الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ
4649 -
حَدَّثَنَا رَبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنُ ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «تَجَاوَزَ اللهُ لِي عَنْ أُمَّتِي ، الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقٍ ، أَوْ نِكَاحٍ ، أَوْ يَمِينٍ ، أَوْ إِعْتَاقٍ ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ حَتَّى فَعَلَهُ مُكْرَهًا ، أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ بَاطِلٌ ، لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِيمَا تَجَاوَزَ اللهُ فِيهِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أُمَّتِهِ ، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ ، فَقَالُوا: بَلْ يَلْزَمُهُ مَا حَلَفَ بِهِ فِي حَالِ الْإِكْرَاهِ ، مِنْ يَمِينٍ ، وَيَنْفُذُ عَلَيْهِ طَلَاقُهُ ، وَعَتَاقُهُ ، وَنِكَاحُهُ ، وَمُرَاجَعَتُهُ لِزَوْجَتِهِ الْمُطَلَّقَةِ ، إِنْ كَانَ رَاجَعَهَا. وَتَأَوَّلُوا فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، مَعْنًى غَيْرَ الْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلَهُ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى فَقَالُوا: إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الشِّرْكِ خَاصَّةً ، لِأَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ ، فِي دَارٍ كَانَتْ دَارَ كُفْرٍ ، فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا قَدَرُوا عَلَيْهِمْ ، اسْتَكْرَهُوهُمْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْكُفْرِ ، فَيُقِرُّونَ بِذَلِكَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ، قَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ بِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنه ، وَبِغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَرَضِيَ عَنْهُمْ ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106] وَرُبَّمَا سَهْوًا ، فَتَكَلَّمُوا بِمَا جَرَتْ عَلَيْهِ عَادَتُهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ، وَرُبَّمَا أَخْطَئُوا فَتَكَلَّمُوا بِذَلِكَ أَيْضًا ، فَتَجَاوَزَ اللهُ عز وجل لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ ، لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُخْتَارِينَ لِذَلِكَ ، وَلَا قَاصِدِينَ إِلَيْهِ.
⦗ص: 96⦘
وَقَدْ ذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله إِلَى هَذَا التَّفْسِيرِ أَيْضًا. حَدَّثَنَاهُ الْكَيْسَانِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ. فَالْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ هَذَا الْمَعْنَى ، وَيَحْتَمِلُ مَا قَالَ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى ، فَلَمَّا احْتَمَلَ ذَلِكَ ، احْتَجْنَا إِلَى كَشْفِ مَعَانِيهِ ، لِيَدُلَّنَا عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ، فَنَصْرِفُ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ إِلَيْهِ. فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ ، فَوَجَدْنَا الْخَطَأَ ، هُوَ مَا أَرَادَ الرَّجُلُ غَيْرَهُ ، فَفَعَلَهُ ، لَا عَنْ قَصْدٍ مِنْهُ إِلَيْهِ ، وَلَا إِرَادَةٍ مِنْهُ إِيَّاهُ ، وَكَانَ السَّهْوُ مَا قَصَدَ إِلَيْهِ ، فَفَعَلَهُ عَلَى الْقَصْدِ مِنْهُ إِلَيْهِ ، عَلَى أَنَّهُ سَاهٍ عَنِ الْمَعْنَى الَّذِي يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا نَسِيَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ لَهُ زَوْجَةً ، فَقَصَدَ إِلَيْهَا ، فَطَلَّقَهَا ، فَكُلٌّ قَدْ أَجْمَعَ أَنَّ طَلَاقَهُ عَامِلٌ وَلَمْ يُبْطِلُوا ذَلِكَ لِسَهْوِهِ ، وَلَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ السَّهْوُ فِي السَّهْوِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ فَإِذَا كَانَ السَّهْوُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ ، لَيْسَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الطَّلَاقِ وَالْأَيْمَانِ ، وَالْعَتَاقِ ، كَانَ كَذَلِكَ الِاسْتِكْرَاهُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ ، لَيْسَ فِيهِ أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَثَبَتَ بِذَلِكَ ، فَسَادُ قَوْلِ الَّذِينَ أَدْخَلُوا الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ وَالْأَيْمَانَ فِي ذَلِكَ. وَاحْتَجَّ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى أَيْضًا لِقَوْلِهِمْ ، بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
4650 -
حَدَّثَنَا يُونُسُ ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِي أَنَّهُ ، سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا ، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»
4651 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ. قَالُوا: فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ثَبَتَ أَنَّ عَمَلًا لَا يَنْفُذُ مِنْ طَلَاقٍ ، وَلَا عَتَاقٍ ، وَلَا غَيْرِهِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ مَعَهُ نِيَّةٌ فَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ لِلْآخَرِينَ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ إِلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ هَذَا الْمُخَالِفُ ، وَإِنَّمَا قَصَدَ بِهِ إِلَى الْأَعْمَالِ الَّتِي يَجِبُ بِهَا الثَّوَابُ. أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» يُرِيدُ ، مِنَ الثَّوَابِ ثُمَّ قَالَ:«فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» فَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا جَوَابًا لِسُؤَالٍ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَمَّا لِلْمُهَاجِرِ فِي عَمَلِهِ ، أَيْ: فِي هِجْرَتِهِ فَقَالَ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» حَتَّى أَتَى عَلَى الْكَلَامِ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالْأَيْمَانِ ، فِي شَيْءٍ
⦗ص: 97⦘
فَانْتَفَى هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَهْلِ الْمَقَالَةِ الَّتِي بَدَأْنَا بِذِكْرِهَا ، عَلَى أَهْلِ الْمَقَالَةِ الَّتِي ثَنَّيْنَا بِذِكْرِهَا وَكَانَ مِمَّا احْتَجَّ بِهِ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ لِقَوْلِهِمُ الَّذِي ذَكَرْنَا ، مَا
4652 -
حَدَّثَنَا فَهْدٌ ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ ، قَالَ: ثنا أَبُو الطُّفَيْلِ ، قَالَ: ثنا حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ ، قَالَ: مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلَّا أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي ، فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ ، فَقَالُوا: إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا فَقُلْنَا: مَا نُرِيدُ إِلَّا الْمَدِينَةَ فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَلَا نُقَاتِلُ مَعَهُ ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْنَاهُ فَقَالَ:«انْصَرِفَا مِنَ الْوَفَاءِ ، نَفِي - ضِدُّ الْغَدْرِ - لَهُمْ بِعُهُودِهِمْ ، وَنَسْتَعِينُ اللهَ عَلَيْهِمْ» .
4653 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ ، عَنِ الْوَلِيدِ ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ ، عَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي حُسَيْلٌ، وَنَحْنُ نُرِيدُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. قَالُوا: فَلَمَّا مَنَعَهُمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ حُضُورِ بَدْرٍ ، لِاسْتِحْلَافِ الْمُشْرِكِينَ الْقَاهِرِينَ لَهُمَا ، عَلَى مَا اسْتَحْلَفُوهُمَا عَلَيْهِ ، ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْحَلِفَ عَلَى الطَّوَاعِيَةِ وَالْإِكْرَاهِ سَوَاءٌ ، وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَهَذَا أَوْلَى مَا فُعِلَ فِي الْآثَارِ ، إِذَا وُقِفَ عَلَى مَعَانِي بَعْضِهَا أَنْ يُحْمَلَ مَا بَقِيَ مِنْهَا عَلَى مَا لَا يُخَالِفُ ذَلِكَ الْمَعْنَى ، مَتَى مَا قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ ، حَتَّى لَا تَضَادَّ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي الشِّرْكِ ، وَحَدِيثَ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه فِي الطَّلَاقِ وَالْأَيْمَانِ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَأَمَّا حُكْمُ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ ، فَإِنَّ فِعْلَ الرَّجُلِ مُكْرَهًا ، لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ إِذَا فَعَلَهُ مُكْرَهًا ، فِي حُكْمِ مَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَوْ يَكُونَ فِي حُكْمِ مَنْ فَعَلَهُ ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ ، مَا يَجِبُ عَلَيْهِ لَوْ فَعَلَهُ غَيْرَ مُسْتَكْرَهٍ. فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ ، فَرَأَيْنَاهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي الْمَرْأَةِ إِذَا أَكْرَهَهَا زَوْجُهَا وَهِيَ صَائِمَةٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ حَاجَّةٌ ، فَجَامَعَهَا ، أَنَّ حَجَّهَا يَبْطُلُ ، وَكَذَلِكَ صَوْمُهَا وَلَمْ يُرَاعُوا فِي ذَلِكَ الِاسْتِكْرَاهِ ، فَيُفَرِّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَاعِيَةِ ، وَلَا جُعِلَتِ الْمَرْأَةُ فِيهِ فِي حُكْمِ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا ، بَلْ قَدْ جُعِلَتْ فِي حُكْمِ مَنْ قَدْ فَعَلَ فِعْلًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ ، وَرُفِعَ عَنْهَا الْإِثْمُ فِي ذَلِكَ خَاصَّةً وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَكْرَهَ رَجُلًا عَلَى جِمَاعِ امْرَأَةٍ اضْطُرَّتْ إِلَى ذَلِكَ ، كَانَ الْمَهْرُ ، فِي النَّظَرِ ، عَلَى الْمُجَامِعِ ، لَا عَلَى الْمُكْرَهِ ، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ الْمُجَامِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ ، لِأَنَّ الْمُكْرَهَ لَمْ يُجَامِعْ ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ بِجِمَاعِهِ مَهْرٌ ، وَمَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ الْجِمَاعِ ، فَهُوَ عَلَى الْمُجَامِعِ ، لَا عَلَى غَيْرِهِ. فَلَمَّا ثَبَتَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَيْهَا مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْفَاعِلِ كَذَلِكَ فِي الطَّوَاعِيَةِ ، فَيُوجِبُونَ عَلَيْهِ فِيهَا مِنَ الْأَمْوَالِ ، مَا يَجِبُ عَلَى الْفَاعِلِ لَهَا فِي الطَّوَاعِيَةِ ، ثَبَتَ أَنَّهُ كَذَلِكَ الْمُطَلِّقُ وَالْمُعْتِقُ وَالْمُرَاجِعُ فِي الِاسْتِكْرَاهِ ، يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْفَاعِلِ ، فَيَلْزَمُ أَفْعَالَهُ كُلَّهَا.
⦗ص: 98⦘
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَلِمَ لَا أَجَزْتَ بَيْعَهُ وَإِجَارَتَهُ؟ قِيلَ لَهُ: إِنَّا قَدْ رَأَيْنَا الْبُيُوعَ وَالْإِجَارَاتِ ، قَدْ تُرَدُّ بِالْعُيُوبِ وَبِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ ، وَبِخِيَارِ الشَّرْطِ ، وَلَيْسَ النِّكَاحُ كَذَلِكَ ، وَلَا الطَّلَاقُ وَلَا الْمُرَاجَعَةُ وَلَا الْعِتْقُ. فَمَا كَانَ قَدْ تُنْقَضُ بِالْخِيَارِ لِلشُّرُوطِ فِيهِ وَبِالْأَسْبَابِ الَّتِي فِي أَصْلِهِ مِنْ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ وَالرَّدِّ بِالْعُيُوبِ ، نُقِضَ بِالْإِكْرَاهِ ، وَمَا لَا يَجِبُ نَقْضُهُ بِشَيْءٍ بَعْدَ ثُبُوتِهِ ، لَمْ يُنْقَضْ بِإِكْرَاهٍ وَلَا بِغَيْرِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ رحمهم الله، وَقَدْ رَأَيْنَا مِثْلَ هَذَا قَدْ جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ
4654 -
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ ، قَالَ: ثنا الْوُحَاظِيُّ ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ أَرْدَكَ أَنَّهُ سَمِعَ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ أَنَّهُ ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ ، النِّكَاحُ ، وَالطَّلَاقُ ، وَالرَّجْعَةُ» .
4655 -
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، قَالَ: ثنا الْخَصِيبُ ، وَأَسَدٌ ، قَالَا: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَرْدَكَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنِ ابْنِ مَاهَكَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ.
4656 -
حَدَّثَنَا فَهْدٌ ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي كَثِيرٍ الْأَنْصَارِيُّ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَرْدَكَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنِ ابْنِ مَاهَكَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ. فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٍّ» فَمَنَعَ النِّكَاحَ مِنَ الْبُطْلَانِ بَعْدَ وُقُوعِهِ ، وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْمُرَاجَعَةُ وَلَمْ نَرَ الْبُيُوعَ حُمِلَتْ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى ، بَلْ حُمِلَتْ عَلَى ضِدِّهِ ، فَجُعِلَ مَنْ بَاعَ لَاعِبًا ، كَانَ بَيْعُهُ بَاطِلًا ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَجَرَ لَاعِبًا ، كَانَتْ إِجَارَتُهُ بَاطِلَةً. فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ - عِنْدَنَا وَاللهُ أَعْلَمُ - إِلَّا لِأَنَّ الْبُيُوعَ وَالْإِجَارَاتِ ، مِمَّا يُنْقَضُ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي ذَكَرْنَا ، فَنُقِضَتْ بِالْهَزْلِ ، كَمَا نُقِضَتْ بِذَلِكَ. وَكَانَتِ الْأَشْيَاءُ الْأُخَرُ مِنَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالرَّجْعَةِ ، لَا يَبْطُلُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، فَجُعِلَتْ غَيْرَ مَرْدُودٍ بِالْهَزْلِ. فَكَذَلِكَ أَيْضًا فِي النَّظَرِ ، مَا كَانَ يُنْقَضُ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي ذَكَرْنَا ، نُقِضَ بِالْإِكْرَاهِ ، وَمَا كَانَ لَا يُنْقَضُ بِتِلْكَ الْأَسْبَابِ ، لَمْ يُنْقَضْ بِالْإِكْرَاهِ.
⦗ص: 99⦘
وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ