الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة الطبعة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وعلى المسلمين أجمعين.
وبعد: فهذه هي مقدمة الطبعة الثانية لكتاب صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام. وقد سبق أن أستاذي الدكتور على سامي النشار بتحقيق هذا الكتاب ونشره عام 1366 هـ - 1946 م.
وكان قد أتم ذلك عن نسخة وحيدة بالمكتبة الأزهرية بالقاهرة. وقد رأى أستاذنا الكبير الدكتور عبد الحليم محمود: أمين عام مجمع البحوث الإسلامية. وعالم الإسلام العظيم. أن يقدم للقارئ العربي طبعة جديدة في صورة محدثة أنيقة. ومراجعات جديدة في ضوء مجموعة كبيرة من الكتب لم تكن قد ظهرت حين ظهور الطبعة الأولى ومن أهم هذه الكتب "كتاب الشريعة للآجدى عام 1952" وقد أورد السيوطي نصوصا كثيرة منه كذلك كتاب "الرعاية للمحاسبي" وقد نشره الأستاذ الدكتور عبد الحليم محمود والأستاذ طه عبد الباقي سرور وقد نقل السيوطي أيضا نصوصا منه .. وكتاب البخاري في خلق أفعال العباد وقد نقل السيوطي فقرة منه.
وحين قررنا للقيام بنشره هذه الطبعة الثانية -بناء على رغبة الأستاذ الدكتور عبد الحليم محمود كما قامت -بدأت وأستاذي الدكتور علي النشار
بمراجعة الطبعة الأولى على مخطوط (صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام) ولدينا للصورة الفوتوغرافية لهذا المخطوط .. وسننشر منها صفحتين في هذه الطبعة .. ثم أتبعنا هذا بمراجعة كتاب (صون المنطق والكلام) على الكتب المنشورة التي أشرنا إليها آنفًا .. وكذلك قمت بتنظيم الكتاب تنظيمًا دقيقًا فقسمت الفقرات الكبيرة التي ظهرت في الطبعة الأولى مسترسلة إلى فقرات أصغر. حتى تسهل القراءة على القارئ .. مما جعل الكتاب يبدو في صورة جديدة تختلف عن صورته الأولى ..
أما عن مادة الكتاب، فإننا نعلم أن الكتاب قد ألفه السيوطي لكي يثبت إتقانه للمنطقة .. وكان المنطق قد أعتبر شرطًا من شروط الاجتهاد وكان السيوطي يدعي الاجتهاد المطلق .. فكتب كتابه هذا (صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام) وهو صرخة حضارية، قامت بها الروح الإسلامية تجاه علم من علوم الأوائل .. وهو المنطق الأرسططاليس وتجاه علم يستند على العقل والرأي .. وهو علم الكلام.
أما عن موقف الروح الإسلامية عن المنطق اليوناني .. فإن النقد الباطني للنصوص المختلفة التي أوردها السيوطي تبين:
أولا: أن هذا المنطق ترف عقلى .. لجأ إليه اليونان .. ولم يصل بهم إلى علم يقيني.
ثانيًا: أن هذا المنطق لا يمكن أن يكون الصورة الوحيدة لليقين، فهناك صورة أخرى لليقين .. لا يعرفها هذا المنطق ولا أصحابه الأصليون وأتباعهم من المشائين الإسلاميين ..
ثالثا: إن هذا المنطق المستند على اللغة اليونانية ويسميها السيوطي هنا -لسان يونان -لا يتفق أبدًا مع المنطق الذي يجب أن يصدر من الروح الإسلامية نفسها .. مستندًا على "عبقرية اللغة العربية".
وقد استند السيوطي في نقده الأخير هذا على "الإمام الشافعي". والشافعي أعظم من أدرك بيقين نافذ استناد المنطق اليوناني على عبقرية اللغة اليونانية وخصائصها مما يحول دون تطبيقه على أبحاث تقوم أساس على العربية. ونحن نعلم أن الشافعي قد وضع أصول الفقه .. وطريقه الكبير "القياس الأصولي" بلغة الأصوليين الفقهاء .. وقياس الغائب على الشاهد .. بلغة الأصوليين المتكلمين .. " وهو طريق يختلف في كلياته وفي جزئياته عن القياس الأرسططاليس المشهور. كان الأول يمثل المنهج الاستقرائي .. بينما يمثل الثاني المنهج القياسي أو الاستنباطي.
وكل من المنهجين يمثل حضارة مختلفة عن الأخرى أشد الاختلاف .. أما عن موقف الروح الإسلامية من علم الكلام. فهو موقف يختلف عن المنطق فقد كان علم الكلام في بدئه عالما حادثا في الإسلام .. احتيج إليه زمنا ما لرد عادية التيارات الخارجية التي هاجمت الإسلام .. وكان أهم هذه التيارات المسيحية واليهودية والغنوصية والفلسفة اليونانية .. ولكن ما لبث علم الكلام أن تشقق أصحابه وتفيهقوا.: وكانت ميزاته إثارة الجدل الميتافيزيقي الذي لا طائل تحته. والجدل السياسي الذي استقر أوراه وقضى على سلطان المسلمين. وكان الكلام يستند على العقل ويخوض في المسائل الإلهية .. ويخلط فلسفة اليونان بعقائد المسلمين .. ورأي أهل الفقه من ناحية وأهل الحديث من ناحية أخرى أن هذا الكلام المستند على هوى العقل قد أفسد الحياة الإسلامية .. وفرق المسلمين فرقا وشيعا .. فشغلوا به عن كل شيء وما أجمل عبارة أمام دار الهجرة "مالك بن أنس" -والتي أوردها السيوطي -والكلام في الدين أكرهه. ولا أحب الكلام إلا فيما تحته عمل" .. هذه هي الروح العملية البرجمندكية .. التي ينبغي أن تسود
الحياة الإسلامية .. وتسيطر على تطورها .. ولقد رأى السيوطي أن يقدم لنا نصوصا نادرة .. وفي تسلسل تاريخي وموضوعي عن أقوال وآراء السلف في تحريم النظر في الالهيات ..
* * *
وأخيرًا أود أن أقدم شكري مرة ثانية للأستاذ الأكبر الدكتور الشيخ عبد الحليم محمود .. الذي تفضل مشكورًا وطلب منا إعداد هذه الطبعة الثانية .. ولعل الله أن ينفع بها العلم والعلماء .. وأن يستبصر بهديها المستبصرون .. وأن يفتح بها للمسلمين والمسلمات آفاقا جديدة من الفكر ..
وأن يعلموا أن للعقل حدوده وأن له قيوده .. والله من ورائهم محيط ..
ومنه وحده الهدى والتوفيق.
سعاد على عبد الرازق
الإسكندرية
11 ذي القعدة سنة 1389 هـ
الموافق 19 يناير سنة 1970 م
تقديم
لحضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر
الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخ الجامع الأزهر
ولم تنل دراسة تاريخ المنطق عند الإسلاميين حقها من عناية الباحثين. وإذا كان الرأي السائد أن منطق أرسططاليس نقل إلى العربية فيما نقل من فلسفة يونان -فظل على مر الأيام منطقا أرسططاليسيا في أصوله وقواعده، وفي جملته وتفصيله. فإن هذا الرأي السائد ليس وليد بحث عميق ولا اطلاع واسع على الاتجاهات المختلفة للمنطق في ألوان الثقافات الإسلامية. كأبحاث أصول العقائد وأبحاث أصول الأحكام.
ولقد كنت أيام اشتغالي بتدريس المنطق في الجامعة المصرية معنيا بأن أوجه الهمم إلى دراسة تاريخ المنطق في الثقافة الإسلامية وتتبع أطواره ومذاهبه، وأعرف أن ذلك يحتاج إلى تقصى المراجع في مظانها وفي غير مظانها أحيانا، وإلى التماس المؤلفات النافعة في هذا الباب بين المخطوطات التي لم تتناولها الأيدي.
وكنت عثرت في دار الكتب الأزهرية على مجموعة رسائل للسيوطي في ضمنها كتاب "صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام" يتبعه كتاب "جهد القريحة في تجريد النصيحة" الذي لخصه السيوطي من كتاب "نصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان" لتقي الدين بن تيمية. ووجدت في الكتابين نفعا محققا فيما أحاوله، فشرعت يومئذ في تدارسهما مع بعض الطلاب، غير أن ذلك لم يطل، فقد صرفتني الأقدار عن حياة المنطق إلى حياة ليست بمنطقية.
ولئن كنت أسفت على ما فاتنى من متابعة ما بدأته من الدرس، فإني جد مغطبط بأن أرى صفوة مختارة من أبنائنا يأخذون بقوة، يسعدها شباب زاك، ما كنا حاولناه بعزم تخلى عنه الشاب.
وهذا الأستاذ علي سامي النشار، تلميذي بالأمس، وصديقي اليوم، يوجه همته إلى متابعة البحث ويمهد السبيل للباحثين.
ولقد عانى الأستاذ النشار في إعداد كتاب السيوطي للنشر مشقة "وأنفق جهدا يدركه تمام الإدراك من عانى نشر كتاب استنادا على مخطوط واحد".
وهو يصف في مقدمته طريقته في تصحيح النص ومقارنة ما لخصه السيوطي من الكتب بأصولها مطبوعة ومخطوطة. وقارن كتاب تجريد النصيحة في كثير من مواضعه بما ورد في كتب مختلفة لابن تيمية.
وإن مجهود الأستاذ علي سامي النشار لجدير بالتنويه والشكر والثناء.
وإذ كان قد وقع في بعض الصفحات أخطاء مطبعية وغيرها -فما كان ذلك لبعض من هذا العمل الجليل الممتاز الذي سيجد من كل معنى بالدراسات الإسلامية تقديرا عظيما.
وأسأل الله أن ينفع الأستاذ بما علمه، ويعلمه ما ينفعه، وأن يزيده علما.
القاهرة في 25 صفر سنة 1366
18 يناير سنة 1947 مصطفى عبد الرازق