المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ حديث الاستخارة - شرح مسند أبي حنيفة - جـ ١

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة [للإمام القاري]

- ‌[شرح المسند]

- ‌ عائشة أفضل من سائر النساء

- ‌ حديث الاستخارة

- ‌ استلام الحجر

- ‌ حديث بروع بنت واشق

- ‌ شرب النبيذ

- ‌ التعجب انفعال النفس

- ‌ اجتماع أبي حنيفة والأوزاعي:

- ‌ يجمع الله العلماء يوم القيامة

- ‌ صلاة السفر

- ‌ صلاة في الخمرة

- ‌ فضائل الإمام زفر

- ‌ لا نأخذ بالرأي ما دام أثر

- ‌ قول زفر

- ‌ نوم الجنب

- ‌ رفع القلم

- ‌ إن أولادكم من كسبكم

- ‌ قراءة في الوتر في ثلاث ركعاته

- ‌ مواقيت الإحرام

- ‌ تأكيد أمر الإمامة

- ‌ خيار العتق

- ‌ حديث أهل النار

- ‌ والليالي في الرمي تابعة للأيام السابقة دون اللاحقة

- ‌ كسب الحلال فرض عين

- ‌ طلب الحلال جهاد

- ‌ أجمع العلماء على نجاسة الخمر إلا ما حكي عن داود فإنه قال بطهارتها

- ‌ المؤمن ليس يتنجس

- ‌ صيد الكلب

- ‌ حديث خزيمة

- ‌ جبة ضيقة الكمين

- ‌ التشهد

- ‌ طلب العلم فريضة

- ‌ طالب العلم يستغفر له كل شيء

- ‌ المدعى عليه أولى باليمين

- ‌ الصلاة في الكعبة

- ‌ حديث طواف

- ‌ حديث المسح

- ‌ نفل صلى الله عليه وسلم على راحلته

- ‌ لا يجهرون ببسم الله

- ‌ حديث الحج

- ‌ في بيان أكل الضب

- ‌ وتر صلى الله عليه وسلم في آخر الليل

- ‌ حديث المسح

- ‌ ترك الكلام في الصلاة

- ‌ أوصاف زوجة

- ‌ حديث الحج

- ‌ نهى صلى الله عليه وسلم عن الشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌ وأما حديث: كل مسكر حرام فكاد أن يكون متواتراً

- ‌ حديث الأضاحي

- ‌ زيارة القبور

- ‌ قنوت الفجر

- ‌ يمين اللغو

- ‌ صلاة السفر

- ‌ حديث الحج

- ‌ عدة المتوفى عنها زوجها

- ‌ رفع اليدين

- ‌ سوم على سوم غيره

- ‌ كثرة السجود

- ‌ صلاة خفيفة

- ‌ إذا اختلف المتبايعان

- ‌ خطبة الجمعة قائماً

- ‌ تكبيرات الجنازة

- ‌ حُسنُ الخُلُق

- ‌ خلقة النفس

- ‌ خروج النساء إلى المصلى

- ‌ ترى المرأة ما يرى الرجل

- ‌ ذبح شاة قبل الصلاة

- ‌ خروج النساء

- ‌ طلاق النساء

- ‌ ذكر إسناده عن عطاء بن أبي رباح

- ‌ حديث القراءة في الصلاة

- ‌ حديث إذا طلع النجم

- ‌ قَلَنْسُوة

- ‌ تعلموا من النجوم ما تهتدوا به

- ‌ حديث الطلاق

- ‌ حديث كل معروف

- ‌ صلاة في قميص واحد

- ‌ حديث الجمعة

- ‌ وفيه أن الجميل يحب الجمال

- ‌ عمرة في رمضان تعدل حجة

- ‌ رَمَل

- ‌ حديث من عفى عن دم

- ‌ فضيلة التكبيرة الأولى

- ‌ لا يجوز إجبار البكر البالغة على النكاح

- ‌ حديث الوضوء

- ‌ حديث الماء المستعمل

- ‌ حديث سنة الفجر

- ‌ حديث: أين الله

- ‌ حديث الركاز

- ‌ يقول الإمام أيضاً ربنا لك الحمد في رواية

- ‌ فضيلة صلاة الفجر والعشاء

- ‌ ذكر إسناده عن أبي الزبير محمد بن سالم المكي

- ‌ لا يكفر مرتكب الكبيرة

- ‌ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب واحد

- ‌ نعم الإدام الخل

- ‌ طلاق رجعي

- ‌ لا ربا في الحيوانات

- ‌ النهي عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحها

- ‌ يعرف النبي صلى الله عليه وسلم بريح الطيب

- ‌ من قتل ضفدعاً فعليه شاة

- ‌ الداء والدواء

- ‌ دخول الحمام بمئزر

- ‌ بيع المزابنة والمحاقلة

- ‌ حديث الطيب

- ‌ بيع المخابرة

- ‌ حديث قدر

- ‌ ذكر إسناده عن عمرو بن دينار وعن طاوس

- ‌ حديث شراء الطعام

- ‌ حديث لباس المحرم

- ‌ حديث السجود

- ‌حديث الفرائض

- ‌ كبراء التابعين

- ‌ ذكر إسناده عن عكرمة ومقسم موليا ابن عباس رضي الله عنهم

- ‌ السجدة على سبعة أعضاء والنهي عن كف شعر وثوب

- ‌ حديث الغنيمة

- ‌ حديث درء الحدود

- ‌ ذكر إسناده عن نافع مولى ابن عمر

- ‌ حديث عذر المسلم

- ‌ حديث فتح الإمام

- ‌ حديث قتل المحرم

- ‌ حديث الغنيمة

- ‌ حديث وطء الحامل

- ‌ حديث قراءة السنة

- ‌ حديث التربع

- ‌ حديث الأسماء

- ‌ حديث غسل الجمعة

- ‌ صلوا في البيوت

- ‌ حديث النذر

- ‌ الذنب لا ينسى

- ‌ حديث بيع الغرر

- ‌ اخضبوا بالحناء

- ‌ القدرية مجوس هذه الأمة

- ‌ حديث حرمة المتعة

- ‌ صلاة في الكعبة

- ‌ الكافر يأكل في سبعة أمعاء

- ‌ نهى صلى الله عليه وسلم عن الدِّبَاء

- ‌ حشرات الأرض

- ‌ حديث الذبح

- ‌ حرمة الحمر الأهلية

- ‌ النسخ مرتان

- ‌ حديث زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر إسناده عن سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنه وعن سليمان وعطاء ابنا يسار

- ‌ذكر إسناده عن سليمان بن يسار

- ‌ تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة في شوال

- ‌ذكر إسناده عن عطاء بن يسار

- ‌ بيع الولاء

- ‌ فضيلة وصل صفوف الصلاة

- ‌ ذكر إسناده عن الزهري وعن أبي جعفر محمد بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌ حديث تعمد الكذب

- ‌ إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء فابدأوا بالعشاء

- ‌ حديث الدِّيَّة

- ‌ الصلاة في ثوب واحد

- ‌ حديث متعة النساء

- ‌ صلاة الليل

- ‌ ذكر إسناده عن محمد بن المنكدر

- ‌ صيد محرم

- ‌ صلاة المريض

- ‌ أنت ومالك لأبيك

- ‌ فقال: إني لست أصافح النساء

- ‌الجار أحق بالشفعة

- ‌ صلاة السفر

- ‌ ذكر إسناده عن يحيى بن سعيد القطان

- ‌ غسل الجمعة

- ‌ حديث بشارة خديجة رضي الله عنها

- ‌ الأعمال بالنيات

- ‌ حديث بعثة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر إسناده عن ربيعة بن أبي عبيدة الرحمن

- ‌ سنة وفاته عليه السلام وأبي بكر وعمر

- ‌ ذكر إسناده عن عبد الرحمن

- ‌ كل مولود يولد على الفطرة

- ‌ أولاد الكفار

- ‌ إذا تحيرتم في الأمور فاستعينوا من أهل القبور

- ‌ ذكر إسناده عن عبد الله بن دينار وأبي اسحاق

- ‌ جواب الأذان

- ‌ الوتر أول الليل

- ‌ بلال يؤذن بليل

- ‌ عليكم بالأبكار

- ‌ طلب العافية

- ‌ عمامة سوداء

- ‌ الأصل في الأشياء الإباحة

- ‌ الحبة السوداء

- ‌ المسح على الخفين

- ‌ إسفار الصبُح

- ‌ ليس منا من غش في البيع والشراء

- ‌ ذكر إسناده عن أبي إسحاق

- ‌ جمع صلاتين في مزدلفة

- ‌ لعن آكل الربا

- ‌ إخراج التصاوير والكلب من البيت

- ‌ ما بال قوم يلعبون بحدود الله

- ‌ ذكر إسناده عن عبد الملك بن عمير

- ‌ لا يقتل الصغار

- ‌ اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر

- ‌ لا يقضي الحاكم في الغضب

- ‌ نهى عن صوم أيام التشريق وعن يوم الشك

- ‌ ماء الكمأة شفاء العين

- ‌ استعمال الحلال المحض يجلو البصر والبصيرة

- ‌ عدم جواز نفل بعد طلوع صبح

- ‌ لا تشد الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد

- ‌ لاتسافر المرأة إلا مع ذي محرم

- ‌ حديث شفاعة السقط

- ‌ ذكر إسناده عن الشعبي والحكم بن عيينة

- ‌ سبع خصال في عائشة

- ‌ حديث النكاح

- ‌ حديث القصاص

- ‌ حديث المسح

- ‌ حديث سؤر الهرة

- ‌ ذكر إسناده عن الحكم بن عيينة

- ‌ حديث توقيت المسح

- ‌ حديث الحجاب

- ‌ حرمة لبس الحرير

- ‌ حرمة آنية الذهب والفضة

- ‌ يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب قليله وكثيره سواء

- ‌ الولاء لمن أعتق

- ‌ لا يجوز أخذ المال بدل الجيفة

- ‌ ركعتين بعد الظهر

- ‌ ذكر إسناده عن محارب بن دِثار

- ‌ عدم التكلف

- ‌ ذكر إسناده عن سماك بن حرب

- ‌ ذكر إسناده عن زياد بن علاقه

- ‌ ذكر إسناده عن أبي بردة

- ‌ ذكر إسناده عن علي بن الأقمر

- ‌ ذكر إسناده عن إبراهيم بن المبشر

- ‌ ذكر إسناده عن عطية بن سعد العوفي

- ‌ ذكر إسناده عن يزيد بن عبد الرحمن، أحد أجلاء التابعين

- ‌ ذكر إسناده عن موسى بن أبي عائشة

- ‌ ذكر إسناده عن عبد الله بن حبيب

- ‌ ذكر إسناده عن ظريف بن شهاب السعدي

- ‌ ذكر إسناده عن سفيان بن طلحة بن زياد

- ‌ ذكر إسناده عن عطاء بن السائب بن الماية

- ‌ ذكر إسناده عن علقمة بن مرثد

- ‌ ذكر إسناده عن عبد العزيز بن رُفيع

- ‌ ذكر إسناده عن عبد الكريم بن أمية

- ‌ ذكر إسناده عن الهيثم بن حبيب الصرفي

- ‌ ذكر إسناده عن القاسم بن عبد الرحمن

الفصل: ‌ حديث الاستخارة

السلام عليكم ورحمة الله) ناوياً من معه من مصلين والملائكة المقربين (حتى يرى) بضم الياء وفتح الراء ويبالغ في ميله حتى يبصر (شق وجهه) بكسر الشين أي طرف خده، (وعن يساره مثل ذلك) أي ويسلم عن جهة يساره كما تقدم فعلاً وقولاً وقصداً، وفي رواية حتى يرى بياض خده الأيمن فيه لطافة، (وعن شماله مثل ذلك) أي مثل ما ذكر هنالك.

والحديث عن ابن مسعود رواه أصحاب السنن الأربعة، ولفظ النسائي كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده الأيمن، وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده الأيسر، وصححه الترمذي وهو أرجح مِمَّا أخذ به مالك من رواية عائشة أنه عليه الصلاة والسلام كان يسلم في الصلاة بتسليمة واحدة تلقاء وجهه يميل إلى الشق الأيمن.

-‌

‌ حديث الاستخارة

وبه (عن حماد عن إبراهيم النخعي، عن علقمة عن عبد الله (1)). أي ابن مسعود فإنه المراد عند الإطلاق في مصطلح المحدثين وفيه إيماء إلى أنه أكمل وأفضل من سائر العبادلة، ولذا لم يعده في مقام المماثلة.

(قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا معشر الصحابة الاستخارة) أي طلب الخير (في الأمر) أي في المهم المحتمل للخير والشر إذ لا استخارة في فعل نفس

(1) عبد الله بن مسعود كان أفضل من سائر العبادلة

ص: 17

الطاعة ولا في ترك نفس المعصية، والمعنى أنه كان يبالغ في تعليمنا دعاء الاستخارة في ظهور الأمر والشأن (كما يعلمنا السورة من القرآن)، وقد ورد مختصراً اللهم خِرْ لي واختر لي، ولا تَكِلْني إلى اختياري، وفي رواية اللهم خِر لي، واجعل الخيرة فيه، وكذا ورد اللهم اهدني لأحسن الأعمال لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، وقد جاء مطولاً كما بينه بقوله (1) (وفي روايته) عن ابن مسعود وغيره (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد) أي إذا قصد.

(وفي رواية إذا هم أحدكم أمراً) من الأمور ويكون متردداً فيه بين فعله وتركه لعدم معرفة خيره وشره في عالم الظهور (فليتوضأ) أي وضوء حسناً يستوعب فرائض وسنناً (وليركع من باب إطلاق الجزء على الكل، أي ليصل (ركعتين) أي شفعاً من الصلاة فإنه أقلها ويقرأ فيهما الكافرون والإخلاص أو آية {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ويَختَارُ مَا كَان لهُمْ الخِيرَةُ سُبحَانَ الله وَتَعالى عَمَّا يُشرِكُونَ} (2) وآية {ومَا كَانَ لِمُؤمِنٍ وَلا مُؤمِنةٍ إذا قَضَى الله ورَسُولُهُ أمراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخيرَةُ مِن أمرِهِم ومَنْ يَعْصِ الله ورَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبيِناً} (3).

وفي رواية (من غير الفريضة) اهتماماً باستقلال هذه الفضيلة (ثم ليقل) بلسانه حاضراً بجنانه (اللهم) أي يا الله آمنّا بخير وادفع عنا كل ضير (إني أستخيرك) أي أطلب خيرك، وأطلب منك الخير والعلم به في هذا الأمر

(1) قال في غنية المستعلي: والاستخارة في الحج والجهاد وجميع أبواب الخير يتحمل على تعيين الوقت لا على نفس الفعل وإذا استخار فهي لما ينشرح له صدره وينبغي أن يكررها سبع مرات لما روى ابن السني عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أنس إذا هممت فاستخر ربك فيه سبع مرات، ثم انظر إلى الذي سبق إلى قلبك فإن الخير فيه. مشتاق أحمد ..

(2)

القصص 68.

(3)

الأحزاب 36.

ص: 18

(بعلمك) أي بسبب علمك المحيط بالخير والشر والنفع والضر كما أشار إليه قوله سبحانه وتعالى: {وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لكُم وَعَسَى أَنْ تُحِبُوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لكُمْ والله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعلَمُون} (1)

(وأستقدرك) أي أطلب منك أن تجعل لي على الخير قدرة وقوة (بقدرتك) أي بحولك وإرادتك والباء فيهما للاستعانة أي أطلب منك خيراً مستعيناً بعلمك وقدرتك أو للاستعطاف أي بحق علمك وحرمة قدرتك.

وفي رواية النسائي وأستهديك بقدرتك وأسألك من فضلك أي العظيم كما في أكثر الروايات.

وفي رواية البزار عن ابن مسعود وأسألك من فضلك برحمتك فإنهما بيدك لا يملكهما أحد سواك (فإنك تعلم ولا أعلم وتقدر ولا أقدر) بكسر الدال، وهو الرواية في أكثر الأصول فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم، والرواية الأولى تناسب ترتيب ما تقدم، والأخرى تلائم ما أخر من قوله (وأنت علام الغيوب) بضم الغين وكسرها، أي كثير العلم بما غاب من العباد، (اللهم إن كان هذا الامر) الذي يريده كما في رواية البزار (خيراً لي في معيشتي).

وفي رواية البزار في ديني ودنياي، (وخيراً لي في عاقبة أمري فيسره لي) أي فسهله كما في رواية وفي رواية أخرى فوفقه أي اجعله وفق مقصودي وبارك لي فيه (وزاد) أي ابن مسعود في رواية كما في رواية البزار (وإن كان غيره) أي غير ذلك كما في رواية أي غير الأمر المذكور أو المحصور (خيراً) أي لي كما في رواية (فاقدر) بضم الدال أي فقدر لي الخير.

وفي رواية فوفقني للخير (حيث كان) الخير (ثم رضني به) بتشديد الضاد

(1) البقرة 216.

ص: 19

المكسورة أي أرضني كما في رواية، والحديث بطوله في البخاري والأربعة عن جابر ورواه ابن حيان، عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري، والحاكم، عن أبي أيوب بروايات مختلفة وعبارات مؤتلفة، وقد بسطت الكلام عليها في الحرز الثمين شرح حصن الحصين.

وقد روى الحاكم والترمذي، عن سعيد بن أبي وقاص مرفوعاً من سعادة ابن آدم استخارته الله تعالى، ومن شقاوته تركه استخارة الله تعالى.

وروى الطبراني في الأوسط عن أنس ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، وقال بعض الحكماء: من أعطي أربعاً لم يُمنع أربعاً من أعطي الشكر لم يمنع المزيد، ومن أعطي التوبة لم يُمنع القبول، ومن أعطي الاستخارة لم يُمنع الخير ومن أعطي المشورة لم يُمنع الصواب.

وبه (عَنْ حَمَّاد عَنْ إبراهيم، عَنْ عَلقَمَة عَنْ عبد الله بن مسعود قال: جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هل يبقى أحد من الموحدين) أي المؤمنين، أو غير المشركين ليشتمل الموحدين من أهل الجاهلية (في النار) أي في قعر دار البوار معذباً على وجه الإكثار (قال: نَعَم) يَبْقَى (رَجَلٌ يَكونُ فِي قَعْرِ جَهنّم يُنادِي بالحَنّان المنّان) إما بطريق الثناء، وإما على وجه النداء وهما بتشديد النون فيهما للمبالغة من الحنان بالخفة وهو الرحمة ومن المنة بمعنى العطية، وبمعنى الامتنان فإنه يمن على عباده بالنعمة كقوله تعالى:{بَل الله يَمُنُّ عَلَيْكُم} (1) الآية وعن علي كرم الله وجهه: الحنان من يقبل على من أعرض عنه والمنان من يبدأ

(1) الحجرات 17.

ص: 20

بالنوال قبل السؤال، وقد عدا من الاسم الأعظم والله أعلم والمعنى أنه يبالغ في ذكرهما (ويرفع صوته بهما حتى يسمع صوته جبرائيل عليه السلام فيعجب) بفتح الجيم أي فيتعجب (من ذلك القنوت) في ذلك المقام، (فقال) أي جبرائيل (العجب) أي هذا العجب الذي منه ينبغي أن يتعجب (العجب) كرر للمبالغة، وروي بالنصب أي أعجب العجب أو أعجب لعجب، (ثم لم يصبر) أي جبرائيل (حتى يصير) أي يرجع ويسير (بين يدي عرش الرحمن) أي قدامه طالباً مرامه (ساجداً) لربه وحامداً أوعابداً (فيقول الله تبارك وتعالى أي له مشاهداً لفعله، ومشاهداً لقوله (ارفع رأسك) حتى ادفع بأسك (يا جبرائيل) الأمين، فيرفع رأسه ذلك الحين (فيقول) أي الله (تعالى ما رأيت من العجائب أي شيء) علمت من الغرائب (والله أعلم) أي منه ومن غيره (بما رآه) في جميع المراتب (فيقول يا رب) أي يا ربي خصوصاً ورب العالمين عموماً (سمعت صوتاً) أي غريباً من قعر جهنم قريباً ينادي صاحب ذلك الصوت (بالحنان المنان فتعجبت من ذلك الصوت) البهي الشأن في ذلك المكان (فيقول الله) عز اسمه ومسماه (تبارك) خيراته ومبراته (وتعالى) ذاته وصفاته أن يشبهها مخلوقاته ومصنوعاته (يا جبرائيل اذهب إلى مالك) خازن النار هنالك، (وقل له أخرج منها العبد الذي ينادي بالحنان والمنان) في ذلك الزمان (فيذهب جبرائيل عليه السلام إلى باب من أبواب جهنم) لطلب المرام (فيضربه) أي فيدق الباب (فيخرج إليه مالك للجواب).

ص: 21

(فيقول جبرائيل عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى يقول أخرج العبد الذي ينادي بالحنان والمنان، فيدخل) أي مالك في طبقات النار (فيطلب ذلك العبد) في تلك الدار (فلا يوجد) إشارة إلى كمال فنائه في مقام عنايته، (وإن مالكاً) أي والحال أن مالكاً (أعرف بأهل النار من الأم) أي الأمهات، ولو من الحيوانات (بأولادها) من الذكور والبنات فيخرج حيراناً (فيقول لجبرائيل) معتذراً (إن جهنم زفرت) بفتح الفاء يقال: زفر النار سمع لتوقدها صوتاً. والمعنى توقدت وصاحت زفرة عظيمة (لا أعرف الحجارة من الحديد) في تلك الحال، (ولا الحديد من الرجال فيرجع جبرائيل عليه السلام حتى يصير بين يدي عرش الرحمن ساجداً) ولإظهار العبودية وفق عابداً (فيقول تبارك وتعالى: ارفع رأسك يا جبرائيل)، فإنك رفيع القدرعند ربك الجليل (لم) أي لأي شيء (لم تجيء لعبد) أي باحضاره عندي فيقول (يا رب إن مالكاً يقول معذرة إن جهنم قد زفرت زفرة لا أعرف الحجر من الحديد) في المقام الشديد (ولا الحديد من الرجال) من شدة الأهوال (فيقول الله عز وجل قل لمالك) أي على لساني (إن عبدي في قعر كذا وكذا) من مكان البلايا، (وفي سر كذا وكذا) من

ص: 22

الخفايا (وفي زاوية كذا وكذا) من الزوايا (فيدخل) الفاء فصيحة أي فيجيء جبرائيل إلى مالك (فيخبره) بما تقرر هنالك (فيدخل) مالك ثانياً (فيجده في المحل الذي قيل له) إنه فيه مطروحاً منكوساً، أي مقلوباً معكوساً (مشدوداً) أي مربوطاً (ناصيته) منضمة (إلى قدميه ويداه إلى عنقه) أي معه مغلولاً أو مسلسلاً (واجتمعت عليه، الحيات والعقارب) وتعلقت به في جميع جهاته من المشارق والمغارب (فيجذبه جذبة) أي فيأخذه أخذة قوية توترة في المراتب حتى تسقط عنه الحيات والعقارب (ثم يجذبه جذبة أخرى) أقوى من الجذبة الأولى بإذن المولى (حتى تنقطع منه السلاسل والأغلال) ويرتفع عنه الأهوال (ثم يخرجه من النار فيصيره) أي فيجعله مغموساً في (الحياة) التي ليس بعدها الممات (ويدفعه) أي يسلمه (إلى جبرائيل) وهو الروح الأمين (فيأخذه) أي جبرائيل بناصيته ويمدّه مدّاً أي يجره جراً إلى ناصية (فما مر به) جبرائيل (على ملأ) أي على جمع أشراف (من الملائكة إلا وهم يقولون أف) بفتح الفاء المشدودة وبكسرها وقد تنون. وهذه الثلاث قراءات، وفيها أربعون لغات أي يتضجر (لهذا العبد حتى يصير) أي جبرائيل (بين يدي عرش الرحمن ساجداً فيقول الله تبارك وتعالى: ارفع رأسك يا جبرائيل) ليكون شاهداً مشاهداً (فيقول الله): أي لذلك العبد (عبدي) أي يا عبدي: (ألم أخلقك بخلق حسن) بفتح الخاء أي بصورة حسنة لقوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ في أَحْسَنِ تقْويم} (1)، (ألم أرسل إليك رسولاً) يدلك عليَّ (ألم

(1) التين 4.

ص: 23

يقرأ) أي الرسول (عليك كتابي) ليهديك إليَّ (ألم يأمرك) أي الرسول (بالمعروف وينهك) أي ولم يمنعك (عن المنكر) تخويفاً لما لدي (حتى يقر العبد بذنبه) ويعترف بسوء نسبه وحلم ربه (فيقول الله تعالى: فلم فعلت كذا وكذا) من المناهي والملاهي (فيقول العبد: يارب ظلمت نفسي) ظلماً كثيراً في المعصية (حتى ألقيت في النار) بسببه (كذا وكذا خريفاً) أي سنةً، لكن مع هذا كله (لم أقطع رجائي منك) مع خوفي آخر أمري (بالحنان والمنان) لرفع عسري، (فأخرجتني بفضلك من دار الملامة فارحمني) برحمتك العامة وأدخلني دار السلامة (فيقول الله تبارك وتعالى: اشهدوا يا ملائكتي بأني رحمته أعطيته جنة فيها نعمة.

وقد ذكر عند الحسن البصري أن آخر من يخرج من النار رجل يقال له هناد وبعدما عذب ألف عام ينادي يا حنان يا منان فبكى الحسن البصري وقال: ليتني كنت هناد فتعجبوا منه فقال: ويحكم أليس يوماً يخرج في الجملة ولا يخلد فيها كذا في منهاج العابدين للغزالي.

وفي الشمائل للترمذي، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلَمُ أول رَجُلٍ يَدخُلُ الجَنَّةَ، وآخر رَجُلٍ يَخرُجُ مِنَ النَّارِ يُؤْتى بالرَّجُل يَوْمَ القِيَامة فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه ومحونا عنه كبارها فيقال: عملت يوم كذا وكذا وهو مقر لا ينكر وهو مشفق من كبارها فيقول أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة،

ص: 24