الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطبقة السابعة
ثم قال ((الطبقة السابعة)) وأخرج فيه عن عثمان بن سعيد الدارمي قال: لا تكيف هذه الصفات ولا تكذب بها ولا تفسرها. وأخرج عن عثمان بن سعيد قال: ما خاض في هذا الباب أحد ممن كانوا يذكرون إلا سقط. وأخرج عن عثمان بن سعيد قال. على تصديقها، والإيمان بها)). أدركنا أهل الفقه والبصر من مشايخنا ولا ينكرها منهم أحد ولا يمتنع من روايتها حتى ظهرت هذه العصابة فعارضت آثار رسول الله- صلى الله عليه وسلم برد، فقالوا: كيف قلنا؟ لم نكلف كيفية في ديننا، ولا نعقله بقلوبنا وليس كمثله شيء من خلقه فيشبه منه فعل، أو صفه بفعالهم وصفاتهم.
وأخرج عن أبي عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي أنه سئل عن الإيمان، فقال: الواجب على جميع أهل العلم والإسلام أن يلزموا القصد للإتباع. وأن يجعلوا الأصول التي نزل بها القرآن وأتت بها السنين من الرسول- صلى الله عليه وسلم غايات للعقول، ولا تجعلوا العقول غايات للأصول، فإن الله جل وعز ورسوله- صلى الله عليه وسلم قد يفرق بين المشتبهين، ويباين بين المجتمعين في المعقول، تعبدا وبلوى ومحنة. ومتى ورد على المر موارد من وجوه العلم لا يبلغه عقله، أو تنفر منه نفسه، وينأى عنه فهمه، وتبعد عنه معرفته، وقف عنده، واعترف بالتقصير عن إدراك علمه)) وبالحسور عن كنه معرفته. ويعلم أن الله عز وجل ورسوله- صلى الله عليه وسلم-
لو كشف عن علة ذلك الحادث، وأبان وأوضح عن سببه، وعن المراد من مخرجه، لأدركته عقولنا، ولو كان كل ما أتى به الحكم من الله عز وجل، والأمر بتعبده، أتانا مكشوفًا بيانه، موضحة علته، لم تكن للعباد بلوى ولا محنة، وإنما المحن الغلاظ والبلوى الشديدة للأمور والفروض التي لا تنكشف عللها، ليسلم العباد بها تسليمًا، ويقفوا عندها إيمانًا. ولولا وصفناه كان الذي سبق إليه فكر العقول منا أن واجبا في كل ما سأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل أن يجيبه، وأن ينزل عليه، فيه شفاء ليزداد الناس به علمًا، ولملكوته فهمًا.
ولسنا نرى الأمر كذلك، فقد سألوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم وسأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل عن الروح، فلما أجابه قال الله تعالى:{ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} .
وعلى ذلك خالف ربنا بين من أنزل من شرائعه، وأعلام دينه، ومعالم فروضه وعباداته في الأمم الخوالي، فأحل لطائفة ما رحمه على أمة، وحرم على أمة ما أطلقه لغيرها من أمة، وحظر على آخرين ما أباحه لمن سواهم، وكذلك الأمر فيما أنزل من كتبه. وخالف بينهما في أحكامها، كالتوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وصحف من مضى من الرسل، ليسلم الموفق منهم لأمره ونهيه، وينكص المخذول منهم على عقبيه نفارًا من التفريق بين المجتمعين، وعن الجمع بين المتفرقين، وعلموا أن السلامة فيما أنزل عليهم في الابتاع والتقليد، لما أمروا به، والإعراض عن طلب التكيف فيما أجمل لهم، وعن الغلو والإيغال في التماس نهاياتها للوقوع على أقصى مداخلها،
إذ كان ذلك لا يبلغ أبدًا، فإن دون كل بيان بيانًا، وفوق كل متعلق غامض، متعلق أغمض منه.
وإذا كان الأمر كذلك فالواجب الوقوف عند المستبهم منه، ومن أجل ذلك أثنى الله عز وجل على الراسخين في العلم بأنهم إذا أفضى ببعضهم الأمر إلى ما جهلوه، آمنوا به، ووكلوا إلى الله عز وجل. ومن أجل ذلك ذم الله الغالين في طلب مأوى عنهم علمه وطوى عنهم خبره، فقال:{فأما الذين في قلوبهم زيغ} .. إلى قوله {وما يذكر إلى أولو الألباب} .
ومن أجل بعض ما ذكرنا اشتد الخلفاء المهديون على ذوي الجدل والكلام في الدين وعلى ذوي المنازعات والخصواما في الإسلام والإيمان، ومتى نجم منهم ناجم في دهر، أطفوه، وأخمدوا ذكره وأنعموا عقوبته. فمنهم من سيره إلى طرف. ومنهم من ألزمه قعر محبس، إشفاقًا على الدين من فتنه، وحذارا على المسلمين من خدعات شبهته، كما فعله الإمام الموفق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حين سأله صبيغ عن ((الذاريات ذروا)) وأشباهه، فسيره إلى الشام وزجر الناس عن مجالسته.
وفعله علي بن أبي طالب- رضي الله عنه بعبد الله بن سبأ، فسيره إلى المدائن.
ولقد أتى محمد بن سيرين رجل من أهل الكلام. فقال ائذن لي أحدثك بحديث: قال: لا أفعل. قال: فأتلو عليك آية من كتاب الله ((قال: لا ولا هذا فقيل له في ذلك، فقال ابن سيرين: لم آمن أن يذكر لي ذكرًا يقدج به قلبي.
وقد بين الله ما بالعباد إليه حاجة في عاجلهم ومعادهم، وأوضح لهم سبيل النجاة والتهلكة وأمر ونهى وأحل وحرم وفرض وسن، فما أمر العباد
عن أمر، سلموا بائتماره والعمل عليه، وما نهينا عنه من شيء سلموا بترك ركوبه، ومتى عتوا عن ظاهر ما أمروا به، ونهوا عنه، ليبلغوا القصوى من غاية علم أمره ونهيه، لم يؤمن عليه الحيرة ولا غلبة الشبهة على قلبه وفهمه.
ومن أجل ذلك، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: وما أنت بمحدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة.
ولقد سأل سائل ابن عباس رضي الله عنهما عن آية من كتاب الله، فقال: ما يؤمنك أن أخبرك بها فتكفر.
وقال أيوب السختياني: لا تحدثوا الناس بما يجهلون فتضروهم، وما منع الله تعالى رسوله محمد- صلى الله عليه وسلم البيان عن بعض ما سأله إلا وقد علم أن ذلك المنع إعطاء، وأن المنع أجدى على الأمة وأسلم لهم في بدئهم وعاقبتهم، ولولا ذلك لكان من سأل من المشركين والأمم الكافرين رسلهم وأنبياءهم الآيات، وصنوف العجائب والبينات معذورين، ولكانت الرسل في ترك أسعافهم مذمومين، ولكان كلما سألوا من آية دونها آية، وفوقها أخرى، حتى أفضى ببعضهم إلى أن سأله أن يروا ربهم جهرة.
وسأل بعضهم رسولنا عن الدليل على أمره تفجير الأنهار والينابيع، فقالوا: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا)) الآيات، ولو كان الأمر في ذلك على عقول البشر، لقد كانوا يرون أن منعهم الدليل على صدق ما أتت به أنبياؤهم ورسلهم غير نظر لهم، لأن زيادة البيان إلى البيان تسكين.
النفوس عن نفارها، وطمأنينة القلوب، وطيب طباع الإيمان غير أن الله منعهم ما سألوا، إذ فوق ما سألوا آيات لا يوقف على منتهاها، فلم يكن يجب أن لو كان ذلك كذلك إيمان على أحد حتى يبلغ من غاية المعرفة بأمور الله ما أحاط به علم الله، ثم كذلك الأمر الذي لا يعذر به عبد أن يسأله، بل الأمر فيه إلى الله فيما يوفق، ويخذل، وفيما يبين ويبهم، وفيما يشرح ويمنع، حتى يكون العباد في كل وقت مسلمين لأحكامه لا يتعقبونها بتكييف ولا مسألة عن غاية مراده فيها.
ولقد ذكر يونس بن عبد الأعلى عن الشافعي أنه قال: ما من ذنب يلقى الله به عبد بعد الشرك بالله، أعظم من أن يلقاه بهذا الكلام، قال فقلت له: فإن صاحبنا الليث بن سعد كان يقول: لو رأيت رجلًا من أهل الكلام يمشي على الماء، فلا تركن إليه. فقال الشافعي: لقد قصر إن رأيته يمشي في الهواء، فلا تركن إليه. وقال يونس بن عبد الأعلى عن الشافعي قال: مذهبي في أهل الكلام مذهب عمر في صبيغ، تقنع رؤوسهم بالسياط، ويسيرون من البلاد.
هذا الفصل أملاه ((البوشنجي)) فدون تأليفًا مستقلًا، ويمسى مسألة التسليم لأمر الله والنهي عن الدخول في كيفيته.
والبوشنجي هذا من أئمة الشافعية، قال ابن السبكي في الطبقات: كان من أجلاء الأئمة، شيخ أهل الحديث في زمانه، شيع ابن خزيمة جنازته. فسئل عن مسألة فقال: لا أفتي حتى يواريه لحده.
وأخرج الهروي عن عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: كان أبي وأبو زرعة
يتيهان عن مجالسة أهل الكلام والنظر في كتب المتكلمين، ويقولان: لا يفلح صاحب الكلام أبدًا، وينكران وضع الكتب بالرأي بغير آثار ويأمران بهجران من يفعل ذلك.
وأخرج عن الزجاج النحوي قال: من أفنى عمره في طلب الخلاف لم يصح له مأوى يأويه، ولا محل يكون فيه، فإن أخذ بظاهر الكتاب سلم في الآخر من العتاب، وأخرج عن الهيثم بن كليب أنشدنا القتيبي في صفة أهل الكلام:
ودع من يقول بالكلام ناحية *** فما يقول الكلام ذو ورع
كل فريق فبدوهم حسن *** ثم يصيرون بعد الشنع
أكثر ما فيه أن يقال له *** لم يك في قوله بمتقطع
وأخرج عن الهيثم قال: وأنشدنا القتيبي لعبد الله بن مصعب:
ترى المرء يعجبه أن يقول *** وأسلم للمرء أن لا يقولا
فأمسك عليك فضول الكلام *** فإن لكل كلام فضولا
ولا تصبحن أخا بدعة *** ولا تسمعن له الدهر قيلا
فإن مقالتهم كالظلال *** توشك أفياؤها أن تزولا
وقد أحكم الله آياته *** وكان الرسول عليها دليلا
وأوضح للمسلمين السبيل *** فلا تقفون سواها سبيلا
وأخرج عن جعفر الفرغاني قال سمعت الجنيد بن محمد يقول: أقل ما في الكلام سقوط هيبة الرب من القلب- والقلب إذا عرى من الهيبة بالله عرى من الإيمان.
وأخرج عن ممشاذ الدينوري أنه كان كثيرًا ما يقول: يا أصحابنا لا دمن إحدى ثلاث: إما ركوب الأهوال ومباشرة الحقائق، وإما الاشتغال بالأوراد وإما تعلم هذا العلم قبل أن يقصدكم أصحاب الكلام فيخرجوكم من دينكم وأخرج عن سهل بن عبد الله قال: احتفظوا بالسواد على البياض فما أحد ترك الظاهر إلا خرج إلى الزندقة: وأخرج عن سهل بن عبد الله في قوله: {وتعاونوا على البر والتقوى} قال: على الإيمان والسنة {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} قال: الكفر والبدعة. وأخرج عن أبي عمرو بن نجيد: سمعت أبا عثمان قال: من أمر السنة على نفسه يخلق بالحكمة. ومن أمر البدعة على نفسه نطق بالبدعة وقرأ ((وإن تطيعوه تهتدوا)).
وأخرج عن ابن محمد المرتعش قال: سئل أبو حفص ما البدعة؟ قال: التعدي في الأحكام والتهاون بالسنن وإتباع الآراء والأهواء وترك الاقتداء والإتباع، وأخرج عن أبي على الجوزجاني أنه سئل كيف الطريق إلى الله؟ قال: أصح الطريق وأعمرها وأبعدها من الشبه، إتباع الكتاب والسنة قولًا وفعلًا وعزمًا وعقدًا ونيةً، لأن الله تعالى قال {وإن تطيعوه تهتدوا} فسأله كيف الطريق إلى إتباع السنة قال: مجانبة البدع وإتباع ما اجتمع عليه الصدر الأول من علماء الإسلام وأهله والتباعد من مجالس الكلام وأهله ولزوم طريقة الاقتداء والإتباع. بذلك أمر النبي- صلى الله عليه وسلم بقوله (ثم
أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا}.
وأخرج عن ابن أبي حاتم قال كان أبي وأبو زرعة يقولون: من طلب الدين بالكلام ضل. وأخرج عن أبي سعيد الاصطخري أن رجلًا قال له: أيجوز الاستنجاء بالعظم؟ قال: لا: قال لم؟ قال: لأن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: هو زاد إخوانكم من الجن، قال: فقال له: الإنس أفضل أم الجن؟ قال: بل الإنس قال: فلم نجوز الاستنجاء بالماء، وهو زاد الإنس، فنل عليه وأخذ بحلقه، وهو يقول: يا زنديق تعارض رسول الله- صلى الله عليه وسلم وجعل يخنقه، فلولا أنهم أدركوه لقتله.
وأخرج عن أبي العباس بن سريج أنه سئل ما التوحيد؟ قال: توحيد أهل العلم وجماعة المسلمين ((أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله)) وتوحيد أهل الباطل الخوض في الأعراض والأجسام. وإنما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بإنكار ذلك.
وأخرج عن أحمد بن محمد بن أبي سعد أن قال: من جلس للمناظرة على الغلبة فأوله جدال وصياح، وأوسطه حب العلو على الخلق، وآخره حقد وغضب، ومن جلس للمناصحة فأول كلامه موعظة، وأوسطه دلالة، وآخره بركة.
وأخرج عن أبي عمرو بن مطر قال: سئل ابن خزيمة عن الكلام في الأسماء والصفات. فقال: بدعة ابتدعوها ولم يكن أئمة المسلمين وأرباب المذاهب وأئمة الدين مثل مالك وسفيان والأوزاعي والشافعي وأحمد