المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مقدمة [للإمام القاري] - شرح مسند أبي حنيفة - جـ ١

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة [للإمام القاري]

- ‌[شرح المسند]

- ‌ عائشة أفضل من سائر النساء

- ‌ حديث الاستخارة

- ‌ استلام الحجر

- ‌ حديث بروع بنت واشق

- ‌ شرب النبيذ

- ‌ التعجب انفعال النفس

- ‌ اجتماع أبي حنيفة والأوزاعي:

- ‌ يجمع الله العلماء يوم القيامة

- ‌ صلاة السفر

- ‌ صلاة في الخمرة

- ‌ فضائل الإمام زفر

- ‌ لا نأخذ بالرأي ما دام أثر

- ‌ قول زفر

- ‌ نوم الجنب

- ‌ رفع القلم

- ‌ إن أولادكم من كسبكم

- ‌ قراءة في الوتر في ثلاث ركعاته

- ‌ مواقيت الإحرام

- ‌ تأكيد أمر الإمامة

- ‌ خيار العتق

- ‌ حديث أهل النار

- ‌ والليالي في الرمي تابعة للأيام السابقة دون اللاحقة

- ‌ كسب الحلال فرض عين

- ‌ طلب الحلال جهاد

- ‌ أجمع العلماء على نجاسة الخمر إلا ما حكي عن داود فإنه قال بطهارتها

- ‌ المؤمن ليس يتنجس

- ‌ صيد الكلب

- ‌ حديث خزيمة

- ‌ جبة ضيقة الكمين

- ‌ التشهد

- ‌ طلب العلم فريضة

- ‌ طالب العلم يستغفر له كل شيء

- ‌ المدعى عليه أولى باليمين

- ‌ الصلاة في الكعبة

- ‌ حديث طواف

- ‌ حديث المسح

- ‌ نفل صلى الله عليه وسلم على راحلته

- ‌ لا يجهرون ببسم الله

- ‌ حديث الحج

- ‌ في بيان أكل الضب

- ‌ وتر صلى الله عليه وسلم في آخر الليل

- ‌ حديث المسح

- ‌ ترك الكلام في الصلاة

- ‌ أوصاف زوجة

- ‌ حديث الحج

- ‌ نهى صلى الله عليه وسلم عن الشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌ وأما حديث: كل مسكر حرام فكاد أن يكون متواتراً

- ‌ حديث الأضاحي

- ‌ زيارة القبور

- ‌ قنوت الفجر

- ‌ يمين اللغو

- ‌ صلاة السفر

- ‌ حديث الحج

- ‌ عدة المتوفى عنها زوجها

- ‌ رفع اليدين

- ‌ سوم على سوم غيره

- ‌ كثرة السجود

- ‌ صلاة خفيفة

- ‌ إذا اختلف المتبايعان

- ‌ خطبة الجمعة قائماً

- ‌ تكبيرات الجنازة

- ‌ حُسنُ الخُلُق

- ‌ خلقة النفس

- ‌ خروج النساء إلى المصلى

- ‌ ترى المرأة ما يرى الرجل

- ‌ ذبح شاة قبل الصلاة

- ‌ خروج النساء

- ‌ طلاق النساء

- ‌ ذكر إسناده عن عطاء بن أبي رباح

- ‌ حديث القراءة في الصلاة

- ‌ حديث إذا طلع النجم

- ‌ قَلَنْسُوة

- ‌ تعلموا من النجوم ما تهتدوا به

- ‌ حديث الطلاق

- ‌ حديث كل معروف

- ‌ صلاة في قميص واحد

- ‌ حديث الجمعة

- ‌ وفيه أن الجميل يحب الجمال

- ‌ عمرة في رمضان تعدل حجة

- ‌ رَمَل

- ‌ حديث من عفى عن دم

- ‌ فضيلة التكبيرة الأولى

- ‌ لا يجوز إجبار البكر البالغة على النكاح

- ‌ حديث الوضوء

- ‌ حديث الماء المستعمل

- ‌ حديث سنة الفجر

- ‌ حديث: أين الله

- ‌ حديث الركاز

- ‌ يقول الإمام أيضاً ربنا لك الحمد في رواية

- ‌ فضيلة صلاة الفجر والعشاء

- ‌ ذكر إسناده عن أبي الزبير محمد بن سالم المكي

- ‌ لا يكفر مرتكب الكبيرة

- ‌ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب واحد

- ‌ نعم الإدام الخل

- ‌ طلاق رجعي

- ‌ لا ربا في الحيوانات

- ‌ النهي عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحها

- ‌ يعرف النبي صلى الله عليه وسلم بريح الطيب

- ‌ من قتل ضفدعاً فعليه شاة

- ‌ الداء والدواء

- ‌ دخول الحمام بمئزر

- ‌ بيع المزابنة والمحاقلة

- ‌ حديث الطيب

- ‌ بيع المخابرة

- ‌ حديث قدر

- ‌ ذكر إسناده عن عمرو بن دينار وعن طاوس

- ‌ حديث شراء الطعام

- ‌ حديث لباس المحرم

- ‌ حديث السجود

- ‌حديث الفرائض

- ‌ كبراء التابعين

- ‌ ذكر إسناده عن عكرمة ومقسم موليا ابن عباس رضي الله عنهم

- ‌ السجدة على سبعة أعضاء والنهي عن كف شعر وثوب

- ‌ حديث الغنيمة

- ‌ حديث درء الحدود

- ‌ ذكر إسناده عن نافع مولى ابن عمر

- ‌ حديث عذر المسلم

- ‌ حديث فتح الإمام

- ‌ حديث قتل المحرم

- ‌ حديث الغنيمة

- ‌ حديث وطء الحامل

- ‌ حديث قراءة السنة

- ‌ حديث التربع

- ‌ حديث الأسماء

- ‌ حديث غسل الجمعة

- ‌ صلوا في البيوت

- ‌ حديث النذر

- ‌ الذنب لا ينسى

- ‌ حديث بيع الغرر

- ‌ اخضبوا بالحناء

- ‌ القدرية مجوس هذه الأمة

- ‌ حديث حرمة المتعة

- ‌ صلاة في الكعبة

- ‌ الكافر يأكل في سبعة أمعاء

- ‌ نهى صلى الله عليه وسلم عن الدِّبَاء

- ‌ حشرات الأرض

- ‌ حديث الذبح

- ‌ حرمة الحمر الأهلية

- ‌ النسخ مرتان

- ‌ حديث زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر إسناده عن سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنه وعن سليمان وعطاء ابنا يسار

- ‌ذكر إسناده عن سليمان بن يسار

- ‌ تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة في شوال

- ‌ذكر إسناده عن عطاء بن يسار

- ‌ بيع الولاء

- ‌ فضيلة وصل صفوف الصلاة

- ‌ ذكر إسناده عن الزهري وعن أبي جعفر محمد بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌ حديث تعمد الكذب

- ‌ إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء فابدأوا بالعشاء

- ‌ حديث الدِّيَّة

- ‌ الصلاة في ثوب واحد

- ‌ حديث متعة النساء

- ‌ صلاة الليل

- ‌ ذكر إسناده عن محمد بن المنكدر

- ‌ صيد محرم

- ‌ صلاة المريض

- ‌ أنت ومالك لأبيك

- ‌ فقال: إني لست أصافح النساء

- ‌الجار أحق بالشفعة

- ‌ صلاة السفر

- ‌ ذكر إسناده عن يحيى بن سعيد القطان

- ‌ غسل الجمعة

- ‌ حديث بشارة خديجة رضي الله عنها

- ‌ الأعمال بالنيات

- ‌ حديث بعثة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر إسناده عن ربيعة بن أبي عبيدة الرحمن

- ‌ سنة وفاته عليه السلام وأبي بكر وعمر

- ‌ ذكر إسناده عن عبد الرحمن

- ‌ كل مولود يولد على الفطرة

- ‌ أولاد الكفار

- ‌ إذا تحيرتم في الأمور فاستعينوا من أهل القبور

- ‌ ذكر إسناده عن عبد الله بن دينار وأبي اسحاق

- ‌ جواب الأذان

- ‌ الوتر أول الليل

- ‌ بلال يؤذن بليل

- ‌ عليكم بالأبكار

- ‌ طلب العافية

- ‌ عمامة سوداء

- ‌ الأصل في الأشياء الإباحة

- ‌ الحبة السوداء

- ‌ المسح على الخفين

- ‌ إسفار الصبُح

- ‌ ليس منا من غش في البيع والشراء

- ‌ ذكر إسناده عن أبي إسحاق

- ‌ جمع صلاتين في مزدلفة

- ‌ لعن آكل الربا

- ‌ إخراج التصاوير والكلب من البيت

- ‌ ما بال قوم يلعبون بحدود الله

- ‌ ذكر إسناده عن عبد الملك بن عمير

- ‌ لا يقتل الصغار

- ‌ اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر

- ‌ لا يقضي الحاكم في الغضب

- ‌ نهى عن صوم أيام التشريق وعن يوم الشك

- ‌ ماء الكمأة شفاء العين

- ‌ استعمال الحلال المحض يجلو البصر والبصيرة

- ‌ عدم جواز نفل بعد طلوع صبح

- ‌ لا تشد الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد

- ‌ لاتسافر المرأة إلا مع ذي محرم

- ‌ حديث شفاعة السقط

- ‌ ذكر إسناده عن الشعبي والحكم بن عيينة

- ‌ سبع خصال في عائشة

- ‌ حديث النكاح

- ‌ حديث القصاص

- ‌ حديث المسح

- ‌ حديث سؤر الهرة

- ‌ ذكر إسناده عن الحكم بن عيينة

- ‌ حديث توقيت المسح

- ‌ حديث الحجاب

- ‌ حرمة لبس الحرير

- ‌ حرمة آنية الذهب والفضة

- ‌ يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب قليله وكثيره سواء

- ‌ الولاء لمن أعتق

- ‌ لا يجوز أخذ المال بدل الجيفة

- ‌ ركعتين بعد الظهر

- ‌ ذكر إسناده عن محارب بن دِثار

- ‌ عدم التكلف

- ‌ ذكر إسناده عن سماك بن حرب

- ‌ ذكر إسناده عن زياد بن علاقه

- ‌ ذكر إسناده عن أبي بردة

- ‌ ذكر إسناده عن علي بن الأقمر

- ‌ ذكر إسناده عن إبراهيم بن المبشر

- ‌ ذكر إسناده عن عطية بن سعد العوفي

- ‌ ذكر إسناده عن يزيد بن عبد الرحمن، أحد أجلاء التابعين

- ‌ ذكر إسناده عن موسى بن أبي عائشة

- ‌ ذكر إسناده عن عبد الله بن حبيب

- ‌ ذكر إسناده عن ظريف بن شهاب السعدي

- ‌ ذكر إسناده عن سفيان بن طلحة بن زياد

- ‌ ذكر إسناده عن عطاء بن السائب بن الماية

- ‌ ذكر إسناده عن علقمة بن مرثد

- ‌ ذكر إسناده عن عبد العزيز بن رُفيع

- ‌ ذكر إسناده عن عبد الكريم بن أمية

- ‌ ذكر إسناده عن الهيثم بن حبيب الصرفي

- ‌ ذكر إسناده عن القاسم بن عبد الرحمن

الفصل: ‌مقدمة [للإمام القاري]

بسم الله الرحمن الرحيم

‌مقدمة [للإمام القاري]

- الحمد لله الذي هدانا إلى الملة الحنيفة السمحاء، وبين لنا طرق الشريعة والحقيقة بواسطة الأنبياء والعلماء والأصفياء، والصلاة والسلام على سيد الرسل وسند الأولياء وعلى آله وأصحابه نجوم الاقتداء والاهتداء.

أما بعد: فيقول عبد المعتصم بالكتاب القديم والحديث القويم المحتاج إلى ربه الكريم الباري علي بن سلطان محمد القاري: إن هذا فتح لطيف وشرح شريف للمسند المستند إلى الإمام الأعظم والهمام الأقدم أبي حنيفة النعمان بلَّغَهُ الله على [هكذا في نسختنا، ولعله "عَلِيّ". دار الحديث]

غرف الجنان وتوالى عليه أنواع الغفران وأصناف الرضوان (بسم الله الرحمن الرحيم) الذي هو مفتاح كل كتاب كريم، (وعلى رسوله) في مقام التعظيم (الصلاة والتسليم)، وزيادة التشريف والتكريم، (الحمد لله) على كل آلائه ونعمائه (الذي شرع) أي بين، أو عين (لنا ديناً) نَتَديّنُ به قويماً دائماً ليس في أصله عوج، ولا في فرعه حرج، وهدانا إليه بفضله ومنته صراطاً مستقيماً موصلاً في الدنيا إلى حصول معرفته وقربته، وفي العقبى إلى وصول جنته ورحمته (وأحمده) بخصوص هذه النعمة الجزيلة والتحية الجميلة (وأشكره على أن جعل هذه الأمة المكرمة، متمسكين بأذيال الكتاب المستطاب، والسنة المعظمة) تعلماً في مقام الكمال وتعليماً في حال الإكمال، عن عيسى عليه السلام:

من عَلِم وعملَ وعلّم يدعى في الملكوت

ص: 5

عظيماً. (وأشهد أن لا إله إلا الله وحده) أي منفرداً بالذات لا شريك له في الصفات، وإبراز المصنوعات، (وأشهد أن محمداً عبده القائم) بحقوق العبودية ورسوله المخبر عن الله بما يستحق من أوصاف الربوبية (بعموم الرسالة) المثقلين، بل لعموم أجزاء الكونين تشريفاً له وتكريماً، لأنه مظهراً الاسم الأعظم في وجه الأتم، الجامع لنعوت الكمال وصفات الجلال والجمال، (صلى الله عليه) بتواتر إيصال الرحمة والمنة والمنحة إليه، (وعلى آله) أي أقاربه (وأصحابه) ولو من أجانبه وأزواجه أمهات المؤمنين وأنصاره في إقامة الدين (وأتباعه) في مقام اليقين، (وذرياته) أي أولاده الطيبين، وأحفاده أجمعين (وسلم) أي الله (تسليماً) كثيراً إلى يوم الدين، وعلى سائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين.

(أما بعد) أي البسملة، والحمد له والتصلية التي يحصل بذكرها الطمأنينة والسكينة والتسلية (فهذا الكتاب) الذي سيذكر عن قريب بعون رب مجيب (مسند الإمام الأعظم) أي المقتدى الأقوم والمستند الأكرم الأفخر (أبي حنيفة النعمان) بن الثابت في ميدان البيان رضي الله عنه، وعليه الرضوان، وبلغه نهاية درجات الجنان ومناقبة كثيرة ومراتبه شهيرة غير محتاجة إلى البيان، وقد قام بحقها بعض الأعيان.

(ولما كان) الإمام مشتغلاً باستخراج المسائل من الدلائل، وصار وسائل كل طالب وسائل في باب الدراية لم يظهر منه إلا قليل من رواية، وكذلك كان أجلاء

ص: 6

الصحابة كأبي بكر (1) وعمر (2) رضي الله عنهما مشتغلين بالعمل في غاية من الرعاية مشتغلين عن نقل الأحاديث والرواية، لأن العمل هو المقصود، والمعول في مقام الهداية والنهاية، وأنشد فارس بن االحسن في شعره المستحسن.

يا طالب العلم الذي

ذَهَبتُ بمدته الرواية

كن في الرواية ذا العناية

بالدراية والرعاية

وارو القليل وراعه

فالعلم ليس له نهاية

ومن المعلوم أن [من] لم يكن محيطاً بعلم الكتاب والسنة لم يتصور أن يكون إماماً مقتدى للأمة، ويكون الفقهاء كلهم عيالاً له في تقويم الملة لا سيما في الصدر الأول مع وجود المجتهدين من الأئمة، وقال الطحاوي: حدثنا سليمان بن شعيب، حدثنا أبي قال: أملى علينا أبو يوسف، قال قال أبو حنيفة: لا ينبغي للرجل أن يحدث من الحديث إلا ما يحفظه من يوم سمعه إلى يوم يحدث به، وحاصله: أنه لم يجوِّز له الرواية بالمعنى، ولو كان مرادفاً للمبنى خلافاً للجمهور من المحدثين، فإنهم جوزوا رواية المعنى لا سيما عند نسيان المبنى.

فقلت رواية أبي حنيفة لهذه العلة الشريفة، وله (3) رضي الله عنه مسانيد كثيرة وأسانيد شهيرة بلغت خمسة عشر مسنداً جمعها بعض الفضلاء واعتنى بضبطها طائفة من العلماء، وأخيرها هذا المسند المعتمد الذي هو من رواية الخصكفي بفتح الخاء

(1) قال النووي: روى الصديق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث واثنين وأربعين حديثاً، قال في التعليقات الممجدة: فإن مرتبته (يعني الإمام الأعظم) في هذا تشابه المرتبة الصديقية، فإن كان هذا المعنى كان أبو بكر الصديق أفضل البشر بعد الأنبياء بالتحقيق مطعوناً فإنه أيضاً قليل الرواية بالنسبة إلى بقية الصحابة حاشاهم ثم حاشاهم عن هذه الوسمة. مشتاق أحمد.

(2)

قال في تاريخ الخلفاء: روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة حديث وتسعة وثلاثون حديثاً، وروي لعثمان رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وستة وأربعون حديثاً، ولعلي رضي الله عنه خمسمائة حديث وستة وثمانون حديثاً.

(3)

أقول: مراد الشارح أن مرويات الإمام الأعظم جمع كلها بعض العلماء في تصانيفهم حسب علمهم كما في مسند الخوارزمي لقاضي القضاة، وفي هذا المسند أعني الخصكفي وغيرهما لا أن الإمام رضي الله عنه صنف مسنداً بنفسه كما صنف الإمام مالك رضي الله عنه كتابه الموطأ، فما اعترض بعض أهل الزمان من أهل الظواهر أن نسبة المسند إلى الإمام الهمام غلط صدر عن قلة فهمه وشدة جهله. مشتاق أحمد.

ص: 7

المعجمة وسكون الصاد المهملة ففاء مفتوحة فكاف فياء نسبة كذا رأيته مضبوطاً بخط شيخنا مولانا عبد الله السندي رحمه الله.

لكن في جواهر المضية في طبقات الحنفية للعلامة الشيخ عبد القادر القرشي الحصكفي بفتح الحاء المهملة وسكون الصاد المهملة وفتح الكاف، وفي آخرها الفاء نسبة إلى حصن (1) كيفا مدينة من ديار بكر، ونسبة موسى بن زكريا بن إبراهيم ابن محمد بن ساعدي القاضي الإمام العلامة صدر الدين روى كتاب الشمائل للترمذي عن الإمام افتخار الدين أبي هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي بسماعه من أبي الفتح عبد الرشيد بن النعمان بن عبد الرزاق الولوالجي، وأبي الفتح عمر بن علي بن أبي الحسن الكرابيسي (2)، والصائب بن علي بن الحسن ابن بشير بن عبد الله النفاش، عن أبي شجاع عمر بن محمد بن عبد الله البستاني البلخي، عن أبي القاسم محمد بن عبد الله الخليلي، أنا الشريف أبو القاسم علي ابن أحمد الخزاعي، حدثنا أبو سعيد الهيثم بن كليب الشافعي حدثنا أبو موسى محمد ابن عيسى الترمذي: ولد سنة ثمانين وخمسمائة، وحدث بالقاهرة وصُلِبَ، سمع منه الدمياطي الحافظ، وذكره في معجم شيوخه، ومات بالقاهرة سنة خمسين وستمائة ودفن جوار السيدة نفيسة.

واعلم (3) أن له مشايخ كثيرة من الصحابة والتابعين وأتباعهم وصلت جملتهم أربعة آلاف كما قال بعض أرباب الأنصاف في باب الاعتراف.

(1) يقال لها بالعجمة حصن كيفا - بالأنساب للسمعاني.

(2)

هذا النسج بيع الثياب - أنساب السمعاني.

(3)

قال شيخ الإسلام ابن حجر المكي في الخيرات الحسان في ذكر مشايخ الإمام هم كثيرون لا يسع هذا المختصر ذكرهم، وقد ذكر منهم الإمام أبو حفص الكبير أربعة آلاف شيخ، وقال غيره: له أربعة آلاف شيخ من التابعين، فما بالك بغيرهم منهم: الليث بن سعد.

ص: 8

غدا مذهب النعمان خير المذاهب

فذا القمر الوضّاح خير الكواكب

ثلاثة آلاف وألف شيوخه

وأصحابه مثل النجوم الثواقب

فإن قلت: مشايخ البخاري ربما بلغ عشرة آلاف فلا تفاضل.

قلت: ليس من يروى عنه الحديث كمن يروى عنه الفقه، فإن الذي يروى عنه الفقه لا بد أن يكون فقيهاً عالماً، والذي يروى عنه الحديث: لا يلزم أن يكون بهذه الصفة حتى كثر رواة الحديث وقل الفقهاء (1).

والحاصل (2) أن أكثر مشايخ الإمام كانوا جامعين بين الرواية والدراية، وأكثر مشايخ البخاري بارز بعلو الإسناد في الرواية، وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى الأحسن في الوعاية حيث قال:"نَضَّر الله امرءٍ سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاها وأدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا فَرُبَّ حَامِلَ فِقهٍ غَيرَ فَقِيهٍ، ورُبَّ حَامِل فِقهٍ إلى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ" رواه الترمذي وغيره عن زيد بن ثابت. وقد ذكر الإمام النسفي صاحب المنظومة بإسناده إلى محمد بن سلمة قال: خرجت إلى البصرة في طلب الحديث فأخرج شيخ مسند الإمام وأملى فامتنع بعضهم عن الكتابة فأمسك الشيخ أياماً عن الحديث ثم قال: أدركت مجلسه وكان يحضره فلان وفلان وهؤلاء يكتبون حديثه فتشفعنا إليه بالله تعالى حتى حدثنا بأحاديث قيل وكان امتناع المتعنت عن الكتابة بناء على ظن أن الإكثار من الفقه يخل بحفظ الحديث فجعل المنقبة مثلبة، ثم هذا المسند المعتمد لم يذكر إلا بعض مشايخه الكرام من المحدثين الأعلام، ولهذا قال جامعه: ذكر إسناده (عن حماد بن أبي سليمان مسلم الأشعري) قال العلامة الكردري في مناقب الإمام، فذكر مشايخ الكرام حماد

(1) أقول: قال الإمام الشعراني في ميزانه: إن تمسكات الإمام الأعظم بالأحاديث، والأحاديث أكثر من باقي الأئمة الثلاثة، كما يظهر لمن طالع كتابي المسمى بكشف الغمة إلى الحادي لأدلته للمذاهب الأربعة - انتهى.

(2)

قال في الخيرات الحسان: إن كثرة الرواية بدون رواية ليس فيه كثير مدح بل عقد له ابن عبد البر باباً في ذمه، ثم قال: الذي عليه فقهاء جماعة المسلمين وعلمائهم ذم الإكثار من الحديث بدون تفقه ولا تدبر، وقال ابن شبرقة: أقل الرواية تفقه

ص: 9

ابن مسلم أبو سليمان الأشعري مولى ابراهيم بن مَهُ أبي موسى الأشعري تابعي كوفي سمع إبراهيم النَّخَعِي وأعلم الناس برأيه، مات سنة عشرين ومائة، وقد قال أبو حنيفة، رحمه الله تعالى: ما رأيت أفقه من حماد ولا أجمع للعلوم من عطاء بن أبي رباح.

وقال صاحب المشكاة في أسماء رجاله حماد بن أبي سليمان، واسم أبي سليمان مسلم: تابعي سمع جماعة، روى عنه شعبة والثوري وغيرهما، انتهى. وكان لا يكلم في حوائجه الدنيوية وفقه ما لم يفصل بين كلمتين من كلامه بتسبيحةٍ، وكان يقول: أستحي أن أجد في ديواني سطراً ليس فيه تسبيح.

وكان يقول ربما انتهت رأي برأي أبي حنيفة رحمه الله وأقوالي بقوله. (أبو حنيفة) أي روى، (عن حماد) المذكور، (عن إبراهيم) أي النخعي وهو تابعي جليل، عن الأسود أي ابن يزيد، واعلم أن في اصطلاح المحدثين محمولة للسماع والإجازة لكن عنعنة المعاصر محمولة على السماع، سواء ثبت اللقاء بينهما أم لا عند الجمهور، خلافاً للبخاري حيث يشترط اللقاء، ولا شبهة في ثبوت اللقاء بين الإمام ومشايخه الكرام فتنبه لهذا المقام (إن عمر بن الخطاب دخل على النبي صلى الله عليه وسلم في شكاة) بكسر الشين المعجمة وفي آخره تاء، أي في مرض ومحنة (شكاها) أي تعب فيها من شدة أذاها فإذا للمفاجأة (هو) أي النبي عليه الصلاة والسلام (مضطجع على عباءة) بفتح أول أي كساء خشن (قطوانية) بفتح القاف والطاء المهملة نسبة إلى موضع بالكوفة وهي عباءة بيضاء قصيرة الخمل كما في النهاية (ومرفقه) (1) بكسر الميم وفتح الفاء فيجوز العكس وبهما قُرِىء في قوله تعالى:{وَيُهَيءُ لَكُمُ مِنْ أَمرِكُمْ مرْفقاً} (2) وفي القاموس المرفقة كمكنسة المخدة (من

(1) مِرفقه بالهندي تكية.

(2)

الكهف 16.

ص: 10

صوف) أي وجهها صوف (حشوها إذْخِر) بكسر الهمزة وسكون الذال وكسر الخاء المعجمتين، وفي آخرها راء نبت معروف بمكة (فقال)، أي عمر (بأبي أنت وأمي)، أي فديتهما بك يا رسول الله والجملة معترضة إذ المقصود من المقول قوله (كسرى) بكسر الكاف وفتح الراء وإمالته لقب ملك الفرس، (وقيصر) كجعفر لقب ملك الروم (على الديباج) بكسر الدال المهملة معرب مشهور، أي هما ونحوهما قاعدون أو راقدون على الحرير فوق السرير (وأنت) مع كمال الجلالة في مقام الرسالة (على هذه الحالة) التي تورث الملالة فقال عليه الصلاة والسلام:(يَاعُمَر أنْت) في هذا المَقَام (أما تَرْضَى) القِسمة الإلهية "وَفَقَ الإرادة الأَزَليَّة (أنْ يكُون لهُما الدنْيَا) الفَانِية (وَلَنا الآخِرَةُ) البَاقِيَة".

وذكر البغوي في تفسيره قوله تعالى: {وَلا َيغُرَّنَكَ تَقلبُ الذين كَفَروا في البِلاد مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُم جَهَنَّمُ وبِئسَ المِهَادْ لَكِنَّ الَّذِينَ اتَّقُوا رَبَّهُم لَهُم جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِنْ عِندِ الله وَمَا عِنْدَ الله خَيرٌ لِلأبْرارِ} (1) أنها نزلت في المشركين وذلك أنهم كانوا في رخاء ولين، فقال بعض المؤمنين إن أعداء الله فيما ترى من النعماء ونحن في الجهد والبلاء فأنزل الله هذه الآية تسلية للأحياء.

وفي البخاري عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب، قال "جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشربه أي غرفة، وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، وإن عند رجليه قرظا وهو ما يدبغ به حصوراً (2) وفي نسخة مصوباً

(1) آل عمران 196.

(2)

مصبوراً.

ص: 11

وعند رأسه أُهُب معلقة جمع إهاب فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت فقال صلى الله عليه وسلم: مَا يُبكِيكَ؟ فقلت: يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت يا رسول الله فقال: "أما تَرْضى أنْ يكُون لهُما الدُّنيا ولَنا الآخرة"(ثم إنَّ عمر مسَّه) أي مسَّ النبي صلى الله عليه وسلم وجسَّه ليدرك بيده ما أحسَّه (فإذا هو في شدَّة الحمَّى) وغاية البلوى، كما روى ابن ماجه وابن أبي الدنيا روى الحاكم وقال: صحيح الإسناد كلهم من رواية أبي سعيد الخدري أنه عليه الصلاة والسلام كانت عليه قطيفة فكانت الحمى تصيب من يضع يده عليه من فوقها فقيل له في ذلك فقال: "إنَّا كَذَلِكَ يُشَدَّدُ عَلينَا البَلَاءُ ويضاعَفُ لَنَا الأجْر"(فقال) أي عمر (تحم) بضم التاء وفتح الحاء وتشديد الميم أي تصيبك الحمى، (هكذا) أي بهذه المثابة من الشدة في الإصابة، (وأنت رسول الله) والرسالة غاية الرتبة في المختبر ونهاية المرتبة في العزة (فقال: إِنَّ أَشَدَّ هَذِهِ الأمَةِ بَلاءَ نَبِيُّهَا ثُمّ الخَيِّرُ) بتشديد التحتية المكسورة أي المبالغ في الخير (ثم الخير) أي وهلم جرَا من أمته على مقدار خيريته بين خلق الله وبريته، (وكذلك كانت الأنبياء) عليهم السلام (قبلكم) أي مبتلين بأنواع البلاء على مقدار مراتبهم في مقام الولاء (والأمم) أي وكذا حال أممهم على قدر ألمهم.

والمعنى أنه لن تجد لسنة الله تبديلاً، ولن تجد لسنة الله تحويلاً.

وأخرج النسائي وصححه الحاكم من حديث فاطمة أخت حذيفة بن اليمان

قالت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في الشتاء تعوده فإذا يُقَطَّرُ عليه من شدة الحمى فقال: "إنَّ مِن أشد النَّاسِ بَلَاءً الأنبِيَاءَ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ َيلُونَهُمْ" وقد روى أحمد والبخاري والترمذي، وابن ماجه، عن سعد مرفوعاً " أشد النَّاس بلاءً الأنبياء ثُمَّ الأَمثَلُ [فالأمثل] يُبْتَلى الَّرجُلُ على حَسَبِ دينه فَإنْ كَانَ في دِينِه صَلباً اشْتَدَّ بَلاؤه وإن

ص: 12

كان في دينه دقة ابتلى على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض، وما عليه خطيئة" ورواه ابن ماجه في سننه وأبو يعلى في مسنده والحاكم في مستدركه عن أبي سعيد مرفوعاً بلفظ "أشد النَّاس بلاء الأنبياء ثم الصالحون لقد كان أحدهم يبتلى بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يُجوّبُها أي يحصل جيباً لها فيلبسها فيبتلى بالقمل حتى يقتله، ولقد كان أحدهم أشد فرحاً بالبلاء من أحدكم بالعطاء".

ومجمل الكلام أن البلاء علامة الولاء فإنه إما سبب لإعلاء الدرجات كما في الأنبياء وإما لإمحاء السيئات كما في الأولياء مع أن هذه الدار مشوبة بالأكدار سواء فيها الفجار والأبرار كما أشار إليه قوله سبحانه: {إنْ تَكُونُوا تَألمُونَ فَإنَّهُمْ يَأَلمُونَ كَمَا تَأَلمُونَ وتَرجُونَ مِنَ الله مَا لَا يَرجُونَ} (1).

وبه أي بسند أبي حنيفة (عن حماد) أي ابن سليمان، (عن إبراهيم النخعي، عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه) أي الشأن (ليهون) بفتح اللام والياء وضم الهاء أي يسهل (عَليَّ المَوتُ) أي مجيئه وفي نسخة بضم الياء وفتح الهاء وتشديد الواو المكسورة أي ليخفف عَليَّ ألم الموت وشدته (إني رأيتك) أي أبصرتك حال كونك زوجتي أو عَلِمْتُكِ (في الجنة) في مقام قربتي وهذا يدل على غاية من المحبة التي أزاله (2) عنه نهاية من المحنة (وفي رواية إني رأيتك زوجتي في الجنة ثم التفت) أو قال في مجلس آخر (هون علي الموت لأني رأيتك بت عائشة في الجنة) أي معي في الجنة واستدل بهذا الحديث ونحوه

(1) النساء 104.

(2)

أظن أنه أزالت عنه بصيغة المؤنث.

ص: 13