الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمسك بحبل الله واتبع الهدى
…
ولا تك بدعيًا لعك تفلح
ولذا بكتاب الله والسنن التي
…
أتت عن رسول الله تنجو وتربح
ودع عنتك آراء الرجال وقولهم
…
فقول رسول الله أزكى وأشرح
وأنشد أيضًا:
خذ ما أتاك به الأخبار من أثر
…
شبهًا بشبه وأمثالًا بأمثال
ولا تميلن يا هذا إلى بدع
…
تضل أصحابها بالقيل والقال
ثم قال:
فصل فيما روى عنهم من ذم الجدال والخصومات في الدين وما كرهوا من ذلك
وأورد فيه جملة من الأحاديث والآثار السابقة من ذم الكلام للهروي.
ومما لم يتقدم، أخرج عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون"، وأخرج عن العلي بن الحسين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من حسن إسلام المرء، تركه ما لا يعنيه". وعن الحسن البصري أنه كان ينهي عن الخصومة، ويقول إنما يخاصم الشاك في دينه، وعن ابن سيرين قال: إني لأدع المراء وإني لأعلمكم به. وقد جاء في تفسير قوله {فأما الذين في قلوبهم زيغ} يعني حب الجدل. وقال الأوزاعي: المنازعة والجدال في الدين محدث.
ثم قال: وعلم أنك متى تدبرت سيرة الصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح وجدتهم ينهون عن جدال أهل البدعة بأبلغ النهي، ولا يرون رد كلامهم، بدلائل العقل. وإنما كانوا إذا سمعوا بواحد من أهل البدعة، أظهروا التبري.
منه ونهوا الناس عن مجالسته ومحاورته والكلام معه؛ وربما نهوا عن النظر إليه وقد قالوا إذا رأيت مبتدعًا في طريق فخذ في طريق آخر.
ولقد ظهرت هذه الأهواء الأربع التي هي رأس الأهواء، أعني القدر والأرجاء، ورأي الحرورية والرافضة في آخر زمان الصحابة فكان إذا بلغهم أمرهم أمروا بما ذكرنا ولم يبلغنا عن أحد منهم أنه جادلهم بدلائل العقل، أو أمر بذلك، وقد كانوا إلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرب. وقد شاهدوا الوحي والتنزيل وعدلهم الله في القرآن وشهد لهم بالصدق وشهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخيرية في الدين وكانت طاعتهم أجل، وقلوبهم أسلم، وصدورهم أطهر، وعلمهم أوفر. وكانوا من الهوى والبدع أبعد. ولو كان طريق الرد على المبتدعة هو الكلام ودلائل العقل والجدال معهم لاستغلوا به وأمروا بذلك وندبوا إليه.
وإنما ظهرت المجادلات في الدين والخصومات بعد مضي قرن التابعين ومن يليهم، حين ظهر الكذب، وفشت شهادات الزور، وشاع الجهل، واندرس أمر السنة بعض الاندراس. واتى على الناس زمان حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده.
ولقد صدق إبراهيم النخعي حيث يقول: إن القوم ل م يؤخر عنهم شيء خبي لكم، لفضل عندكم، وإنما كان غايتهم التبري، وإظهار المجانبة، والأمر بالتباعد.
والمشهور عن ابن عمر أنه لما بلغه قول أهبل القدر قال أبلغوهم أني منهم برئ، ولو وجدت أعوانًا لجاهدتهم.
وقال ابن عباس: لو رأيت بعضهم لضربت رأسه.
واتى رجل علي بن أبي طالب، فقال. أخبرني عن القدر؟ قال طريق مظلم فلا تسلكه، قال أخبرني عن القدر؟ قال بحر عميق فلا تلجه. قال أخبرني عن القدر؟ قال سر الله فلا تكلفه، وعن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال يستتاب القدري، فإن تاب وإلا نفى من بلاد المسلمين.
وقال عمر بن عبد العزيز: ينبغي أن نتقدم إليهم فيما أحدثوا من القدر. فإن كفوا وغلا أستلت ألسنتهم من أقفيتهم استلالًا.
فهذا طريق القوم في أمر البدع واه لها قال رجل من أهل البدع لأيوب السختياني: يا أبا بكر أسألك عن كلمة، فولى وهو يقول ولا نصف كلمة.
وقال ابن طاووس لابن له - وتكلم رجل من أهل البدع - يا بني أدخل أصبعيك في أذنيك، ثم قال اشدد، وقال عمر بن عبد العزيز. من جعل دينه غرضًا للخصومات، أكثر التنقل. وقال رجل للحكم بن عتيبة. ما حمل أهل الأهواء على هواهم؟ قال الخصومات. وقال معاوية بن قرة. وكان أبوه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم "إياكم وهذه الخصومات فإنها تحبط الأعمال" وقال أبو قلابة وكان قد أدرك غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا تجالسوا أصحاب الأهواء، أو قال أصحاب الخصومات، ولا تكلموهم فغني لا آمن يغمسوكم في ضلالتهم أو يل يلبسوا عليكم بعض ما تعرفون.
ودخل رجلان من أصحاب الأهواء على محمد بن سيرين، فقالا. يا أبا بكر نحدثك بحديث؟ قال لا. قالا نقرا عليك آية من كتاب الله؟ قال لا، لتقومان أو لأقومن. وكانوا يقولون إن القلب ضعيف، وإنا نخاف إن استمعت منهم شيئًا أن يمل قلبك إلى قولهم.
وقال إسحق بين إبراهيم الحنظلي: اعلموا أن أتباع الكتاب والسنة - أسلم، والخوض في أمر الدين بالمنازعة والرد حرام. والاجتناب سلامة. وأر جو أن يجوز القياس على الأصل الثابت من العالم الفطن المتيقظ ولا تكاد تجد شيًا من تأويل الكتاب مخالفًا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، إذا صحت الرواية وعامة تاركي العلم والسنة وأصحاب الأهواء والرأي والمقاييس لثقل السنة عليهم ولا أعرف حديثين يخالف أحدهما الآخر، ولكل ما روي من الأحاديث المختلفة معان يعلمها أهل العلم بها.
فهذا الذي نقلناه طريقة السلف وما كانوا عليه.
واعلم أن الأئمة الماضين وأولى العلم من المتقدمين لم يتركوا هذا النمط منم الكلام وهذا النوع من النظر عجزا عنه، ولا انقطاعًا دونه. وقد كانوا ذوي عقول وافرة وأفهام ثاقبة. وقد كانت هذه الفتن قد وقعت في زمانهم، وظهرت، وإنما تركوا هذه الطريقة، وأضربوا عنها لما تخوفوه من فتنتها وعلموه من سوء عاقبتها وسئ مغبتها، وقد كانوا على بينة من أمورهم وعلى بصيرة من دينهم، لما هداهم الله بنوره، وشرح صدورهم بضياء معرفته، فرأوا أن فيما عندهم من علم الكتاب وحكمته، وتوقيف السنة وبيانها غناء. ومندوحة عما سواها، وان الحجة قد وقعت وتمت بهما، وأن العلة والشبهة قد أزيحت بمكانهما.
فلما تأخر الزمان بأهله وفترت عزائمهم في طلب حقائق علوم الكتاب والسنة، وقلت عنايتهم بها، واعترضهم الملحدون بشبههم، والطاعنون في الدين بجدلهم، حسبوا أنهم لم يردوهم عن أنفسهم بها النمط من الكلام ودلائل العقل، لم يقووا عليهم، ولمي ظهروا في الحجاج عليهم، فكان ذلك ضلة من الرأي، وخدعة من الشيطان. فلو سلكوا سبيل القصد، ووقفوا
عندما انتهى بهم التوقيف لوجدوا برد اليقين، وروح القلوب ولكثرت البركة، وتضاعف النماء، وانشرحت الصدور؛ وأضاءت فيها مصابيح النور.
وإنما وقعوا فيما وقعوا فيه عند أهل الحق بعد ما تدبروا. وظهر لهم بتوفيق الله سبب ذلك، وهو أن الشيطان صار اليوم بلطيف حيلته يسول لكل من أحس من نفسه زيادة فهم، وفضل ذكاء وذهن يوهمه أنه إن رضى في عمله ومذهبه بظاهر من السنة. واقتصر على واضح بيان منها، كان أسوة العامة، وعد واحدًا من الجمهور والكافة. وأنه قد ضل فهمه، واضمحل عقله وذهنه، فحركهم بذلك على التنطع في النظر والتبدع لمخالفة السنة والأثر، ليمتازوا بذلك عن طبقة الدهماء، وبتبينوا في الرتبة عمن يرونه دونهم في الفهم والذكاء. فاختدعهم بهذه المقدمة حتى استزلهم عن واضح المحجة، وأورطهم في شبهات تعلقوا بزخارفها، وتاهوا عن حقائقها، ولم يخلصوا منها إلى شفاه نفس ولا قبلوه بيقين علم. ولما رأوا كتاب الله ينطق بخلاف ما انتحلوه، ويشهد عليهم بباطل ما اعتقدوه، ضربوا بعض آياته ببعض، وتأولوها على ما يسنح لهم في عقولهم. واستوى عندهم على ما وضعوه من أصولهم. ونصبوا العداوة لأخبار رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ولسنته المأثورة عنه، وردوها على وجوهها. وأساؤا في نقلتها القالة ووجهوا عليهم الظنون، ورموهم بالتزيد، ونسبوهم إلى ضعف المنة، وسوء المعرفة بمعاني ما يرونه من الحديث: ولو أنهم أحسنوا الظن بسلفهم وآثروا متابعتهم. وسلموا حيث سلموا، وطلبوا المعاني حيث طلبوا، واجتهدوا في رد الهوى وخداع الشيطان لانشرحت صدورهم، وظهر لهم