الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْجِنَايَاتِ
بَابُ مَا يَجِبُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ وَجِرَاحِ الْعَمْدِ
4990 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَيْمُونٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ. ح
4991 -
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: ثنا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: ثنا أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: " لَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مَكَّةَ قَتَلَتْ هُذَيْلٌ رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ بِقَتِيلٍ كَانَ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَخَطَبَ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَقْتُلَ وَإِمَّا أَنْ يُودَى «وَاللَّفْظُ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ فِي حَدِيثِهِ» قَتَلَتْ خُزَاعَةُ رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرُ مَا يَجِبُ فِي النَّفْسِ خَاصَّةً وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلُ ذَلِكَ
4992 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ، قَالَ: ثنا مُسَدَّدٌ ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا شُرَيْحٍ الْكَعْبِيَّ ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ «أَلَا إِنَّكُمْ مَعْشَرَ خُزَاعَةَ قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيلَ مِنْ هُذَيْلٍ وَإِنِّي عَاقِلُهُ فَمَنْ قُتِلَ لَهُ بَعْدَ مَقَالَتِي قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ وَبَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوا» . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا
4993 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ فُضَيْلٍ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ أُصِيبَ بِدَمٍ أَوْ بِخَبْلٍ يَعْنِي
⦗ص: 175⦘
بِالْخَبْلِ الْجِرَاحَ فَوَلِيُّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إِحْدَى ثَلَاثٍ بَيْنَ أَنْ يَعْفُوَ أَوْ يَقْتَصَّ أَوْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ فَإِنْ أَتَى الرَّابِعَةَ فَخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ فَإِنْ قَبِلَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ ثُمَّ عَدَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ النَّارُ خَالِدًا فِيهَا مُخَلَّدًا» .
4994 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، قَالَ: ثنا عَبَّادٌ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَارِثُ بْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ حُكْمَ الْجِرَاحِ الْعَمْدِ فِيمَا يَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قُتِلَ عَمْدًا فَوَلِيُّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَعْفُوَ أَوْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ أَوْ يَقْتَصَّ رَضِيَ بِذَلِكَ الْقَاتِلُ أَوْ لَمْ يَرْضَ ، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآثَارِ وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ فَقَالُوا: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ إِلَّا بِرِضَاءِ الْقَاتِلِ. وَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ لَهُمْ أَنَّ قَوْلَهُ «أَوْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ» قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَا قَالَ لِأَهْلِ الْمَقَالَةِ الْأُولَى وَيَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ إِنْ أُعْطِيَهَا كَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ «خُذْ بِدَيْنِكَ إِنْ شِئْتَ دَرَاهِمَ وَإِنْ شِئْتَ دَنَانِيرَ وَإِنْ شِئْتَ عُرُوضًا» وَلَيْسَ يُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَأْخُذُ ذَلِكَ رَضِيَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَوْ كَرِهَ وَلَكِنْ يُرَادُ إِبَاحَةُ ذَلِكَ لَهُ إِنْ أُعْطِيَهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا حَاجَتُهُمْ إِلَى ذِكْرِ هَذَا؟ قِيلَ لَهُ: لِمَا قَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا
4995 -
حَدَّثَنَا يُونُسُ ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ: كَانَ الْقِصَاصُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ دِيَةٌ. فَقَالَ اللهُ عز وجل لِهَذِهِ الْأُمَّةِ { «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى» } [البقرة: 178] الْحَرُّ بِالْحُرِّ «إِلَى قَوْلِهِ {» فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ "} [البقرة: 178] وَالْعَفْوُ فِي أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ { «ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ» } [البقرة: 178] مِمَّا كَانَ كُتِبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَأَخْبَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ دِيَةٌ ، أَيْ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْخُذُوهُ أَوْ يَتَعَرَّضُوا بِالدَّمِ بَدَلًا أَوْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى يَسْفِكُوهُ وَأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ. فَخَفَّفَ اللهُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَنَسَخَ ذَلِكَ الْحُكْمَ بِقَوْلِهِ { «فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ» } [البقرة: 178] مَعْنَاهُ إِذَا وَجَبَ الْأَدَاءُ. وَسَنُبَيِّنُ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ هَذَا الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. فَبَيَّنَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ فَقَالَ «مَنْ قُتِلَ لَهُ وَلِيٌّ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَقْتَصَّ أَوْ يَعْفُوَ أَوْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ» الَّتِي أُبِيحَتْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَجَعَلَ لَهُمْ أَخْذَهَا إِذَا أُعْطَوْهَا.
⦗ص: 176⦘
هَذَا وَجْهٌ يَحْتَمِلُهُ هَذَا الْحَدِيثُ. وَلَيْسَ لِأَحَدٍ إِذَا كَانَ حَدِيثٌ مِثْلَ هَذَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ مُتَكَافِئَيْنِ أَنْ يَعْطِفَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ إِلَّا بِدَلِيلٍ مِنْ غَيْرِهِ يَدُلُّ أَنَّ مَعْنَاهُ عَلَى مَا عَطَفَهُ عَلَيْهِ. فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ هَلْ نَجِدُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى: فَقَدْ قَالَ اللهُ عز وجل { «فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ» } [البقرة: 178] الْآيَةَ. فَأَخْبَرَ اللهُ عز وجل فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَعْفُوَ أَوْ يَتَّبِعَ الْقَاتِلَ بِإِحْسَانٍ فَاسْتَدَلُّوا بِذَلِكَ أَنَّ لِلْوَلِيِّ - إِذَا عَفَا - أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ مِنَ الْقَاتِلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ اشْتَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي عَفْوِهِ عَنْهُ. قِيلَ لَهُمْ: مَا فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ وَقَدْ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ وُجُوهًا أَحَدُهَا مَا وَصَفْتُمْ. وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي قُلْنَا بِرِضَاءِ الْقَاتِلِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ عَلَى مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ. وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الدَّمِ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ فَيَعْفُو أَحَدُهُمْ فَيَتَّبِعُ الْبَاقُونَ الْقَاتِلَ بِحِصَصِهِمْ مِنَ الدِّيَةِ بِالْمَعْرُوفِ وَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَيْهِمْ بِإِحْسَانٍ. هَذِهِ تَأْوِيلَاتٌ قَدْ تَأَوَّلَتِ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَيْهَا فَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِبَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا بِدَلِيلٍ آخَرَ فِي آيَةٍ أُخْرَى مُتَّفَقٌ عَلَى تَأْوِيلِهَا أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَعْفُوَ أَوْ يَقْتُلَ أَوْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ» فَجَعَلَ عَفْوَهُ غَيْرَ أَخْذِهِ الدِّيَةَ. فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا عَفَا فَلَا دِيَةَ لَهُ وَإِذَا كَانَ لَا دِيَةَ لَهُ إِذَا عَفَا عَنِ الدَّمِ ، ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الَّذِي كَانَ وَجَبَ لَهُ هُوَ الدَّمُ وَأَنَّ أَخْذَهُ الدِّيَةَ الَّتِي أُبِيحَتْ لَهُ هُوَ بِمَعْنَى أَخْذِهَا بَدَلًا مِنَ الْقَتْلِ. وَالْإِبْدَالُ مِنَ الْأَشْيَاءِ لَمْ نَجِدْهَا تَجِبُ إِلَّا بِرِضَاءِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَرِضَاءُ مَنْ تَجِبُ لَهُ. فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْقَتْلِ ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا وَانْتَفَى مَا قَالَ الْمُخَالِفُ لَنَا. وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى لِقَوْلِهِمْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ نَظَرْنَا: هَلْ لِلْآخَرِينَ خَبَرٌ يَدُلُّ عَلَى مَا قَالُوا؟ فَإِذَا أَبُو بَكْرَةَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَدْ حَدَّثَانَا قَالَا: ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ ، ح
4996 -
وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَا: ثنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ " أَنَسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ أَنَّ عَمَّتَهُ الرُّبَيِّعَ لَطَمَتْ جَارِيَةً فَكَسَرَتْ ثَنِيَّتَهَا فَطَلَبُوا إِلَيْهِمُ الْعَفْوَ فَأَبَوْا، وَالْأَرْشَ، فَأَبَوْا إِلَّا الْقِصَاصَ.
⦗ص: 177⦘
فَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْقِصَاصِ. فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: يَا رَسُولَ اللهِ ، أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ، لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«يَا أَنَسُ، كِتَابُ اللهِ الْقِصَاصُ» فَرَضِيَ الْقَوْمُ فَعَفَوْا. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ» يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. فَلَمَّا كَانَ الْحُكْمُ الَّذِي حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الرُّبَيِّعِ لِلْمَنْزُوعَةِ ثَنِيَّتُهَا هُوَ الْقِصَاصُ وَلَمْ يُخَيِّرْهَا بَيْنَ الْقِصَاصِ وَأَخْذِ الدِّيَةِ وَهَاجَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ حِينَ أَبَى ذَلِكَ ، فَقَالَ «يَا أَنَسُ كِتَابُ اللهِ الْقِصَاصُ» فَعَفَا الْقَوْمُ فَلَمْ يَقْضِ لَهُمْ بِالدِّيَةِ. ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يَجِبُ بِكِتَابِ اللهِ عز وجل وَسُنَّةِ رَسُولِهِ فِي الْعَمْدِ هُوَ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَجِبُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْخِيَارُ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَبَيْنَ الْعَفْوِ مِمَّا يَأْخُذُ بِهِ الْجَانِي إِذًا لَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَأَعْلَمَهَا بِمَا لَهَا أَنْ تَخْتَارَهُ مِنْ ذَلِكَ. أَلَا تَرَى أَنَّ حَاكِمًا لَوْ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فِي شَيْءٍ يَجِبُ لَهُ فِيهِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ فَثَبَتَ عِنْدَهُ حَقُّهُ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ لَهُ بِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ دُونَ الْآخَرِ وَإِنَّمَا يَحْكُمُ لَهُ بِأَنْ يَخْتَارَ مَا أَحَبَّ مِنْ كَذَا وَمِنْ كَذَا فَإِنْ تَعَدَّى ذَلِكَ فَقَدْ قَصُرَ عَنْ فَهْمِ الْحُكْمِ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحْكَمُ الْحُكَمَاءِ. فَلَمَّا حَكَمَ بِالْقِصَاصِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ كِتَابُ اللهِ عز وجل ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الَّذِي فِي مِثْلِ ذَلِكَ هُوَ الْقِصَاصُ لَا غَيْرُهُ. فَلَمَّا ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ يُعْطَفَ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي شُرَيْحٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما. فَيُجْعَلَ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِمَا «فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَعْفُوَ أَوْ بَيْنَ أَنْ يَقْتَصَّ أَوْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ» عَلَى الرِّضَاءِ مِنَ الْجَانِي بِغُرْمِ الدِّيَةِ حَتَّى تَتَّفِقَ مَعَانِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَمَعْنَى حَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ النَّظَرَ يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى وَذَلِكَ أَنَّ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَسْتَحْيُوا أَنْفُسَهُمْ. فَإِذَا قَالَ الَّذِي لَهُ سَفْكُ الدَّمِ قَدْ رَضِيتُ بِأَخْذِ الدِّيَةِ وَتَرْكِ سَفْكِ الدَّمِ وَجَبَ عَلَى الْقَاتِلِ اسْتِحْيَاءُ نَفْسِهِ فَإِذَا وَجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ كَرِهَ. فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَنَّ عَلَى النَّاسِ اسْتِحْيَاءَ أَنْفُسِهِمْ كَمَا ذَكَرْتَ بِالدِّيَةِ وَبِمَا جَاوَزَ الدِّيَةَ وَجَمِيعَ مَا يَمْلِكُونَ. وَقَدْ رَأَيْنَاهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ قَالَ لِلْقَاتِلِ قَدْ رَضِيتُ أَنْ آخُذَ دَارَكَ هَذِهِ عَلَى أَنْ لَا أَقْتُلَكَ أَنَّ الْوَاجِبَ
⦗ص: 178⦘
عَلَى الْقَاتِلِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ تَسْلِيمُ ذَلِكَ لَهُ وَحَقْنُ دَمِ نَفْسِهِ فَإِنْ أَبَى لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ ذَلِكَ كُرْهًا فَيُدْفَعُ إِلَى الْوَلِيِّ. فَكَذَلِكَ الدِّيَةُ إِذَا طَلَبَهَا الْوَلِيُّ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ أَنْ يَسْتَحِيَ نَفْسَهُ بِهَا وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ كُرْهًا. ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى أَهْلِ الْمَقَالَةِ الْأُولَى فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ الْجَانِي. فَنَقُولُ لَهُمْ: لَيْسَ يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِي لَهُ عَلَى الْقَاتِلِ هُوَ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ جَمِيعًا فَإِذَا عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ فَأَبْطَلَهُ بِعَفْوِهِ كَانَ لَهُ أَخْذُ الدِّيَةِ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي وَجَبَ لَهُ هُوَ الْقِصَاصُ خَاصَّةً وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ الْقِصَاصِ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي وَجَبَ لَهُ هُوَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إِمَّا الْقِصَاصُ وَإِمَّا الدِّيَةُ يَخْتَارُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ لَيْسَ يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْوُجُوهِ. فَإِنْ قُلْتُمُ: الَّذِي وَجَبَ لَهُ هُوَ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ جَمِيعًا فَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّ اللهَ عز وجل لَمْ يُوجِبْ عَلَى أَحَدٍ فَعَلَ فِعْلًا أَكْثَرَ مِمَّا فَعَلَ فَقَدْ قَالَ عز وجل «وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ» . فَلَمْ يُوجِبِ اللهُ عز وجل عَلَى أَحَدٍ بِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ أَكْثَرَ مِمَّا فَعَلَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يُقْتَلَ وَيَأْخُذَ الدِّيَةَ. فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدَ قَتْلِهِ أَخَذُ الدِّيَةِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الَّذِي كَانَ وَجَبَ لَهُ خِلَافُ مَا قُلْتُمْ. وَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّ الَّذِي وَجَبَ لَهُ هُوَ الْقِصَاصُ وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ الْقِصَاصِ فَإِنَّا لَا نَجِدُ حَقًّا لِرَجُلٍ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ بَدَلًا بِغَيْرِ رِضَاءِ مَنْ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْحَقُّ فَبَطَلَ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا. وَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّ الَّذِي وَجَبَ لَهُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إِمَّا الْقِصَاصُ وَإِمَّا الدِّيَةُ يَأْخُذُ مِنْهُمَا مَا أَحَبَّ وَلَمْ يَجِبْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ وَاحِدًا مِنْهُمَا دُونَ الْآخَرِ. فَإِنَّهُ يَنْبَغِي إِذَا عَفَا عَنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ أَنْ لَا يَجُوزَ عَفْوُهُ لِأَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمَعْفُوَّ عَنْهُ بِعَيْنِهِ فَيَكُونُ لَهُ إِبْطَالُهُ إِنَّمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَهُ فَيَكُونُ هُوَ حَقَّهُ أَوْ يَخْتَارُ غَيْرَهُ فَيَكُونُ هُوَ حَقَّهُ فَإِذَا عَفَا عَنْ أَحَدِهِمَا قَبْلَ اخْتِيَارِهِ إِيَّاهُ وَقَبْلَ وُجُوبِهِ لَهُ بِعَيْنِهِ فَعَفْوُهُ بَاطِلٌ. أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ جُرِحَ أَبُوهُ عَمْدًا فَعَفَا عَنْ جَارِحِ أَبِيهِ ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ أَنَّ عَفْوَهُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ إِنَّمَا عَفَا قَبْلَ وُجُوبِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ لَهُ. فَلَمَّا كَانَ مَا ذَكَرْنَا كَذَلِكَ وَكَانَ الْعَفْوُ مِنَ الْقَاتِلِ قَبْلَ اخْتِيَارِهِ الْقِصَاصَ أَوِ الدِّيَةَ جَائِزًا ثَبَتَ بِذَلِكَ
⦗ص: 179⦘
أَنَّ الْقِصَاصَ قَدْ كَانَ وَجَبَ لَهُ بِعَيْنِهِ قَبْلَ عَفْوِهِ عَنْهُ وَلَوْلَا وُجُوبُهُ لَهُ إِذًا لَمَا كَانَ لَهُ إِبْطَالُهُ بِعَفْوِهِ كَمَا لَمْ يَجُزْ عَفْوُ الِابْنِ عَنْ دَمِ أَبِيهِ قَبْلَ وُجُوبِهِ لَهُ. فَفِي ثُبُوتِ مَا ذَكَرْنَا وَانْتِفَاءِ هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي وَصَفْنَا مَا يَدُلُّ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْقَاتِلِ عَمْدًا أَوِ الْجَارِحَ عَمْدًا هُوَ الْقِصَاصُ لَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ دِيَةٍ وَغَيْرِهَا إِلَّا أَنْ يَصْلُحَ هُوَ إِنْ كَانَ حَيًّا أَوْ وَارِثُهُ إِنْ كَانَ مَيْتًا ، وَالَّذِي وَجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ عَلَى شَيْءٍ ، فَيَكُونُ الصُّلْحُ جَائِزًا عَلَى مَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ مِنْ دِيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ