الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من المسلمين على الشرط الذي يراعونه لتصحيح عرفة الله. أو لا يجد مسلم ألم هذه المقالة القبيحة الشنيعة في قلبه؟ بل لو تقطع حسرات من عظيم ما اخترعوه في الدين؟ وموهوه على الناس، كان جديرًا بذلك، وإن قالوا إنا لا نكفر العوام، فقد ناقضوا أصولهم، حين أثبتوا حقيقة المعرفة والإيمان بغير طريقها على أصولهم، وأظن أن من قال عنهم ذلك فإنما هو سلوك طريق التقية. ورد تشنيع الناس عليهم، وإلا فاعتقادهم وطريقتهم في أصولهم ما ذكرنا، والله يكفي أهل السنة والجماعة شرهم، ويرد كيدهم في نحرهم، ويلحق بهم عاقبة مكرهم بقدرته وعظيم سطوته.
فصل معنى العقل ومقامه من الدين عند أهل السنة
فصل: ونشتغل الآن بذكر معنى العقل ومقامه من الدين عند أهل السنة.
اعلم أن مذهب أهل السنة أن العقل لا يوجب شيئًا على أحد، ولا يرفع شيئًا عنه. ولاحظ له في تحليل أو تحريم، ولا تحسين ولا تقبيح ولو لم يرد السمع ما أوجب على أحد شيء، ولا دخلوا في ثواب ولا عقاب. واستدلوا على هذا بقوله تعالى {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا} . وبقوله تعالى {رسلًا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للنا على الله حجة بعد الرسل} . وقال تعالى حاكيًا عن الملائكة غيما خاطبوا به أهل النار {ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا؟ قالوا بلى}
فأقام عليهم الحجة ببعثة الرسل فلو كانت الحجة لازمة بنفس العقل لم يكن بعثه للرسل شرطًا لوجوب العقوبة. وقال "صلى الله عليه وسلم": أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله: فدل أنه الداعي إلى الإيمان وعندهم أن الداعي إلى الإيمان هو العقل؛ وجاء الكتاب مؤيدًا لهذا. قال الله تعالى {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا الذي له ملك السموات والأرض}
…
الآية. فدل على أن الدعوة له وأن الحجة تقوم به، وأمثال هذه الآيات في القرآن كثيرة.
وما أوحش قول من يقول إنه لا دعوة لأحد من النبيين والمرسلين إلى الإيمان على الحقيقة، وإن وجودهم وعدمهم في هذا بمنزلة واحدة. ولو لم يكونوا كان وجوب الإيمان على الناس على الجهة التي وجبت عليهم بعد وجودهم. ولاحظ لدعوتهم في هذا، وإنما الحظ لدعوتهم في الشرائع وفروع العبادات. فقد جعلوا عقولهم دعاة إلى الله تعالى. ووضعوها موضع الرسل فيما بينهم، ولو قال قائل: لا إليه إلا الله عقلي رسول الله، لم يكن مستكفرًا عند المتكلمين من جهة المعنى. فظهر فساد قول من سلك هذا.
ثم نقول والله الهادي والموفق: إن الله تعالى أسس دينه وبناه على الإتباع وقبوله بالعقل. فمن الدين معقول وغير معقول، والإتباع في جميعه واجب. ومن أهل السنة من قال بلفظ آخر. قال: إن الله لا يعرف بالعقل ولا يعرف مع عدم العقل، ومعنى هذا أن الله تعالى هو الذي يعرف العبد ذاته، فيعرف الله بالله لا بغيره لقوله تعالى {إنك لا تهدي من أحببت ولكنت الله يهدي من يشاء} ولم يقل ولكن العقل، وقال تعالى {يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} والآيات في هذا المعنى كثيرة. وقد ثبت أن
النبي "صلى الله عليه وسلم" قال "والله لولا الله ما اهتدينا، ولا تصدقنا، ولا صلينا". فهذه الدلائل دلت أن الله تعالى هو المعرف. إلا أنه إنما يعرف العبد نفسه مع وجود العقل، لأنه سبب الإدراك والتمييز، لا مع عدمه، لأن الله تعالى قال {إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} . وقال {إن في لك لذكرى لمن كان له قلب} . وقال تعالى مخبرًا عن أصحاب النار {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} . والله يعطي العبد المعرفة لهدايته إلا أنه لا يحصل ذلك مع فقد العقل، وهذا كما أن العبد لا يعرف الله تعالى بجسمه ولا بشخصه ولا بروحه ولا يعرفه مع عدم شخصه وجسمه وروحه كذلك لا يعرف الله بالعقل ولا يعرفه مع عدم العقل ونظير هذا أن الولد لا يكون مع فقد الوطء، ولا يكون بالوطء، بل يكون بإنشاء الله تعالى وخلقه. وكذلك لا يكون الزرع إلا في أرض وببذر وماء، ولا يكون بذلك؛ بل يكون بقدرة الله وإنباته. قال الله تعالى {أفرأيتم مات تحرثون. أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون} معناه أنتم تنبتونه أم نحن المنبتون. يقال للولد زرعه الله: أي أنبته الله تعالى، وأمثال هذا كثير، والموفق يكتفي باليسير والمخذول لا يشفيه الكثير.
وقد قال بعض أهل المعرفة: إنما أعطينا العقل لإقامة العبودية، لا لإدراك الربوبية فمن شغل ما أعطى لإقامة العبودية بإدراك الربوبية فأتته العبودية ولم يدرك الربوبية. ومعنى قولنا: إنما أعطينا العقل لإقامة العبودية هو انه آلة التمييز بين القبيح والحسن والسنة والبدعة، والرياء والإخلاص، ولولاه لم يكن تكليف، ولا توجه أمر ولا نهي، فإذا استعمله على قدره ولم يجاوز به حده: أداة ذلك إلى العبادة الخالصة، والثبات على السنة، واستعمال
المستحسنات، وترك المستقبحات. فهذا يكون معنى قول النبي "صلى الله عليه وسلم" في الرجل يكثر الصلاة والصيام إنما يجازي على قدر عقله، وقال بعضهم العقل مدبر يدبر لصاحبه أمر دنياه وعقباه. بأول تدبيره الإشارة إلى المدبر الصائع ثم إلى معرفة النفس ثم يشير إلى صاحبه بالخضوع والطاعة لله والتسليم لأمره والموافقة له. وهذا معنى قولهم: العاقل من عقل عن الله أمره ونهيه.
وقال بعضهم: العقل حجة الله على جميع الخلق لأنه سبب التكليف أن صاحبه لا يستغنى عن التوفيق في كل وقت ونفس العقل بالتوفيق كان والعاقل محتاج في كل وقت إلى توفيق جديد تفضلًا من الله تعالى ولو لم يكن كذلك لكان العقلاء مستغنين عن الله بالعقل فيرتفع عنهم الخوف والرجاء ويصيرون آمنين من الخذلان وهذا تجاوز عن درجة العبودية وتعد عنها ومحال من الأمر. إذ ليس من الحكمة أن ينزل الله تعالى أحدًا غير منزلته. فإذا أغنى عبيده عن نفسه فقد أنزلهم غير منزلتهم وجاوز بهم حدودهم ولو كان هذا هكذا لاستوى الخلق والخالق في معنى من معاني الربوبية والله تعالى ليس كمثله شيء في جميع المعاني.
وقال بعضهم: العقل على ثلاثة أوجه: عقل مولود مطبوع وهو عقل بيني آدم الذي به فضل على أهل الأرض وهو محل التكليف والأمر والنهي وبه يكون التدبير والتمييز. والعقل الثاني هو عقل التأييد الذي يكون مع الإيمان معًا وهو عقل الأنبياء والصديقين. وذلك تفضل من الله تعالى
والعقل الثالث هو عقل التجارب والعبر وذلك ما يأخذه الناس بعضهم من بعض، ومن هذا قول من قال ملاقاة الناس تلقيح العقول.
وقال بعض أهل المعرفة: مقدار العقل في المعرفة كمقدار الإبرة عند ديباج أو خز فإنه لا يمكن لبس ديباج ولا خز إلا أن يخاط بالإبرة فإذا خيط ب الإبرة فلا حاجة بها إلى الإبرة كذلك تضبط المعرفة بالعقل، لا أن المعرفة تحصل من العقل أو تثبت فيه.
واعلم أن فصل ما بينتنا وبين المبتدعة هو مسألة العقل فإنهم أسسوا دينهم على المعقول وجعلوا الإتباع والمأثور تبعًا للمعقول. وأما أهل السنة قالوا: الأصل في الدين الأتباع والعقول تبع، ولو كان أساس الدين على المعقول لاستغنى الخلق عن الوحي وعن الأنبياء صلوات الله عليهم، ولبطل معنى الأمر والنهي، ولقال من شاء وما شاء. ولو كان الدين مبنى على المعقول، وجب ان يجوز للمؤمنين ان يقبلوا أشياء حتى يعقلوا. ونحن إذا تدبرنا عامة ما جاء في أمر الدين من ذكر صفات الله عز وجل وما تعبد الناس من اعتقاده، وكذلك ما ظهر بين المسلمين وتداولوه بينهم، ونقلوه عن سلفهم، إلى أن أسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ كر عذاب القبر وسؤال الملكين والحوض والميزان والصراط وصفات الجنة وصفات النار، وتخليد الفرقين فيهما، أمور لا تدرك حقائقها بعقولنا. وإنما ورد الأمر بقبولها والإيمان بها، فإذا سمعنا شيئًا من أمور الدين وعقلناه وفهمناه، فلله الحمد في ذلك والشكر ومنه التوفيق، وما لم يمكننا إدراكه وفهمه، ولم تبلغه عقولنا آمنات به وصدقنا واعتقدنا أن هذا من قبل ربوبيته وقدرته واكتفينا في ذلك بعلمه ومشيئته. وقال تعالى في مثل هذا {ويسألونك عن الروح قل