الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5443 -
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، فَإِنَّهُ ثنا مَالِكُ بْنُ يَحْيَى ، قَالَ: ثنا أَبُو النَّضْرِ ، قَالَ: ثنا الْأَشْجَعِيُّ ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ سَهْمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْخُمُسِ ، هُوَ خُمُسُ الْخُمُسِ ، وَمَا بَقِيَ فَلِهَذِهِ الطَّبَقَاتِ الَّتِي سَمَّى اللهُ ، وَالْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهِ
كِتَابُ الْحُجَّةِ فِي فَتْحِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ عَنْوَةً قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، صَالَحَ أَهْلَ مَكَّةِ قَبْلَ افْتِتَاحِهِ إِيَّاهَا ، ثُمَّ افْتَتَحَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ، فَقَالَ قَوْمٌ: كَانَ افْتِتَاحُهُ إِيَّاهَا بَعْدَ أَنْ نَقَضَ أَهْلُ مَكَّةَ الْعَهْدَ وَخَرَجُوا مِنَ الصُّلْحِ ، فَافْتَتَحَهَا
يَوْمَ افْتَتَحَهَا وَهِيَ دَارُ حَرْبٍ ، لَا صُلْحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهَا ، وَلَا عَقْدَ وَلَا عَهْدَ ، وَمِمَّنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ: أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، وَسُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ ، وَأَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رحمهم الله، وَقَالَ قَوْمٌ: بَلِ افْتَتَحَهَا صُلْحًا ،
ثُمَّ احْتَجَّ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْ هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ لِقَوْلِهِ ، مِنَ الْآثَارِ بِمَا سَنُبَيِّنُهُ فِي كِتَابِي هَذَا ، وَنَذْكُرُ مَعَ ذَلِكَ ، صِحَّةَ مَا احْتَجَّ بِهِ أَوْ فَسَادَهُ ، إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى ، وَكَانَ حُجَّةُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم افْتَتَحَهَا صُلْحًا ، أَنْ قَالَ: أَمَّا الصُّلْحُ فَقَدْ كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ ، فَأَمِنَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُ وَمِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، مِنَ الْفَرِيقِ الْآخِرِ ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فِي ذَلِكَ ، مَا يُوجِبُ نَقْضَ الصُّلْحِ ، وَإِنَّمَا كَانَ بَنُو نُفَاثَةَ ، وَهُمْ غَيْرٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، قَاتَلُوا خُزَاعَةَ ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ذَلِكَ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَثَبَتَ بَقِيَّةُ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى صُلْحِهِمْ ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِهِمُ الَّذِي عَاهَدُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَتْ بَنُو نُفَاثَةَ ، وَمَنْ تَابَعَهُمْ ، عَلَى مَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ مِنَ الصُّلْحِ ، وَثَبَتَ بَقِيَّةُ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى الصُّلْحِ الَّذِي كَانُوا صَالَحُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالُوا: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا افْتَتَحَهَا ، لَمْ يَقْسِمْ فِيهَا فَيْئًا ، وَلَمْ يَسْتَعْبِدْ فِيهَا أَحَدًا ، وَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ لِمُخَالِفِهِمْ ، أَنَّ عِكْرِمَةَ ، مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ، وَمُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ ، وَعَلَيْهِمَا يَدُورُ أَكْثَرُ أَخْبَارِ الْمَغَازِي ، قَدْ رُوِيَ عَنْهُمَا مَا يَدُلُّ عَلَى خُرُوجِ أَهْلِ مَكَّةَ مِنَ الصُّلْحِ الَّذِي كَانُوا صَالَحُوا عَلَيْهِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِأَحْدَاثٍ أَحْدَثُوهَا
5444 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، قَالَ: " لَمَّا وَادَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ مَكَّةَ ، وَكَانَتْ خُزَاعَةُ حُلَفَاءَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَكَانَتْ بَنُو بَكْرٍ حُلَفَاءَ قُرَيْشٍ ، فَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي صُلْحِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَدَخَلَتْ بَنُو بَكْرٍ فِي صُلْحِ قُرَيْشٍ ، فَكَانَ بَيْنَ خُزَاعَةَ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ بَعْدُ قِتَالٌ ، فَأَمَدَّهُمْ قُرَيْشٌ بِسِلَاحٍ وَطَعَامٍ ، وَظَلَّلُوا عَلَيْهِمْ ، وَظَهَرَتْ بَنُو بَكْرٍ عَلَى خُزَاعَةَ ، فَقَتَلُوا فِيهِمْ ، فَخَافَتْ قُرَيْشٌ أَنْ يَكُونُوا عَلَى قَوْمٍ قَدْ نَقَضُوا ، فَقَالُوا لِأَبِي سُفْيَانَ: اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَأَجِدَّ الْحِلْفَ ، وَأَصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ وَأَنْ لَيْسَ فِي قَوْمٍ ظَلَّلُوا عَلَى قَوْمٍ وَأَمَدُّوهُمْ بِسِلَاحٍ وَطَعَامٍ مَا إِنْ يَكُونُوا نَقَضُوا ، فَانْطَلَقَ أَبُو سُفْيَانَ وَسَارَ ، حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: قَدْ جَاءَكُمْ أَبُو سُفْيَانَ ، وَسَيَرْجِعُ رَاضِيًا بِغَيْرِ حَاجَةٍ ، فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَجِدَّ الْحِلْفَ وَأَصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ أَوْ بَيْنَ قَوْمِكَ ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه الْأَمْرُ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَإِلَى رَسُولِهِ ، وَقَدْ قَالَ فِيمَا قَالَ لَهُ بِأَنْ لَيْسَ فِي قَوْمٍ ظَلَّلُوا عَلَى قَوْمٍ وَأَمَدُّوهُمْ بِسِلَاحٍ وَطَعَامٍ ، مَا إِنْ يَكُونُوا نَقَضُوا ، قَالَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: الْأَمْرُ إِلَى اللهِ عز وجل ، وَإِلَى رَسُولِهِ ، قَالَ: ثُمَّ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَذَكَرَ لَهُ نَحْوًا مِمَّا ذَكَرَ لِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه ،
⦗ص: 313⦘
فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: أَنَقَضْتُمْ؟ فَمَا كَانَ مِنْهُ جَدِيدًا ، فَأَبْلَاهُ اللهُ تَعَالَى ، وَمَا كَانَ مِنْهُ شَدِيدًا ، أَوْ قَالَ مَتِينًا ، فَقَطَعَهُ اللهُ تَعَالَى ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَمَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ شَاهِدَ عَشَرَةٍ ، ثُمَّ أَتَى فَاطِمَةَ رضي الله عنها ، فَقَالَ لَهَا: يَا فَاطِمَةُ ، هَلْ لَكِ فِي أَمْرٍ تَسُودِينَ فِيهِ نِسَاءَ قَوْمِكَ ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهَا نَحْوًا مِمَّا قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: فَتُجَدِّدِينَ الْحِلْفَ ، وَتُصْلِحِينَ بَيْنَ النَّاسِ ، فَقَالَتْ رضي الله عنها: لَيْسَ إِلَّا إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ ، قَالَ: ثُمَّ أَتَى عَلِيًّا رضي الله عنه ، فَقَالَ لَهُ نَحْوًا مِمَّا قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه ، فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رَجُلًا أَصِلُ ، أَنْتَ سَيِّدُ النَّاسِ فَأَجِدَّ الْحِلْفَ وَأَصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ ، فَضَرَبَ أَبُو سُفْيَانَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى وَقَالَ قَدْ أَخَذْتُ بَيْنَ النَّاسِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ ، قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى قَدِمَ ، وَاللهِ مَا أَتَيْتنَا بِحَرْبٍ فَيَحْذَرُ ، وَلَا أَتَيْتنَا بِصُلْحٍ فَيَأْمَنُ ، ارْجِعِ ارْجِعْ ، قَالَ وَقَدِمَ وَفْدُ خُزَاعَةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بِمَا صَنَعَ الْقَوْمُ ، وَدَعَاهُ بِالنُّصْرَةِ وَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ:
[البحر الرجز]
لَاهُمَّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدَا
…
حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا
وَالِدًا كُنَّا وَكُنْتَ وَلَدَا
…
إِنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوكَ الْمَوْعِدَا
وَنَقَضُوا مِيثَاقَكَ الْمُؤَكَّدَا
…
وَجَعَلُوا لِي بِكَدَاءَ رُصَّدَا
وَزَعَمُوا أَنْ لَسْتَ تَدْعُوَا أَحَدَا
…
وَهُمْ أَذَلُّ وَأَقَلُّ عَدَدَا
وَهُمْ أَتَوْنَا بِالْوَتِيرِ هُجَّدَا
…
نَتْلُوا الْقُرْآنَ رُكَّعًا وَسُجَّدَا
ثَمَّتَ أَسْلَمْنَا وَلَمْ نَنْزِعْ يَدَا
…
فَانْصُرْ رَسُولَ اللهِ نَصْرًا أَعْتَدَا
وَابْعَثْ جُنُودَ اللهِ تَأْتِي مَدَدَا
…
فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَأْتِي مُزْبِدَا
فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ قَدْ تَجَرَّدَا
…
إِنْ سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبَّدَا
قَالَ حَمَّادٌ: هَذَا الشَّعْرُ بَعْضُهُ عَنْ أَيُّوبَ ، وَبَعْضُهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَازِمٍ ، وَأَكْثَرُهُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ أَيُّوبَ ، " عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: مَا قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رضي الله عنه:
[البحر الطويل]
أَتَانِي وَلَمْ أَشْهَدْ بِبَطْحَاءِ مَكَّةَ
…
رِجَالَ بَنِي كَعْبٍ تُحَزُّ رِقَابُهَا
وَصَفْوَانُ عَوْدٍ خَرَّ مِنْ وَدْقِ اسْتِهِ
…
فَذَاكَ أَوَانُ الْحَرْبِ حَانَ غِضَابُهَا
فَيَا
⦗ص: 314⦘
لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لَنَا مَرَّةً
…
سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو حَوْلَهَا وَعِقَابُهَا
قَالَ: فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالرَّحِيلِ فَارْتَحَلُوا فَسَارُوا ، حَتَّى نَزَلُوا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ ، قَالَ: وَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى نَزَلَ لَيْلًا ، فَرَأَى الْعَسْكَرَ وَالنِّيرَانَ ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قِيلَ: هَذِهِ تَمِيمٌ ، أَمْحَلَتْ بِلَادُهَا فَانْتَجَعَتْ بِلَادَكُمْ ، قَالَ: هَؤُلَاءِ وَاللهِ أَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ مِنًى ، أَوْ مِثْلُ أَهْلِ مِنًى ، فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَنَكَّرَ وَقَالَ: دُلُّونِي عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَأَتَى الْعَبَّاسَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ وَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَأَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي قُبَّةٍ لَهُ فَقَالَ يَا أَبَا سُفْيَانَ ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ قَالَ: وَكَيْفَ أَصْنَعُ بِاللَّاتَ وَالْعُزَّى "؟ قَالَ أَيُّوبُ:
5445 -
حَدَّثَنِي أَبُو الْخَلِيلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رحمه الله قَالَ: " قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ التِّيهِ مَا قُلْتُهَا أَبَدًا ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: عُمَرُ رضي الله عنه ، فَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ فَانْطَلَقَ بِهِ الْعَبَّاسُ ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا ، ثَارَ النَّاسُ لِظُهُورِهِمْ ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا أَبَا الْفَضْلِ ، مَا لِلنَّاسِ أُمِرُوا فِي شَيْءٍ؟ قَالَ: فَقَالَ: لَا ، وَلَكِنَّهُمْ قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ فَأَمَرَهُ فَتَوَضَّأَ ، وَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ،
⦗ص: 315⦘
فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ ، كَبَّرَ ، فَكَبَّرَ النَّاسُ ، ثُمَّ رَكَعَ فَرَكَعُوا ، ثُمَّ رَفَعَ فَرَفَعُوا ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ طَاعَةَ قَوْمٍ جَمَعَهُمْ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، وَلَا فَارِسَ الْأَكَارِمَ وَلَا الرُّومَ ذَاتَ الْقُرُونِ بِالطَّوْعِ مِنْهُمْ " ، قَالَ حَمَّادٌ: وَزَعَمَ يَزِيدُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا أَبَا الْفَضْلِ أَصْبَحَ ، وَاللهِ ، ابْنُ أَخِيكَ عَظِيمَ الْمُلْكِ ، قَالَ: لَيْسَ بِمُلْكٍ وَلَكِنَّهَا نُبُوَّةٌ ، قَالَ: أَوْ ذَاكَ أَوْ ذَاكَ " قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةِ قَالَ: فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ ، قَالَ:" فَقَالَ الْعَبَّاسُ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللهِ ، لَوْ أَذِنْتَ لِي فَأَتَيْتُ أَهْلَ مَكَّةَ فَدَعَوْتُهُمْ وَأَمَّنْتُهُمْ ، وَجَعَلْتُ لِأَبِي سُفْيَانَ شَيْئًا يُذْكَرُ بِهِ ، قَالَ: فَانْطَلَقَ فَرَكِبَ بَغْلَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الشَّهْبَاءَ ، وَانْطَلَقَ ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «رُدُّوا عَلَيَّ أَبِي ، رُدُّوا عَلَيَّ أَبِي ، إِنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَفْعَلَ بِكَ قُرَيْشٌ ، كَمَا فَعَلَتْ ثَقِيفٌ بِعُرْوَةِ بْنِ مَسْعُودٍ ، دَعَاهُمْ إِلَى اللهِ فَقَتَلُوهُ ، أَمَا وَاللهِ لَئِنْ رَكِبُوهَا مِنْهُ ، لَأُضْرِمَنَّهَا عَلَيْهِمْ نَارًا» قَالَ: فَانْطَلَقَ الْعَبَّاسُ رضي الله عنه: فَقَالَ يَا أَهْلَ مَكَّةَ ، أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا ، فَقَدِ اسْتَبْطَنْتُمْ بِأَشْهَبَ بَازِلٍ ، قَالَ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ الزُّبَيْرَ مِنْ قِبَلِ أَعْلَى مَكَّةَ ، وَبَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ مِنْ قِبَلِ أَسْفَلِ مَكَّةَ ، قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ: هَذَا الزُّبَيْرُ مِنْ قِبَلِ أَعْلَى مَكَّةَ ، وَهَذَا خَالِدٌ مِنْ قِبَلِ أَسْفَلِ مَكَّةَ ، وَخَالِدٌ وَمَا خَالِدٌ ، وَخُزَاعَةُ مُجَدَّعَةُ الْأُنُوفِ ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ ، ثُمَّ قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، فَتَرَامَوْا بِشَيْءٍ مِنَ النَّبْلِ ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَأَمَّنَ النَّاسَ إِلَّا خُزَاعَةَ عَنْ بَنِي بَكْرٍ ، وَذَكَرَ أَرْبَعَةً ، مِقْيَسَ بْنَ ضَبَابَةَ ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي سَرْحٍ ، وَابْنَ خَطَلٍ ، وَسَارَةَ مَوْلَاةَ بَنِي هَاشِمٍ "، قَالَ حَمَّادٌ: سَارَةُ فِي حَدِيثِ أَيُّوبَ ، أَوْ فِي حَدِيثِ غَيْرِهِ ، قَالَ: " فَقَاتَلَهُمْ خُزَاعَةُ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ ، فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ} [التوبة: 13] إِلَى قَوْلِهِ عز وجل {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: 14] قَالَ: خُزَاعَةُ ، {وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} [التوبة: 15]
5446 -
حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، قَالَ: ثنا يُوسُفُ بْنُ بُهْلُولٍ ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ إِسْحَاقَ ، يَقُولُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ ، وَغَيْرُهُ ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ صَالَحَ قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنَّهُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعَهْدِهِ دَخَلَ فِيهِ ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ دَخَلَ فِيهِ ، فَتَوَاثَبَتْ خُزَاعَةُ وَبَنُو كَعْبٍ وَغَيْرُهُمْ مَعَهُمْ ، فَقَالُوا: نَحْنُ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعَهْدِهِ ،
⦗ص: 316⦘
وَتَوَاثَبَتْ بَنُو بَكْرٍ ، فَقَالُوا: نَحْنُ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ ، وَقَامَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الْوَفَاءِ بِذَلِكَ سَنَةً وَبَعْضَ سَنَةٍ ، ثُمَّ إِنَّ بَنِي بَكْرٍ عَدَوْا عَلَى خُزَاعَةَ ، عَلَى مَا لَهُمْ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ ، فَقَالَ لَهُ الزُّبَيْرُ: بَيَّتُوهُمْ فِيهِ ، فَأَصَابُوا مِنْهُمْ رَجُلًا وَتَجَاوَزَ الْقَوْمُ فَاقْتَتَلُوا ، وَرَفَدَتْ قُرَيْشٌ بَنِي بَكْرٍ بِالسِّلَاحِ وَقَاتَلَ مَعَهُمْ مَنْ قَاتَلَ مِنْ قُرَيْشٍ بِالنَّبْلِ مُسْتَخْفِيًا ، حَتَّى جَاوَزُوا خُزَاعَةَ إِلَى الْحَرَمِ ، وَقَائِدُ بَنِي بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ ، نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى الْحَرَمِ قَالَتْ بَنُو بَكْرٍ: يَا نَوْفَلُ إِلَهَكَ إِلَهَكَ ، إِنَّا قَدْ دَخَلْنَا الْحَرَمَ ، فَقَالَ كَلِمَةً عَظِيمَةً: لَا إِلَهَ لَهُ الْيَوْمَ يَا بَنِي بَكْرٍ ، أَصِيبُوا ثَأْرَكُمْ ، قَدْ كَانَتْ خُزَاعَةُ أَصَابَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ نَفَرًا ثَلَاثَةً ، وَهُمْ مُتَحَرِّفُونَ ، دُوَيْبًا ، وَكُلْثُومًا ، وَسُلَيْمَانَ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ يَعْمُرَ ، فَلَعَمْرِي يَا بَنِي بَكْرٍ ، إِنَّكُمْ تَسْرِقُونَ فِي الْحَرَمِ ، أَفَلَا تُصِيبُونَ ثَأْرَكُمْ فِيهِ؟ قَالَ: وَقَدْ كَانُوا أَصَابُوا مِنْهُمْ رَجُلًا لَيْلَةَ بَيَّتُوهُمْ بِالْوَتِيرِ ، وَمَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ مُنَبِّهٌ رَجُلًا مُفْرَدًا فَخَرَجَ هُوَ وَتَمِيمٌ ، فَقَالَ مُنَبِّهٌ: يَا تَمِيمُ ، انْجُ بِنَفْسِكَ ، فَأَمَّا أَنَا ، فَوَاللهِ إِنِّي لَمَيِّتٌ ، قَتَلُونِي أَوْ لَمْ يَقْتُلُونِي ، فَانْطَلَقَ تَمِيمٌ فَأُدْرِكَ مُنَبِّهٌ فَقَتَلُوهُ وَأَفْلَتَ تَمِيمٌ ، فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ ، لَحِقَ إِلَى دَارِ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ ، وَدَارِ رَافِعٍ مَوْلًى لَهُمْ ، وَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ ، حَتَّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَوَقَفَ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ عَمْرٌو:
[البحر الرجز]
لَاهُمَّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدَا
…
حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا
وَالِدًا كُنَّا وَكُنْتَ وَلَدَا
…
ثُمَّةَ أَسْلَمْنَا فَلَمْ نَنْزِعْ يَدَا
فَانْصُرْ رَسُولَ اللهِ نَصْرًا أَعْتَدَا
…
وَادْعُ عِبَادَ اللهِ يَأْتُوا مَدَدَا
فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ قَدْ تَجَرَّدَا
…
إِنْ سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبَّدَا
فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَأْتِي مُزْبِدَا
…
إِنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوكَ الْمَوْعِدَا
وَنَقَضُوا مِيثَاقَكَ الْمُؤَكَّدَا
…
وَجَعَلُوا لِي فِي كَدَاءَ رُصَّدَا
وَزَعَمُوا أَنْ لَسْتُ أَدْعُو أَحَدًا
…
وَهُمْ أَذَلُّ وَأَقَلُّ عَدَدَا
هُمْ بَيَّتُونَا بِالْوَتِيرِ هُجَّدَا
…
فَقَتَلُونَا رُكَّعًا وَسُجَّدَا
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ نَصَرْتُ بَنِي كَعْبٍ ، ثُمَّ خَرَجَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ فِي نَفَرٍ مِنْ خُزَاعَةَ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ فَأَخْبَرُوهُ بِمَا أُصِيبَ مِنْهُمْ وَقَدْ رَجَعُوا ،
⦗ص: 317⦘
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: كَأَنَّكُمْ بِأَبِي سُفْيَانَ قَدْ قَدِمَ لِيَزِيدَ فِي الْعَهْدِ ، وَيَزِيدَ فِي الْمُدَّةِ " ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوًا مِمَّا فِي حَدِيثِ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي طَلَبِ أَبِي سُفْيَانَ الْجَوَابَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ ، وَمِنْ عُمَرَ ، وَمِنْ عَلِيٍّ ، وَمِنْ فَاطِمَةَ رِضْوَانُ اللهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ، وَجَوَابِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَهُ بِمَا أَجَابَهُ فِي ذَلِكَ ، عَلَى مَا فِي حَدِيثِ أَيُّوبَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ خَبَرَ أَبِي سُفْيَانَ مَعَ الْعَبَّاسِ رضي الله عنه ، وَلَا أَمَانَ الْعَبَّاسِ إِيَّاهُ وَلَا إِسْلَامَهُ ، وَلَا بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ الصُّلْحَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ ، دَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي صُلْحِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلْحِلْفِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ ، وَدَخَلَتْ بَنُو بَكْرٍ فِي صُلْحِ قُرَيْشٍ ، لِلْحِلْفِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ ، فَصَارَ حُكْمُ حُلَفَاءِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمِنْ قُرَيْشٍ فِي الصُّلْحِ ، كَحُكْمِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَحُكْمِ قُرَيْشٍ ، وَكَانَ بَيْنَ حُلَفَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ حُلَفَاءِ قُرَيْشٍ مِنَ الْقِتَالِ ، مَا كَانَ ، فَكَانَ ذَلِكَ نَقْضًا مِنْ حُلَفَاءِ قُرَيْشٍ لِلصُّلْحِ الَّذِي كَانُوا دَخَلُوا فِيهِ ، وَخُرُوجًا مِنْهُمْ بِذَلِكَ مِنْهُ ، فَصَارُوا بِذَلِكَ ، حَرْبًا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ رضي الله عنهم ، ثُمَّ أَمَدَّتْ قُرَيْشٌ حُلَفَاءَهَا هَؤُلَاءِ بِمَا قَوَّوْهُمْ بِهِ عَلَى قِتَالِ خُزَاعَةَ ، حَتَّى قُتِلَ مِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ وَقَدْ كَانَ الصُّلْحُ مَنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ ، فَكَانَ فِيمَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ ، نَقْضًا لِلْعَهْدِ ، وَخُرُوجًا مِنَ الصُّلْحِ ، فَصَارَتْ قُرَيْشٌ بِذَلِكَ ، حَرْبًا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلِأَصْحَابِهِ ، فَقَالَ الْآخَرُونَ: وَكَيْفَ يَكُونُ بِمَا ذَكَرْتُمْ كَمَا وَصَفْتُمْ ، وَقَدْ رَوَيْتُمْ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ وَفَدَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ بَعْدَ أَنْ كَانَ بَيْنَ بَنِي بَكْرٍ وَبَيْنَ خُزَاعَةَ مِنَ الْقِتَالِ مَا كَانَ ، وَبَعْدَ أَنْ كَانَ مِنْ قُرَيْشٍ لِبَنِي بَكْرٍ مِنَ الْمَعُونَةِ لَهُمْ مَا كَانَ عَلِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَوْضِعِهِ ، فَلَمْ يَصِلْهُ وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ فِي أَمَانِهِ عَلَى حَالِهِ ، غَيْرَ خَارِجٍ مِنْهُ مِمَّا كَانَ مِنْ بَنِي بَكْرٍ فِي قِتَالِ خُزَاعَةَ ، وَمَا كَانَ مِنْ قُرَيْشٍ فِي مَعُونَةِ بَنِي بَكْرٍ بِمَا أَعَانُوهُمْ بِهِ مِنَ الطَّعَامِ وَالسِّلَاحِ وَالتَّظْلِيلِ ، غَيْرِ نَاقِضٍ لِأَمَانِهِ بِصُلْحِهِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرَ مُخْرِجٍ لَهُ مِنْهُ ، فَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ لِلْآخَرِينَ أَنَّ تَرْكَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم التَّعَرُّضَ لِأَبِي سُفْيَانَ ، لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ الصُّلْحَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ قَائِمٌ ، وَلَكِنَّهُ تَرَكَهُ ، لِأَنَّهُ كَانَ وَافِدًا إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، طَالِبًا الصُّلْحَ الثَّانِيَ ، سِوَى الصُّلْحِ الْأَوَّلِ ، لِانْتِقَاضِ الصُّلْحِ الْأَوَّلِ ، فَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلٍ وَلَا غَيْرِهِ ، لِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الرُّسُلِ أَنْ لَا يُقْتَلُوا ثُمَّ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ ، مَا
5447 -
حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ ، قَالَ: ثنا عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو وَائِلٍ قَالَ: ثنا ابْنُ مُعَيْزٍ السَّعْدِيُّ ، قَالَ: خَرَجْتُ أَسْتَبِقُ فَرَسًا لِي بِالشَّجَرِ ، فَمَرَرْتُ عَلَى مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ بَنِي حَنِيفَةَ ، فَسَمِعْتُهُمْ يَشْهَدُونَ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ رَسُولُ اللهِ ، فَرَجَعْتُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ
⦗ص: 318⦘
رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ ، فَذَكَرْتُ لَهُ أَمْرَهُمْ ، فَبَعَثَ الشُّرَطَ فَأَخَذُوهُمْ ، وَجِيءَ بِهِمْ إِلَيْهِ ، فَتَابُوا وَرَجَعُوا عَمَّا قَالُوا ، وَقَالُوا لَا نَعُودُ ، فَخَلَّى سَبِيلَهُمْ ، وَقَدِمَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ النَّوَّاحَةِ ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ فَقَالَ النَّاسُ: أَخَذْتَ قَوْمًا فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ ، فَخَلَّيْتَ سَبِيلَ بَعْضِهِمْ ، وَقَتَلْتَ بَعْضَهُمْ ، فَقَالَ:" كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا فَجَاءَهُ ابْنُ النَّوَّاحَةِ وَرَجُلٌ مَعَهُ يُقَالُ لَهُ ابْنُ وَثَّالِ بْنِ حَجَرٍ ، وَافِدَيْنِ مِنْ عِنْدِ مُسَيْلِمَةَ ، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَتَشْهَدَانِ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟ فَقَالَا: أَتَشْهَدُ أَنْتَ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ رَسُولُ اللهِ؟ فَقَالَ آمَنْتُ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ ، لَوْ كُنْتُ قَاتِلًا وَفْدًا ، لَقَتَلْتُكُمَا " فَلِذَلِكَ قَتَلْتُ هَذَا
5448 -
حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: ثنا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَافِعٍ حَدَّثَهُ ، " أَنَّ أَبَا رَافِعٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ أَقْبَلَ بِكِتَابٍ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُلْقِيَ فِي قَلْبِي الْإِسْلَامُ ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي وَاللهِ لَا أَرْجِعُ إِلَيْهِمْ أَبَدًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَمَا إِنِّي لَا أَخِيسُ بِالْعَهْدِ وَلَا أَحْبِسُ الْبُرْدَ ، وَلَكِنِ ارْجِعْ ، فَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِكَ الَّذِي فِي قَلْبِكَ الْآنَ فَارْجِعْ ، قَالَ: فَرَجَعْتُ ثُمَّ أَقْبَلْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَأَسْلَمْتُ ، قَالَ بُكَيْرٌ: وَأَخْبَرَنِي ، أَنَّ أَبَا رَافِعٍ كَانَ قِبْطِيًّا "
5449 -
حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، قَالَ: ثنا أَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ طَارِقٍ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُعَيْمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ جَاءَهُ رَسُولُ مُسَيْلِمَةَ بِكِتَابِهِ ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَهُمَا: وَأَنْتُمَا تَقُولَانِ مِثْلَ مَا يَقُولُ؟ فَقَالَا: نَعَمْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«أَمَا لَوْلَا أَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقْتَلُ ، لَضَرَبْتُ أَعْنَاقَكُمَا» وَالدَّلِيلُ عَلَى خُرُوجِ أَهْلِ مَكَّةَ مِنَ الصُّلْحِ ، بِمَا كَانَ بَيْنَ بَنِي بَكْرٍ وَبَيْنَ خُزَاعَةَ ، وَبِمَا كَانَ مِنْ مَعُونَةِ قُرَيْشٍ لِبَنِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ ، طَلَبُ أَبِي سُفْيَانَ تَجْدِيدَ الْحِلْفِ ، وَتَوْكِيدَ الصُّلْحِ عِنْدَ سُؤَالِ أَهْلِ مَكَّةَ إِيَّاهُ ذَلِكَ ، وَلَوْ كَانَ الصُّلْحُ لَمْ يَنْتَقِضْ ، إِذًا لَمَا كَانَ بِهِمْ إِلَى ذَلِكَ حَاجَةٌ ، وَلَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، وَعَلِيٌّ ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، لَمَا سَأَلَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ مَا سَأَلَهُمْ مِنْ ذَلِكَ يَقُولُونَ: مَا حَاجَتُكَ وَحَاجَةُ أَهْلِ مَكَّةَ إِلَى ذَلِكَ؟ إِنَّهُمْ جَمِيعًا فِي صُلْحٍ وَفِي أَمَانٍ ، لَا تَحْتَاجُونَ مَعَهُمَا إِلَى غَيْرِهِمَا ، ثُمَّ هَذَا عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ ، وَاحِدُ خُزَاعَةَ ، يُنَاشِدُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ مُنَاشَدَتِهِ إِيَّاهُ ، فِي حَدِيثِ عِكْرِمَةَ ، وَالزُّهْرِيِّ ، وَسَأَلَهُ فِي ذَلِكَ النَّصْرَ وَيَقُولُ فِيمَا يُنَاشِدُهُ مِنْ ذَلِكَ:
[البحر الرجز]
إِنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوكَ الْمَوْعِدَا
وَنَقَضُوا مِيثَاقَكَ الْمُؤَكَّدَا وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ
⦗ص: 319⦘
ثُمَّ كَشَفَ لَهُ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ كَانَ نَقْضُ قُرَيْشٍ ، مَا كَانُوا عَاهَدُوهُ عَلَيْهِ ، وَوَافَقُوهُ بِأَنْ قَالَ:
وَهُمْ أَتَوْنَا بِالْوَتِيرِ هُجَّدَا
…
فَقَتَلُونَا رُكَّعًا وَسُجَّدَا
وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ أَحَدًا غَيْرَ قُرَيْشٍ ، مِنْ بَنِي نُفَاثَةَ ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ ، ثُمَّ أَنْشَدَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الشِّعْرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ ، فِي حَدِيثِ عِكْرِمَةَ ، الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ فِي الشِّعْرِ الَّذِي نَاشَدَ بِهِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ أَنَّ رِجَالَ بَنِي كَعْبٍ ، أَصَابَهُمْ مِنْ نَقْضِ قُرَيْشٍ الَّذِي بِهِ خَرَجُوا مِنْ عَهْدِهِمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ ، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ:
[البحر الطويل]
أَتَانِي وَلَمْ أَشْهَدْ بِبَطْحَاءِ مَكَّةَ
…
رِجَالَ بَنِي كَعْبٍ تُحَزُّ رِقَابُهَا
ثُمَّ ذَكَرَ مَا بَيَّنَّاهُ لِمَنْ كَانَ سَبَبًا مِنْ ذَلِكَ قُرَيْشٌ وَرِجَالُهَا فَقَالَ:
فَيَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لَنَا لِزُمْرَةٍ
…
سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو حَوْلُهَا وَعِقَابُهَا
وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ، هُوَ كَانَ أَحَدَ مَنْ عَاقَدَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصُّلْحَ ، فَأَمَّا مَا ذُكِرَ لَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا افْتَتَحَهَا ، لَمْ يَقْسِمْ مَالًا ، وَلَمْ يَسْتَعْبِدْ أَحَدًا ، وَلَمْ يَغْنَمْ أَرْضًا ، فَكَيْفَ يَسْتَعْبِدُ مَنْ قَدْ مَنَّ عَلَيْهِ فِي دَمِهِ وَمَالِهِ ، فَأَمَّا أَرْضُ مَكَّةَ ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي تَرْكِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم التَّعَرُّضَ لَهَا ، فَمَنْ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهُ افْتَتَحَهَا عَنْوَةً فَقَالَ: تَرَكَهَا مِنَّةً عَلَيْهِمْ ، كَمِنَّتِهِ عَلَيْهِمْ فِي دِمَائِهِمْ ، وَفِي سَائِرِ أَمْوَالِهِمْ ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ ، لِأَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ أَرْضَ مَكَّةَ ، تَجْرِي عَلَيْهَا الْأَمْلَاكُ ، كَمَا تَجْرِي عَلَى سَائِرِ الْأَرْضِينَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ تَكُنْ أَرْضُ مَكَّةَ مِمَّا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْغَنَائِمُ ، لِأَنَّ أَرْضَ مَكَّةَ عِنْدَهُمْ ، لَا تَجْرِي عَلَيْهَا الْأَمْلَاكُ ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَهُمَا اللهُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ الْآثَارَ الَّتِي رَوَاهَا كُلُّ فَرِيقٍ ، مِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةُ ، وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللهُ ، فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ ، مِنْ شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ الْمُخْتَلِفَةِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْأَحْكَامِ فَأَغْنَانَا ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا ، ثُمَّ رَجَعَ الْكَلَامُ إِلَى مَا يُثْبِتُ أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً ، فَإِنْ قُلْتُمْ إِنَّ حَدِيثَيِ الزُّهْرِيِّ وَعِكْرِمَةَ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا ، مُنْقَطِعَانِ ، قِيلَ لَكُمْ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما حَدِيثٌ يَدُلُّ عَلَى مَا رَوَيْنَاهُ
5450 -
حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَحْيَى ، قَالَ: ثنا يُوسُفُ بْنُ بُهْلُولٍ ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، قَالَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما
⦗ص: 320⦘
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَضَى لِسَفْرَةٍ وَخَرَجَ لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ ، فَصَامَ وَصَامَ النَّاسُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْكَدِيدِ أَفْطَرَ ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، حَتَّى نَزَلَ مَرَّ الظَّهْرَانِ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَسَمِعَتْ سُلَيْمٌ وَمُزَيْنَةُ ، فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ الظَّهْرَانِ ، وَقَدْ عَمِيَتِ الْأَخْبَارُ عَلَى قُرَيْشٍ ، فَلَا يَأْتِيهِمْ خَبَرُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا يَدْرُونَ مَا هُوَ فَاعِلٌ ، وَخَرَجَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ ، يَنْظُرُونَ هَلْ يَجِدُونَ خَيْرًا ، أَوْ يَسْمَعُونَهُ ، فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ الظَّهْرَانِ ، قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه قُلْتُ: وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ ، لَئِنْ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ عَنْوَةً قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُ فَيَسْتَأْمِنُوهُ ، إِنَّهُ لَهَلَاكُ قُرَيْشٍ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ ، قَالَ: فَجَلَسْتُ عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْبَيْضَاءِ ، فَخَرَجْتُ عَلَيْهَا حَتَّى دَخَلْتُ الْأَرَاكَ ، فَلَقِيَ بَعْضَ الْحَطَّابَةِ ، أَوْ صَاحِبَ لَبَنٍ ، أَوْ ذَا حَاجَةٍ يَأْتِيهِمْ ، يُخْبِرُهُمْ بِمَكَانِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيَخْرُجُوا إِلَيْهِ ، قَالَ: فَإِنِّي لَأُشِيرُ عَلَيْهِ ، وَأَلْتَمِسُ مَا خَرَجْتُ لَهُ ، إِذْ سَمِعْتُ كَلَامَ أَبِي سُفْيَانَ وَبُدَيْلٍ ، وَهُمَا يَتَرَاجَعَانِ ، وَأَبُو سُفْيَانَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ كَاللَّيْلَةِ نِيرَانًا قَطُّ وَلَا عَسْكَرًا ، قَالَ بُدَيْلٌ: هَذِهِ ، وَاللهِ خُزَاعَةُ حَمَشَتْهَا الْحَرْبُ ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: خُزَاعَةُ وَاللهِ ، أَذَلُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ هَذِهِ نِيرَانَهُمْ ، فَعَرَفْتُ صَوْتَ أَبِي سُفْيَانَ ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَنْظَلَةَ ، قَالَ: فَعَرَفَ صَوْتِي فَقَالَ: أَبُو الْفَضْلِ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: مَا لَكَ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي؟ قَالَ قُلْتُ: وَيْلَكَ ، هَذَا ، وَاللهِ رَسُولُ اللهِ فِي النَّاسِ ، وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ وَاللهِ لَئِنْ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ عَنْوَةً قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُ فَيَسْتَأْمِنُوهُ ، إِنَّهُ لَهَلَاكُ قُرَيْشٍ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ ، قَالَ: فَمَا الْحِيلَةُ ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي؟ قَالَ قُلْتُ: لَا وَاللهِ إِلَّا أَنْ تَرْكَبَ فِي عَجُزِ هَذِهِ الدَّابَّةِ فَآتِيَ بِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ وَاللهِ لَئِنْ ظَفِرَ بِكَ ، لِيَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ ، قَالَ: فَرَكِبَ فِي عَجُزِ الْبَغْلَةِ ، وَرَجَعَ صَاحِبَاهُ ، قَالَ: وَكُلَّمَا مَرَرْتُ بِنَارٍ مِنْ نِيرَانِ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا: مَنْ هَذَا؟ فَإِذَا نَظَرُوا ، قَالُوا: عَمُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَغْلَتِهِ حَتَّى مَرَرْتُ بِنَارِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ وَقَامَ إِلَيَّ ، فَلَمَّا رَآهُ عَلَى عَجُزِ الدَّابَّةِ ، عَرَفَهُ وَقَالَ: أَبُو سُفْيَانَ عَدُوُّ اللهِ؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمْكَنَ مِنْكَ ، وَخَرَجَ يَشْتَدُّ نَحْوَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَكَضْتُ الْبَغْلَةَ فَسَبَقْتُهُ ، كَمَا تَسْبِقُ الدَّابَّةُ الْبَطِيئَةُ الرَّجُلَ الْبَطِيءَ ، ثُمَّ اقْتَحَمْتُ عَنِ الْبَغْلَةِ وَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَجَاءَ عُمَرُ رضي الله عنه فَدَخَلَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ، هَذَا أَبُو سُفْيَانَ ، قَدْ أَمْكَنَ اللهُ مِنْهُ بِلَا عَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ ، فَدَعْنِي فَأَضْرِبُ عُنُقَهُ ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي قَدْ أَجَرْتُهُ ،
⦗ص: 321⦘
قَالَ: ثُمَّ جَلَسْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَأَخَذْتُ بِرَأْسِهِ فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا يُنَاجِيهِ رَجُلٌ دُونِي ، قَالَ: فَلَمَّا أَكْثَرَ عُمَرُ رضي الله عنه فِي شَأْنِهِ ، فَقُلْتُ: مَهْلًا يَا عُمَرُ وَاللهِ لَوْ كَانَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ مَا قُلْتَ هَذَا ، وَلَكِنْ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ، قَالَ فَقَالَ: مَهْلًا يَا عَبَّاسُ لَإِسْلَامُكَ يَوْمَ أَسْلَمْتَ ، كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ إِسْلَامِ الْخَطَّابِ وَمَا لِي إِلَّا أَنِّي قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ إِسْلَامَكَ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِسْلَامِ الْخَطَّابِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " اذْهَبْ بِهِ إِلَى رَحْلِكَ فَإِذَا أَصْبَحْتَ فَأْتِنَا بِهِ ، قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ ، أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟ ، قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَمَا أَحْلَمَكَ وَأَكْرَمَكَ وَأَوْصَلَكَ ، أَمَا وَاللهِ لَقَدْ كَادَ يَقَعُ فِي نَفْسِي أَنْ لَوْ كَانَ مَعَ اللهِ غَيْرُهُ لَقَدْ أَغْنَى شَيْئًا بَعْدُ ، وَقَالَ: وَيْلَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَشْهَدَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟ ، قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا أَحْلَمَكَ وَأَكْرَمَكَ وَأَوْصَلَكَ أَمَّا وَاللهِ هَذِهِ فَإِنَّ فِي النَّفْسِ مِنْهَا حَتَّى الْآنَ شَيْئًا ، قَالَ الْعَبَّاسُ رضي الله عنه: قُلْتُ: وَيْلَكَ أَسْلِمْ وَاشْهَدْ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عُنُقُكَ ، قَالَ: فَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ وَأَسْلَمَ ، قَالَ الْعَبَّاسُ رضي الله عنه: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبُّ هَذَا الْفَخْرَ فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئًا ، قَالَ:«نَعَمْ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ» ، فَلَمَّا ذَهَبْتُ لِأَنْصَرِفَ قَالَ يَا عَبَّاسُ احْبِسْهُ بِمَضِيقِ الْوَادِي عِنْدَ حَطِيمِ الْجُنْدِ حَتَّى يَمُرَّ بِهِ جُنُودُ اللهِ فَيَرَاهَا ، قَالَ: فَحَبَسْتُهُ حَيْثُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَمَرَّتْ بِهِ الْقَبَائِلُ عَلَى رَايَاتِهَا بِهَا فَكُلَّمَا مَرَّتْ قَبِيلَةٌ قَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قُلْتُ: بَنُو سُلَيْمٍ قَالَ: يَقُولُ: مَا لِي وَلِبَنِي سُلَيْمٍ ثُمَّ تَمُرُّ بِهِ قَبِيلَةٌ فَيَقُولُ: مَنْ هَذِهِ فَأَقُولُ: مُزَيْنَةُ فَقَالَ: مَا لِي وَلِمُزَيْنَةَ ، حَتَّى نَفِدَتِ الْقَبَائِلُ لَا تَمُرُّ بِهِ قَبِيلَةٌ إِلَّا سَأَلَنِي عَنْهَا فَأُخْبِرُهُ إِلَّا قَالَ: مَا لِي وَلِبَنِي فُلَانٍ ، حَتَّى مَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَضْرَاءِ كَتِيبَةٍ فِيهَا الْمُهَاجِرُونَ ، وَالْأَنْصَارُ رضي الله عنهم لَا يُرَى مِنْهُمْ إِلَّا الْحَدَقُ فِي الْحَدِيدِ ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَنْ هَؤُلَاءِ يَا عَبَّاسُ؟ قُلْتُ: هَذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُهَاجِرِينَ ، وَالْأَنْصَارِ رضي الله عنهم ، فَقَالَ: مَا لِأَحَدٍ بِهَؤُلَاءِ قِبَلٌ وَاللهِ يَا أَبَا الْفَضْلِ لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابْنِ أَخِيكَ الْغَدَاةَ عَظِيمًا ،
⦗ص: 322⦘
قَالَ: قُلْتُ: وَيْلَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ إِنَّهَا النُّبُوَّةُ قَالَ: فَنَعَمْ ، قَالَ: قُلْتُ الْتَجِئْ إِلَى قَوْمِكَ اخْرُجْ إِلَيْهِمْ ، حَتَّى إِذَا جَاءَهُمْ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ هَذَا مُحَمَّدٌ قَدْ جَاءَكُمْ فِيمَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ فَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ ، فَقَامَتْ إِلَيْهِ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فَأَخَذَتْ شَارِبَهُ فَقَالَتِ: اقْتُلُوا الْحَمِيتَ الدَّسِمَ فَبِئْسَ طَلِيعَةُ قَوْمٍ ، قَالَ: وَيْلَكُمْ لَا تَغُرَّنَّكُمْ هَذِهِ مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ مَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ مَنْ دَخَلَ دَارِ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ ، قَالُوا: قَاتَلَكَ اللهُ وَمَا يُغْنِي غَنَاءَ دَارِكَ قَالَ: وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ فَهَذَا حَدِيثٌ مُتَّصِلُ الْإِسْنَادِ صَحِيحٌ مَا فِيهِ مَعْنًى يَدُلُّ عَلَى فَتْحِ مَكَّةَ عَنْوَةً وَيَنْفِي أَنْ يَكُونَ صُلْحًا وَيُثْبِتُ أَنَّ الْهُدْنَةَ الَّتِي كَانَتْ تَقَدَّمَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ قُرَيْشٍ قَدْ كَانَتِ انْقَطَعَتْ وَذَهَبَتْ قَبْلَ وُرُودِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ ، أَلَا يَرَى إِلَى قَوْلِ الْعَبَّاسِ رضي الله عنه: وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ وَاللهِ لَئِنْ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ عَنْوَةً قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُ فَيَسْتَأْمِنُوهُ إِنَّهُ لَهَلَاكُ قُرَيْشٍ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ ، أَفَتَرَى الْعَبَّاسَ ، عَلَى فَضْلِ رَأْيِهِ وَعَقْلِهِ يَتَوَهَّمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَعَرَّضُ قُرَيْشًا وَهُمْ مِنْهُ فِي أَمَانٍ وَصُلْحٍ وَهُدْنَةٍ؟ هَذَا مِنَ الْمُحَالِ الَّذِي لَا يَجُوزُ كَوْنُهُ وَلَا يَنْبَغِي لِذِي لُبٍّ أَوْ لِذِي عَقْلٍ أَوْ لِذِي دِينٍ أَنْ يَتَوَهَّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ هَذَا الْعَبَّاسُ رضي الله عنه قَدْ خَاطَبَ أَبَا سُفْيَانَ بِذَلِكَ فَقَالَ: وَاللهِ لَئِنْ ظَفِرَ بِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيَقْتُلَنَّكَ وَاللهِ إِنَّهُ لَهَلَاكُ قُرَيْشٍ إِنْ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ عَنْوَةً ، فَلَا يَدْفَعُ أَبُو سُفْيَانَ قَوْلَهُ وَلَا يَقُولُ لَهُ: وَمَا خَوْفِي وَخَوْفِ قُرَيْشٍ مِنْ دُخُولِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ وَنَحْنُ فِي أَمَانٍ مِنْهُ؟ ، إِنَّمَا يَقْصِدُ بِدُخُولِهِ أَنْ يَنْتَصِفَ خُزَاعَةَ مِنْ بَنِي نُفَاثَةَ دُونَ قُرَيْشٍ وَسَائِرِ أَهْلِ مَكَّةَ ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: وَلِمَ يَضْرِبُ عُنُقِي؟ ، إِذْ قَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ: وَاللهِ لَئِنْ ظَفِرَ بِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ ، وَأَنَا فِي أَمَانٍ مِنْهُ ، ثُمَّ هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، لَمَّا رَأَى أَبَا سُفْيَانَ ، يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا أَبُو سُفْيَانَ قَدْ أَمْكَنَ اللهُ مِنْهُ بِلَا عَهْدٍ وَلَا عَقْدٍ فَدَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ ، وَلَمْ يُنْكِرْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ عَلَيْهِ إِذْ كَانَ أَبُو سُفْيَانَ ، عِنْدَهُ ، لَيْسَ فِي أَمَانِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا فِي صُلْحٍ مِنْهُ ، ثُمَّ لَمْ يُحَاجَّ أَبُو سُفْيَانَ عُمَرَ رضي الله عنه بِذَلِكَ وَلَا حَاجَّهُ عَنْهُ الْعَبَّاسُ رضي الله عنه بَلْ قَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ رضي الله عنه: إِنِّي قَدْ أَجَرْتُهُ ،
⦗ص: 323⦘
فَلَمْ يُنْكِرْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عُمَرَ وَلَا عَلَى الْعَبَّاسِ مَا كَانَ مِنْهُمَا مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمَا ، فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْلَا جِوَارُ الْعَبَّاسِ رضي الله عنه إِذًا لَمَا مَنَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عُمَرَ رضي الله عنه فِيمَا أَرَادَ مِنْ قَتْلِ أَبِي سُفْيَانَ ، فَأَيُّ خُرُوجٍ مِنَ الصُّلْحِ مُنْعَدِمٍ؟ وَأَيُّ نَقْضٍ لَهُ يَكُونُ أَبْيَنَ مِنْ هَذَا؟ ثُمَّ أَبُو سُفْيَانَ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ بِمَا جَعَلَهُ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ قُرَيْشٌ وَمَا حَاجَتُنَا إِلَى دُخُولِنَا دَارَكَ وَإِلَى إِغْلَاقِنَا أَبْوَابِنَا وَنَحْنُ فِي أَمَانٍ قَدْ أَغْنَانَا عَنْ طَلَبِ الْأَمَانِ بِغَيْرِهِ ، وَلَكِنَّهُمْ عَرَفُوا خُرُوجَهُمْ مِنَ الْأَمَانِ الْأَوَّلِ وَانْتِقَاضَ الصُّلْحِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّهُمْ عِنْدَمَا خُوطِبُوا بِمَا خُوطِبُوا بِهِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ غَيْرُ آمَنِينَ إِلَّا أَنْ يَفْعَلُوا مَا جَعَلَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِهِ آمَنِينَ أَنْ يَفْعَلُوهُ مِنْ دُخُولِهِمْ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ أَوْ مِنْ إِغْلَاقِهِمْ أَبْوَابَهُمْ ، ثُمَّ قَدْ رُوِيَ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنها مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ وَهِيَ دَارُ حَرْبٍ لَا دَارَ أَمَانٍ
5451 -
حَدَّثَنَا فَهْدٌ ، قَالَ: ثنا يُوسُفُ بْنُ بُهْلُولٍ ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ ، عَنْ أَبِي مُرَّةَ ، مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنها قَالَتْ: " لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِأَعْلَى مَكَّةَ فَرَّ إِلَيَّ رَجُلَانِ مِنْ أَحْمَائِي مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ وَكَانَتْ عِنْدَ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيِّ فَدَخَلَ عَلَيَّ أَخِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فَقَالَ: لَأَقْتُلَنَّهُمَا ، فَغَلَّقْتُ عَلَيْهِمَا بَيْتِي ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِأَعْلَى مَكَّةَ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ فِي جَفْنَةٍ إِنَّ فِيهَا أَثَرَ الْعَجِينِ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ رضي الله عنها تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ ، فَلَمَّا اغْتَسَلَ أَخَذَ ثَوْبَهُ فَتَوَشَّحَ بِهِ ثُمَّ صَلَّى صلى الله عليه وسلم مِنَ الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيَّ فَقَالَ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا بِأُمِّ هَانِئٍ مَا جَاءَ بِكِ؟ فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرَ الرَّجُلَيْنِ وَخَبَرَ عَلِيٍّ رضي الله عنه فَقَالَ: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ»
5452 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ رضي الله عنه عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلٍ عَنْ فَاخِتَةَ أُمِّ هَانِئٍ رضي الله عنها " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اغْتَسَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُخَالِفًا بَيْنَ طَرَفَيْهِ ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: إِنِّي أَجَرْتُ حَمَوَيَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَإِنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه يُفَلِّتُ عَلَيْهِمَا لِيَقْتُلَهُمَا ، قَالَتْ: فَقَالَ: مَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ " أَفَلَا تَرَى أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه قَدْ أَرَادَ قَتْلَ الْمَخْزُومِيِّينَ لِمَكَّةَ؟ وَلَوْ كَانَا فِي أَمَانٍ لَمَا طَلَبَ ذَلِكَ مِنْهُمَا
⦗ص: 324⦘
فَأَمَّنَتْهُمَا أُمُّ هَانِئٍ رضي الله عنها لِيَحْرُمَ بِذَلِكَ دِمَاؤُهُمَا عَلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه وَلَمْ تَقُلْ لَهُ: مَا لَكَ إِلَى قَتْلِهِمَا مِنْ سَبِيلٍ لِأَنَّهُمَا وَسَائِرَ أَهْلِ مَكَّةَ فِي صُلْحٍ وَأَمَانٍ ، ثُمَّ أَخْبَرَتْ أُمُّ هَانِئٍ رضي الله عنها رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا كَانَ مِنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَبِمَا كَانَ مِنْ جِوَارِ هَذَيْنِ الْمَخْزُومِيِّينَ ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ» وَلَمْ يُعَنِّفْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي إِرَادَتِهِ قَتْلَهُمَا قَبْلَ جِوَارِ أُمِّ هَانِئٍ إِيَّاهُمَا ، فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْلَا جِوَارُهَا لَصَحَّ قَتْلُهُمَا وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ لَهُ قَتْلُهُمَا وَثَمَّةَ أَمَانٌ قَائِمٌ وَصُلْحٌ مُتَقَدِّمٌ لَهُمَا وَهَذَا دُخُولُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ فَأَيُّ شَيْءٍ أَبْيَنُ مِنْ هَذَا؟ ثُمَّ قَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي هَذَا الْبَابِ مَا هُوَ أَبْيَنُ مِنْ هَذَا
5453 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ ، قَالَ: ثنا أُمَيَّةُ بْنُ مُوسَى ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ ، قَالَ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ ، قَالَ: وَفَدْنَا إِلَى مُعَاوِيَةَ ، وَفِينَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ: أَلَا أُخْبِرْكُمْ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ؟ ثُمَّ ذَكَرَ فَتْحَ مَكَّةَ فَقَالَ: أَقْبَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ فَبَعَثَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ عَلَى إِحْدَى الْمُجَنَّبَتَيْنِ وَبَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى الْمُجَنَّبَةِ الْأُخْرَى وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الْحُسَّرِ فَأَخَذُوا بَطْنَ الْوَادِي وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي كَتِيبَةٍ فَنَظَرَ فَرَآنِي فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ قَالَ: اهْتِفْ لِي بِالْأَنْصَارِ وَلَا يَأْتِنِي إِلَّا أَنْصَارِيٌّ ، قَالَ: فَهَتَفَ بِهِمْ حَتَّى إِذَا طَافُوا بِهِ وَقَدْ وَبَّشَتْ قُرَيْشٌ أَوْبَاشَهَا وَأَتْبَاعَهَا فَقَالُوا: تَقَدَّمَ هَؤُلَاءِ فَإِنْ كَانَ لَهُمْ شَيْءٌ كُنَّا مَعَهُمْ وَإِنْ أُصِيبُوا أُعْطِينَا الَّذِي سَأَلْنَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْأَنْصَارِ رضي الله عنهم ، حِينَ طَافُوا بِهِ ، انْظُرُوا إِلَى أَوْبَاشِ قُرَيْشٍ وَأَتْبَاعِهِمْ ثُمَّ قَالَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى احْصُدُوهُمْ حَصَادًا حَتَّى تُوَافُونِي بِالصَّفَا فَانْطَلَقُوا فَمَا يَشَاءُ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ مَا شَاءَ إِلَّا قَتَلَ وَمَا تَوَجَّهَ إِلَيْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا رَسُولَ اللهِ أُبِيحَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ وَلَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ فَأَغْلَقَ النَّاسُ أَبْوَابَهُمْ ، وَأَقْبَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَتَى الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ فَأَتَى عَلَى صَنَمٍ إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ يَعْبُدُونَهُ ، وَفِي يَدِهِ قَوْسٌ فَهُوَ آخِذٌ بِسِيَةِ الْقَوْسِ ، فَلَمَّا أَنْ أَتَى عَلَى الصَّنَمِ جَعَلَ يَطْعَنُ فِي عَيْنَيْهِ وَيَقُولُ «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» ،
⦗ص: 325⦘
حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَتَى الصَّفَا فَصَعِدَ عَلَيْهَا حَتَّى نَظَرَ إِلَى الْبَيْتِ فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَحْمَدُ اللهَ وَيَدْعُوهُ بِمَا شَاءَ اللهُ ، وَالْأَنْصَارُ رضي الله عنهم تَحْتَهُ ، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَمَّا الرَّجُلُ فَقَدْ أَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرَابَتِهِ وَرَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: وَجَاءَهُ الْوَحْيُ بِهِ وَكَانَ إِذَا جَاءَ لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يُقْضَى الْوَحْيُ ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَقُلْتُمْ: أَمَّا الرَّجُلُ فَقَدْ أَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرَابَتِهِ وَرَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ؟ قَالُوا: لَوْ كَانَ ذَكَرَ ، قَالَ كَلًّا إِنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ هَاجَرْتُ إِلَى اللهِ عز وجل وَإِلَيْكُمْ ، وَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ فَأَقْبَلُوا يَبْكُونَ إِلَيْهِ وَيَقُولُونَ: وَاللهِ مَا قُلْنَا الَّذِي قُلْنَا إِلَّا ضَنًّا بِاللهِ وَرَسُولِهِ قَالَ فَإِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ وَيَعْذِرَانِكُمْ " فَهَذَا أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يُخْبِرُ أَنَّ قُرَيْشًا عِنْدَ دُخُولِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ وَبَّشَتْ أَوْبَاشَهَا وَأَتْبَاعَهَا فَقَالُوا: تَقَدَّمَ هَؤُلَاءِ فَإِنْ كَانَ لَهُمْ شَيْءٌ كُنَّا مَعَهُمْ وَإِنْ أُصِيبُوا أُعْطِينَا الَّذِي سَأَلْنَا وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ فَقَالَ لِلْأَنْصَارِ انْظُرُوا إِلَى أَوْبَاشِ قُرَيْشٍ وَأَتْبَاعِهِمْ «ثُمَّ قَالَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى» احْصُدُوهُمْ حَصَادًا حَتَّى تُوَافُونِي بِالصَّفَا " فَمَا يَشَاءُ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ مَنْ شَاءَ إِلَّا قَتَلَ وَمَا تَوَجَّهَ إِلَيْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ فَيَكُونُ مِنْ هَذَا دُخُولًا عَلَى أَمَانٍ ثُمَّ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ الْمَنُّ عَلَيْهِمْ ، وَالصَّفْحُ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ
5454 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامِ بْنِ مِسْكِينٍ ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ ،: ثنا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، حِينَ سَارَ إِلَى مَكَّةَ لِيَسْتَفْتِحَهَا ، فَسَرَّحَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَخَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ رضي الله عنهم ، فَلَمَّا بَعَثَهُمْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه اهْتِفْ بِالْأَنْصَارِ فَنَادَى: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَجِيبُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَجَاءُوا كَمَا كَانُوا عَلَى مُعْتَادٍ ، ثُمَّ قَالَ: اسْلُكُوا هَذَا الطَّرِيقَ وَلَا يُشْرِفَنَّ أَحَدٌ إِلَّا أَيْ: قَتَلْتُمُوهُ ، وَسَارَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ قَتْلَ يَوْمَئِذٍ الْأَرْبَعَةِ ، قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ صَنَادِيدُ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الْكَعْبَةَ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ السَّيْفَ لَا يُرْفَعُ عَنْهُمْ ثُمَّ طَافَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَتَى الْكَعْبَةَ فَأَخَذَ بِعِضَادَتَيِ الْبَابِ فَقَالَ مَا تَقُولُونَ وَمَا تَظُنُّونَ؟ ، فَقَالُوا: نَقُولُ أَخٌ وَابْنُ عَمٍّ حَلِيمٌ رَحِيمٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَقُولُ كَمَا قَالَ يُوسُفُ {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 92] ،
⦗ص: 326⦘
قَالَ: فَخَرَجُوا كَأَنَّمَا نُشِرُوا مِنَ الْقُبُورِ فَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْبَابِ الَّذِي يَلِي الصَّفَا فَخَطَبَ ، وَالْأَنْصَارُ أَسْفَلَ مِنْهُ ، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَمَا إِنَّ الرَّجُلَ أَخَذَتْهُ الرَّأْفَةُ بِقَوْمِهِ وَأَدْرَكَتْهُ الرَّغْبَةُ فِي قَرَابَتِهِ ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل عَلَيْهِ الْوَحْيَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَقُلْتُمْ: أَخَذَتْهُ الرَّأْفَةُ بِقَوْمِهِ وَأَدْرَكَتْهُ الرَّغْبَةُ فِي قَرَابَتِهِ فَمَا نَبِيٌّ أَنَا إِذًا كَلًّا وَاللهِ إِنِّي رَسُولُ اللهِ حَقًّا إِنَّ الْمَحْيَا لَمَحْيَاكُمْ وَإِنَّ الْمَمَاتَ لَمَمَاتُكُمْ ، قَالُوا: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، مَا قُلْنَا إِلَّا مَخَافَةَ أَنْ تُفَارِقَنَا إِلَّا ضِنًّا بِكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْتُمْ صَادِقُونَ عِنْدَ اللهِ وَرَسُولِهِ ، قَالَ: فَوَاللهِ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا نَكَّسَ نَحْرَهُ بِدُمُوعِ عَيْنَيْهِ «أَفَلَا يَرَى أَنَّ قُرَيْشًا بَعْدَ دُخُولِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ قَدْ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ السَّيْفَ لَا يُرْفَعُ عَنْهُمْ أَفَتُرَاهُمْ كَانُوا يَخَافُونَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أَمَّنَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ؟ هَذَا وَاللهِ غَيْرُ مَخُوفٍ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم وَلَكِنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ إِلَيْهِ قَتْلَهُمْ إِنْ شَاءَ وَأَنَّ إِلَيْهِ الْمَنَّ عَلَيْهِمْ إِنْ شَاءَ وَأَنَّ اللهَ عز وجل قَدْ أَظْهَرَهُ عَلَيْهِمْ وَصَيَّرَهُمْ فِي يَدِهِ يَحْكُمُ فِيهِمْ بِمَا أَرَادَ اللهُ تَعَالَى مِنْ قَبْلُ ، وَمَنَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَعَفَا عَنْهُمْ ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ» لَا تُغْزَى مَكَّةُ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ أَبَدًا "
5455 -
حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: ثنا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْبَرْصَاءِ قَالَ: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ يَقُولُ: «لَا تُغْزَى مَكَّةُ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ أَبَدًا» قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: تَفْسِيرُ هَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّهُمْ لَا يَكْفُرُونَ أَبَدًا فَلَا يُغْزَوْنَ عَلَى الْكُفْرِ ، هَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا وَدُخُولُهُ إِيَّاهَا دُخُولَ غَزْوٍ ، ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم «لَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ صَبْرًا»
5456 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ ، قَالَ: ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا ، قَالَ: ثنا أَبِي ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُطِيعٍ: سَمِعْتُ مُطِيعًا ، يَقُولُ:" سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ يَقُولُ: لَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ صَبْرًا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " قَالَ: فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ دِمَاءَ قُرَيْشٍ إِنَّمَا حُرِّمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِمَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حُرْمَتُهُ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ خُطْبَةً بَيَّنَ فِيهَا حُكْمَ مَكَّةَ قَبْلَ دُخُولِهِ إِيَّاهَا وَحُكْمَهَا وَقْتَ دُخُولِهِ إِيَّاهَا وَحُكْمَهَا بَعْدَ ذَلِكَ
5457 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللهَ
⦗ص: 327⦘
حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ عز وجل السَّمَاوَاتِ ، وَالْأَرْضَ ، وَالشَّمْسَ ، وَالْقَمَرَ وَوَضَعَهَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْأَخْشَبَيْنِ ثُمَّ لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ تَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا يَرْفَعُ لُقَطَتُهَا إِلَّا مُنْشِدُهَا» ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ رضي الله عنه: إِلَّا الْإِذْخِرَ
5458 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ، قَالَ: ثنا يَحْيَى ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا شُرَيْحٍ الْكَعْبِيَّ ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللهَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ فَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْفِكَنَّ فِيهَا دَمًا وَلَا يَعْضِدَنَّ فِيهَا شَجَرًا ، فَإِنْ تَرَخَّصَ مُتَرَخِّصٌ فَقَالَ قَدْ أُحِلَّتْ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ اللهَ أَحَلَّهَا لِي وَلَمْ يُحِلَّهَا لِلنَّاسِ وَإِنَّمَا أَحَلَّهَا لِي سَاعَةً»
5459 -
حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، قَالَ: ثنا يُوسُفُ بْنُ بُهْلُولٍ ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ ، قَالَ: لَمَّا بَعَثَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ الْبَعْثَ إِلَى مَكَّةَ لِغَزْوِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَتَاهُ أَبُو شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيُّ فَكَلَّمَهُ بِمَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ خَرَجَ إِلَى نَادِي قَوْمِهِ فَجَلَسَ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَجَلَسْتُ مَعَهُ فَحَدَّثَ عَمَّا حَدَّثَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعَمَّا جَاءَ بِهِ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: " إِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ افْتَتَحَ مَكَّةَ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ عَدَتْ خُزَاعَةُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ هُذَيْلٍ فَقَتَلُوهُ بِمَكَّةَ وَهُوَ مُشْرِكٌ ، قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِينَا خَطِيبًا فَقَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ ، وَالْأَرْضَ فَهِيَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرًا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وَلَمْ تَحِلَّ لِي إِلَّا هَذِهِ السَّاعَةَ غَضَبًا أَلَا ثُمَّ عَادَتْ كَحُرْمَتِهَا أَلَا فَمَنْ قَالَ لَكُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَحَلَّهَا فَقُولُوا: إِنَّ اللهَ قَدْ أَحَلَّهَا لِرَسُولِهِ وَلَمْ يُحِلَّهَا لَكَ ، يَا مَعْشَرَ خُزَاعَةَ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ فَقَدْ قَتَلْتُمْ قَتِيلًا لَأَدِيَنَّهُ فَمَنْ قُتِلَ بَعْدَ مَقَامِي هَذَا فَهُوَ بِخَيْرِ نَظَرَيْنِ إِنْ أَحَبَّ فَدَمُ قَاتِلِهِ وَإِنْ أَحَبَّ فَعَقْلُهُ " قَالَ: انْصَرِفْ أَيُّهَا الشَّيْخُ فَنَحْنُ أَعْلَمُ بِحُرْمَتِهَا مِنْكَ إِنَّهَا لَا تَمْنَعُ سَافِكَ دَمٍ وَلَا مَانِعَ حُرْمَةٍ لَا خَالِعَ طَاعَةٍ ، قَالَ: قُلْتُ قَدْ كُنْتُ شَاهِدًا وَكُنْتَ غَائِبًا وَقَدْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَلِّغَ شَاهِدُنَا غَائِبَنَا قَدْ أَبْلَغْتُكَ
5460 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ هِشَامٍ الرُّعَيْنِيُّ ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيَّ ، يَقُولُ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ حِينَ قَطَعَ بَعْثًا إِلَى مَكَّةَ لِقِتَالِ ابْنِ الزُّبَيْرِ ، يَا هَذَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إِنَّ مَكَّةَ حَرَامٌ حَرَّمَهَا اللهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ وَإِنَّ اللهَ إِنَّمَا أَحَلَّ لِي
⦗ص: 328⦘
الْقِتَالَ بِهَا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ بَعْدِي رِجَالٌ يَسْتَحِلُّونَ الْقِتَالَ بِهَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَقُولُوا: إِنَّ اللهَ أَحَلَّهَا لِرَسُولِهِ وَلَمْ يُحِلَّهَا لَكَ وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ وَلَوْلَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ مَا حَدَّثْتُكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ ، قَالَ عَمْرٌو: إِنَّكَ شَيْخٌ قَدْ خَرِفْتَ وَقَدْ هَمَمْتُ بِكَ قَالَ: أَمَا وَاللهِ لَأَتَكَلَّمَنَّ بِالْحَقِّ وَإِنْ شَدَدْتَ رِقَابَنَا "
5461 -
حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ مَعْنَى حَدِيثِ فَهْدٍ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْحَدِيثِ
5462 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، قَالَ أَخْبَرَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: " وَقَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْحَجُونِ ثُمَّ قَالَ: «وَاللهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَى اللهِ لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وَمَا أُحِلَّتْ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ وَهِيَ بَعْدَ سَاعَتِهَا هَذِهِ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
5463 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ، قَالَ: ثنا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، وَأَبُو سَلَمَةَ قَالَا: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ
5464 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَيْمُونٍ ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ يَحْيَى ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: " لَمَّا فَتَحَ اللهُ عز وجل عَلَى رَسُولِهِ مَكَّةَ قَتَلَتْ هُذَيْلٌ رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ بِقَتِيلٍ كَانَ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، قَالَ: فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ عز وجل حَبَسَ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ ، وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ لَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا وَلَا يُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدِهَا»
5465 -
حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ ، قَالَ: ثنا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ «إِنَّ اللهَ عز وجل حَبَسَ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ الْفِيلَ» وَقَالَ «لَا يُلْتَقَطُ ضَالَّتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ» أَفَلَا يَرَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَخْبَرَ بِهِ فِي خُطْبَتِهِ هَذِهِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَحَلَّ لَهُ مَكَّةَ سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ ثُمَّ عَادَتْ حَرَامًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَلَوْ كَانَ لَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى الْقِتَالِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ إِذًا لَكَانَتْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ ، وَفِيمَا قَبْلَهَا وَفِيمَا بَعْدَهَا عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَكَانَ حُكْمُهَا فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا حُكْمًا وَاحِدًا ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ إِظْهَارُ السِّلَاحِ بِهَا لَا غَيْرُ قِيلَ لَهُ: وَأَيُّ حَاجَةٍ بِهِ إِلَى إِظْهَارِ السِّلَاحِ إِذَا كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُقَاتِلَ بِهِ أَحَدًا فِيهَا؟ هَذَا مُحَالٌ عِنْدَنَا وَلَا يَجُوزُ إِظْهَارُ السِّلَاحِ بِهَا إِلَّا وَهُوَ مُبَاحٌ لَهُ الْقِتَالُ بِهِ
⦗ص: 329⦘
وَقَدْ بَيَّنَ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ فِي حَدِيثِهِ الَّذِي رَوَيْنَا عَنْهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ هَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ فِيهِ «وَإِنَّ اللهَ إِنَّمَا أَحَلَّ لِي الْقِتَالَ فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ» ، أَفَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحِلَّ لَهُ قِتَالَ مَنْ هُوَ فِي هُدْنَةٍ مِنْهُ وَأَمَانٍ؟ هَذَا لَا يَجُوزُ ، ثُمَّ قَدْ كَانَ دُخُولُهُ إِيَّاهَا صلى الله عليه وسلم دُخُولَ مُحَارِبٍ لَا دُخُولَ آمِنٍ لِأَنَّهُ دَخَلَهَا وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ
5466 -
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ ، أَنَّ مَالِكًا ، أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم اقْتُلُوهُ قَالَ مَالِكٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا "
5467 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، قَالَ: ثنا أَبُو الْوَلِيدِ ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ وَلَمْ يَقُلْ «وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا» وَقِيلَ: إِنَّهُ دَخَلَهَا وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ
5468 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ ، قَالَ: ثنا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ»
5469 -
حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ ، قَالَ: ثنا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ
5470 -
حَدَّثَنَا فَهْدٌ ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ:«دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ»
5471 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ حَكِيمٍ الْأَوْدِيُّ ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلُهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَلَوْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ دُخُولِهِ إِيَّاهَا غَيْرَ مُحَارِبٍ إِذًا لَمَّا دَخَلَهَا ، وَهَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَهُوَ أَحَدُ مَنْ رَوَى عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِحْلَالَ اللهِ مَكَّةَ لَهُ كَمَا قَدْ رَوَيْنَا عَنْهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ قَدْ مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يَدْخُلُوا الْحَرَمَ غَيْرَ مُحْرِمِينَ
5472 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ، قَالَ: ثنا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، قَالَ: حَمَّادٌ عَنْ قَيْسٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مَكَّةَ إِلَّا مُحْرِمًا
5473 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ ، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ الْجَهْمِ ، قَالَ: ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ ، قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما " لَا عُمْرَةَ عَلَى الْمَكِّيِّ إِلَّا أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْحَرَمِ فَلَا يَدْخُلُهُ إِلَّا حَرَامًا ،
⦗ص: 330⦘
فَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: فَإِنْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ مَكَّةَ قَرِيبًا؟ قَالَ: نَعَمْ يَقْضِي حَاجَتَهُ وَيَجْعَلُ مَعَ قَضَائِهَا عُمْرَةً
5474 -
حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيُّ ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ ، قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:«لَا يَدْخُلُ مَكَّةَ تَاجِرٌ وَلَا طَالِبُ حَاجَةٍ إِلَّا وَهُوَ مُحْرِمٌ» فَدَلَّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ إِحْلَالَ اللهِ إِيَّاهَا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا كَانَ لِحَاجَتِهِ إِلَى الْقِتَالِ مِنْهَا لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم آمَنَ النَّاسَ جَمِيعًا إِلَّا سِتَّةَ نَفَرٍ وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ مَا
5475 -
حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ المُفَضلِ قَالَ: ثنا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: زَعَمَ السُّدِّيُّ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ آمَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَقَالَ اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ خَطَلٍ وَمِقْيَسَ بْنَ ضَبَابَةَ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ فَأَمَّا عَبْدُ اللهِ بْنُ خَطَلٍ فَأُتِيَ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَاسْتَبَقَ إِلَيْهِ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَسَبَقَ سَعِيدٌ عَمَّارًا وَكَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ فَقَتَلَهُ ، وَأَمَّا مِقْيَسُ بْنُ ضَبَابَةَ فَأَدْرَكَهُ النَّاسُ فِي السُّوقِ فَقَتَلُوهُ ، وَأَمَّا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ فَرَكِبَ الْبَحْرَ فَأَصَابَتْهُمْ رِيحٌ عَاصِفٌ فَقَالَ أَصْحَابُ السَّفِينَةِ لِأَهْلِ السَّفِينَةِ: أَخْلِصُوا فَإِنَّ آلِهَتَكُمْ لَا تُغْنِي عَنْكُمْ شَيْئًا هَاهُنَا ، فَقَالَ عِكْرِمَةُ: وَاللهِ لَئِنْ لَمْ يُنَجِّنِي فِي الْبَحْرِ إِلَّا الْإِخْلَاصُ لَمْ يُنَجِّنِي فِي الْبِرِّ غَيْرُهُ ، اللهُمَّ إِنَّ لَكَ عَلَيَّ عَهْدًا إِنْ أَنْتَ أَنْجَيْتَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ أَنِّي آتِيَ مُحَمَّدًا ثُمَّ أَضَعُ يَدِي فِي يَدِهِ فَلَأَجِدَنَّهُ عَفُوًّا كَرِيمًا فَأَسْلَمَ ، قَالَ: وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي سَرْحٍ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ بَايِعْ عَبْدَ اللهِ قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ نَائِيًا فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حِينَ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلَهُ ، قَالُوا: مَا دَرَيْنَا يَا رَسُولَ اللهِ مَا فِي نَفْسِكَ فَهَلَّا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ ، فَقَالَ:«إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ عَيْنٍ»
⦗ص: 331⦘
5476 -
حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ المُفَضلِ فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ قِيلَ لَهُ: هَذَا مَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أَنْ أَظْفَرَهُ اللهُ عَلَيْهِمْ ، أَلَا يَرَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا كَانَ صَالَحَ أَوَّلًا قَدْ كَانَ دَخَلَ فِي صُلْحِهِ ذَلِكَ هَؤُلَاءِ السِّتَّةُ النَّفَرُ وَأَنَّ دِمَاءَهُمْ قَدْ حَلَّتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَسْبَابٍ حَدَثَتْ مِنْهُمْ بَعْدَ الصُّلْحِ وَكَذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ أَيْضًا كَانَ فِي الصُّلْحِ ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَتَاهُ بِهِ الْعَبَّاسُ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا أَبُو سُفْيَانَ قَدْ أَمْكَنَ اللهُ مِنْهُ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَجَارَهُ الْعَبَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَقْنِ دَمِهِ لِجِوَارِهِ ، وَكَذَلِكَ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيُّ وَابْنُ عَمِّهِ اللَّذَانِ كَانَا لَحِقَا بَعْدَ دُخُولِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ إِلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنها فَأَرَادَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنْ يَقْتُلَهُمَا وَقَدْ كَانَا دَخَلَا فِي الصُّلْحِ الْأَوَّلِ ثُمَّ قَدْ حَلَّتْ دِمَاؤُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي كَانَتْ مِنْهُمَا حَتَّى أَجَارَتْهُمَا أُمُّ هَانِئٍ رضي الله عنها فَحَرُمَتْ بِذَلِكَ دِمَاؤُهُمَا ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَلَا مَنْ لَمْ يُغْلِقْ عَلَيْهِ بَابَهُ قَدْ كَانَ دَخَلَ فِي الصُّلْحِ الْأَوَّلِ عَلَى غَيْرِ إِشْرَاطٍ عَلَيْهِ فِيهِ دُخُولُ دَارِ أَبِي سُفْيَانَ وَلَا بِغَلْقِ بَابَ نَفْسِهِ عَلَيْهِ ثُمَّ حَلَّ دَمُهُ بَعْدَ الصُّلْحِ الْأَوَّلِ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي كَانَتْ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَدَلَّ بِمَا
5477 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: ثنا أَبِي عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُطِيعِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ وَكَانَ اسْمُهُ الْعَاصِ فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم " مُطِيعًا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، حِينَ أَمَرَ بِقَتْلِ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ بِمَكَّةَ ، يَقُولُ: " لَا تُغْزَى مَكَّةُ بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَدًا وَلَا يُقْتَلُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ صَبْرًا بَعْدَ الْعَامِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ غَزْوُهَا فِي ذَلِكَ الْعَامِ بِخِلَافِهِ فِيمَا بَعْدَهُ مِنَ الْأَعْوَامِ ، وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَا أَمَانَ لِأَهْلِهَا فِي ذَلِكَ الْعَامِ لِأَنَّهُ لَا يُغْزَى مَنْ هُوَ فِي أَمَانٍ ، وَقَوْلُهُ:«لَا يُقْتَلُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ صَبْرًا بَعْدَ ذَلِكَ الْعَامِ» لِذَلِكَ ، وَفِيمَا رَوَيْنَا وَذَكَرْنَا مِنَ الْآثَارِ وَكَشَفْنَا مِنَ الدَّلَائِلِ مَا تَقُومُ الْحُجَّةُ بِهِ فِي كَشْفِ مَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ وَإِيضَاحِ فَتْحِ مَكَّةَ أَنَّهُ عَنْوَةٌ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ ، وَلَقَدْ رُوِيَ فِي أَمْرِ مَكَّةَ مَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ صُلْحًا مَا
5478 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ ، ح
5479 -
وَحَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ قَالَا: ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ لَهِيعَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُرْوَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " لَقَدْ أَظْهَرَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَ
⦗ص: 332⦘
أَهْلُ مَكَّةَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ حَتَّى إِنْ كَانَ لَيَقْرَأُ بِالسَّجْدَةِ وَيَسْجُدُ فَيَسْجُدُونَ فَمَا يَسْتَطِيعُ بَعْضُهُمْ أَنْ يَسْجُدَ مِنَ الزِّحَامِ وَضِيقِ الْمَكَانِ لِكَثْرَةِ النَّاسِ حَتَّى قَدِمَ رُءُوسُ قُرَيْشٍ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَأَبُو جَهْلٍ وَغَيْرُهُ فَكَانُوا بِالطَّائِفِ فِي أَرَضِيهِمْ فَقَالَ: أَتَدَعُونَ دِينَ آبَائِكُمْ فَكَفَرُوا " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ رحمه الله: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ إِسْلَامَ أَهْلِ مَكَّةَ قَدْ كَانَ تَقَدَّمَ وَأَنَّهُمْ كَفَرُوا بَعْدَ ذَلِكَ ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُؤَمِّنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَوْمًا مُرْتَدِّينَ بَعْدَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِمْ؟ هَذَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم ، وَلَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ جَمِيعًا أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّعَامِ إِلَّا مَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ وَأَنَّهُ يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعَةِ الْعَيْشِ ، وَالتَّصَرُّفِ فِي أَرْضِ اللهِ حَتَّى يُرَاجِعَ دِينَ اللهِ تَعَالَى أَوْ يَأْبَى ذَلِكَ فَيَمْضِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ اللهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ لَوْ سَأَلَ الْإِمَامَ أَنْ يُؤَمِّنَهُ عَلَى أَنْ يُقِيمَ مُرْتَدًّا آمِنًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يُجِيبُهُ إِلَى ذَلِكَ وَلَا يُعْطِيهِ مَا سَأَلَ ، فَفِي ثُبُوتِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا وَصَفْنَا دَلِيلٌ صَحِيحٌ وَحُجَّةٌ قَاطِعَةٌ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُؤَمِّنْ أَهْلَ مَكَّةَ بَعْدَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِمْ وَظَفَرِهِ بِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ