الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{الله الَّذِي خَلَقَكُم من ضعَفٍ} (1) قرأ حمزة وشعبة وحفص عن ضعف (2) بفتح الضاد والباقون بضمها، والمعنى من نطفة أي من أدنى ضعف، والتقدير: من ماء ضعيف كما قال الله تعالى: {أَلَمْ نَخلُقُكمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ} (3)(ثم جعل من بعد ضعف قوة)، أي من بعد ضعف الطفولية شباباً، وهو وقت القوة، (ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة) وكان القارىء قرأ بفتح الضاد، وهو لغة تميم فرد عليه وقال: قل من ضُعفٍ بضم الضاد، فإنه لغة قريش، والقارىء منهم، أو لكونه أفصح، أو لما سبق منه في صدر الأئمة من إشباع ميم الجمع، وإدغام القاف في الكاف فمنعه عن الفتح، لأنه يوجد التركيب بين القراءتين المختلفتين، أو كان هذا قبل العلم يجوز القراءة بضم الضاد والله أعلم بحقيقة المراد.
-
ذكر إسناده عن يزيد بن عبد الرحمن، أحد أجلاء التابعين
.
- قصة الوفاة
أبو حنيفة (عن يزيد عن أنس أن أبا بكر رضي الله عنه رأى من رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة) أي بصر منه خفة في مرضه الذي توفى فيه (فاستأذنه إلى امرأته) أي بالرواح إليها وهي كانت خارجة عند المدينة، وقوله: بنت خارجة بالنصب على أنها بدل من
(1) الروم 54.
(2)
عن ضعف، ضعف ضعفاً بفتح الضاد في الثلاثة أبو بكر وغيره وبضم الضاد فيهن حفص في أحد وجهيه لكن الضم مختارة. سجاوند صفحة/301.
(3)
المرسلات 20.
امرأته، أو بتقدير أعني، أو يعني وكانت (في حوائط الأنصار) أي كانت امرأته في أحد بساتين بعض الأنصار بعارض من عوارض الدار ويُسمَّى ذلك الموضع السُّنُح بضم السين والنون، وقيل: بسكون، موضع بعوالي المدينة، (وكان ذلك) أي ما رأى فيه من الخفة (راحة الموت) يعني أن الله سبحانه يخفف عن المؤمن ألم شدة مرضه قرب موته، (ولا يشعر) أي بذلك أبو بكر والنبي صلى الله عليه وسلم، فإذا يحتمل مبنياً للفاعل والمفعول.
(ثم توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة) أي في غيبة الصديق تهويناً على الصديق، (فأصبح) أي أبو بكر والمعنى: دخل في الصباح (فجعل) أي فشرع يرى (الناس يترامسون) من الرمس، وهو كتمان الخبر، أي يتخافتون (فأمر أبو بكر غلاماً) أي ولداً مملوكاً (ليستمع) الخبر (ثم) واقطع (يخبره) أي يأتيه بأخبارهم، فذهب فجاءه (فقال: أسمعهم يقولون: مات محمد فاشتد أبو بكر) أي سعى في جريه أو اشتد في حزنه، (وهو يقول: واقطع ظهره، فما بلغ أبو بكر المسجد حتى ظنوا أنه لم يبلغ) من شدة بكائه، ووفور كآبته (وأرجف المنافقون) أي اضطربوا في أخبارهم وانقلبوا على إقرارهم فقالوا: لو كان محمد نبياً لم يمت، وهذا جهل واحتج منهم لموت الأنبياء قبلهم، نعم توهم بعض المؤمنين أنه أغمي عليه، أو عرج به كعيسى عليه السلام، أو أنه يعيش عمراً طويلاً كنوح، أو أنه خاتم الأنبياء فيبقى بين الخلق أجمعين إلى يوم الدين، ومات لكنّ الله سبحانه يرد عليه روحه في الحين.
والحاصل أن موته لم يتحقق عند أكثر المؤمنين، وكان يترتب فتنة عظيمة من
إرجاف المنافقين (فقال): أي عمر، (وقد سل سيفه: لا أسمع رجلاً) أي شخصاً (يقول: مات محمد صلى الله عليه وسلم إلا ضربته بالسيف)، وكان يقول: إنما أرسل إليه كما أرسل إلى موسى، فلبث عن قومه أربعين ليلة، والله إني لأرجو أن شخصاً يقول: مات محمد صلى الله عليه وسلم إلا أقطع أيديهم وأرجلهم، (فكفوا) بفتح الكاف وتشديد الفاء المضمومة أي فامتنعوا (لذلك) أي لأجل قول عمر، (فلما جاء أبو بكر والنبي صلى الله عليه وسلم مسجى) بتشديد الجيم، أي مغطى ببرده (كشف) أي رفع (أبو بكر الثوب عن وجهه، ثم جعل يلثمه) بفتح المثلثة وكسرها يقبل فاه، وشم الريح، ثم سجاه ببرده ويقول: إن الله طيبك حياً وميتاً. ذكره الطبراني في الرياض.
وفي رواية قبل جبينه، وفي أخرى وضع فاه بين عينيه، (فقال: ما كان الله ليذيقك من الموت مرتين) والمعنى أن هذا الموت محقق وتكراره أمر موهوم غير مصدق أنت أكرم على الله تعالى من ذلك، لأن تكرار الإماتة في الدنيا موجب لزيادة مشقة هنالك.
وفي رواية للبخاري قال: بأبي انت وأمي لا يجمع الله عليك موتتين، اما الموتة التي كنت عليها فقد مُتَّها، (ثم خرج أبو بكر فقال: يا أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات) أي فليس له إله فهو كافر وفيه تعريض للمنافقين، (ومن كان يعبد رب محمد) في دين اليقين كالمؤمنين المخلصين، (فإن رب محمد) تعالى شأنه وعظم برهانه (لا يموت)، فإن حياته أزلية أبدية، (ثم قرأ:{وَمَا مُحَمّدٌ إلاّ رَسُوْلٌ} (1) أي عبد أوحي إليه الحق، وبعثه إلى الخلق {قد خلت من قبله الرسل} أي مضوا وماتوا فيمضي ويموت مثلهم، كما أشار إليه تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الخُلْدَ أفإن مِتَّ فَهُمُ الخَالِدُوْنَ
…
كُلُّ نَفْسٍ ذائقة الموت} (2).
فالموت كأس وكل الناس شاربه والقبر باب وكل الناس داخله
{أفإن مات} أي محمد على فراش السعادة {أو قتل} على سبيل الشهادة {انقلبتم على أعقابكم} الجملة محط همزة الإنكار، أي أرجعتم إلى ما ورائكم من الكفر، {ومن ينقلب على عقبيه} أي بارتداده، {فلن يضر الله شيئاً} ، فإنما يضر نفسه، {وسيجزي الله الشاكرين} على إيمانهم وإيقانهم وإحسانهم.
زاد البخاري فضج الناس يبكون (قال): أي أنس (فقال عمر: لكأنا) بتشديد النون (لم نقرأها) أي هذه الآية (قبلها)، أي قبل تلك الحالة (قط)، أي أبداً (فقال الناس مثل مقالة أبي بكر) من كرم السابق وقراءته اللاحِقِ.
(1) آل عمران: 144.
(2)
الأنبياء 34 - 35.
- دفن صلى الله عليه وسلم آخر يوم الثلاثاء
وفي رواية قال أنس: والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل الآية حتى تلاها أبو بكر فتلقاها الناس كلهم فما سمعت بشراً من الناس إلا يتلوها (قال) أي أنس: (ومات ليلة الإثنين فمكث) بضم الكاف وفتحها أي لبث عندهم (ليلتين) أي تلك الليلة الإثنين (ويومين) وهما يوما الإثنين والثلاثاء (ودفن يوم الثلاثاء) أي في آخره (وكان أسامة بن زيد) أي ابن حارثة، وقد سبق ترجمته، (وأوس) بفتح فسكون (بن خولة) بفتح معجمة (يصبان الماء وعلي والفضل) أي ابن العباس (يغسلانه صلى الله عليه وسلم.
والحديث ذكره الطبراني في الرياض له، وخرّج الترمذي معناه بتمامه، وقد غسل صلى الله عليه وسلم ثلاث غسلات الأولى بالماء القراح، والثانية بالماء والسدر، والثالثة بالماء والكافور وغسله علي، والعباس وابنه الفضل يعينانه، وقثم وأسامة وشقران مولاه صلى الله عليه وسلم يصبون الماء وأعينهم معصوبة من وراء الستر لحديث علي: لا يغسلني إلا أنت، فإنه لا يرى أحد عَوْرتي إلا طمِسَتْ عيناه، رواه البزار والبيهقي.