الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطويل، ومدة الحياة الدنيا، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذم الدهر، وسبه، أي لا تسبوا فاعل هذه الأشياء، فإنهم إذا سبوه، وقع السب على الله تعالى، لأنه هو الفعال لما يريد، والحديث بعينه رواه مسلم عن أبي هريرة.
-
ذكر إسناده عن عبد الكريم بن أمية
- خروج النساء إلى العيدين
ذكر إسناده عن عبد الكريم بن أبي أمية، بضم، ففتح، فتشديد تحتية وهو من أجلاء التابعين. أبو حنيفة:(عن عبد الكريم، عن أم عطية) هي النُسَيْبَة، بضم النون وفتح السين المهملة، وسكون الياء وفتح الباء، بنت كعب، وقيل بنت الحارث الأنصارية، بايعت النبي صلى الله عليه وسلم، فَتُمَارِضُ المَرْضَى، وَتُدَاوِي الجرحى (قالت: كان) أي النبي صلى الله عليه وسلم (يرخص للنساء) أي جميعهن من الشوائب وغيرهن (في الخروج) أي جواز خروجهن (إلى العيدين) أي صلاتهما (من الفطر والأضحى) بيان لما قبلهما.
وفي شرح الهداية، لابن الهمام، وتخرج العجائز للعيد لا الشوائب، يعني لفساد أهل الزمان من الرجال والنسوان.
(وفي رواية: قالت: إن) مخففة من الثقيلة، أي قد كانت (الطامث) أي الحائض (لتخرج) أي إلى مصلى العيد (فتجلس في عرض النساء) بفتح العين، أي في جانب منهن، احترازاً من قطع صفهن (فتدعو) أي تارة (وتؤمن أخرى)
ليحصل لها البركة في العيدين.
(وفي رواية، قالت: أمرنا) أي معشر النساء (رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن تخرج) بصيغة الغائبة، أو الغائب (يوم النحر ويوم الفطر) أي فيهما إلى مصلى هما (ذوات الخدر) أي المخدرات من وراء الأستار، كالأبكار (الحيض) بضم فتحتية مشددة مفتوحة، جمع الحائض، فأما الحيض (فيعتزلن الصلاة)، فإنهن ممنوعات منها (ويشهدن الخير) أي ويحضرن عبادة أهل الخير (ودعوة المسلمين) وترك القرينة بوضوح أمرهن في زيادة المشاركة من العبادة والطاعة (فقالت امرأة: يا رسول الله أفإن كانت إحدانا ليس لها جلباب) بكسر الجيم، أي إزار، وبرقع ونحوهما، يتعذر خروجها بدونه (قال: لتلبسها) بضم التاء، وكسر الباء، أي ينبغي أن تعيرها (أختها) في النسب أو الدين إذا كانت أغنى منها (من جلبابها) إذا تَعَذَّر عندها، أو إذا تعذر حضورها بنفسها.
هذا، وروى أبو حنيفة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة بـ {سَبِّح اسمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} (1) و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيْثُ الغَاشِيَة} (2).
ورواه أبو حنيفة مرة في العيدين فقط كذا ذكره ابن الهمام.
- شفعة الجار
وبه: (عن عبد الكريم عن المسور) بكسر الميم، وفتح الواو (بن مخرمة)
(1) الأعلى 1.
(2)
الغاشية 1.
بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة فراء مفتوحة، يكنى أبا عبد الرحمن الزهري القرشي، وهو ابن أخت عبد الرحمن بن عوف، ولد بمكة بعد الهجرة بسنتين، وقدم به إلى المدينة في ذي الحجة سنة ثمان، وقبض النبي صلى الله عليه وسلم وله ثمان سنين، وسمع منه وحفظ عنه، وكان فقيهاً من أهل الفضل والدين، لم يزل بالمدينة إلى أن قتل عثمان، وانتقل إلى مكة، فلم يزل بها حتى مات معاوية، وكره بيعة يزيد، فثم مقيماً بمكة إلى أن بعث يزيد عسكره وحاصر مكة وبها ابن الزبير، فأصاب المسور حجر من حجارة المنجنيق وهو يصلي في الحجرة، فقتله، وذلك في مستهل ربيع الأول سنة أربع وستين.
روى عنه خلق كثير (قال: أراد سعد) وهو ابن أبي وقاص (ببيع دار له، فقال لجاره: خذها بسبعمائة، فإني قد أعطيت بها) بصيغة المجهول أي أعطاني الناس بدلها (ثماني مائة درهم، ولكن أعطيتكها) أي بأنقص من قيمتها، واكتفيت بأصل ثمنها (لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"الجار أحق بشفعته" وهذا من كمال سخاوته، وجمال رحمته ورأفته.
والحديث المرفوع، رواه أحمد والأربعة عن جابر، ولفظه:"الجار أحق بشفعة جاره، ينتظر بها، وإن كان غائباً إذا كان طريقهما واحداً".
ورواه البخاري، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه، عن أبي رافع، والنسائي، وابن ماجه، عن اليزيد بن سويد بلفظ، "الجار أحق بصقبه" بفتح المهملة، وقاف، أي بما يليه، وبقربه.
(وفي رواية عن المسور) يعني شيخ عبد الكريم (عن رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة، وكسر الدال المهملة، وسكون التحتية، فجيم، يكنى أبا عبد الله الحارثي الأنصاري، أصابه سهم يوم أحد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا شهيد لك يوم القيامة، وانفضت جراحته زمن عبد الملك بن مروان، فمات سنة ثلاث وسبعين بالمدينة، وله ست وثمانون سنة.
روى عنه خلق كثير (قال: عرض علي سعد بيتاً) أي شراء دار ملك له (فقال: خذه) أي خذ البيت بثمنه، ولا تتوقف في أخذه (أما) أي تنبيه (إني قد أعطيت به) أي بمقابلته (أكثر مما تعطي) وفق ما أطلبه منك، ولكنك أحق به فاخترتك على غيرك في أخذه (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"الجار أحق بشفعته") أي من غيره، لكن بقيمته، وإنما سامح سعد رضي الله تعالى عنه في ترك زيادته لكمال مروءته، وسخاوته.
(وفي رواية عن المسور، عن رافع، مولى سعد، أنه قال لرجل يعني) أي يريد بضمير، أنه سعداً، وقوله: خذ هذا البيت (بأربع مائة) مقول سعد (أَمَا) بتخفيف الميم للتنبيه (إني أعطيت به ثمان مائة درهم، ولكني أعطيتكه) وروى أنقص عن ثمنه (لحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "الجار أحق بشفعته").
(وفي رواية، عن سعد بن مالك) يعني ابن أبي وقاص (أنه عرض بيتاً له على جاره) أي الملاصق داره بداره (بأربعمائة) بناء على المسامحة (وقال: قد أعطيت به ثماني مائة، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الجار أحق بِصَقْبهِ") اعلم أن الشفعة شرعاً بملك العقار على مشتريه جبراً، بمثل ثمنه، وثبتت للخليط، وهو الشريك الذي يقاسم في نفس المبيع، ثم للخليطِ في حق المبيع، كالشرب والطريق خاصتين، ثم لجار ملاصق بالشروط المعروفة في الفقه فعندنا: الشفعة لكل واحد من هذه الثلاثة على هذا الترتيب، وهو قول سفيان الثوري، وعبد الله بن المبارك، كما ذكره الترمذي في جامعه، وقال مالك، والشافعي، وأحمد، لا شفعة للجار، لمروي البخاري عن أبي سلمة، عن جابر بن عبد الله، قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق، فلا شفعة.
ولنا: ما روى أبو داود، في البيوع، والترمذي في الأحكام، وقال: حسن صحيح، والنسائي في الشروط عن قتادة، عن الحسن بن سمرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جار الدار أحق بدار الجار، أو الأرض. ورواه أحمد في مسنده، والطبراني في معجمه، وابن أبي شيبة في مصنفه، وفي بعض ألفاظهم، الجار أحق بشفعة الدار.
فإن قيل: المراد بما رويتم، الجار الذي يكون شريكاً، لما أخرجه البخاري عن عمرو بن الثريد، قال: وقفت على سعد بن أبي وقاص، فجاء المسور بن مخرمة، فوضع يده على إحدى منكبي، إذ جاء أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا سعد، أتبع مني بيتي في دارك، فقال: والله ابتاعهما فقال المسور: والله لتبتاعهما، فقال سعد: والله لا أزيد على أربعة آلاف منجمة، أو مقطعة،
قال أبو رافع: لقد أعطيت بهما خمسمائة دينار، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"الجار أحق بصقبه" وفي رواية، بسقبة، ما أعطيتكها بأربعة آلاف درهم، وأنا أعطي بها خمسمائة دينار، فأعطاهما إياه.
أجيب: بأن هذا معارض لما أخرجه النسائي وابن ماجه، عن عمرو بن الثريد، عن أبيه، أن رجلاً قال: يا رسول الله، أرضي ليس لي أحد فيها شريك، ولا قسم إلا الجوار، فقال: الجار أحق بصقبه. هذا وأجيب عن حديث جابر، بأن تخصيص ما لم يقسم بالذكر، لا يدل على نفي الحكم عما عداه، وقوله: استحقاق الشفعة للجار، مع ما روينا من وقوع الإخبار، ولو سلم أنه من كلام سيد الأبرار، فمعناه، لا شفعة بسبب القسمة لتوهم أن القسمة تثبت بها الشفعة كالبيع، لما فيها من معنى التمليك من كل واحد من الشريكين للآخر.
- حديث ركوب الهدي
وبه: أي بسند أبي حنيفة (عن عبد الكريم) أي ابن أمية المذكور (عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً) وهو مبهم لم يعرف (ليسوق هديه) أي يمشي وراءها ويزجرها، والمراد بها الإبل هنا (فقال: اركبها) لأنه عليه الصلاة والسلام علم أنه أتعبه السفر في ذلك المقام.
والحديث في الصحيحين، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً ليسوق هديه، فقال: اركبها قال، إنها هدية، قال: اركبها، قال: فرأيته راكبها يسار النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف في ركوب البدن الهدية المهداة، فعن بعضهم أنه واجب لإطلاق هذا الأمر، مع ما فيه من مخالفة لسيرة الجاهلية، وهو مجانبة السائبة
والوصيلة والحامي.
ورد هذا بأنه عليه الصلاة والسلام لم يركب هديه، ولم يركبه، ولا أمر الناس بركوب هداياهم.
ومنهم من قال له: أن يركبها مطلقاً من غير حاجة، تمسكاً بإطلاقه هذا.
وقال أصحابنا والشافعي: لا يركبها إلا عند الحاجة حملاً للأمر المذكور على أنه كان لما رأى من حاجة الرجل إلى ذلك، ويؤيده ما في صحيح مسلم عن أبي الزبير، قال: سمعت جابر بن عبد الله يسأل عن ركوب الهدي، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها. وفي الكافي للحاكم: فإن ركبها أو حمل متاعه عليها للضرورة ضمن ما نقصها ذلك، يعني أن نقصه ذلك ضمنه نقصان ما هنالك.
- مرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان
وبه (عن عبد الكريم بن أبي المخارق) بضم ميم، فخاء معجمة، ثم راء مكسورة (عن طاوس) بالصرف إذ ليس فيه إلا العلمية بخلاف داود، فإن فيه زيادة، وهي العجمة، وهو ابن كيسان الخولاني الهمداني اليماني، من أبناء الفرس، روى عن جماعة من الصحابة، وعنه الزهري، وخلق سواه، وقال عمرو ابن دينار ما رأيت مثل طاوس، كان رأساً في العلم والعمل، مات بمكة سنة خمس ومائة.
(قال: جاء رجل إلى ابن عمر، فسأله) أي سؤالاً علمياً (فقال: يا أبا عبد الرحمن) كناه تعظيماً له (أرأيت) أي أعلمت أو المعنى أخبرني عن حال الذين (يكسرون أغلاقنا) أي أقفالنا (ويفتحون أبوابنا، وينقبون بيوتنا) أي جدرانها
(ويغيرون على أمتعتنا) من الإغارة، أي ويأخذون أسبابنا على وجه التعدي (أكفروا) أي بهذه الأفعال ونحوها من الأحوال (قال: لا) فيه رد على الخوارج، حيث قالوا بكفر مرتكب الكبيرة من السرقة والغصب والظلم، خلافاً لمذهب أهل السنة والجماعة.
وأعرب المعتزلة في قولهم: أنه يخرج من الإسلام ولم يدخل في الكفر (قال) أي الرجل السائل (أرأيت هؤلاء الذين يتاولون علينا) أي من الخوارج والبغاة (ويسفكون دماءنا) أي يريقونها، والمعنى: يبيحون قتلنا بتأويلات فاسدة، وآراء كاسدة (أكفروا به، قال: لا) أي لأنهم أخطأوا في اجتهادهم، ووقعوا في خلاف مرادهم فتوهموا أنا نستحق القتل لما صدر عنا من التقصير في الدين على زعمهم.
والحاصل، أنهم وغيرهم لم يكفروا (حتى يجعلوا مع الله شيئاً) أي شريكاً، وفي معناه كل ما يوجب كفراً فأما المعاصي، فلا يخرج المؤمن عن إيمانه، وهذا كله مقتبس من قوله تعالى:{إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (1)(قال طاوس: وأنا أنظر إلى إصبع ابن عمر، وهو يحركها) إشارة إلى التوحيد، ومقام التفريد (ويقول سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أي هذا شريعته وطريقته (وهذا
(1) النساء 4.
الحديث) وإن كان بظاهره (موقوفاً، لكن رواه جماعة) أي آخرون (فرفعوه) أي نقلوه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا المبنى أو المعنى.
ولا يبعد أن يكون عن، بمعنى الباء لقوله تعالى:{وما ينطق عن الهوى} (1)
- حديث مسح الخفين
وبه (عن عبد الكريم بن أبي أمية، عن إبراهيم) أي النخعي (حدثني من سمع جرير بن عبد الملك) الظاهر أنه تابعي، إذ لم يذكره ابن عبد البر في الاستيعاب لتراجم الأصحاب، فالحديث مرسل، وهو حجة عندنا، وعند الجمهور (يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الخفين بعدما أنزلت سورة المائدة) في ذكرها، إن المسح عليهما بيان لقراءة الجر في أرجلكما، كما أن الغسل المستفاد من قراءة النصب مبين بغسل الرجلين الخاليين من الخفين.
وحاصله، أن الآية باعتبار اختلاف الرواية مجملة بينها صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم ومن الفائدة البصيرة أن سورة المائدة آخر ما نزلت، فلا يجوز أن تكون منسوخة.
(1) النجم 3.