ 300، وابن الجوزي في "الموضوعات"(1750). وفي إسناده الوليد بن موسى القرشي يروي الموضوعات.
(5)
التذكرة (61) تح عصام.
وجعل قبض روحه وإسلالها من جسده على يده، وقد قال عزرائيل للنبي صلى الله عليه وسلم لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة، ما قدرت على ذلك، حتى يكون الله هو الآمر بقبضها، كما تقدم (1).
قال السيوطي (2): ولكن أخرج الخطيب في الرّواة عن مالك عن سليمان بن مهير الكلابي قال: حضرتُ مالك بن أنس وسأله رَجلٌ عن البراغيث أملك الموت يقبض أرواحها فأطرق طويلًا ثم قال: ألها نَفس؟ قال: نعم. قال: فإن ملك الموت يقبض أرواحها {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزُّمَر: الآية 42](3).
قال السيوطي: ثم رأيتُ جويبرا أخرجَ في تفسيره عن الضحاك، عن ابن عباس قال: وكّل ملك الموت بقبض أرواح الآدميين، فهو الذي يلي قبض أرواحهم وملكًا في الجن، وملكًا في الشياطين، وملكًا في الطير، والوحش والسباع، والحيتان والنّمل، فهم أربعة أملاك والملائكة يموتون في الصعقة الأولى، وإن ملك الموت يلي قبض أرواحهم، ثم يموت، فأما الشُهداء في البحر، فإن الله يلي قبض أرواحهم، لا يكل ذلك إلى ملك الموت لكرامتهم عليه، حيث ركبوا لجج البحر في سبيله. قال: وجويبر
(1) جزء من حديث الحارث بن الخزرج عن أبيه، ولا يصح وليس فيه (عزرائيل) وإنما (ملك الموت). انظر ص 77 ت (1).
(2)
شرح الصدور ص 86.
(3)
أورده القرطبى بإسناد الخطيب في "التفسير" 14/ 93. التذكرة (58) تح عصام.
ضعيف جدًّا والضحاك عن ابن عباس منقطع.
قال: ولآخره شاهد مرفوع فأخرج ابن ماجه عن أبي أمامة سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنّ الله وكل ملك الموت بقبض الأرواح، إلَّا شُهداء البَحر فإنه يتولى قبضَ أرواحهم"(1).
وأخرجَ ابن أبي شيبةَ في "المصنف"، عن عبد الله بن عيسى قال: كان فيمن قبلكم رجَلٌ عَبَد الله أربعين سنة، في البرّ، ثم قال: يا رب قد اشتقتُ أن أعبدك في البحر، فأتى قومٌ فاستحملهم فحملوه وجرت بهم سفينتهم ما شاء الله، أن تجري ثم قامت فإذا شجرة في ناحية الماء، قال: ضعوني على هذه الشجرة، فوضعوه وجَرتْ بهم سفينتهم، فأرادَ ملكٌ أن يَعرجَ إلى السّماء فتكلم بكلامه الذي كان يعرج به فلم يقدر على ذلك فعلم أن ذلك لخطيئة كانت منه، فأتى صاحب الشجرة فسأله أن يشفع له إلى ربه، فصلى ودعا للملك، فعرج وطلبَ من ربه أن يكون هو يقبض نفسه، ليكون أهون عليه من ملك الموت، فأتاه حين حضر أجله، فقال: إني طلبت إلى ربيّ أن يشفّعَني فيك كما شفّعك فيّ، وأن أكون أنا أقبض نفسك فَمِن حيث شِئتَ قبضتها، فسجد سجدة فخرجت من عينه دمعة فمات (2).
(1) رواه ابن ماجه (2778)، والطبراني (7716). وفي إسناده عفير بن معدان يروى أحاديث لا أصل لها. وحكم عليه العلامة الألباني بالوضع "الضعيفة"(817).
(2)
ابن أبي شيبة 7/ 162 من قول عبد الله بن عيسى.
فائدة: أخرج ابن عساكر في "تاريخه" عن أبي زرعة قال: قال لي نجيب بن أبي عبيد، رأيتُ ملك الموت في النوم وهو يقول: قل لأبيك يصلي عليّ حتى أرفق به عند قبض روحه، فحدّثت أبي بما رأيت فقال: يا بُني لأنَا بملِك الموت آنسُ منيّ بأمّك (1).
وأخرجَ ابن عُساكر من طريق زيد بن أسلم عن أبيه قال: ذكرتُ حديثًا رواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما حقّ امرء مسلم يبيت ثلاث ليالٍ إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه"(2). فدعوت بدواة وقرطاس لأكتب وصيّتي، فغلبني النوم، فنمت ولم أكتبها، فبينما أنا نائم إذ دخل داخلٌ أبيض الثياب، حسن الوجه طيّب الرائحة، فقلت: يا هذا من أدخلك داري قال: أدخلنيها رَبُّها. قلت: من أنت؟ قال: ملك الموت فرعبتُ منه، فقال: لا ترع إني لم أؤمر بقبض روحك قلت: فاكتب لي براءة من النار قال: هات لي دواة وقرطاسًا. فمددت يدي إلى الدواة والقرطاس الذي نمت عنه، وهو عند رأسي فناولته فكتب إذن لي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أستغفر الله، أستغفر الله، حتى ملأ ظهر الكاغد وبطنه، ثم ناولنيه وقال: هذه براءتك، رحمك الله، وانتبهت فزعًا ودعوت بالسّراج ونظرتُ، فإذا القرطاس الذي نمت وهو عند رأسي مكتوب ظهره وبطنه استغفر الله.
تتمة: قال القرطبي (3): لا تنافي بين قوله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ
(1) تاريخ دمشق 52/ 289
(2)
الحديث المرفوع فقط دون القصة: رواه البخاري (2738) ومسلم (1627). أما قصة زيد بن أسلم عن أبيه فهي في "تاريخ دمشق" 8/ 349.
(3)
التذكرة (61) تح عصام.
مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السَّجدَة: الآية 11] وقوله: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [الأنعَام: الآية 61] وقوله: {تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ} [النَّحل: الآية 28]، وقوله:{يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ} [الزُّمَر: الآية 42] لأن إضافة التوفي إلى ملك الموت؛ لأنَّه المباشر للقبض، وللملائكة الذين هم أعوانه لأنهم يأخذون في جذبها، من البدن، فهو قابضٌ وهم معالجون، وإلى الله لأنه الفاعل الحقيقي.
وقال الكلبيّ: يقبض ملك الموتِ الروحَ من الجسدِ، ثم يسلمها إلى ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب.
وأما اختلاف صفة ملك الموت بالنسبة إلى المؤمن، والكافر فواضح، كما تقرر أن الملائكة لهم قوّة التشكّل بأيّ شكل أرادوا.
تنبيه: قبض الأرواح على قسمين: فمنهم من يطعنه الملك بحربة، مسمومة قد سقيت سُمّا من نار؛ فتفر الرّوح خارجة فيأخذها في يده، وهي ترعدُ أشبه شيء بالزئبق على قدر الجرادة، شخصًا إنسانيًا ثم يناولها الزّبانية. ومن الموتى من يجذبُ نفسَه رويدًا، حتى تنحصر في الحنجرة، إلا شعبة متصلة بالقلب، فحينئذ يطعنها بتلك الحربة الموصوفة.
قال في "التذكرة": لم أجد لهذه الحربة في الأخبار ذكرًا إلا ما ذكره أبو نعيم، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: إن لملك الموت عليه السلام حربة، تبلغ ما بين المشرق والمغرب، فإذا انقضى أجل عبد من الدُنيا ضرب رأسه، بتلك الحربة، وقال: الآن
يزار بك عسكر الأموات (1). والله أعلم.
واعلم أنه تقطع الآجال كلّ سنة، فقد أخرجَ الديلميّ عن أبي هُريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"تقطع الآجال من شعبان، حتى إن الرجل لينكح ويولد له، وقد خرج اسمه في الموتى".
وأخرج ابن أبي الدنيا مثله، عن عثمان بن المُغيرة بن الأخنس (2).
وأخرج أبو يعلى بسند حسّنه [المنذري](3)، عن عائشةَ رضي الله عنها أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ يصومُ شعبانَ كُلّه فَسألتُه قال:"إن الله يكتبُ فيه كُلّ نفس ميتة تلك السنة، فأحبّ أن يَأتيني أجلي وأنا صائم"(4).
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عطاء بن يسار قال: إذا كانتْ ليلةُ النّصف من شعبان رُفع إلى ملك الموت صحيفة، فيقال: اقبض ما
(1) رواه أبو الشيخ في "العظمة"(474) وأبو نعيم في "الحلية" 5/ 241 وفي إسناده انقطاع.
(2)
رواه الطبري في "تفسير" 25/ 109، والبيهقي في "الشعب" 3/ 386، والديلمي 2/ 73 من قول عثمان بن الأخنس.
(3)
في جميع الأصول: (الترمذي) والتصويب من "شرح الصدور" ص 89، وهو عند المنذري في "الترغيب والترهيب" 2/ 117.
(4)
رواه أبو يعلى (4911) وإسناده ضعيف، وحسنه المنذري كما في التعليق السابق.
في هذه الصحيفة، فإن العبدَ ليغرسُ الغراس وينكحُ الأزواجَ، ويبني البنيان، وأنّ اسمَه قد نسخ في الموتى.
وأخرجَ ابن أبي الدُنيا، والحاكمُ في المستدرك عن عقبةَ بن عامر الصحابي رضي الله عنه قال: أوّلُ مَن يعَلمُ بموتِ العبد الحافظ لأنّه يعرج بعمله، وينزل برزقه، فإذا لم يخرج له رزق علم أنَّه ميت (1).
وأخرج أبو الشيخ في "تفسيره"، عن محمد بن جحادة قال: إنّ شجرة تحت العرش، ليس مخلوق إلّا له فيها ورقة، فإذا سقطت ورقة عبد خرجت روحه من جسده، فذلك قوله تعالى عز وجل:{وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا} [الأنعَام: الآية 59](2). [قوله: {مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا} أي: سواء كانت الورقة الساقطة من الشجرة التي تحت العرش أو غيرها من الأشجار؛ لأن النكرة إذا جاءت بسياق النفي تفيد العموم، كقولك: ما جاءني من أحدٍ انتهى](3).
* * *
(1) رواه الحاكم 4/ 260، في حاشية "ط" زيادة قف على أول من يعلم بموت العبد.
(2)
رواه أبو الشيخ في "طبقات المحدثين بأصبهان" 2/ 77.
(3)
زيادة من "ط".