الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رضي الله عنه وهو يأكل طعاماً ثم دعا بنبيذ) أي نبذ فيه من نحو تمر أو زبيب أو حنطة، أو شعير ليحلو على ما في النهاية (فشرب) أي ماء (فقلت: رحمك الله تشرب) بتقدير همزة الاستفهام (النبيذ في مجلسك) والأمة تقتدي بك لقوله عليه السلام رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد، كما رواه الحاكم عن ابن مسعود (فقال) ابن مسعود:(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب النبيذ، ولولا أني رأيته يشرب) أي منه (ما شربته)، وفي الشمائل للترمذي عن أنس قال: لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا القدح الشرب كله الماء والنبيذ والعسل واللبن.
وفي صحيح مسلم كان ينبذ له أول الليل ويشربه أي الصبح يومه ذلك، والليلة التي تجيء والغد إلى العصر، فإن بقي شيء سقاه الخادم أو أمر به فصب، وهذا محمول على ما يطبخ.
ففي الخلاصة نبيذ التمر أو نبيذ الزبيب إذا طبخ أدنى طبخة ثم اشتد، فإنه يجوز شربه دون السكر في قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، إذا أراد به استمرار الطعام ولم يرد به اللهو.
وقال محمد: لا يجوز شربه فقليله وكثيره حرام، قال الفقيه أبو الليث وبه نأخذ وأما إذا كان شربه للهو فقليله وكثيره حرام، وأما الوجه الذي هو حلال بالإجماع فكل شراب لم يمض عليه ثلاثة أيام وهو حلو أما نبيذ الذرة، فقد رواه الطبراني، عن ابن عباس مرفوعاً مدرجه كله حرام أبيضه وأحمره وأصفره وأخضره.
-
التعجب انفعال النفس
وبه (عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود
قال: جاء جبرائيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة شاب) إشعاراً بأن تحصيل العلوم أولى في أوان الشباب. (ولم يعرفه أحد من الأصحاب) كما ورد لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد (عليه ثياب بيض) بالإضافة، أو بدونها أي ذات إيماء إلى أن تلبس البياض يناسب أهل العلم، فإنه أنظف وأطهر، وفي النظر أنور، وفي بعض الروايات: إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، وبهذا تبين أنه لم يكن أمرداً (فقال السلام عليك يا رسول الله) في رواية مسلم خاطبه بيا محمد من دون السلام فيحمل على تعدد الواقعة، أو تكرر خطابه أو اقتصار بعض الرواة على أن الاعتماد على زيادة الثقاة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام) والاقتصار عليه من باب الاكتفاء عملاً لبيان أقل الجواز في الجواب.
(فقال: يا رسول الله ادنو) أي أقرب، ولا يكون تقصيراً في الأدب (فقال: ادنه) بهاء السكت أو بضمير راجعاً إلى المصدر بصيغة متكلم المفهوم من الفعل أي أدن الدنو كما قيل بهما في قوله تعالى: {فبهداهم اقتده} (1) على القراءتين فقال الفاء فصيحة أي (فدنا حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه) أي فخذي النبي صلى الله عليه وسلم كما في رواية النسائي (فقال: يا رسول الله ما الإيمان الشرعي؟ قال: الإيمان) وهو تصديق الجنان وإقرار اللسان (بالله) أي بوجود ذاته وصفاته وشهود توحيده في مصنوعاته (وملائكته) بأنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون (وكتبه) المنزلة من غير تعين عددها (ورسله) إلى أممهم وإلى أنفسهم لتكون شاملة لأنبيائه، وفي بعض الروايات الصحيحة واليوم الآخر، (والقدر (2) خيره وشره) أي حلوه ومره.
(1) الأنعام 90.
(2)
نقل الإمام النووي عن الخطابي أن ليس معنى القضاء والقدر إجبار الله سبحانه العبد وقهره على ما قدره وقضاه، بل معناه الإخبار عن تقدم علم الله سبحانه وتعالى بما يكون من اكتساب العبد، وصدور الأفعال عن تقدير منه، والقدر اسم لما صدر مقدراً عن فعل القادر. القضاء في هذا معناه: الخلق كقول الله تعالى: {فقضاهُنَّ سبع سموات في يومين} أي خلقهن انتهى.
وفي رواية لمسلم وبالقدر كله (قال: صدقت) أي فيما قلت، وحققت (فعجبنا لقوله صدقت) حيث يسأله ويصدقه (كأنه يدري) إذ سؤاله يقتضي عدم علمه وتصديقه يوجب خلاف حاله والتعجب انفعال النفس من الشيء الذي وقع خارج العادة وخفي سببه على أهل السعادة (ثم قال: يارسول الله فما شرائع الإسلام؟) أي معاملة التي تبنى عليها الأحكام؟ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إقام الصلاة) أي أداؤها بأركانها وشرائطها (وإيتاء الزكاة) أي إعطاؤها لمستحقيها (وصوم رمضان وغسل الجنابة) وفي أكثر الرواية الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، ولعل الرواية السابقة وردت قبل فريضة الحج والشهادتين دخلتا في تعريف الإيمان الشرعي الذي عليه مدار الحكم الفرعي (قال: صدقت فعجبنا لقوله صدقت كأنه يدري) أي ويظهر من نفسه أنه لا يدري ويسمى تجاهل العارف (ثم قال: فما الإحسان) أي الإتقان والإيقان في الإسلام والإيمان (قال (1): أن تعمل الله) وهو أعم من الرواية المشهورة أن تعبد الله (كأنك تراه) ناظراً إليك، وشاهداً عليك، (فإن لم تكن تراه) للحجاب بين يديك (فإنه يراك) بلا شبهة لديك (قال: صدقت) وهو موافق لما في الترمذي من قوله: صدقت في المواضع الثلاثة خلافاً لأكثر الروايات من وقوعه في الأوليين من الحالات
(1) قال العلماء: هذا من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم لأنا لو قدرنا أن أحدنا قام في عبادة وهو يعاين ربه سبحانه وتعالى، لم يترك شيئاً مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن السمت واجتماعه بظاهره وباطنه على الاعتناء يتممها على أحسن وجوهها إلَاّ أتى به.
(وقال: فمتى قيام الساعة؟) أي متى وقت وقوعها أي القيامة، والمراد بها النفخة الأولى (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما المسؤول (1) عنها) أي عن قيامها (بأعلم من السائل)؟ أي ليس من جنس المسؤول عنها بأعلم من جنس السائل منها، والمعنى أنهما متساويان في نفي العلم بوقتها، لأنه سبحانه وتعالى استأثر علمه بها لقوله تعالى:{إنَّ السَّاعة آتِيَة أكاد أُخفيها} (2) أي عن نفسي لو تصور إخفائها ولقوله سبحانه وتعالى: {يَسْئَلونَكَ عَنِ السَّاعة أَيّانَ مرْسَاهَا فيم أنْتَ مِن ذِكْراها إلى رَبّكَ مُنْتَهاها} (3) وفي بعض الروايات فأخبرني عن أماراتها الحديث بقوله: (فقفى) بتشديد الفاء أي فولَّى (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي بالرجل) أي نادوه وأُتوا به (فطلبنا) سعياً وجبراً (فلم نر له أثراً) فأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم (فقال) أي السائل الجليل (جبرائيل عليه السلام، جاءكم) أي أتاكم كما في رواية (ليعلمكم معالم دينكم) أي الشريعة التي يرجع إليكم منافعه.
والظاهر أنه عليه الصلاة والسلام أيضاً ما عرفه أولاً يؤيده ما في صحيح ابن حيان: والذي نفسي بيده ما شبهه عليّ منذ أتاني قبل مرته هذه، وما عرفته حتى ولا أعلم أن هذا الحديث ذكره النووي في أربعينه برواية عمر بن الخطاب وقد بسطنا الكلام في شرح ذلك الكتاب.
والحديث رواه مسلم عنه وعن أبي هريرة نحوه، ولعل الواقعة متعددة لاختلاف الألفاظ الواردة (سفيان بن عيينة) وهو إمام عالم ثبت حجة زاهد ورع مجمع على صحة حديثه سمع الزهري وخلقاً كثيراً، روى عنه الأعمش والثوري
(1) يستنبط من هذا أنه ينبغي للعالم والمفتي وغيرهما إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم، وأن ذلك لا ينقصه، بل يستدل على ورعه وتقواه ووفور علمه. (شرح صحيح مسلم).
(2)
طه 15.
(3)
النازعات 42 - 44.
وشعبة والشافعي وأحمد وغيرهم، ولد بالكوفة للنصف من شعبان سنة سبع ومائة.
قال في آخر حجة حجها وافيت هذا الموضع سبعين مرة في كل مرة أقول: اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا المكان، وقد استحييت من الله من كثرة ما أسأله فتوفي في السنة الداخلة يوم السبت غرة رجب سنة ثمان وتسعين ومائة. ودفن بالحجون.
وقد روى له الشيخان وهو ممن روى عن الإمام كما ذكره الكردري، وقد قال سفيان بن عيينة من أراد المغازي فالمدينة، ومن أراد المناسك فمكة، من أراد الفقه فالكوفة يلازم أصحاب أبي حنيفة، قال الصولي دخلت على سفيان بن عيينة، وبين يديه قرصان من شعير فقال: يا أبا موسى إنهما طعامي منذ أربعين سنة، وكان ينشد شعر:
خلت الديار فسدت غير مسود
…
ومن الشقا وتفردي بالسؤود
وقال سويد بن سعيد، عن سفيان بن عيينة قال: أول من أقعدني للحديث أبو حنيفة قدمت الكوفة ولم يتم لي عشرون سنة.
فقال أبو حنيفة: هذا أعلم الناس بحديث عمرو بن دينار فاجتمعوا علي فحدثتهم، وقال أبو سليمان الجوزجاني: سمعت حماد بن زيد يقول: ما عرفنا كنية عمرو بن دينار إلا بأبي حنيفة، كنا في المسجد الحرام، وأبو حنيفة مع عمرو ابن دينار فقال له: يا أبا حنيفة كلمة تحدثنا فقال: يا أبا محمد حدثهم، ولم يقل يا محمد وحماد بن زيد أحد الأعلام، روى له الأئمة الستة قال ابن مهدي: ما رأيت بالبصرة أفقه منه ولا أعلم منه عاش إحدى وثمانين سنة، وتوفي في رمضان سنة تسع وسبعين ومائة.
وقد أخذ الفقه عن أبي حنيفة وهو الراوي عنه أن الوتر فريضة، وأما عمرو بن دينار ويكنى بأبي يحيى، فروى عن سالم بن عبد الله بن عمرو وغيره، وعنه الحمادان، ومعتمر وجماعته، ومن هو مشايخ الإمام من التابعين الكرام، وفي