المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أخرج الطبراني والحاكم عن عِمارَةَ بن حزم قال: رآني رسول - البحور الزاخرة في علوم الآخرة - جـ ١

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمةفي ذِكْرِ الموتِ وما يتعلقُ بِهِ، والرُّوح

- ‌الفصل الأول في النَّهْي عن تمَنِّي الموتِ وحِكْمتِه

- ‌الفصل الثاني في فَضْلِ المْوتِ وَذِكْرِهِ

- ‌الفصل الثالث في علامة خاتمة الخير، ومن دنى أجله، والكلام على شدة الموت

- ‌الفصل الرابع فيما يقول الإنسان في مَرض الموت وما يقرأ عنده. وما يقال إذا احتضر وتوابع ذلك

- ‌الفصل الخامس فيما جاء في ملك الموت وأعوانه

- ‌الفصل السادس فيما يحضر الميت من الملائكة وغيرهم وما يَراه المحتضر، وما يقال له، وما يبشر به المؤمن، وينذر به الكافر

- ‌الفصل السابع في الكلام على الروح وما يتعلق بذلك

- ‌خاتمة

- ‌الكتاب الأول في أحوال البرزخ

- ‌البابُ الأول في ذكر حال الميت عند نزوله قبره، وسؤال الملائكة له، وما يفسح له في قبره أو يضيق عليه، وما يرى من منزله في الجنة والنّار، وكلام القبر للميت عند نزوله إليه

- ‌فصل في كلام القبر للميت عند نزوله

- ‌فصل

- ‌تَتِمَّة:

- ‌فصل

- ‌فوائد

- ‌فصل في فظاعة القبر وسعته على المؤمن وضيقه على الكافر وفي ضمة القبر

- ‌من أسباب ضمة القبر

- ‌فائدتان:

- ‌البابُ الثاني في عذاب القبرِ ونعيمه

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الباب الثالث فيما ورد من سَماع الموتى كلامَ الأحياء وتلاقيهم، ومعرفتهم بحالهم بعد الموت، وحال أقاربهم في الدنيا، ومحل الأرواح فى البرزخ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌قال الحافظ عبد الحق الإشبيلي:

- ‌فصل

- ‌تتمة

- ‌فصل

- ‌تنبيه

- ‌الباب الرابع في ذكر ضيق القبور وظلمتها على أهلها وتنوّرها عليهم، وفي زيارة الموتى والاتّعاظ بحالهم والتفكر بهم

- ‌فصل

- ‌تنبيه

- ‌فصل

- ‌تنبيه

- ‌فصل في التذكر بأهل القبور والتفكر في أحوالهم، وذِكْر طرفٍ من أحوال السلف الصالح في ذلك

- ‌فوائد:

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌ الرابعة:

- ‌الخامسة:

الفصل: أخرج الطبراني والحاكم عن عِمارَةَ بن حزم قال: رآني رسول

أخرج الطبراني والحاكم عن عِمارَةَ بن حزم قال: رآني رسول الله، جالسًا على قبر فقال:"يا صاحب القبر: أترى من على القبر؟ لا تؤذ صاحب القبر ولا يؤذيك"(1). وأخرج سعيد بن منصور، عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه سُئِل عن الوطئ على القبر قال: كما أكره أذى المؤمن في حياته، فإني أكره أذاه بعد موته.

وأخرج ابن أبي شيبة عنه، أذى المؤمن في موته كأذاه في حياته (2).

وأخرَج ابن مندهَ عن القاسِم بن مُخيمَر، قال؛ لأن أطأ على سنان (3) مَحْميٍّ حتى ينفد من قدمي، أحبّ إليّ من أن أطأ على قبر، وإن رجلًا وطئ على قبر، وإن قلبه ليقظان إذ سمع صوتًا من القبر: إليك عني يا رجل، لا تؤذني (4).

‌الخامسة:

في ملازمة الحافظين قبر المؤمن،

أخرج أبو نعيم عن أبي سعيد رضي الله عنه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "إذا قبضَ الله روح عبده المؤمن صعد ملكاهُ إلى السَّماء، قالا: رَبَّنا وكَلتنا بعبدك المؤمن فُلان نكتب عمله، وقد قبضته إليك، فأذن لنا أن نسكن السماء قال: سمائي مملوءة من ملائكتي يسبحوني، فيقولان فأذن لنا أن نسكن الأرض، فيقول: أرضي مملوءة من خلقي،

(1) الحاكم 3/ 590، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 3/ 61 وقال رواه الطبراني في الكبير وفيه ابن لهيعة وفيه كلام وقد وثق.

(2)

رواه ابن أبي شيبة 3/ 367.

(3)

في (ب): أنسنان.

(4)

كشف الخفاء 1/ 299 وعزاه لابن منده، وأورده الذهبى في السير 5/ 204 باختصار.

ص: 420

يسبحوني ولكن: قُومَا على قبر عبدي فسبّحاني وهلّلاني، وكبِّراني إلى يوم القيامة واكتباه لعبدي" (1)، وأخرجه البيهقي في الشعب، وابن أبي الدنيا من حديث أنس، وابن الجوزي في الموضوعات، من حديث أبي بكر الصديق، وزاد فيه: وإذا كان العبدُ الكافر فمات فصعد ملكاه إلى السَّماء، فقال لهما: ارجعا إلى قبره والعناه، هذا كلام السيوطي رحمه الله، وأقول لفظ ابن الجوزي في الموضوعات كما رأيتُه في نسخة قديمة، فإذا كان العبدُ كافرًا فمات، صعد ملكاه فيقول الله لهما: ما جاء بكما، فيقولان: ربّ قبضت عبدك فيقول لهما ارجعا إلى قبره فالعناه إلى يوم القيامة، فإنه كذبني وجحدني وإني جعلتُ لعنتكما عذابًا أعذبه به يوم القيامة، وذكر ابن الجوزي رحمه الله، طرقّه الثلاثة التي عن أبي سعيد وأبي بكر وأنس (2)، وحكم عليه بالوضع، فليحفظ وتعقبّه الجلال السيوطي بأنه ليس بموضوع، بل ظاهر كلامه يشعر بأنه حسن كما يفهمه من له إمعان. والله أعلم.

السادسة: اختلفَ العلماء في وصول ثواب القراءة للميت، فجمهور السّلف، والأئمة الثلاثة على الوصول وخالفَ الشافعيُ مستدلاّ بقوله تعالى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39]، وأجاب الجمهور عن الآية بأجوبة.

(1) أبو نعيم في الحلية 7/ 253 وقال: غريب تفرد به سعدان عن إسماعيل.

(2)

قال هذا حديث لا يصح. وقد اتفقوا على تضعيف عثمان بن مطر، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات لا يحل الاحتجاج به. ا. هـ

ص: 421

أحدها: أنها منسوخة، بقوله تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} [الطور: 21](1) الآية أدُخل الأبناء الجنّة بصلاح الآباء.

الثاني: أنها خاصة بقوم إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام، وأما هذه الأمّة فلها ما سعت وما سُعِيَ لها، قاله عكرمة.

الثالث: المرادُ بالإنسان الكافر، فأمّا المؤمن فله ما سعى، وما سُعِي له، قاله الربيع بنُ أنس.

الرابع: ليس للإنسان إلَّا ما سعى من طريقه، فأمّا من باب الفَضل جائز أن يَزيده الله ما شاء، قاله الحسن بن الفضل.

الخامس: أن "اللام" في الإنسان بمعنى "على" أي ليس على الإنسان إلَّا ما سعى.

قُلْتُ: وينبغي أن يقيَّد هذا بما إذا لم يكن سببًا في ذلك؛ لما في خبر "ومنْ سَنّ سُنّة سيّئة، فعليه وزرها ووزر من عمل بها"(2) الحديث وحديث "ما مِنْ مقتول يُقتل، إلَّا وعلى ابن آدم من دمه"(3)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

(1) قال في التبصرة (684) قرأ أبو عمرو "وأتبعهم" بقطع الألف وإسكان التاء والتخفيف وبعد العين نون وألفٍ، وقرأ الباقون بوصل الألف وتشديد التاء وبعد العين تاء ساكنة. اهـ. وأيضًا: ذرياتهم قرأه أبو عمرو بالجمع وكسر الباء وكذلك قرأ ابن عامر غير أنه ضم التاء، وقرأ الباقون بالتوحيد وضم التاء.

(2)

رواه مسلم (1017)، وابن خريمة (2477)، وابن حبان (3358)، وابن ماجة (203)، وأحمد (4/ 358، 361، 362).

(3)

روي هذا المعنى من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

رواه البخاري (3335) و (6867) و (7321)، ومسلم (1677)، وأحمد 1/ 383 و 430 و 433، والنسائي 7/ 81، وابن ماجة (2616)، وابن حبان (5983)، والبيهقي 8/ 15.

ص: 422

واستدل القائلون بالوصول بالقياس على مثل الحج من أنواع البر، وبما خرجه الخلال في الجامع عن الشعبي قال: كانت الأنصارُ إذا مات لهم الميت اختلفوا إلى قبره، ويقرءون له القرآن (1).

وبما أخرج السمرقندي في فضائل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1]، عن عليّ مرفوعًا "من مرَّ على المقابر وقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} إحدى عشرة مرة، ثم وهب أجره للأموات أُعطي من الأجر بعدد الأموات"(2).

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ دخل المقابرَ ثم قرأ فاتحة الكتاب، وقل هو الله أحد وألهاكم التكاثر، ثُم قال إني جَعلتُ ما قرأتُ من كلامكَ لأهل المقابر من المؤمنين والمؤمنات كانوا شفعاء له إلى الله تعالى"(3).

وأخرجَ الديلمي في تاريخ همدان، وابن النجار عن علي كرّم الله وجهه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال إذا مرَّ بالمقابر السلامُ على أهل لا إله إلَّا الله مِن أهل لا إله إلَّا الله، كيف وجَدتم قول لا إله إلَّا الله، يا أهل لا إله إلَّا الله بحق لا إله إلَّا الله، اغفر لمن قال لا إله إلَّا الله، واحشرنا في زمرة من قال لا إله إلَّا الله، غُفِر له ذنوب خمسين سنة" قيل: يا رسول الله من لم تكن له ذنوب خمسين سنة، قال:

(1) روى نحوه ابن أبي شيبة 3/ 236 وإسناده ضعيف.

(2)

عزاه غير واحد للسمرقندي، ورواه الرافعي في التدوين 2/ 297. وقال في كشف الخفاء 2/ 371: رواه الرافعي في تاريخه عن علي.

(3)

عزاه في "تحفة الأحوذي" 3/ 275 لأبي القاسم الزنجابي في فوائده.

ص: 423

"لوالديه ولقرابته ولعامة المسلمين"(1).

وأخرج القاضي أبو بكر بن عبد الباقي الأنصاري، في مشيخته عن سلمة بن عبيد، قال: قال حماد المكي: خرجتُ ليلة إلى مقابر مكة فوضعتُ رأسي على قبر فنمت، فرأيت أهل المقابر حلقًا حلقًا فقلت: قامت القيامة؟ قالوا: لا ولكن رجلٌ من إخواننا قرأ قل هو الله أحد، وجعل ثوابها لنا، فنحنُ نقتسمه منذ سنة. وأخرج عبد العزيز صاحب الخلال، بسنده عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"من دخل المقابر فقرأ سورة يس خَفَّفَ اللهُ عنهم، وكان له بعدد ما فيها حسنات"(2).

وقال الحافظ ابن رجب: رَوى جعفر الخلدي، حدثنا عباس بن يعقوب بن صالح الأنباري، سمعت أبي يقول: رأى بعض الصالحين أباه في النوم، فقال له: يا بُني لولا الأحياء لهلكت الأموات (3). وأخرج ابن النجار في "تاريخه"، عن مالك بن دينار، قال: دخلت المقبرة ليلة جمعة، فإذا أنا بنور يشرق فيها فقلت: لا إله إلَّا الله، ترى إن الله قد غَفر لأهل المقابر، فإذا بهاتف يهتفُ به من البعد وهو يقول:

(1) رواه الرافعي في "التدوين" 3/ 396 - 397 من رواية الأصبغ بن نباته عن علي. واسناده واه الأصبغ كان يضع الحديث.

(2)

ذكره السيوطي في "شرح الصدور"(130) قال في تخريجه: أخرجه عبد العزيز صاحب الخلال بسنده عن أنس. قال الألباني في "الجنائز"(259) لا أصل له في شيء من كتب السنة. ا. هـ

(3)

"أهوال القبور"217.

ص: 424

يا مالكُ بنُ دينار هذه هدية المؤمنين إلى إخوانهم أهل المقابر قلتُ: بالذي أنطقك ألا أخبرتني ما هو؟ قال: رجلٌ من المؤمنين قام في هذه الليلة فأسبغ الوضوء وصلَّى ركعتين، قرأ فيهما فاتحةَ الكتاب وقُل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد، وقال: اللهم إني قد وهبتُ ثوابَها لأهل المقابر من المؤمنين، فأدخل الله علينا الضياء والنور، والبهجة والسرور في المشرق والمغرب.

قال مالك: فلم أزل أقرؤها في كل جمعة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في منامي يقولُ لي: يا مالك قد غفر الله لك بعدد النور الذي أهديته إلى أمتي ولك ثواب ذلك، ثم قال وبَنَى الله لك بيتًا في الجنة، في قصر يقال له المنيف قلت: وما المُنيف قال المطل على أهل الجنة.

وهذه الأخبار وشبهها وإن كانت ضعيفة، فمجموعها يدل على أنّ لذلك أصلًا وبأنَّ المسلمين ما زالوا في كل مصر يجتمعون، ويقرؤن لموتاهم من غير نكير (1)، فكانَ ذلك إجماعًا ذكر ذلك كُلَّه الحافظُ شمس الدين بن عبد الواحد المقدسي، من أصحابنا رضي الله عنه.

قال القرطبي في التذكرة: وقد كان الشيخ عز الدين بن عبد السلام (2) يُفتي بأنه لا يصل إلى الميِّت ثوابَ ما يُهدَى إليه من

(1) الاجتماع على قراءة القرآن وإهداء ثوابها للميت بدعة سواء كان في بيت الميت أو عند قبره، أما إذا قرئ القرآن بدون اجتماع وأهدي ثوابه فهذا جائز عند جمع من العلماء والله أعلم.

(2)

الفتاوى (/ 24) وهو رأي ابن كثير في تفسيره لآية {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} .

ص: 425

القراءة، فلما تُوفي رآه بعض أصحابه فقال له: إنك كنتَ تقول إنه لا يصلُ إلى الميت ثواب ما يُهدَى إليه من القراءة فكيف الأمر؟ قال له: كنتُ أقول ذلك في دار الدنيا، والآن فقد رجعت عنه لما رأيت من كرم الله في ذلك، فإنه يصلُ إليه ذلك (1).

تنبيه: القراءة على القبر استحبها أصحاب الشافعي، وغيرهم قال النووي في "شرح المهذب" يستحب لزائر القبور أن يقرأ ما تيسر من القرآن، ويدعو لهم، نص عليه الشافعي زاد في موضع آخر: وإن ختم القرآن على القبر كان أفضل.

وكان إمامنا رضي الله عنه ينكر ذلك أوّلًا، ثم رجع عنه حين بلغه الخبرُ، وقد ذكر المحقّق (2) عن عليّ بن موسى الحداد، وكان صدوقًا قال: كنتُ مع الإمام أحمد بن حنبل ومحمد بن قدامة الجوهري في جنازة، فلما دفن الميت جلس رجل ضرير يقرأ عند القبر فقال له الإمام أحمد: يا هذا القراءة عند القبر بدعة، فلمّا خرجنا من المقابر، قال محمد بن قدامة للإمام أحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله: ما تقولُ في مبشر الحلي؟ قال: ثقة، قال: كتبتُ عنه شيئًا؟ قال: نعم، قال: فأخبرَني مبشّر عن عبد الله بن اللجلاج، عن أبيه أنه أوصى إذا دُفن أن يقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة، وخاتمتها، وقال: سمعتُ ابن عُمر يوصى بذلك، فقال له الإمام: فارجع وقل للرجل: يقرأ (3).

(1) التذكرة (94).

(2)

"الروح" ص 11.

(3)

انظر إلى كتاب "الجنائز" للشيخ الألباني رحمه الله فقد رد هذه القصة من عدة وجوه وقد أصاب.

ص: 426

قال القرطي في حديث "اقرؤا على موتاكم يس"، هذا يُحتمل أن تكونَ هذه القراءة عند الميّت في حال موته، ويُحتمل أن تكون عند قبره (1)، قال السيوطي: وبالأوّل قال الجمهور، وبالثاني قال: ابن عبد الواحد المقدسي، وبعضهم قال: بالتعميم، فيهما.

قال الغزالي في الإحياء وعبد الحق في العاقبة، عن الإمام أحمد رضي الله عنه، إذا دخلتم المقابر فاقرؤا بفاتحة الكتاب، والمعوذتين وقل هو الله أحد، واجعلوا ذلك لأهل المقابر، فإنه يَصلُ إليهم (2)، قال القرطبي: وقد قِيل إن ثوابَ القراءة للقارئ وللميِّت ثواب الاستماع، ولذلك تلحقُه الرحمة، قال تعالى:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)} [الأعراف: 204]، قال: ولا يَبعدُ في كرم الله أن يلحقه ثواب القراءة والاستماع معًا، ويلحقهُ ثوابَ ما يُهدَى إليه من القراءة وإن لم يسمع كالصدقة.

الفائدة السابعة في بلاء الجسد ونتنه: أخرج البخاري عن جندب البجلي، "أول ما ينتن من الإنسان بطنه"(3)، وأخرج ابن عساكر، عن أبي قلابة، قال: ما خَلق الله شيئًا أطيب من الروح، ما نُزع من شيء إلَّا أنتن.

وأخرج أبو نعيم عن وهب بن منبه، قال: قرأتُ في بعض الكتب: لولا أني كتبت النتن على الميت، لحبسهُ الناس في بيوتهم (4).

(1)"التذكرة" ص 90.

(2)

انظر "الجنائز" للألباني ص 159.

(3)

رواه البخاري (7152).

(4)

حلية الأولياء 2/ 287.

ص: 427

وأخرج ابن عساكر عن زيد بن أرقم مرفوعًا: "يقول الله تعالى توسعت على عبدي بثلاث خصال بعثتُ الدابة على الحبة، ولولا ذلك لكنزها ملوكهم كما يكنزون الذهبَ والفضة، وتغير الجسد من بعد الموت، ولولا ذلك لما دفن حميمٌ حميمَه، وأسليْت حَزَنَ الحزين، ولولا ذلك لم يكن يسلو"(1)(2).

وأخرج مُسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس من الإنسان شيء إلَّا يبلى إلَّا عظم واحد، وهو عجمُ الذنب، ومنه يُركب الخَلقُ يوم القيامة"(3)، وأخرجه أبو داود النسائي أيضًا.

وأخرج عنه أيضًا مرفوعًا: "كل ابن آم يأكله التُرابُ إلَّا عجب الذنب"، منهُ خُلق أي: هُو أوّل ما خُلق من الإنسان ومنه يُركّب.

قُلْتُ: لم أرَ أحدًا مِمّن تكلّم على تكوين الإنسان، ذكر أنّ أوّل ما يخلق من الإنسان عجم الذنب، وإنما ذهب جماعةٌ أنه القلبُ وقيل الدّماغ وقيل الكبد، وقيل فقار الظهر، كما أنهى الكلام على ذلك الإمام المحقق في كتابه "تحفة الودود، في أحكام المولود". انتهى (4).

قال شارح "المواقف": هل يعدمُ اللهُ الأجزاء البدنية؟ ثم يعيدها أو يفرقها ويعيد فيها التأليف؟ الحقُ أنه لم يَثبت في ذلك شيء فلا يُجزم

(1) كذا في الدر المنثور 5/ 230 وشرح الصدور ص 132.

(2)

"تاريخ دمشق" جزء 64 ص 344.

(3)

رواه البخاري (4651) باب يوم ينفخ في الصور، ومسلم (2955) وبلفظ مقارب عند أبي داود (4743)، والنسائي 4/ 111، وابن حبان (3138).

وعَجْب الذَّنب: هو العظم الذي يكون في أسفل الصُّلب.

(4)

"تحفة الودود في أحكام المولود" ص 165.

ص: 428

فيه بنفي ولا إثبات؛ لعدم الدليل على شيء من الطرفين انتهى. وقال ناظم الجوهرة:

وقل يعاد الجسم بالتحقيق

عن عَدم وقيل عن تَفْريق

مَحضين لكن ذا الخلاف خصًا

بالأنبياء ومن عليهم نصا

وفي إعادة العرض قولان

ورَجحت إعادةُ الأعميان (1)

قال القرطبي في "التذكرة": يُقال عجمُ وعَجبُ بالباء والميم، وهو جزء لطيف في أصل الصُلب، وقيل هُو رأس العصعص، كما رواه ابن أبي داود في كتاب البعث، من حديث أبي سعيد الخُدري قيل يا رسول الله: وما هُو قال: "مثل حبَّة خردل، ومنه ثنشئون"(2)(3).

الثامنة: أخرج ابن النجار في ترجمة كثير بن سالم الهيثمي أنه

(1) في هامش الأصل وفي شرح الجوهرة للأقاني: وعبارة الغزالي في كتاب الاقتصاد: فإن قيل ما تقولون أتعدم الجواهر والأعراض ثم يعادان جميعًا، أو تقدم الأعراض دون الجواهر. وإنما تعاد الأعراض. قلنا: كل ذلك ممكن والحق أن ليس في الشرع دليل قاطع على تعذر أحد هذه الممكنات، قال الشارح: ورأيتُ لبعضهم ألحق و [وقوع] الأمرين جميعًا إعادة ما انعدم. بعينه وإعادة ما تفرق بأعراضه. وهذا حسن يجمع القولين والذي يختلج في خلدي أنه جمع بعد تفرق. والله ولي التحقيق. نقل من خط المؤلف.

(2)

رواه أحمد 3/ 28، وأبو داود في "البعث"(17)، وأحمد 3/ 28، وأبو يعلى (1382)، وابن حبان (3140)، والحاكم 4/ 669 وإسناده ضعيف لكن يشهد له حديث أبي هريرة المتقدم.

(3)

"التذكرة" ص 184.

ص: 429

أوصى أن لا يُعمر قبره إذا درس، وأكد في ذلك وشدَّد وقال إن الله عز وجل ينظرُ إلى أصحاب القُبور الدوارس، فيرحمهم فأرجو أن أكونَ منهم قال ابن النجار: وقد وردَ مثلُ ذلك في الآثار ثم أخرج من طريق عبد الله بن حميد، ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، ثنا عبد الصمد بن معقل، عن وهب بن منبه قال: مرّ أرْميا النّبِيُّ عليه السلام بقبور تعذب أهلُها، فلما أن كان بعدَ سنَة مَرّ بها فإذا العذابُ قد سكن عنها. فقال قدّوس قدّوس، مررتُ بهذه القبور عام أول وأهلُها يُعذّبون، ومررت في هذه السّنَة، وقد سكن العذاب عنها فإذا النداء من السماء يا أرميا تمزّقت أكفانهم، وتمعَّطت شُعورهم ودرست قُبورهم، فنظرتُ إليهم ورحِمْتُهم، وهكذا أفعل بأهل القبور الدّارسات، والأكفان المتمزقات، والشعور المتمعطات (1).

التاسعة: أخرج أبو نعيم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من وافق موتُه عند انقضاء رمضان دخل الجنة، ومن وافق موته عند انقضاء عرفة دخل الجنة، ومن وافق موته عند انقضاء صدقة دخل الجنة"(2).

وأخرج الإمام أحمد، عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلَّا الله ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة، ومن صام يومًا ابتغاء وجه الله خُتم له به دخل الجنة، ومن تصدق

(1) هذا من الآثار التي رواها وهب عن بني إسرائيل.

(2)

الحلية 5/ 23 وفي إسناده نصر بن حماد ضعيف.

ص: 430

بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة" (1).

وأخرجَ الديلمي عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات صائمًا أوجب الله له الصيام إلى يوم القيامة"(2).

العاشرة: لا تأكل الأرض أجساد جماعة وهم الأنبياء والعلماء والشهداء، ومؤدبوا الأطفال والمؤذنون حيث احتسبوا آذانهم لله، قُلْتُ: فإن أخذ المؤذنون ومؤدّبوا الأطفال على ذلك رزقًا من بيت مال المسلمين، فلا ينافي الاحتساب، قال علماؤنا وما يأخذه المؤذّنون ونحوّهم فكالرزق من بيت المال، وليس بأجرة فإن وقَّع عقد إجارة على ذلك حَرم الأخذ، وبَطل الأجر على قواعد مذهب الإمام أحمد بخلاف الجعالة، ولا يخفى أن عدم الأخذ بالمرة أولى سيما مع شدة الخلاف في جواز تناول ذلك، كما لا يخفى على من له خبره بأقاويل العلماء وقد نظم بعضُهم الذين لا تأكله الأرض في قوله:

لا تأكل الأرض جسمًا للنبي ولا

لعالم وشهيد قتل معترك

ولا مؤدب أطفال ومحتسبٌ

أذانُه لإله مُجري الفلك

(1) رواه أحمد 5/ 391.

(2)

الديلمي في "مسند الفردوس"(3/ 504 (5557) وكنز العمال 23643.

ص: 431