الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ التَّزْوِيجِ عَلَى سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ
4291 -
حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي قَدْ وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ. فَقَامَتْ قِيَامًا طَوِيلًا، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا إِيَّاهُ؟» فَقَالَ: مَا عِنْدِي إِلَّا إِزَارِي هَذَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِيَّاهُ ، جَلَسْتَ لَا إِزَارَ لَكَ ، فَالْتَمِسْ شَيْئًا» . فَقَالَ: لَا أَجِدُ شَيْئًا. قَالَ: «فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمَ حَدِيدٍ» . قَالَ: فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ؟» فَقَالَ: نَعَمْ ، سُورَةُ كَذَا ، وَسُورَةُ كَذَا. السُّوَرَ سَمَّاهَا.
⦗ص: 17⦘
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قَدْ زَوَّجْتُكَ بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» .
4292 -
حَدَّثَنَا رَبِيعٌ الْمُؤَذِّنُ قَالَ: ثنا أَسَدٌ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ سَهْلٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ:«قَدْ أَنْكَحْتُكَ مَعَ مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» .
4293 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ هِشَامٍ الرُّعَيْنِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ سَهْلٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ. قَالَ اللَّيْثُ: لَا يَجُوزُ هَذَا بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، أَنْ يُزَوَّجَ بِالْقُرْآنِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ التَّزْوِيجَ عَلَى سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ مُسَمَّاةٍ جَائِزٌ ، وَقَالُوا: مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهَا تِلْكَ السُّورَةَ ، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ ، فَقَالُوا: مَنْ تَزَوَّجَ عَلَى ذَلِكَ ، فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ ، وَهُوَ فِي حُكْمِ مَنْ لَمْ يُسَمِّ مَهْرًا ، فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ، إِنْ دَخَلَ بِهَا ، أَوْ مَاتَا ، أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا ، فَلَهَا الْمُتْعَةُ. وَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ لَهُمْ عَلَى أَهْلِ الْمَقَالَةِ الْأُولَى أَنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِ سَهْلٍ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«قَدْ زَوَّجْتُكَ عَلَى مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» أَنَّ حَمْلَ ذَلِكَ عَلَى الظَّاهِرِ ، وَكَذَلِكَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَقَالَةِ الْأُولَى فِي غَيْرِ هَذَا ، فَذَلِكَ عَلَى السُّورَةِ ، لَا عَلَى تَعْلِيمِهَا ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى السُّورَةِ ، فَهُوَ عَلَى حُرْمَتِهَا ، وَلَيْسَتْ مِنَ الْمَهْرِ فِي شَيْءٍ ، كَمَا تَزَوَّجَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ عَلَى إِسْلَامِهِ
4294 -
حَدَّثَنَا بِذَلِكَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: ثنا الْخَطَّابُ بْنُ عُثْمَانَ الْفَوْزِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ «أَبَا طَلْحَةَ تَزَوَّجَ أُمَّ سُلَيْمٍ عَلَى إِسْلَامِهِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَحَسَّنَهُ» فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْإِسْلَامُ مَهْرًا فِي الْحَقِيقَةِ ، وَإِنَّمَا مَعْنَى تَزَوَّجَهَا عَلَى إِسْلَامِهِ ، أَيْ تَزَوَّجَهَا لِإِسْلَامِهِ ، وَقَدْ زَادَ بَعْضُهُمْ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا: قَالَ أَنَسٌ: وَاللهِ مَا كَانَ لَهَا مَهْرٌ غَيْرُهُ. فَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَنَا وَاللهُ أَعْلَمُ ، أَيْ: مَا أَرَادَتْ مِنْهُ مَهْرًا غَيْرَهُ. فَكَذَلِكَ مَعْنَى حَدِيثِ سَهْلٍ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا. وَمِنَ الْحُجَّةِ لِأَهْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ عَلَى أَهْلِ الْمَقَالَةِ الْأُولَى، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ نَهَى أَنْ يُؤْكَلَ بِالْقُرْآنِ ، أَوْ يُتَعَوَّضَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا
4295 -
حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَادَةُ بْنُ نُسَيٍّ ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ ، عَنْ عُبَادَةَ قَالَ: كُنْتُ أُعَلِّمُ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الْقُرْآنَ ، فَأَهْدَى إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْسًا ، عَلَى أَنْ أَقْبَلَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يُطَوِّقَكَ اللهُ بِهَا طَوْقًا مِنَ النَّارِ ، فَاقْبَلْهَا»
4296 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَامٍ ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ ، عَنْ أَبِي رَاشِدٍ الْحُبْرَانِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَغْلُوا فِيهِ ، وَلَا تَجْفُوا عَنْهُ ، وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ ، وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ
4297 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ: مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثنا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. ح
4298 -
وَحَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: ثنا أَبُو سَلَمَةَ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: ثنا أَبَانُ قَالَ: ثنا يَحْيَى قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي حَدِيثِهِ ، عَنْ زَيْدٍ ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: ثنا زَيْدٌ ثُمَّ اجْتَمَعَا جَمِيعًا فَقَالَا: عَنْ أَبِي سَلَامٍ ، عَنْ أَبِي رَاشِدٍ الْحُبْرَانِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ:«اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَغْلُوا فِيهِ وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ» . فَحَظَرَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَعَوَّضُوا بِالْقُرْآنِ شَيْئًا مِنْ عِوَضِ الدُّنْيَا. فَعَارَضَ ذَلِكَ مَا حَمَلَ عَلَيْهِ الْمُخَالِفُ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ، لَوْ ثَبَتَ أَنَّ مَعْنَاهُ كَذَلِكَ ، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ ، إِذْ كَانَ يَحْتَمِلُ تَأْوِيلُهُ بِمَا وَصَفْنَا. وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَيْضًا مَعْنًى آخَرَ ، وَهُوَ أَنَّ اللهَ عز وجل أَبَاحَ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مِلْكَ الْبُضْعِ بِغَيْرِ صَدَاقٍ ، وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ قَالَ اللهُ عز وجل:{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50] فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ كَانَ مِمَّا خَصَّهُ اللهُ عز وجل بِهِ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُمَلِّكَ غَيْرَهُ مَا كَانَ لَهُ تَمَلُّكُهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ خَاصًّا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا قَالَ اللَّيْثُ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: قَدْ وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ. فَقَامَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ ، فَزَوِّجْنِيهَا. فَكَانَ هَذَا مَا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَاوَرَهَا فِي نَفْسِهَا ، وَلَا أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ زَوِّجْنِي مِنْهُ. فَدَلَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ تَزْوِيجُهُ إِيَّاهَا مِنْهُ لَا بِقَوْلٍ تَأْتِي بِهِ بَعْدَ قَوْلِهَا: قَدْ وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ ، وَإِنَّمَا هُوَ بِقَوْلِهَا الْأَوَّلِ وَلَمْ تَكُ قَالَتْ لَهُ، قَدْ جَعَلْتُ لَكَ أَنْ تَهَبَنِي لِمَنْ شِئْتَ ، بِالْهِبَةِ الَّتِي لَا تُوجِبُ مَهْرًا جَازَ النِّكَاحُ، وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ الْهِبَةَ خَالِصَةٌ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ اخْتِصَاصِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُ بِهَا دُونَ الْمُؤْمِنِينَ.
⦗ص: 19⦘
غَيْرَ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا {خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50] أَيْ: بِلَا مَهْرٍ ، وَجَعَلُوا الْهِبَةَ نِكَاحًا لِغَيْرِهِ ، يُوجِبُ الْمَهْرَ وَقَالَ آخَرُونَ {خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50] أَيْ أَنَّ الْهِبَةَ تَكُونُ لَكَ نِكَاحًا ، وَلَا تَكُونُ نِكَاحًا لِغَيْرِكَ. فَلَمَّا كَانَتِ الْمَرْأَةُ الْمَذْكُورُ أَمْرُهَا فِي حَدِيثِ سَهْلٍ ، مَنْكُوحَةً بِهِبَتِهَا نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ النِّكَاحَ خَاصٌّ كَمَا قَالَ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى ذَلِكَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَ مَا ذَكَرْنَا فِي الْحَدِيثِ سُؤَالٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لَهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يُنْقَلْ إِلَيْنَا فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ. قِيلَ لَهُ: وَكَذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ، قَدْ جَعَلَ لَهَا مَهْرًا غَيْرَ السُّورَةِ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يُنْقَلْ إِلَيْنَا فِي الْحَدِيثِ فَإِنْ حَمَلَتِ الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ عَلَى مَا تَذْهَبُ إِلَيْهِ أَنْتَ ، لَزِمَكَ مَا ذَكَرْنَا ، مِنْ أَنَّ ذَلِكَ النِّكَاحَ كَانَ بِالْهِبَةِ الَّتِي وَصَفْنَا. وَإِنْ حَمَلَتْ ذَلِكَ عَلَى التَّأْوِيلِ عَلَى مَا وَصَفْتُ ، فَلِغَيْرِكَ أَنْ يُحَمِّلَهُ أَيْضًا مِنَ التَّأْوِيلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، ثُمَّ لَا تَكُونُ أَنْتَ بِتَأْوِيلِكَ أَوْلَى مِنْهُ بِتَأْوِيلِهِ. فَهَذَا وَجْهُ هَذَا الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ تَصْحِيحِ مَعَانِي الْآثَارِ. وَأَمَّا وَجْهُهُ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ ، فَإِنَّا قَدْ رَأَيْنَا النِّكَاحَ إِذَا وَقَعَ عَلَى مَهْرٍ مَجْهُولٍ ، لَمْ يَثْبُتِ الْمَهْرُ ، وَرُدَّ حُكْمُ الْمَرْأَةِ إِلَى حُكْمِ مَنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا ، فَاحْتِيجَ إِلَى أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ مَعْلُومًا ، كَمَا تَكُونُ الْأَثْمَانُ فِي الْبِيَاعَاتِ مَعْلُومَةً ، وَكَمَا تَكُونُ الْأُجْرَةُ فِي الْإِجَارَاتِ مَعْلُومَةً. وَكَانَ الْأَصْلُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ ، أَنَّ رَجُلًا لَوِ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهُ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ سَمَّاهَا بِدِرْهَمٍ ، لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ لَوِ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهُ شِعْرًا بِعَيْنِهِ بِدِرْهَمٍ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ جَائِزٍ أَيْضًا ، لِأَنَّ الْإِجَارَاتِ لَا تَجُوزُ إِلَّا عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ. إِمَّا عَلَى عَمَلٍ بِعَيْنِهِ ، مِثْلِ غَسْلِ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ ، أَوْ عَلَى خِيَاطَتِهِ ، أَوْ عَلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ مَعْلُومًا ، أَوِ الْعَمَلُ مَعْلُومًا. وَكَانَ إِذَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَى تَعْلِيمِ سُورَةٍ ، فَتِلْكَ إِجَارَةٌ لَا عَلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ ، وَلَا عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ ، إِنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهُ ذَلِكَ ، وَقَدْ يَتَعَلَّمُ بِقَلِيلِ التَّعْلِيمِ وَبِكَثِيرِهِ ، وَفِي قَلِيلِ الْأَوْقَاتِ وَكَثِيرِهَا. وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ دَارِهِ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهُ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ ، لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ ، لِلْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْإِجَارَاتِ. فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي الْإِجَارَاتِ وَالْبِيَاعَاتِ ، وَقَدْ وَصَفْنَا أَنَّ الْمَهْرَ لَا يَجُوزُ عَلَى أَمْوَالٍ وَلَا عَلَى مَنَافِعَ ،
⦗ص: 20⦘
إِلَّا عَلَى مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ ، وَكَانَ التَّعْلِيمُ لَا تُمْلَكُ بِهِ الْمَنَافِعُ وَلَا أَعْيَانُ الْأَمْوَالِ ، ثَبَتَ بِالنَّظَرِ عَلَى ذَلِكَ أَنْ لَا يُمْلَكَ بِهِ الْأَبْضَاعُ. فَهَذَا هُوَ النَّظَرُ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ