الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
ذكر إسناده عن عبد العزيز بن رُفيع
-ذكر إسناده عن عبد العزيز بن رُفيع بضم الراء، وفتح الفاء وسكون الياء، وهو الأسيدي المكي، سكن الكوفة، وهو من مشاهير التابعين، وثقاتهم، سمع ابن عباس، وأنس بن مالك، وأتى عليه نيف وتسعون سنة.
- حديث قدر
أبو حنيفة (عن عبد العزيز) أي المشار إليه (عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص) بضم الميم وفتح العين، سمع أباه، وعلي بن أبي طالب، وابن عمر.
وروى عنه سماك بن حرب، وغيره (عن أبيه) وهو أحد العشرة المبشرة بالجنة (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من نفس) أي من نفس بني آدم (إلا وقد كتب الله مدخلها) مكان دخولها، وزمانه وسائر شأنه من أول ولادته إلى انتهاء نشأته (ومخرجها) أي مكان خروجها، وزمانه، وهو منتهى أجله، ومقتضى علمه، ومنقطع عمله (وما هي لاقية) أي ملاقية فيما بعد الحالتين من ابتداء البعث إلى الأبد، سواء يكون من أهل الجنة، أو العقوبة، وفيه إيماء إلى قوله تعالى: {يَا أيُّها
الإِنسَانُ إنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} (1) والكدح، السعي (فقال رجل من الأنصار) ظناً منه أن العمل يوجب الثواب، ويقتضي العقاب في هذا الباب من غير ما سبق في هذا الكتاب (ففيم العمل إذاً) أي إذا كان الأمر مفروغاً إليه، وليس بمستأنف، مبني على خير العمل وشره (يا رسول الله) إيماء إلى أن هذا سؤال استفهام واستعلام لا إنكار، لما ورد من كلام (فقال: اعملوا) أي لا تتركوا العمل، فإنكم مأمورون بتحسين الأعمال وتزيين الأحوال (فكل ميسر) أي مسهل أو موفق (لما خلق) أي من الأعمال في الحال والاستقبال خيراً وشراً.
وهذا مجمل الكلام، وأما تفصيل المرام، فقوله (أهل الشقاوة فيسروا بعمل أهل الشقاوة) من الكفر والمعصية (وأما أهل السعادة فيسروا عمل أهل السعادة) أي من الإيمان والطاعة (فقال الأنصاري: الآن حق العمل) أي ثبت ظهور فائدة العمل، ونتيجة الأمل.
(وفي رواية: اعملوا، فكل ميسر) أي لعمل خاص (مَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الجَنَّة) أي في علم الله وكتابه (يُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهْلِ الجَنَّة، وَمَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ النَّارِ يُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهْلِ النَّار، فَقَال الأَنْصَارِيُّ: الآنَ حَقَّ العَملُ)، ولِهَذَا قَالَ ابْنُ عَطَاء
(1) الانشقاق 6.
فِي حُكْمِ: إذا أرَدْتَ أنْ تَعْرِفَ قَدَرَكَ عَنْهُ، فانْظُرْ فِيمَا ذَاكَ يُقَيِّمُكَ.
- الأعمال بالخواتيم
وقد ورد من أراد أن يعلم منزلته عنده، فلينظر كيف منزلة الله من قلبه.
وهذا معنى قول بعض السلف: اعرض نفسك على كتاب الله من قوله عز وجل: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ
…
وَإِنَّ الفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} (1) وهذا أمر مطرد كلي، وهو لا ينافي تخلف فرد جزئي بانقلاب بره فجوراً، وبانعكاس فجوره براً، فإن الأعمال بالخواتيم.
والحديث رواه الشيخان، عن علي كرم الله وجهه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة، قالوا يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا، وندع العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السعادةِ، ثم قرأ {فَأَمَّا مَنْ أعْطى وَاتّقَى
…
وَصَدَّقَ بِالْحُسِنَى} (2) الآية. وقد بسطت شرح هذا الحديث، وما قبله في المرقاة شرح المشكاة.
- تفريق النكاح
وبه (عن عبد العزيز، عن مجاهد، عن ابن عباس: أن امرأة توفي عنها زوجها) أي ولها ولد منه (ثم جاء عم ولدها) وهو أخو زوجها (فخطبها) أي هي تريده (فأبى الأب أن يزوجها) أي إياه، لأمر من الأهواء (وزوجها آخر) أي من
(1) الانفطار 13 - 14.
(2)
الليل 5 - 6.
خاطب غيره، وهي مكرهة (فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك) أي المذكور من حال الزوجين (له) أي للنبي صلى الله عليه وسلم (فبعث إلى أبيها) أي ليحضر (فحضر، فقال: ما تقول هذه) أي المرأة أكاذبة في قولها أم صادقة؟ (قال: صدقت) أي في مقالتها (ولكن زوجتها ممن هو خير منه) أي من عم ولدها، إما حسباً أو نسباً أو غيرهما (ففرق بينهما) أي بين المرأة والزوج الآخر (وزوجها عم ولدها).
(وفي رواية) أي أخرى (عن ابن عباس، أن أسماء) اسم امرأة (خطبها عم ولدها، ورجل آخر) أي أبيها متعلق بخطب (فزوجها) أي أبوها (من الرجل) أي الآخر (فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فاشتكت ذلك إليه) أي فرافعت خصومتها بين يديه (ضرعها من الرجل) إلى كله، ففسخها وفرقها، (وزوجها عم ولدها).
(وفي رواية) أي أخرى، عن ابن عباس، أو غيره (أن امرأة توفي زوجها فخطبها عم ولدها، فزوجها أبوها بغير رضاها من رجل آخر، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أزوجتها) أي بغير رضاها (قال: زوجتها
ممن هو خير منه) أي ممن تريده وتحبه (ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بينها وبينه، وزوجها من عم ولدها).
- الثيب أحق بنفسها من وليها
(وفي رواية، أن امرأة توفي عنها زوجها، ولها منه ولد، فخطبها عم ولدها، وأبى أبوها، فقالت: زوجنيه، فأبى، وزوجها غيره بغير رضى منها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك لهُ، فسأله) أي أباها (عن ذلك) أي إبائه (فقال: نعم، زوجتها من هو خير لها من عم ولدها، ففرق بينهما، وزوجها من عم ولدها) فهذا كله صريح في أن الثيب أحق بنفسها من وليها، ولو زوجها أبوها من كفء لها.
وفي صحيح مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك، في الموطأ: الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها، والأيم، بتشديد الياء المكسورة، من لا زوج لها بكراً كانت، أو ثيباً، وكذا لا يجوز إجبار البكر البالغة على النكاح عندنا، خلافاً للشافعي ومعنى الإجبار، أن يباشر العقد، فينفذ عليها، شاءت أو أبت.
ومبنى الخلاف، أن علة ثبوت ولاية الإجبار هو الصغر، أو البكارة فعندنا
الصغر، وعند الشافعي البكارة فابتنى عليه ما إذا زوج الأب الصغيرة، فدخل وطلقت قبل البلوغ، لم يجز للأب تزويجها عنده، حتى تبلغ، فشاور بعدم البكارة.
وعندنا له تزويجها لوجود الصغر.
والحاصل، أن الكلام هنا في الكبيرة، أعم من البكر والثيب، فيشترط رضاها، أما الثيب، فقد سبق ذكرها وهو متفق عليه، أما البكر ففي سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه، ومسند الإمام أحمد، من حديث ابن عباس، أن جارية بكراً أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، خيرها النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا حديث صحيح، كما صرح به ابن الهمام، قال ابن القطان، حديث ابن عباس هذا صحيح، وليست هذه خنساء بنت خزام، التي زوجها أبوها وهي ثيب، فكرهته، فرد النبي صلى الله عليه وسلم نكاحه، فإن هذه بكر، وتلك ثيب، انتهى.
على أنه روي أن خنساء أيضاً، كانت بكراً، أخرج النسائي في سننه حديثاً، وفيه أنها كانت بكراً، لكن رواية البخاري تترجح.
ويحتمل تعددها، قال ابن القطان: والدليل على أنهما يثبتان لهما الخيار، ما أخرج الدارقطني عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم رد نكاح ثيب وبكر، أنكحهما أبوهما وهما كارهتان.
- لا تسبوا الدهر
وبه (عن عبد العزيز، عن ابن قتادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر) أي خالقه ومصرفه في الخير والشر.
وفي النهاية كان من شأن العرب تذم الدهر، وتسبه عند النوازل والحوادث، ويقولون آباءهم، وقد ذكره والدهر عنهم في كتابه العزيز، لقوله تعالى:{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَاّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ ونَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إلَاّ الدَّهْرُ} (1) والدهر اسم للزمان
(1) المؤمنون 37.